مختارات من:

الجواهري (1899-1997)

المحرر

شاعر العواطف الجياشة والغضب العارم

عندما مات في السابع والعشرين من يوليو عام 1997, رثاه شاعر كبير آخر هو عبدالوهاب البياتي قائلا:

شعرك كان الزاد والماء في
عراقنا الطاعن في الحبس

لم يكن محمد مهدي الجواهري شاعرا رقيقا ولا متأنقا, ولكن كانت تمور في نفسه عواطف جياشة تجعل قصائده دوما غاضبة, هذا الذي آمن بكل الثورات, وخانته كل الثورات, وبنى من الحلم عالما عريضا وثريا, وكان يستيقظ كل صباح ليرى دعائمه وقد انهارت, كان شاعر التناقضات الكبرى, نصبه البعض أميرا للشعر العربي, ونقده البعض بأن شعره يمتلئ بالعجيج والصخب, عاش شاعرنا حياة متدفقة قاربت المائة عام, وجمع في راحة اليد الواحدة ما بين الماء والنار, كما كان يقول عن نفسه, ولد في مدينة النجف الأشرف في العراق في عام 1899, وكان مقدرا له أن يكون شيخا معمما وفقيها من فقهاء الدين, ولكن بركان الشعر الغاضب في داخله اقتلعه من هذه المدينة الساكنة, فثار على فقره, وعلى التقاليد التي تكبله, ونذر حياته وكلماته لقضايا الشعب, حصل على الجنسية العراقية بعد أن كان يحمل الجنسية العثمانية, أتاح له هذا الأمر أن يشتغل معلما في المدارس الابتدائية, لكن الوظيفة لم تدم طويلا, استقال منها ليصدر جريدة الفرات, وهو الاسم نفسه الذي أطلقه على أول مولود له, وكانت (أبو فرات) هي كنيته المفضلة, كان شاعرا غزيرا, لم يترك مناسبة وطنية أو قومية إلا ولاحقها بقصائده, ولم يترك غرضا من الشعر إلا وطرقه - رغم رأيه السيئ في الغزل - أعانه قاموسه الشعري الغني, ومفرداته الحاشدة. وذاكرته الحافظة للشعر التقليدي العربي, رغم محاولاته الدائمة للثورة والتمرد, وكعادة كل شعراء العراق الكبار لم يهنأ له عيش في موطنه, ولكنه اضطر للمغادرة أكثر من مرة, هاجر أولا إلى براغ حيث قضى فيها سبع سنوا, وعاد إلى بغداد بعد ذلك في محاولة منه للمواءمة مع نظامها الحاكم, ولكنه لم يستطع فاضطر للعودة للمنفى مرة أخرى, حيث قضى في صوفيا سنوات طويلة, وغادرها إلى دمشق التي قضى فيها أواخر أيامه حتى وافته المنية.

إن (العربي) تقدم هذا المحور في ذكرى وفاة الشاعر, من خلال قراءتين جديدتين تلمس كل واحد منهما جانبا مختلفا لعالمه الشعري, وهي لا تحاول إعادة تقييم هذا الشاعر بقدر ما تدعو إلى رؤية نقدية مغايرة للمألوف.

المحرر مجلة العربي يونيو 2003

تقييم المقال: 1 ... 10

info@3rbi.info 2016