مختارات من:

مؤسسات المجتمع المدني في الكويت...

إبراهيم المليفي

من بناء السور إلى تأمين الاستقرار الاجتماعي

يعتبر مفهوم المجتمع المدني حسب تعريفات موسوعة العلوم السياسية الصادرة عن جامعة الكويت هو مجتمع الجماعات المصلحية المتنافسة والذي يتطلب من أجل استقراره تنظيم تلك العملية التنافسية بحيث يقوم على التنافس والتوافق.



التنافس يكشف القدرة لدى الجماعات الاجتماعية المختلفة على التأثير في هيكل صنع القرار. أما التوافق فيشير إلى أن صراع المصالح في المجتمع المدني ليس ذا حصيلة صفرية بمعنى أنه لا يوجد فيه خاسر تماماً أو منتصر تماماً.

ولعل أبرز آليات تحقيق ذلك التوازن الدينامي هو آلية الحلول الوسط بما يحفظ للمجتمع درجة ملاءمة من الاستقرار القائم على التعدد وهذه الآلية هي التي تميز المجتمع المدني عن أسلوب النظم الدكتاتورية، نظم الحزب الأوحد أو القائد الأوحد.

وجماعات المصالح بهذا المعنى هي وحدات اجتماعية فاعلة تتنافس وتتفاعل في إطار النظام السياسي، وتفاعلها المشترك يؤمن الاستقرار الاجتماعي العام. وفي الكويت ظهرت ومنذ البدايات الأولى لنشأة المجتمع المدني، ما يمكن أن نطلق عليها جماعات مصالح ومن أبرزها طبقة التجار، والذين كانوا قبل ظهور النفط في الكويت أحد أهم مصادر الدخل للدولة بعد ممتلكات البصرة والتي هي في غالبها مزارع نخيل، والجمارك المفروضة على البضائع التي تمر عبر أراضي الكويت وتجارة اللؤلؤ.

وفي مقابلة صحفية أجرتها صحيفة "الكواكب" المصرية مع حاكم الكويت الأسبق المغفور له الشيخ أحمد الجابر الصباح، قبل ثمانين سنة وتحديداً في 23 / 11 / 1919 ، وقبل توليه الإمارة خلال توقفه بالقاهرة عقب عودته من بريطانيا بعد اجتماعه بالملك جورج الخامس مبعوثاً من عمه أمير الكويت حينذاك المغفور له الشيخ سالم المبارك أجاب الشيخ أحمد الجابر، على سؤال : "ما هي مصادر الإيرادات للحكومة الكويتية؟" بأن مصادر الحكومة هي: رسوم الجمارك وممتلكاتنا في البصرة، الأمر الذي يؤكد توافر الأرضية المناسبة لوجود جماعات مصالح تمارس أدوارها على مسرح الحياة الاجتماعية والثقافية والسياسية في الكويت.

وأثناء الخطر تحولت الكويت بأكملها إلى جماعة مصلحة واحدة اتفقت ونفذت بناء سور الكويت لحمايتها من هجمات الأعداء بمبادرة شعبية خالصة وهي دلالة واضحة وقوية على وجود مجتمع مدني فاعل ومتفاعل مع الأحداث الجسام.

اللبنات الأولى

وقبل كل ذلك التاريخ في منتصف القرن الثامن عشر كما ورد في تقرير مدير شركة الهند الشرقية الهولندية كان التجار يمتلكون ثلاثمائة سفينة صغيرة، استعملوها في الغوص بحثاً عن اللؤلؤ وصيد السمك، في إشارة إلى وجود نشاط بشري وضع اللبنات الأولى لمجتمع مدني. وفي جو من الحريات والانفتاح على الآخر والسفر والترحال إلى بلاد الهند والسند وإفريقيا وبلاد الشام وأوربا والاحتكاك بالحضارات الأخرى ومخاض طويل أثمر مع نهايات القرن التاسع عشر عن وجود طبقة ثقافية متميزة أغلبها من التجار حملوا لواء بناء وتأسيس التعليم النظامي وإنهاء كل أشكال طرق التدريس التقليدية. وفي عام 1911 افتتحت المدرسة المباركية أول مدرسة نظامية وبعدها بعشر سنوات المدرسة الأحمدية وظهرت في الكويت أول مجلة لصاحبها عبدالعزيز الرشيد، ومنتديات ثقافية مثل المكتبة الأهلية عام 1923 والنادي الأدبي عام 1924 كما زار الكويت رواد الفكر العربي مثل الشيخ رشيد رضا وعبدالعزيز الثعالي وحافظ وهبة وغيرهم الكثير.

ورافق جميع تلك الأحداث المهمة نشاط سياسي أدى إلى ظهور مجلس شورى عام 1921 ومجلس تشريعي عام 1938 ساهما بشكل كبير في وضع الأسس والبنية التحتية لدستور الكويت عام 1962، كما أنشئ عام 1934 أول مجلس بلدي بالانتخاب ومجلس المعارف والأوقاف عام 1936 وبالانتخاب أيضاً. وتمتد جذور هذا التطور السياسي اللافت للنظر إلى بدايات النشأة. وعودة إلى مقابلة صحيفة الكواكب المصرية يقول الشيخ أحمد جابر: " تتألف الحكومة من الأمير ومجلسه وقاضي الشرع، فالأمير لا ينظر ولا يقرر في القضايا مهما كانت صغيرة أو كبيرة، دون أن يستدعي مجلسه للاجتماع، الذي يضم وجهاء الدولة، ويأخذ بمشورتهم، ومن ثم يتصرف بناء على قرار ذلك المجلس، وإذا ما كانت القضية "تقليدية" فإنه يتم حلها استناداً إلى التقاليد، وإذا ما كانت قانونية فالقاضي يعطي قراره" أ. هـ.

ويلاحظ مما سبق أن آلية العلاقة بين الحاكم والمحكومين تحددت ومنذ البداية بطريقة اختيارية سلمية قامت على الشورى والمشاركة في الحكم، وحتى عندما تفجرت الثروة النفطية في البلاد وتضخمت أدوار مؤسسة الحكم ظلت الشورى والديمقراطية والدستور هي المرجعية في حل جميع المشاكل التي اعترضت مسيرة الدولة.

وفي أواخر الأربعينيات تحولت المعادلة السياسية لصالح مؤسسة الحكم، التي بدأت تجني الأرباح الطائلة من وراء بيعها للذهب الأسود، واستخدامه في بناء الدولة الحديثة على أحدث طراز، مقابل تراجع متتابع لدور التجار والقوى الوطنية من الطبقة الوسطى (ظهرت في أوائل الخمسينيات) التي ساهمت بشكل كبير في خلق مؤسسات مدنية متخصصة في شتى مجالات العلم والمعرفة وصل عددها حتى وقت قريب إلى ما يفوق الـ "50" جمعية نفع عام تخضع بشكل مباشر لوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل وتحصل منها على دعم مالي سنوياً.

وبقدر ما كان النفط نعمة على أهل الكويت مثل انتكاسة في العمل التطوعي ومؤسسات المجتمع، ومنذ الاستقلال عام 1961 وإلى يومنا الحاضر تبخرت الأجيال التي لم تألف رغد العيش ونعومة المخدع وظهرت أجيال أخرى اعتادت على الأخذ أكثر من العطاء، حتى ظهرت الفجوة الكبيرة ما بين جيل ما قبل الأمس وجيل اليوم، جيل الإنترنت والهاتف النقال.

إن المجتمع المدني في الكويت حسب وصف أحد القياديين لنا "متكسر" ولا فائدة ترجى منه ولكن يا يرى ما مدى صحة هذا الادعاء القاسي؟؟

للنظر بصورة أكثر ملامسة للواقع قمنا بجولة على عينة عشوائية من جمعيات النفع العام التقينا فيها مسئولين بارزين، وجهنا إليهم الكثير من الأسئلة وأهمها: أين هو الجيل الجديد؟

مظلة القانون

في البداية قمنا بزيارة لجمعية المهندسين الكويتية، وهي جمعية مهنية تأسست عام 1962 وفقاً لأحكام القانون رقم 24 لسنة 1962. وكانت أول جمعية نفع عام مهنية تنشأ في الكويت، ويشترك لعضويتها أن يكون المتقدم حاملاً شهادة البكالوريوس أو ما يعادلها أو مؤهلا أعلى في الهندسة أو العمارة من جامعة أو معهد معترف به من جهات التقييم المعتمدة لدى الجمعية. ويرأس الهيئة الإدارية حاليا الدكتور حسن السند وهو عميد سابق لكلية الهندسة والبترول وعضو سابق لفترات عديدة في الهيئة الإدارية بجمعية المهندسين.

وعن التمويل المقدم من الدولة للجمعية قال السند: "إنه غير كاف لأنه يوازي فقط عدد الأعضاء منذ أيام تأسيس الجمعية، وأما اليوم فأعضاؤنا بلغ عددهم 10 آلاف عضو، ولمجابهة هذه الأوضاع أنشأنا النادي الصحي بتكلفة رمزية تمكننا إضافة إلى اشتراكات الأعضاء من تحقيق بعض طموحات وأهداف الجمعية، كما أننا قدمنا اقتراحا لوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل لبناء مبنى متعدد الأغراض جزء منه يؤجر لبعض المكاتب الهندسية والمردود يغنينا بالكامل عن الدعم".

ويضيف الدكتور السند : "نحصل على دعم من القطاع الخاص لتمويل بعض الندوات، كما نقوم بتنظيم المعارض وهي تدر علينا دخلاً بالكاد يشكل 30% من تمويلنا" وينفي السند خضوع الجمعية كل أو بعض الوقت لأي جهة فيما يتعلق بقراراتها حيث قال: "لم تمارس علينا أي ضغوط أو تمنع لنا أنشطة، إننا نفهم القانون ونعمل تحت مظلته فمثلاً القانون لا يسمح لنا بالإضراب وبالتالي نحن لا نقوم به".

وحول ما تقدمه الجمعية خدمة لقطاعها أشار السند: "نحن وفرنا المكان للاجتماع بين ذوي التخصصات المتشابهة ولديهم لجان أيضاً تخصهم، وتنظم الدورات التنشيطية كما أننا نسعى لدعوة السلطتين التشريعية والتنفيذية لإقرار كادر المهندسين، ونلتقي الخريجين من كليات الهندسة بالخارج ونعمل لهم اللقاءات المفتوحة مع أرباب العمل وأسبوعياً نحن ننظم ندوة للأعضاء".

تجربة نادرة

وانتقلنا بعد جمعية المهندسين إلى جارتها جمعية الخريجين وقد تأسست عام 1964 وهي تعتبر من أضخم جمعيات النفع العام في الكويت من حيث عدد الأعضاء الكويتيين الذين يشكلون الغالبية العظمى، وقد وصل عدد الأعضاء فيها إلى ما يفوق الـ 10 آلاف عضو، في حين أن جمعية المهندسين بها نفس العدد ولكن 3 آلاف منهم فقط مهندسون كويتيون.

رئيس الجمعية عادل الفوزان أكد لنا فيما يتعلق بكفاية دعم الدولة لجمعية الخريجين أنه غير كاف إطلاقا، وقال: لقد اضطررنا أخيرا إلى رفع قيمة العضوية من "5" دنانير إلى "15" ديناراً نظراً لأن مورد اشتراكات الأعضاء يعد بالنسبة إلينا بنداً لا نستطيع الاستغناء عنه.

وإلى الوراء قليلاً عاد بنا الفوزان إلى بداية نشأة الجمعية قائلاً : "نحن امتداد لنادي الخريجين الذي أسس عام 1959 وبعد قرار حل جميع الأندية والجمعيات وإعادة تنظيمها بمرسوم عام 1962 عدنا إلى الوجود مرة أخرى عام 1964 بصورة جمعية الخريجين، وهي تختلف عن باقي الجمعيات الأخرى لكونها غير متخصصة بمجال محدد، فهي لجميع خريجي الجامعات في الكويت أو خارجها وبالتالي فمسؤلياتنا تجاه المجتمع كبيرة جداً، ولا بد لنا أن نؤثر ونتأثر بما جرى فيه من أحداث.

وبالنسبة لاحتمال وجود أي ضغط على الجمعية لكونها تتلقى الدعم من الدولة نفى وجود مثل هذا الأمر، مضيفاً : "نقول رأينا دون خوف وهذا هو خطنا الذي سرنا عليه، وعرفت الجمعية من خلاله".

وحول التجربة الفريدة والنادرة التي تمكنت جمعية الخريجين من خلالها من بث التوعية والمعلومات القيمة إلى جميع شرائح المجتمع الكويتي يتعاونها مع تلفزيون الكويت منذ الستينيات وحتى أوائل التسعينيات على إعداد برنامج "قضايا وردود" أكد الفوزان "إنها بالفعل تجربة فريدة ونجحت كثيراً وفي حقبة التسعينيات أنجزنا ما يقارب الـ"55" حلقة استضفنا فيها "150" شخصية، وتمكنا فيها من مناقشة أغلب القضايا المحلية التي تعاني منها في الكويت، ومن أجل تعميم الفائدة بصورة أعمق قمنا بتفريغ جميع تلك الحلقات التلفزيونية وطباعتها في كتيبات يسهل تداولها بتمويل مشكور من مؤسسة الكويت للتقدم العلمي".

ومثلت الجمعية منذ تأسيسها موقفا فكريا تقدميا تجاه جميع القضايا المحلية والقومية وشاركت في كل القضايا الساخنة محلياً وقومياً، ولا تزال تمثل التيار الوطني التقدمي.

وعن اهتمامات الشباب حاليا ونظرته إلى العمل التطوعي عبر الفوزان عن ألمه قائلاً : "إن الواقع أليم فالجيل القادم لديه اهتمامات ولكنه لا يريد التضحية بوقته وبعد تحرير الكويت من براثن الاحتلال العراقي فقد الكثيرون حماسهم للعمل الشعبي بعد سقوط الكثير من الشعارات التي كانت تدفعهم وتحمسهم للعمل، وإلى الآن نحن نبحث عن الإجابة : هل أساليبنا في الجذب هي السبب؟ أم أن هناك أسباباً أخرى لا نعلمها؟

حرية واستقلالية

وإلى مكان آخر لا يستطيع المرء تجاهل توهج تحركاته ذهبنا إلى جمعية الصحفيين والتي يشهد لها بأنها وراء إنشاء ودعم اتحاد الصحفيين العرب كما أن الكويت كانت أول بلد عربي استضاف المؤتمر الأول هذا الاتحاد. أمين سر جمعية الصحفيين الكويتية فيصل مبارك القناعي قال إن الدعم السنوي الذي تقدمه الحكومة للجمعية لا يتناسب وطموحات مجلس الإدارة أو مع عدد الأعضاء الذي بلغ أخيرا ما يقارب "1200" عضو ما بين كويتيين وغير كويتيين، ويحتاجون بطبيعة الحال إلى دورات تدريبية داخل وخارج الكويت ترفع من مستواهم وخبراتهم الصحفية، ناهيك عن حاجتهم إلى الشعور بالحرية والاستقلالية أثناء التغطيات الخارجية بدلاً من التزامهم الحالي في حالة مرافقتهم لوفد ما يمثل دولة الكويت.

وكشف القناعي النقاب عن أن مصادر مالية باسم جمعية الصحفيين الكويتية هي التي تدر على الجمعية إيرادات لا بأس بها إلى جانب اشتراكات الأعضاء ولولاهم لما تمكنت الجمعية من القيام بأي نشاط، وأما مبلغ الدعم الحكومي وهو "12" ألف دينار كويتي فهو بالكاد يكفي لسداد راتب سكرتارية الجمعية.

ونفى القناعي وجود أي تبعية لقرارات مجلس الإدارة نحو الحكومة أو أي طرف كان بالرغم من التبعية القانونية لجمعية الصحفيين وجميع جمعيات النفع العام لوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، وأضاف: لا أتصور بأننا أو أي مجلس إدارة آخر يقبل بأن يتدخل أحد في قراراته كائنا من كان، بل إننا نجد على أرض الواقع جهوداً تمارس من قبل جمعيات النفع العام من أجل إصدار تشريعات تكفل خدمة منتسبي قطاعاتها، ولدينا في جمعية الصحفيين جهود سابقة أثمرت عن إيقاف المادة "25" من قانون الخدمة المدنية والتي تحظر الجمع ما بين الوظيفة الحكومية وأي وظيفة خاصة مثل الصحافة.

وحول تجدد الدماء بين ممثلي الجسم الصحفي الكويتي قال القناعي : "أنا من مؤيدي التغيير التدريجي في الدماء والوجوه، وبالنسبة لنا فهذا أمر حاصل كل عامين دون أي خلل يذكر في الأداء، بل على العكس الوضع يسير نحو الأفضل وبشهادة أعضاء الجمعية العمومية الذين هم في النهاية يقررون من يستمر ومن يذهب.

وعن الطموحات المستقبلية تمنى القناعي ممن يعنيهم الأمر تمرير فكرة المدينة الصحفية المتكاملة، وإخراجها إلى النور، مضيفاً رغبته بتحول الجمعيات المهنية إلى نقابات، وتذليل أهم مشكلة تواجهها جمعية الصحفيين وهي تفرغ الصحفيين لدى صحفهم وهي الحالة التي لا يتجاوز أفرادها عدد أصابع اليدين. وتبقى جمعية الصحفيين الملاذ الآمن لكل الصحفيين العاملين في الصحافة الكويتية تدافع عن مصالحهم المهنية والحياتية، وفي مقدمة نشاطاتها الدفاع عن حرية الصحافة والصحفيين في الكويت.

دفعة للأمام

ومع آخر المحطات نتوقف عند نصف المجتمع - المرأة، ونلقي نظرة سريعة على تاريخ مسيرتها الحافل منذ أيام قسوة وعنف الحياة المعتمدة على البحر وعلى مردود حرفة الغوص الضئيل، ومروراً بنهضتها التعليمية في أوائل الخمسينيات، وتنظيم عملها النسوي في الستينيات وانتهاء بنضالها لنيل حقها السياسي وتطلعها للمشاركة في اتخاذ القرار السياسي في بلدها.

وفي بداية النشأة لم تكن تتمتع بحريتها في ظل هذا المجتمع التقليدي الصارم بسبب الرجل ونتيجة لمواقفه منها، حتى أنه وفقاً لما ذكرته لولوة عبدالوهاب القطامي وهي من رائدات الحركة النسائية الكويتية ومن أوائل المتعلمات في الخارج، وفي ورقة بعنوان "الجمعيات النسائية الكويتية وأعمالها" قدمتها في إبريل 1994 في مؤتمر دور المرأة في التنمية الثقافية والاجتماعية والاقتصادية : "إن صورة اضطهاد المرأة في ذلك المجتمع التقليدي كانت تتجلى في طريقة بناء المنازل حيث تبنى في شكل جناحين أحدهما للرجال والآخر للنساء وقد جاء ذلك في كتاب زهرة ديكسون "الكويت كانت بيتي" حيث كان "لكل جناح مدخل خاص لا يسمح للمارة برؤية الجالسين في الداخل" وتضيف : "هذا الاضطهاد ورواسب التنشئة الاجتماعية أديا إلى ازدواجية في سلوك المرأة وشكلت هذه الضغوط عقبة في طريق طموحها".

وظلت هذه الأوضاع حتى أوائل الخمسينيات حيث بدأت تظهر بوادر النهضة التعليمية التي أعطت المرأة دفعة كبيرة للأمام مع ظهور مدارس البنات وانتشارها وشيئا فشيئا تحسنت الأوضاع ودخلت المرأة مجال العمل وتمكنت من السفر للخارج لتلقي العلم. وفي عام 1963 تأسست جمعيتان نسائيتان هما الجمعية الثقافية الاجتماعية النسائية وجمعية النهضة الأسرية، ومن أبرز أهدافهما إبراز ما تعاني منه المرأة والمجتمع وإيجاد الحلول لهذه المعاناة، وامتزجت - في تلك المرحلة - الحركة النسائية الكويتية بالحركة النسائية العربية حيث واظبت عضواتها على حضور الملتقيات والتي اكتسبت من ورائها خبرة جديدة وإدراكا أكبر بقضاياها وأساليب أكثر فعالية في علاجها والتصدي لها بأسلوب أكثر إيجابية.

وفي عام 1971 عقد في الكويت أول مؤتمر نسائي وكان من أهم توصياته المطالبة بمنح المرأة حقوقها السياسية: وقد خطت المرأة الكويتية خطوة إيجابية في هذا المجال فرفعت مطالبها لمجلس الأمة الكويتي عام 1973 لكن لم يتوصل فيه لقرار واكتفي بنقاش الموضوع فقط. ومنذ ذلك الوقت تعرضت مسيرة المطالبات السياسية للحركة النسائية للكثير من المد والجزر حتى تاريخ السادس من مايو 1999 حيث أصدر سمو أمير البلاد الشيخ جابر الأحمد الصباح مرسوماً يقضي بتمكين المرأة الكويتية من ممارسة حقها السياسي عام 2003، على أن يوافق مجلس الأمة على تمرير ذلك المرسوم لأن المراسيم بقوانين لا تأخذ صفة النفاذ دون موافقة البرلمان، والذي كان آنذاك منحلاً.

ونظر لصدور أكثر من ستين مرسوماً أميريا أثناء فترة حل مجلس الأمة، فقد تم رفض أغلبها بما فيه مرسوم المرأة بحجة عدم الضرورة وخشية أن تمارس السلطة التنفيذية مهام السلطة التشريعية، ومن جانبهم تقدم عدد من النواب باقتراح قانون لمنح المرأة حقوقها السياسية، كبديل عن مرسوم المرأة سقط هو الآخر في جلسة الثلاثاء 30 / 11 / 1999 (بعد أسبوع من سقوط المرسوم) بنتيجة "32" صوتا معارضا مقابل "30" صوتا مؤيدا أي بفارق صوتين فقط، ولايزال الأمل قويا بتمرير ذلك القانون في السنوات القادمة خصوصاً أن عمر الفصل التشريعي الحالي لم يصل إلى نصفه من أصل أربع سنوات هي مدة عمل الفصل التشريعي في البرلمان الكويتي.

وبعد هذه الوقفة التاريخية السريعة مع نصف المجتمع توجهنا إلى مبنى الجمعية الثقافية الاجتماعية النسائية في منطقة الخالدية، ومقارنة بمقار جمعيات النفع الأخرى يعتبر مقر الجمعية النسائية من أكثرها اتساعا مما يسمح بإقامة أكثر من نشاط فني في آن واحد، والجمعية الثقافية الاجتماعية النسائية من أقدم الجمعيات النسوية في الكويت وفي الخليج والجزيرة بشكل خاص وهي تعتبر امتدادا طبيعيا لتجمع الطالبات الكويتيات اللائي درسن ف الخارج في الخمسينيات. وكان المجتمع نواة لتأسيس الجمعية.

في أحد مكاتب الجمعية التقينا أمينة السر السيدة لولوه الملا وتحدثنا معها حول قضية الدعم المالي للجمعية فردت قائلة : "إن الدعم المقدم من قبل وزارة الشؤون الاجتماعية مسألة نسبية فهي بالنسبة لبعض الجمعيات كافية وربما تفوق حاجتها تبعا لقلة أنشطتها وموسميتها" وأضافت: "لدينا ثلاث حضانات للأطفال موزعة على مختلف حضانات الكويت تم إقفالها بسبب قلة الموارد، ولا تزال لجنة الزكاة، ونادي الأمل لمرضى السرطان ونادي الأصدقاء المقام في مستشفى الطب النفسي وحضانة الصمم، وحضانة ذوي الاحتياجات الخاصة صادمة في وجه العائق المادي ولا نعرف إلى متى؟".

أكملت الملا : "لم نتوقف فمسئوليتنا تجاه المرأة والمجتمع كبيرة ونحن في جميع المناسبات السعيدة والأليمة موجودون لخدمتهم، فمثلا عندما توترت الأوضاع الأمنية مع النظام العراقي، عام 1994 نظمنا يوما مفتوحا لأبناء الجنود الكويتيين وأسرهم للترويح عنهم، وقبل عامين تقريبا عندما حدثت كارثة السيول ودمر العديد من المنازل ساهمت الجمعية بتوفير أهم الاحتياجات لهم، كما أننا نقوم ببيع منتجات الأسر المتعففة من أعمال يدوية وأطعمة ومن ثم نعيد إليهم أموال ما أنتجته أيديهم، ولعل واحدة من أهم القضايا الاجتماعية التي ساهمنا فيها هي استقبال حالات الكويتيات المتزوجات من غير الكويتيين، وقد خصصنا مكتبا لتقلي وحصر تلك الحالات التي وصلت أعدادها إلى "5000 حالة".

"وقد تم تشكيل لجنة وزارية مكونة من خمسة وزراء بحثت جميع الحالات وتوصلت إلى حل الكثير منها، ولا يفوتني بهذه المناسبة التذكير بأننا شاركنا قبل عدة أشهر بالحملة الدولية لمساعدة شعب كوسوفا، لقد ذهبنا هناك بأنفسنا ووزعنا المساعدات الإنسانية بأيدينا".

وحول إقبال فتيات الجيل الجديد على العضوية في الجمعية الثقافية الاجتماعية النسائية قالت لولوة الملا وقد ظهرت على وجهها أمارات الأسى والحزن: "هناك إقبال ولكن لا توجد رغبة، ونحن لن نيأس وشكلنا لجنة شبابية تمكنت في الآونة الأخيرة من تفعيل دور بعض العضوات المستجدات في الجمعية".

إبراهيم المليفي مجلة العربي فبراير 2000

تقييم المقال: 1 ... 10

info@3rbi.info 2016