مختارات من:

إلى أن نلتقي كمال الصليبي

كمال حمدان

الدولة الأكذوبة


لو تأملنا ظاهرة الدولة العبرية من البداية إلى اليوم, وحلّلناها تحليلاً موضوعيًا, لوصلنا إلى اقتناع بأن إسرائيل كذبة كبيرة, وبأن هذه الكذبة لا يمكن أن تستمر إلى ما لا نهاية.

ثمة دولة مجوّفة من الداخل وغير قابلة للحياة إلا بالعلاجات اليومية, ومن الصعب - بالطبع - رسم سيناريو دقيق لنهاية آتية بلا ريب, وبخاصة إذا استمرت سياسة الغطرسة واحتقار الآخر. انتهت الإمبراطورية الألمانية, وانتهى الاتحاد السوفييتي منذ وقت قريب, وستنتهي الدولة العبرية بصيغتها الحالية حتمًا. لا يمكن للإسرائيليين أن يعيشوا إلى الأبد في مثل ظروفهم الحالية. فلابد أن يأتي يوم يشعرون فيه بالحاجة إلى الهجرة من جديد. ففي إسرائيل حوالي مليون نسمة قدموا من روسيا على سبيل الهجرة, أو كمحطة عبور نحو الغرب لاحقًا, واللافت أن الأكثرية الساحقة من هؤلاء لا تدين باليهودية, بل بالمسيحية. وبينهم مسلمون ولادينيون, والأقلية بينهم يهود.

وهناك سكان المستوطنات وأكثرهم قدموا من الولايات المتحدة, حيث الحياة هناك أفضل وأضمن من إسرائيل. ولكنهم قدموا إليها عن تصوّر منهم بأنهم أحفاد الملك داود, وقد هرعوا ليصرعوا جوليات الجبار الذي يمثل الفلسطينيين, أو ليحاربوا بني عمون أو بني مؤاب. وهنا ذروة النفسية المريضة التي لا يصعب على الباحث اكتشافها, وبخاصة لدى المستوطنين والمتطرفين الدينيين.

وهناك بالإضافة إلى ذلك هذه الفسيفساء من أقوام وجماعات بلا حصر, أتت من كل مكان تحت الأرض, لتحتل أرضًا لا حق لها فيها ولا مستقبل, وتعاونت ظروف دولية وإقليمية معروفة على نشوء هذه الدولة الغريبة التي لا أجد من وصف دقيق لها سوى (الدولة الكذبة) أو الدولة المصطنعة, التي - بوضعها الحالي - لا يمكن أبدًا أن تستمر.

لا تخلو إسرائيل من عقلاء يعرفون هذا الذي نقوله, ولكن هؤلاء العقلاء الذين يتمثلون بجماعة (السلام الآن), وسواها أيضا, لا يمثلون سوى أقلية غير مسموعة الكلمة. فالكلمة هي لأولئك الأشرار الذين تلقوا تعاليم غير صحيحة, وتمكنوا مع الوقت من السيطرة على مواقع القرار. ولكن إلى أي وقت سيظل هؤلاء يسيطرون? إنني لا أدري, ولكني لا أرى في الوقت الراهن أفقًا للسلام.

ولكن هذا الأفق يمكن أن يلوح إذا تصالحت إسرائيل مع نفسها, مع الفلسطينيين الذين سلبتهم مدنهم وقراهم وأرضهم, بإمكانها أن تقول لهؤلاء: لقد ظلمناكم, ولكن تعالوا لنتفاهم. هكذا إسرائيل, وكدولة عادية, بإمكانها أن تعيش, أما إسرائيل الحالية, المتغطرسة, وكما نشاهدها الآن, فليس لها مستقبل في منطقتنا.

بإمكان إسرائيل أن تقوم بتسوية تاريخية مع الفلسطينيين والعرب وعلى أساس أن أجيالاً قدمت من الخارج, وولدت فيها أجيال جديدة, وأن لهؤلاء حق الوجود في كيان معقول ومقبول. وعلى أساس وجود دولتين في أرض فلسطين التاريخية تتعايشان جنبًا إلى جنب, وتتبادلان المصالح والمنافع. مثل هذا التفكير, لا أعتقد أن الفلسطينيين ومعهم العرب, في المدى القريب يرفضونه, لقد كان تاريخ العرب هو تاريخ السماحة مع الأقليات القومية والدينية, ومع اليهود بالذات. وفي أوقات كثيرة, قال علماء يهود إن المسلمين هم الوحيدون الذين مكّنوا اليهود عبر التاريخ من الحياة الآمنة والعطاء الفكري الخصب. مثل هذا التفكير قابل لأن يتحول إلى فعل, إذا قبل الإسرائيليون, وإذا تحولت إسرائيل إلى دولة عادية, ولكن ما حيلتنا واليهود غير مقتنعين إلا بدولة عسكرية ومحاربة ومحتلة لأراضي الغير?!

كمال حمدان مجلة العربي اكتوبر 2004

تقييم المقال: 1 ... 10

info@3rbi.info 2016