كيف يمكن أن ننظر إلى البيئة التي تحيط بنا نظرة شاملة?
انحصر الاهتمام بالبيئة, ولمدة طويلة بالبيئة الطبيعية, التي تتأثر بالنشاطات الصناعية لاسيما الكيماوية والمعدنية, ثم بالنفايات وبشكل أخص الإشعاعية, غير أن الاهتمام بالبيئة وفي نظرة شمولية تتناول تفاصيل اقتصادية واجتماعية وسياسية, بجانب التفاصيل الصحية لم يتداول في الأدبيات العلمية, ولم يحظ الاقتصاد في مشكلاته النظرية والتطبيقية على السواء باهتمام جاد, كمؤثر بيئي بالنسبة للمشكلات المتولدة عن التطور المادي التكنولوجي. كما أن الاقتصاد نفسه لم يحاول أن يخوض بتعمق في الأبعاد البيئية الشاملة, بما فيها الاقتصادية لبيان تأثيراتها على المشكلة الاقتصادية ويمكن أن نلاحظ هذه الحقائق من خلال متابعة الدراسات والمؤتمرات والمؤلفات المنشورة خلال العقود الماضية الأخيرة. ولا يمكن إنكار وجود بعض المحاولات الجادة التي تناولت جزئيا العلاقات ذات الاتجاه الواحد للبيئة بالنسبة لبعض المشكلات الاقتصادية, لا سيما بعض مؤشرات الناتج المحلي الإجمالي وتكوين رأس المال والعلاقات الاقتصادية الدولية وهيكل القوى العاملة والاقتصاد الموقعي والإقليمي وبعض المؤشرات التي يتناولها علم الاجتماع, لا سيما بالنسبة لسلوك الجماعة والصراع الطبقي وحركة المجموعات السكانية ومؤشرات معينة في العلوم السياسية ولاسيما بالنسبة لدور الحكومة في النشاط الاقتصادي, والنخبة وتأثيراتها في النظام الاقتصادي وكذلك بعض المؤشرات أو بعض المحددات الإدارية والمحاسبية, لاسيما بالنسبة لربحية المنشآت في التقويم ـ دراسات الجدوى ـ أو في التقييم ـ كفاءة الأداء ـ وهيكل العاملين, ونقطة التعادل والمؤثر الزمني وكلفة الوحدة والموازنات المالية (الضريبية وغير الضريبية) في الإيرادات والنفقات الاعتيادية والاستثمارية ضمن النفقات العامة, كل ذلك إضافة إلى بعض المؤشرات الطبيعية, لاسيما تلك المتعلقة بالاحتياطات الموردية المعدنية والزراعية.
المؤشرات الاقتصادية للبيئة
إن كل هذه المحاولات جرت بشكل جزئي من خلال التركيز على موضوع أو موضوعات محدودة بالذات وغالبا ما تتحقق في ظل التأثيرات الخاصة لبعض المؤشرات الاقتصادية أو ما تحقق من بيان تأثيرات النشاطات الاقتصادية الصناعية بشكل خاص على البيئة الصحية وقد أخذت المشكلة الأخيرة الحيز الأكبر في اهتمامات الباحثين ولاسيما في العلوم الطبيعية وكذلك في العلوم الهندسية, وفعلا خرجت كليات ومعاهد ومراكز وطنية وإقليمية ودولية بأقسام أو بمناهج دراسية متخصصة في هندسة البيئة وحمايتها وتطويرها ولكن كل ذلك بالنسبة لعناصر الطبيعة (الصلبة والسائلة والغازية) ودون الاهتمام بالجانب المعاكس في توضيح أو تحديد التأثيرات الارتدادية (feed back) المتولدة من التغييرات البيئية السابقة في المؤشرات الاقتصادية.
لقد عقدت مؤتمرات عديدة بشأن البيئة, خاصة منذ مؤتمر ستوكهولم عام 1970 وحتى الوقت الحاضر, وقد حظيت هذه المؤتمرات باهتمامات دولية كبيرة وعلى الأخص مؤتمر قمة الأرض (earth summit) في ريودي جانيرو عام 1995 وقد توجت الجهود الخاصة بحماية البيئة بما قدمته منظمة المواصفات والمقاييس الدولية (ISO) في نظام متكامل لإدارة البيئة يعرف بـ (ISO 14000) والذي استكمل عام 1999 من (14000) إلى (14050) غير أن الاهتمام بالمشكلة الاقتصادية لم يبرز إلا من خلال التنمية المستديمة, وفي نظرة اقتصادية كلية (macro), وذلك لتوجيه الأنظار نحو مشكلتين تتعلق إحداهما بالتلوث والتي لابد من تلافيها أو تقليلها, والأخرى مشكلة استنزاف الموارد القابلة للنضوب, والتي لابد من الحرص الشديد في التعامل معها بغية الحفاظ على الاحتياطات الموردية للأجيال القادمة. وقد اندفع الاهتمام بالتنمية المستديمة إلى البحث عن أحد الاختيارات, إما من خلال وضع الفواصل الزمنية بين المناهج الاستثمارية بغية تجاوز ظواهر التلوث المتولدة عن التنمية, أو أن تتزامن النشاطات الاستثمارية مع إدارة البيئة بحيث تستمر جهود تنقية البيئة مع التنمية الاقتصادية. وهكذا يصعب العثور على دراسات شاملة وعلمية تختص بعلاقة المؤشرات الاقتصادية وعناصر البيئة الاقتصادية وغير الاقتصادية بالنشاط الصناعي.