خصوصية الاستشراق الروسي في منعطفات حادة
أخذ الاستشراق الروسي, منذ بداياته مسارات مختلفة عن الاستشراق الغربي, مع أنه كان على علاقة متينة مع المستشرقين الناطقين باللغة الألمانية, ومنذ تأسيس مدرسة الاستشراق الروسية, في أوائل القرن التاسع عشر, نشطت حركة التأليف والترجمة والتأثر والتأثير بين الثقافتين الروسية والعربية.
وكان لوفرة المخطوطات العربية, وبينها ما هو نادر, في دور الكتب الروسية, أثر واضح على التواصل بين هاتين الثقافتين, إضافة إلى ظهور أول مطبعة متطورة بالحروف العربية منذ عام 1724, في عهد القيصر بطرس الأول (أو بطرس الأكبر).
ومرت حركة الاستشراق الروسي بمنعطفات حادة, ولكنها ظلت تحمل خصوصية واضحة, حتى اليوم, كما يقول د. ديمتري ميكوليسكي أحد أبرز الباحثين الروس في الثقافة العربية, وهو أستاذ في معهد الاستشراق التطبيقي وباحث في معهد الدراسات الشرقية في أكاديمية العلوم الروسية, وله دراسات خاصة في التراث العربي, بدأها بدراسة بنية كتاب المسعودي (مروج الذهب) وأفرد للمسعودي كتاباً بالروسية بعنوان (هيرودوت العرب), كما ترجم إلى الروسية بعض الأعمال المختارة من الأدب العربي الحديث, منها: (رجال تحت الشمس) لغسان كنفاني, (عباد الشمس) لسحر خليفة, (المتشائل) لإميل حبيبي, (حدّث أبو هريرة.. قال) لمحمود المسعدي.
يتابع د. ميكوليسكي النشاطات الثقافية العربية عن قرب, وفي زيارته الأخيرة إلى دمشق حاوره الشاعر والناقد السوري بندر عبد الحميد في جلستين منزليتين طويلتين, عن الثقافتين العربية والروسية, أمس واليوم, وتحولاتهما الساخنة, وكان ما يثير الانتباه في الحوار مع د. ميكوليسكي إمكاناته العالية في استخدام اللغة العربية, وقبوله للرأي الآخر, وتفاؤله بإمكان تأصيل الثقافة الجديدة, العربية والروسية, دون خوف من الأمواج الطارئة من العنف والتعصب والسطحية.
كان للمستشرقين الروس دور كبير في دراسة التراث العربي وتحليله ونشره وتوصيله, فما هي الملامح المميزة لهذا الدور?..
- كانت الريادة في الاستشراق للغربيين, وكان بعضهم يزور روسيا للبحث عن مصادر المعلومات والمخطوطات النادرة التي تخص بحوثهم.
وكان المستشرقون الروس يعتمدون على الدراسات التي قدمها المستشرق النمساوي الفريد فون كريمر, وهو أول من رسم صورة واضحة للتاريخ العربي في كتابه (تاريخ الشرق في زمن الخلفاء) وفيه دراسة الجوانب الاجتماعية والمالية عند العرب, وكان يشغل منصب قنصل الإمبراطورية النمساوية في حلب, وكتب عن العادات الشعبية ودرس اللهجة العامية, قبل أن ينتقل إلى الإسكندرية, ليكتب عن مصر, بأسلوب مشوق, ثم يترجم إلى الألمانية الملحمة الشعبية (الزير سالم).
تأثيرات مبكرة
متى بدأت اهتمامات الباحثين الروس بالثقافة العربية?
- هناك رحلات قديمة معروفة ومجهولة قام بها التجار والرحالة الروس إلى الشرق العربي, لكن اهتمامات الروس بالثقافة العربية برزت في عهد القيصر بطرس الأكبر, وظهرت بعده في عام 1796 ترجمة (ألف ليلة وليلة) من اللغة الفرنسية إلى الروسية, ووجدت لها صدى واسعاً بين الكتاب والقراء الروس الذين يتميزون بولع خاص بالحكايات الشعبية, وتشكلت مدرسة الاستشراق الروسية في أوائل القرن التاسع عشر, وتزايد الاهتمام بترجمة نصوص مختارة من الأدب العربي, وتحولت الجهود الفردية إلى عمل مؤسسي متكامل, يحظى بدعم رسمي ويستفيد من وفرة المخطوطات العربية النادرة, في بيتربورغ وموسكو وعواصم الشعوب الشرقية التي ضمت إلى الاتحاد السوفييتي في ما بعد, إضافة إلى جهود الباحثين الغربيين والشرقيين الذين يجيدون اللغة العربية, وبعض الباحثين العرب.
تجاوزت اهتمامات الأدباء والفنانين الروس بالتراث العربي حدود الاستقبال والانتشار إلى التأثر, فما هو الشكل الذي أخذه هذا التأثر?
- كان أهم المتأثرين في البداية الشاعر الروسي الشهير الكسندر بوشكين الذي نشر مجموعة من القصائد تحت عنوان (من وحي القرآن), ثم ظهرت قصيدة بعنوان (امرؤ القيس) للشاعر والأديب الروسي ايفان بونين وقدم الموسيقي الروسي الشهير ريمسكي كورساكوف سيمفونيتين ملحميتين, هما من أهم أعماله, الأولى هي (عنترة) والثانية هي (شهرزاد), وقد أصبحتا من روائع التراث الموسيقي الروسي والعالمي.
ترجمة التراث العربي
وما المسار الذي أخذته حركة ترجمة الأعمال الأدبية العربية إلى اللغة الروسية?
- في البدايات كانت حركة الترجمة تتجه إلى نقل مختارات من الأدب العربي القديم, فصدرت ترجمة (كليلة ودمنة) عام 1889, وفي عشرينيات القرن العشرين صدر كتاب (البخلاء) للجاحظ, بترجمة البروفسور بارانوف, وهو الذي أنجز أكبر وأفضل قاموس عربي - روسي, كما صدرت ترجمة كتاب (الاعتبار) للأمير الفارس الشاعر أسامة بن منقذ.
وشهد النصف الثاني من القرن العشرين ترجمة أعمال عدد كبير من الأدباء العرب المعاصرين من شتى الأقطار العربية, من أجيال متفاوتة.
ربما يعاني الباحث الأجنبي صعوبات خاصة في قراءة المخطوطات العربية القديمة, حسب تدرجات الوضوح والغموض في أساليب الكتابة ونوعية الخطوط اليدوية, فكيف واجهت هذه الصعوبات?
- في الأكاديميات العريقة هناك خبراء من جنسيات مختلفة, في قراءة المخطوطات والنصوص القديمة, وأنا تعلمت قراءة النصوص العربية القديمة على يد أستاذ إسباني زائر, في أكاديمية العلوم الروسية, هو (الكاين سانشيز), ابن الرسام الإسباني البرتو سانشيز, وعندما كنت طالباً في قسم اللغة العربية كان الأستاذ مكسيم كيكتييف يقرأ لنا النصوص العربية الأصلية من كتاب (مروج الذهب), وغيره, وكانت تلك بداية اهتماماتي بالمسعودي وكتاباته, حيث حصلت على نسخة من (مروج الذهب) وكانت أطروحاتي العلمية تتجه إلى تحليل بنية (مروج الذهب) ونثر المسعودي, والمخطوطات العربية للمؤرخين العرب, الذين ينتمون إلى القرنين التاسع والعاشر للميلاد.
كيف ترى خصوصية المسعودي بين المؤرخين العرب, حيث إن دراساتك تركزت حوله, وأصدرت عنه كتاباً بعنوان (المسعودي هيرودوت العرب)?
- يحرص المسعودي على توصيف الأحوال الاجتماعية والنفسية والعقلية للعرب والشعوب الأخرى في عصره, وكثير من تلك التوصيفات لا تزال صالحة في عصرنا.
كما أنه جمع بين أسلوب المؤرخ وأسلوب الأديب, فهو من أوائل الذين استخدموا القصة والحكاية والإحصاء في السرد التاريخي, فحينما يتناول شخصية أحد الخلفاء يذكر بالتفصيل أهم الأحداث السياسية والعسكرية, ويذكر علاقات النسب والمصاهرة وأهم الحكايات والنوادر التي جرت معه, وبعض تلك الحكايات والنوادر وردت في (ألف ليلة وليلة), واعتمد المسعودي على استخدام الجداول البيانية والإحصائية التي تدعم الوجه العلمي لكتاباته.
وتتميز نصوص المسعودي بأنها منتظمة منطقياً إلى جانب فسحة الخيال الإبداعي, وتعطيها المزاوجة بين الجد والمرح قوة لإعطاء القارئ متعة خاصة إلى جانب قيمتها العلمية, وهذا ما يجعل المسعودي رائداً في النثر الأدبي العربي.
الخيارات العربية الصعبة
من خلال عملك كباحث في الثقافة العربية, يعرف جذورها وامتداداتها, ويمكن أن ينظر إليها من زاوية خارجية, غير محكومة بمواقف مسبقة, كيف ترى التحولات المختلفة التي مرت بها هذه الثقافة, صعوداً وهبوطاً?
- استوعبت الثقافة العربية, في مرحلة ما, كثيراً من ثقافات الشعوب الأخرى, أخذت منها وأعطتها, فالعرب على سبيل المثال, طوروا ونقلوا أنظمة تقنيات حضارية مبكرة, مثل نظام المحاسبة وأنظمة الري والمستودعات, واستخرجوا الكحول الطبي, ولا مجال لذكر كل إنجازاتهم, ولكن الحياة العربية عايشت الركود منذ بدايات الحكم العثماني, وتوقفت حركة صعود المجتمع الرأسمالي العربي والإسلامي في العصر العباسي.
وبدأت في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين بواكير تحولات واضحة في الثقافة العربية, تحمل هويتها الخاصة إلى جانب ملامحها الإنسانية, كما برزت بعد ذلك تيارات أصولية بعيدة عن الثقافة الدنيوية المعاصرة, وهي تيارات آخروية متزمتة, ذات طابع ترهيبي, ولكنني لا أرى لها مستقبلاً واضحاً, على الرغم من نفوذها في صفوف الأميين في المجتمع العربي.
وتبدو الصورة الراهنة على الشكل التالي: يستطيع المثقفون العرب أن يندمجوا في حركة الفكر المعاصر, دون أن يفقدوا هويتهم, كما يستطيع العرب أن يستوعبوا التكنولوجيا, ولكنهم مترددون, وهنا تبرز خياراتهم الصعبة.
في ما يمكن أن نسميه عودة إلى الجذور أضيفت إلى مهماتك العلمية مراجعة وتحديث الترجمة المبكرة, التي أشرف عليها نيكولاي مدنيكوف, لكتاب (تاريخ الشعوب الإسلامية) لأوجست مويلر الذي صدر بالروسية في نهاية القرن التاسع عشر, وهو من أهم الدراسات الألمانية, التي شكلت عنواناً بارزاً في أدبيات الاستشراق المقارن, فما أهمية العودة إلى إعادة النظر في مثل هذا العمل?
- صدرت تلك الترجمة التي أشرف عليها مدنيكوف في أربعة مجلدات كبيرة في عامي 95 - 1896, ودخلت في نسيج الاستشراق الروسي, كما هو حال الأعمال الأخرى التي أنجزها مدنيكوف, وهو أستاذ المستعرب الكبير أغناطيوس كراتشكوفسكي, كما أنه كان رائداً في دراسة علوم اللغة العربية, حيث أنجز جداول لأوزان الأفعال, ونشر مجلدين في دراسة الأصول التاريخية لعرب فلسطين منذ الفتح الإسلامي إلى نهاية القرن العاشر الميلادي, وحينما توفي عام 1918 كتب عنه كراتشكوفسكي يقول: توفي الخبير الوحيد - وربما هو الأخير - في الآداب العربية.
وينحصر شغلي على النص الروسي لكتاب أوجست مويلر (تاريخ الشعوب الإسلامية) في تأصيل جذوره وتجديده وترميمه, وقد صدر الجزء الأول من هذا العمل وستصدر الأجزاء الثلاثة الأخرى تباعاً.
الاستشراق الفني الروسي
لم يكن الاستشراق الغربي مقتصراً على الباحثين والكتاب فهناك عدد كبير من الفنانين الغربيين, من أجيال مختلفة, رسموا لوحات مثيرة عن الشرق الواقعي والشرق الخيالي, وأتصور أن للفنانين الروس تجربة مختلفة, في استلهام المشاهد الشرقية, في لوحاتهم, فما خصوصية هذه التجربة?
- ارتبطت أكثر أعمال الفنانين الغربيين بفكرة (الإغواء الشرقي), وأضيفت إليها مبالغات مثيرة عن أسواق الجواري والعبيد والسجاد والحمامات وسحر الحياة في المدن الشرقية والواحات والصحارى, وهي أفكار للتسويق مدعومة من الشركات التجارية وشركات النقل والمعارض الدولية التي بدأت في العواصم الأوربية مع بداية النصف الثاني من القرن التاسع عشر, وانتقلت بعد ذلك إلى الولايات المتحدة وغيرها.
بينما اقتصرت أعمال الفنانين الروس على رسم مشاهد من الطبيعة والأسواق والمواقع الأثرية, ونماذج من وجوه الناس وأزيائهم, فكانت أعمالهم واقعية مصحوبة بلمسة رومانسية, وهذا ما نراه في أعمال أوائل الفنانين الروس منذ بدايات القرن التاسع عشر, مثل مكسيم فارابيوف الذي رسم لوحات عن القدس وكنيسة القيامة والبحر الميت, ويمكن أن نذكر أن الأخوين شيرنتسوف رسما في رحلتهما العربية أكثر من خمسمائة لوحة, وتأخذ رحلات الفنانين الروس طابع السياحة الثقافية والدينية, كما نراها في أعمال أورلوفسكي وساروكين والأخوين ماكوفسكي وبالينوف, حيث تحمل أعمالهم قيمة فنية وتوثيقية عن الحياة في البلاد العربية في نحو مائة عام, تمتد إلى أوائل القرن العشرين. ويمكن أن نجد مزيداً من التفاصيل في كتاب (تاريخ الاستشراق الروسي) الذي صدر عام 1950 لعميد الاستشراق كراتشكوفسكي.
خصوصية الأدب الروسي
كان للأدب الروسي في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين تأثيرات واسعة على تيارات الأدب العالمي, ما العناصر الخاصة التي أعطته قوة التأثير في الآداب الأجنبية عموماً?..
- يحمل الأدب الروسي ميزات خاصة, أهمها التعبير عن العمق النفسي الفريد, وهذا ما كان يهم الفرنسيين في القرن التاسع عشر, فهم إلى جانب اهتماماتهم بأعمال بلزاك وفلوبير أعجبوا بأدب تولستوي, ثم تورغنيف الذي عاش فترة في فرنسا, وعاشر فلوبير وسارة برنار, وغيرهما.
ويتميز الكتاب الكلاسيكيون الروس بالمهارة في البناء السردي وفن القص, وهذا ما يمتع القارئ عموماً, ويحرص هؤلاء الكتاب على الالتزام الفكري والفني, حيث إن النطاق الاجتماعي الذي يغطيه الأدب الروسي, بأطيافه المتعددة, أوسع مما ينطوي عليه الأدب الغربي عموماً, وهذا ما نجده عند تشيخوف وتورغنيف وجوجول وبوشكين وتولستوي وغوركي, فهم لم يكونوا يكتبون من وراء الستار, كما أنهم بعيدون عن الشعارات التي طرحت عناوين: الأدب الصافي, الجمال للجمال, الفن للفن.
كيف تغير المشهد بعد جيل الكلاسيكيين الروس الكبار?
- قبيل الثورة وبعدها اتجه الأدب الروسي إلى الالتزام السياسي المباشر, وفرض على نفسه السير في ممرات ضيقة.
> ولكن هذا الاتجاه أيضاً كان له تأثيرات واسعة في تيارات الآداب العالمية المسيسة, ولو في شكل محدود, ولكنه واضح..?
- كان الالتزام السياسي المباشر يلبي المتطلبات الفكرية والعقائدية لليسار العالمي, ومنه اليسار العربي, فمع أن كثيراً من الأعمال الأدبية السوفييتية انطفأت بعد صعودها السريع, ولم تعد مرغوبة لدى القارئ الروسي, فإنها ظلت حاضرة لدى عينة من القراء الأجانب والعرب, وهذا يعود إلى أن القراء غير الروس كانوا يستقبلون هذه الأعمال من بعيد, ولا يعرفون كيف تتفاعل الحياة الثقافية الروسية في العمق, ولهذا لم أستغرب حينما وجدت رواية (الأم) لجوركي لاتزال تباع في الأردن, مثلاً..
الفن الروسي والسياسة
كان الفن الروسي قبل ثورة أكتوبر يحمل بذوراً للفن الحديث, من خلال تجارب المستقبليين الروس, التي انفتحت على أفكار وتيارات جديدة, بأسماء متعددة, رفدت تجارب الفنانين الغربيين في ألمانيا وفرنسا, ووصلت إلى الولايات المتحدة, ومنهم كازمير مالفيتش, وليسيتسكي, وكاندنسكي وفلينوف وتاتلين ورودشنكو, فما موقع هؤلاء الفنانين الرواد في الثقافة الروسية اليوم?
- عاش هؤلاء الفنانون تجربة قاسية, فهم لم يجدوا لهم مكاناً مناسباً في روسيا القيصرية, مع أنهم كانوا بعيدين عن السياسة, وفي بدايات ثورة 1917 توهم هؤلاء الفنانون أن هذه الثورة, من خلال مبادئها وشعاراتها البراقة, ستحقق أحلامهم, وانطلقوا يرسمون الشعارات والإعلانات الدعائية للثورة على المواد المختلفة, كالقماش والورق والخزف الصيني إلى جانب الأفلام السينمائية.
ومن بين المواد التي استخدموها لكتابة الشعارات المخزون القيصري من الأواني الخزفية التي تحمل الشعارات القيصرية, وكانوا يكتبون الشعارات الثورية بأكثر عدد ممكن من اللغات الحية, ومن بينها العربية, وطلبوا من أحد المترجمين العرب أن يكتب لهم شعار (يا بروليتاريا العالم اتحدوا) فسألهم عن معنى البروليتاريا, وكتب الشعار بالعربية على النحو التالي: يا صعاليك العالم اتحدوا. إلى جانب شعارات أخرى, مثل: هل ستنضم إلى الجيش الأحمر?.. وإلى جانب الشعارات السياسية هناك شعارات تربوية وصحية وزراعية وعسكرية.
وكانت بعض الشعارات مأخوذة من قصائد لبعض الشعراء الذين تحمسوا للثورة في بدايتها وانتهى بهم الأمر إلى الانتحار, مثل سيرجي يسينين وماياكوفسكي, بينما عانى كتاب آخرون السجن أو الهجرة أو الخوف الدائم, أو الإعدام, مثل بلجاكوف وايرنبورج وميرخولد.. وايزنشتين وباسترناك.
ما مصير هذه الشعارات التي اختفت في مراحل لاحقة من تحولات الاتحاد السوفييتي في ظل حكم ستالين ومن جاء بعده?
- اختفت بعض هذه الشعارات, ولكنها بدأت بالظهور منذ التسعينيات الماضية, حيث أعيد طبعها, ولكن على شكل تذكارات من زمن مضي.
كان اختفاء الاتحاد السوفييتي مفاجئاً, وهو يشبه الطريقة الحديثة في تهديم الأبنية الكلاسيكية الكبيرة, الانهيار نحو الداخل, أو من الداخل, دون ضجة, وفي انهيار منظومة الدولة, كان الانهيار لمنظومات أخرى على المستويات السياسية والاجتماعية والثقافية, فاختفت الأسماء اللامعة في الكتابة, فهل ولد جيل جديد من كتاب الرواية والقصة?
- لا تزال الحياة متأزمة عموماً, دون تفاصيل, فأنا لا أتابع الجزئيات, والمشهد العام الراهن يتشكل من فسيفساء ملونة, ومختلطة, ويوماً بعد يوم لابد أن تتبلور الأسماء الجديدة وتكبر, ونرى أحفاداً لكبار الكتاب الروس, مثل جوجول وبوشكين وتولستوي.
والثقافة المتداولة حالياً مصابة بمرض السطحية التجارية, الذي يظهر واضحاً في التلفزيون والسينما والإذاعة, بعناوين ساذجة, مثل الرواية النسائية, والرواية البوليسية, للسيطرة على أذهان القراء, كما أن الأنماط الدخيلة بدأت تفرض نفسها على وسائل الإعلام والإعلان, وفيها عناصر لا أخلاقية شديدة الخطورة.