في 11 يوليو 1999م, نشرت إحدى الصحف البريطانية خبر إقرار الإدارة الأمريكية بإيعازها إلى وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه CIA) بإعداد ملف تجسّسي خاص بوزير البيئة البريطاني المعارض, لاستيراد الأغذية المعتمدة على هندسة الجينات, التي قطعت فيها أمريكا شوطاً بعيداً, وتطمع في أن تغزو بها أسواق العالم قاطبة, بما فيها أسواق أوربا, التي مازالت غارقة في حمأة الجدل العلني المحتدم حول التساؤل الحاسم: (هل يجوز لنا - من حيث المبدأ - القبول بوصول الأغذية الجينية هذه إلى موائد طعامنا, أم لا؟).
سبق السيف العذل؟
إذ توصل استطلاع حديث للرأي (أجراه معهد إمنيد & آلنسباخ) إلى تقسيم الجماهير الألمانية, من حيث تقويمها لتدخل هندسة الجينات في حياة الإنسان تدخّلاً مباشراً, إلى أربع شرائح رئيسية:
1ـ ترى الشريحة الأولى أن هندسة الجينات في حياة الإنسان لا يجوز النظر إليها على أنها مسألة موازنة بين الربح والخسارة وحسب, بل لابد من تحريم التلاعب بالطبيعة تحريماً (عقائدياً).
2ـ تنظر الشريحة الثانية إلى الموضوع من زاوية (اقتصادية) بحتة, فهي تتحسّر على القطار الذي فات أوربا بما يحمله معه من فرص لجنيّ الأرباح الطائلة, وللتخفيف من حدّة أزمة البطالة المستفحلة في سائر أنحاء الاتحاد الأوربي, ولاسيما حينما تشخص أمامها الأرقام التي تفيد بضآلة عدد الشركات الألمانية العاملة في مجال التقانة - التكنولوجيا - البيولوجية والجينية إذا ما قورنت بما يقابلها في أمريكا (85 فقط مقابل 1,311 شركة أمريكية وفق إحصاءات العام 1996).
3ـ تحبّذ الشريحة الثالثة أن يقتصر تدخّل تقانة الجينات على ابتكار العقاقير الطبية التي تعجز التقانة التقليدية الصيدلانية عن إنتاجها, أو على استنباط أساليب جديدة لمكافحة الأمراض المستعصية - مثل السرطان - ولا ترى ما يبرر تدخلها في صناعة الغذاء البشري وإنتاج المحاصيل الزراعية, الأمر الذي قد يشكّل خطراً على الجنس البشري برمته.
4ـ أما الشريحة الرابعة والأخيرة, فتنظر إلى الأمر بعين (واقعية) إذ دأبت الشركات الكبرى على صمّ آذانها عن أصوات الجماهير كلما اشتمت في إحدى التقانات الجديدة رائحة الربح.
وفي الوقت الذي يستمر فيه هذا الجدل في كبح (فرملة) عجلات المركبة أو العربة الأوربية, يندفع الموكب العالمي للأغذية الجينية كالسهم المارق بزعامة أمريكا, ليفرض أمراً واقعاً يتجاوز هذا الجدل الحامي أشواطاً بعيدة.
ولعل من أهم الأمثلة على هذا الواقع:
1ـ تندلع الثورة الجينية الخضراء هذه بسرعة لا يكاد يصدّقها العقل, ففي العام 1983م فقط, نجح العلماء للمرة الأولى في التاريخ في إيلاج جينة غريبة في مورثات أحد النباتات, ولم يكد يمضي على هذه الخطوة الأولى 15 سنة وحسب حتى سرت زراعة هذه المحاصيل في الحقول العادية (المكشوفة بعد تلك المحمية), سريان النار في الهشيم, إذ توسعت زراعة الحبوب والخضار معدّلة الجينات في أمريكا وحدها إلى مساحة تقارب كامل مساحة ألمانيا الاتحادية القديمة (قبل إعادة التوحيد, ويقابل ذلك في سائر أنحاء العالم مساحة تقل عن سطح مقاطعة وحيدة في ألمانيا: نيدر زاكسن).
2ـ اجتاحت الأسماك التي اكتسبتها تقانة الجينات القدرة على مقاومة البرد القارس والصقيع, بوابات المطاعم الفاخرة في كندا والنرويج.
3ـ في العام 1999م تخطت نسبة الأراضي المزروعة بفول الصويا معدّل الجينات في أمريكا حاجز النصف (50 بالمائة) من مجموع الأراضي المزروعة بفول الصويا.
4ـ يدخل فول الصويا معدل الجينات والخامات المشتقة منه في تصنيع ما يربو عن 20.000 من المنتوجات الغذائية, يُستهلك بعضها بكميات كبيرة في الدول الصناعية - مثل الزبدة.
5ـ تُستخدم الخامات المشتقة من محاصيل كل من فول الصويا, الذرة والكتان معدلة الجينات في استحصال الزيوت, الدهون العادية والمجمّدة, النشاء والطحين, والتي تدخل في إنتاج الأغذية الجاهزة والمصدّرة إلى سائر أنحاء العالم, بما في ذلك المطابخ الأوربية.
6ـ في قلعة المعارضة ذاتها - ألمانيا - يزداد تغلغل تقانة الجينات في إنتاج الأغذية المخصصة للبشر على هيئة الأنزيمات والخمائر المعتمدة على تعديل جينات الكائنات الحية المجهرية الطبيعية.
7ـ مُنحت التراخيص التي تسمح بممارسة الزراعة النمطية في الحقول المكشوفة لعدد كبير من المحاصيل معدّلة الجينات يربو عددها عن المائة, وتشمل باقة شديدة التنوّع تبدأ بالأناناس وتنتهي بالموز, حققت درجات متفاوتة من النجاح في أرض الواقع.
المائة الأوائل
وهنا يتقدم موكب السباق في هذا المضمار الواعد تلك المحاصيل الزراعية التي تم تسليحها بجينات غريبة ودخيلة تزيد من مقاومتها (لمبيدات الأعشاب), التي استأثرت وحدها بحوالي النصف (50 بالمائة!) من الإنتاج العالمي الإجمالي من سائر المحاصيل الجينية (معدلة الجينات) في العام 1997م.
فمن المعروف أن مبيدات الأعشاب تفتك بكل شيء أخضر بما في ذلك المحصول المزروع ذاته, لذلك دأبت الشركات الكبرى المنتجة للكيماويات الزراعية على ابتكار أصناف جديدة تبيد الأعشاب البرية, التي تنافس على العناصر المغذية في التربة والسماد/المخصب, إبادة تامة تقريباً, يقابلها تقليل الإضرار بالمحصول المفيد إلى أصغر درجة ممكنة.
ويبرز دور تقانة الجينات في هذا المجال في تسليح مورثات المحصول المفيد بجينات دخيلة تكسبه نوعاً من المقاومة لمبيد أعشاب محدد بعينه, يؤدي رشّه على الحقل إلى إبادة كاملة تقريباً للأعشاب المزعجة, مع خفض الأذى بالمحصول المفيد إلى حد بعيد.
وفي إطار هذه الاستراتيجية, قامت عملاقة الكيماويات الزراعية الأمريكية (مونسانتو MONSANTO) بابتكار مبيد للأعشاب تحت اسم (راوند أب ROUND UP), وبعد انطلاقة الثورة الجينية الخضراء, قامت شركة مونسانتو بتطوير محاصيل زراعية معدّلة الجينات لا تتأثر بمبيد أعشابها (راوند أب) إلا بصورة طفيفة وحسب, وبذلك تزداد غلة الأرض الزراعية وتنخفض نفقات رش مبيدات الأعشاب في الوقت ذاته, ومن أشهر هذه المحاصيل: فول الصويا, الذرة, الكتان والقطن. وهكذا حققت مبيعات المبيد راوند أب قفزات مذهلة جعلته يتربّع خلال زمن قياسي على عرش مبيدات الأعشاب في العالم.
وبأسلوب مشابه, قامت شركة الكيماويات الزراعية الألمانية (إجر إنفو Egr ENVO) بابتكار مبيد الأعشاب (باستا) الذي حوّلت اسمه أخيراً إلى (ليبرتي LIBERTY), والمهم في الأمر أن هذه المحاصيل معدّلة الجينات لا تعطي غلة وافرة إلا عند استعمال مبيد الأعشاب الذي تنتجه الشركة ذاتها دون سواه.
وتؤكد البيانات التي عرضتها مونسانتو أن استعمال هذه (المزدوجات) بذارها مع مبيد أعشابها معاً, يحقق وفراً ملموساً في رش المبيدات (10-40%), مما يزيد من الرفق بالبيئة أيضاً, إضافة إلى الربح الذي يحققه المزارع وشركة الكيماويات الزراعية بالطبع.
ويحتل المرتبة الثانية في سباق المائة تلك المحاصيل الزراعية المقاومة بنفسها لـ(الآفات الحشرية), فهي مسلحة بجينات غريبة تساعدها على إنتاج بروتين سام يفتك بالحشرات التي تقضم النبات (بروتين تنتجه عادة عصيّات باسيلوس تورينجينسيس BT), وأكدت بيانات وأرقام مونسانتو أن استعمال بذارها يقلل من الحاجة إلى رش المبيدات الحشرية بمعدل وصل في العام 1998م إلى حوالي 80%, إضافة إلى الرفق بالبيئة.
ويتخلف عن هذين المتصدرين باقي المتسابقين, وبينهم المحاصيل المقاومة للفيروسات والفطور, إذ تفاءلت الشركات الجينية بجني أرباح خيالية من ابتكار أصناف منيعة ضد الفيروسات, التي يقف الإنسان حيالها عاجزاً تماماً في كثير من الحالات, التي تنجح فيها في اجتياح الحقول الزراعية, كما لحقول محصول البابايا في جزيرة هاواي, التي اكتسحها فيروس اللطخة الحلقية, التي أخفقت في مكافحته جميع أنواع المبيدات التقليدية, فقضى على المحصول عن بكرة أبيه.
أما في يومنا هذا, فلا يُزرع هناك إلا صنف مسلح بجينات غريبة تكسبه مقاومة للفيروسات, قام بابتكاره في العام 1996م باحثون من جامعة كورنيل الأمريكية, ويقابل ذلك في ألمانيا حقول تجريبية لمحاصيل أخرى يأمل الباحثون في جعلها مقاومة بنفسها للفيروسات, مثل البطاطا والشمندر (البنجر) السكري, كما بينت المحاولات المنفذة حتى الآن أن تقليد الأمر ذاته ضد الفطور أصعب بشكل ملموس.
ولا تقتصر مساهمة تقانة الجينات على الأغذية النباتية وحسب, بل تتعداها إلى عالم الحيوان أيضاً.
وهنا قامت شركة آ/ف بروتين A/F PROTEIN بتسليح أصناف من الأسماك بجينات غريبة تكسبها مقاومة البرد القارس والصقيع, مما سمح لها بالعيش والنمو في مياه متطرّفة البرودة في كل من كندا والنرويج, ووصلت إلى الموائد في مختلف المطاعم.
ولا يتسع المقام هنا للحديث عن المتسابقين كافة, وسأختم هذه الفقرة بالأحياء المجهرية معدلة الجينات, المستخدمة - مباشرة أو على هيئة خامات مستخلصة منها - في إنتاج الغذاء.
ومع توكيد استطلاعات الرأي أن الأوربيين عموماً والألمان خصوصاً يرفضون الطعام الواصل إليهم من المختبرات الجينية, فإن تقانة الجينات رسّخت أقدامها في مصانع الأغذية الألمانية ذاتها منذ أمد بعيد, ولاسيما من خلال الإضافات المشتقة من وحيدات الخلية: البكتريا والخمائر والفطور, معدلة الجينات, التي تدخل في إنتاج العديد من الأغذية والمشروبات واسعة الشيوع, مثل المقددات (ومنها السالامي), الجعة (البيرة), الجبن واللبن الزبادي (المخثر).
وحتى لو خلت الأغذية المصنعة من الجسم الكامل لهذه الكائنات معدلة الجينات, فإن عدداً كبيراً منها يحتوي إضافات (مشتقة) من هذه الكائنات المجهرية, منها على سبيل المثال: فيتامين ب 6, فيتامين ب 12, فيتامين سي, وما يربو عن 30 أنزيماً تستخدم في (تقمير) الخبز, صنع الجبن (عوضاً عن المنفحة الحيوانية), وصناعة السكر... وغيرها.
إلا أن هذا لا يعني إخماد الأصوات المعارضة للأغذية الجينية.
الصراع المحتدم
اختفت تقريباً أشكال المعارضة التي تحذّر من احتمال نشوء كائنات حية مرعبة (وحوش) تفتك بالجنس البشري, وبدأت تأخذ صيغاً أكثر موضوعية وتحديداً:
- في الماضي, فقد العديد من مبيدات الحشرات التقليدية (ولعل أشهرها د.د.ت D.D.T) مفعوله لأن الحشرات طوّرت نفسها, أو فلنقل جيناتها بشكل أكسبها مناعة ضد المبيدات التقليدية, وليس هناك ما يمنعها من حيث المبدأ من تكرار الاستراتيجية ذاتها ضد السموم التي تفرزها المحاصيل الزراعية معدّلة الجينات.
- اكتشفت إحدى الباحثات السويسريات (الدكتورة أنفيليكا هيلبيك من جامعة زوريخ) أن المحاصيل الجينية المقاومة للآفات الحشرية تضر بالحشرات المفيدة التي تتغذى على الآفات, إذا شمل طعامها حشرة سبق لها قضم النبات الحاوي على السمّ.
- في مقاطعة جورجيا الآسيوية, اشترت فئة قليلة من الفلاحين من شركة مونسانتو الأمريكية بذار البطاطا معدّلة الجينات, لكنها سرعان ما سيطرت وطغت في كامل جورجيا, ربما لعجز السلطات هناك عن مقاومة انتشارها, وهذا يوحي بإمكان فرض الأحياء الجينية نفسها على حساب الكائنات الأخرى في المحيط الذي تعيش فيه, فتحرم بذلك أقرباءها الطبيعيين من فرص الاستمرار والنموّ, مما يؤدي بالنتيجة إلى عمليات انقراض جماعية.
- بيد أن أسخن نقاط الجدل قبلا وبعداً تتعلق بصحة الإنسان نفسه: المضادات الحيوية والتحسس.
فلتمييز المحصول معدل الجينات (عن غيره من المحاصيل العادية) يضيف المهندسون إليه مقطعاً من الجينات يجعله مقاوماً للمضادات الحيوية (أنتي بيوتيك), أقوى الأسلحة التي يستعملها الإنسان في حربه ضد الجراثيم المحرّضة للأمراض لدى البشر والماشية على حد سواء. ويزيد الطين بلّة اعتماد عملية التمييز (التعليم) هذه إلى حد بعيد على مقاومة مضادين حيويين يعتمد الأطباء على أحدهما اعتماداً واضحاً في مداواة البشر (أمبيسيلين).
وهنا يخشـى المعارضون من انتقـال هذه المقاطع الجينية (المميزة) من النبات إلى الجراثيم التي تصيب البشر, فتصبح مستعصية ضد أي دواء, وتتحوّل إلى أوبئة تكتسح العالم, وكان من الطبيعي أن ترتفع الأصوات المنادية بتطـوير طريقة بديلة لعملية تمييز النباتات المعـدّلة عن غيرها, إلا أن الشركات الجينية ترد ببرود وببسـاطة بأن الأمر لن يتحقق بين عشية وضحاها, بل سيستغـرق زمناً طويلاً.
وتكمن نقطة الجدل الساخن الثانية في التحسس (أو الحساسية ALLERGY).
ففي يومنا هذا, يتوجب على مريض التحسس الغذائي تحديد صنف (أو أصناف) الطعام الذي يسبب له الحساسية, ويتحاشى تناوله كي لا يُصاب بنوبة جديدة, إلا أن الدراسات الحديثة كشفت مقدرة المقاطع الجينية المحرّضة للتحسس على القفز من كائن حيّ إلى آخر (من السمك إلى البطاطا مثلاً), لتنتقل بذلك إلى صنف (بريء) من الطعام لم يكن مثيراً للشك أو الريبة في أي وقت مضى.
وبذا تصبح الأغذية (البريئة) مثيرة لنوبات الحساسية بين عشية وضحاها, وليس هذا مجرد خيال وحسب.
فحينما كثر عدد المصابين بأعراض التحسس من الجوز (طفح جلدي يسبب حكة) بين الذين يتناولون أحد الأصناف المبتكرة معدّلة الجينات مـن فـول الصويا (!) كثف العلماء أبحاثهم لتقصّي السبب, وقد تبين لهم أن فول الصويا تم تسليحه بجينات مستقاة من البندق, تقوم إحداها بإصدار الأوامر بتصنيع البروتين ذاته الذي يحرض التحسس بالجوز.
وهنا يؤكد بعض الخبراء أن الاختبارات الإلزامية الضرورية للترخيص ببيع الأغذية الجينية ليست قاطعة الدلالة, ولابد لكل إنسان من التجريب بنفسه وتناول الطعام شخصياً, إلا أن تزايد الأصناف الجينية دون هوادة, إضافة إلى احتمالات قفز الجينات من غذاء إلى آخر ستجعل مرشح التحسس مضطراً إلى فحص جميع الأغذية بنفسه, وهذه مهمة مضنية.
وفي الجبهة المقابلة, تقلل الشركات الجينية من أهمية هذه التحفّظات التي تواجه تقـانة الجـينـات التي تحبو في سنوات طفولتها الأولى, وبأن الزمن كفيل بحل جميع هذه المشاكل, التي لا يجوز أن تجعل المرء يغمض عينيه عن مساهمـة التقـانة الوليدة في رفع غلة الأرض مع التقليل من إرهاق البيـئة بالسموم: مبيدات الأعشاب ومبيدات الحشرات, وزيادة أرباح المزارعين (30-130 دولارا في الهكتار الواحد من المزارع الأمريكية, وفق بيانات مونسـانتو).
أما المستهلك المعترض على قصر الفوائد (المالية خصوصاً) على الشركة الجينية والمزارع, فعليه الاكتفاء بالكلام المعسول والوعود بأنه سيستفيد من تقانة الجينات الغذائية استفادة واضحة بعد التمكن من تطوير (الجيل القادم) من البذار معدّلة الجينات, التي ستحسن الطعم والعناية بالصحة, إذ يعمل المصمـمون الجيـنيون حالياً على تعديل أشياء كثيرة من مكوّنات المحاصيل الزراعية تشمل نسب الحموض الدهنية والأمينية والسكر والسيلولوز (الألياف) والفيـتامينات.
وفي الآونة الأخيرة, صمم بعض الباحثين الأمريكيين أرزاً يسمح بزراعته في الدول الصحراوية ويعيش وينمو في التربة الجافة وحتى المالحة, كما يحاول بعض الباحثين اليابانيين مكافحة وباء فقر الدم بالحديد (أنيميا) بتطوير صنف غني بالحديد من الأرز.
أما البروفسور السويسري إنفو بيتروكوس (من جامعة زوريخ), فيشير بحسرة إلى أن ملايين الآسيويين يعانون من نقص فيتامين (آ) الموجود في قشر الأرز فقط, في حين يصرّون على تناول غذائهم الرئيس هذا مقشوراً, وهذا ما دفعه إلى تطوير صنف جديد من الأرز معدّل الجينات يتشكّل فيه فيتامين (آ) في قلب حبة الأرز وليس في قشرتها, وأفاد بيتروكوس بأن دافعه إلى هذا التطوير يكمن في رغبته في مكافحة الجوع في العالم (وليس تحقيق الأرباح للشركة التي تموّل البحث ؟!).
وبعد ...
تمثّل جهود هذا الباحث (الأوربي) واحداً من الأدلة الكثيرة على أن موكب الأغذية الجينية, الذي تقوده الشركات الأمريكية قد تخطى واقع الجدل المبدئي في أوربا وبقية أجزاء العالم.
ليس هذا وحسب, بل تتزايد سرعـة هـذا الموكب بصورة أقوى فأقوى, وبإضـافة مجالات أخرى للتطبيق, لعل من أهمها استغلال تـقـانـة الجينات في تطوير أغذية غير معروفة قبلاً, وتحتضن أصنافاً عدة من (الدواء) والمواد المفيدة للصحة الإنسانية.
وبذا لا تتخطى الشركات الجينية الجدل المبدئي حول جدوى التقانة الجينية الغذائية وحسب, بل تتجاوز كذلك الهيئات الرسمية المتزمّتة المانحة لتراخيص تداول الأدوية.
وهذا مجاله حديث آخر ... إن شاء الله.