طفلك يخدع نفسه أحيانا للتغلب على المشاكل التي تواجهه أو لمحاولة استعادة توازنه النفسي، وعليك أن تعرف أنواع الحيل التي يلجأ إليها، وأن تساعده في التغلب على مشاكله وعدم اللجوء إلى هذا الأسلوب.
خداع النفس أسلوب من أساليب استعادة الاتزان وفيه يلجأ الإنسان لعدد من الحيل النفسية اللا شعورية، يسعى بها إلى تحقيق هدفين. أولهما: أن يتخلص من مطالب أحد المواقف التي تبدو له عسيرة لا تطاق. والثاني: أن يبقي على ثقته في نفسه بالتماس علة مقبولة للهرب من هذا الموقف، وفي ذلك تقليل من قلقه وتوتره النفسي. ويرى بعض علماء النفس أن الحيوية المستمرة هي في الجهد المستمر المبذول لاستعادة التوازن.
لماذا يخدع الصغير نفسه؟
الحيل النفسية اللا شعورية التي يمارسها الصغار منذ مطالع العمر كثيرة متعددة، غير أن أكثرها شيوعا أربع أنواع وهي:
1 - التبرير
والمقصود به محاولة الصغير تعليل خيبته في المدرسة - مثلا - أو في البيت أو في الملعب وتبريرها، وإصراره على إيجاد أسباب (صحيحة في اعتقاده) تبرر خيبته. فقد يرجع الصغير كل أسباب خيبته - مثلا - إلى ما يسميه باضطهاد الآخرين وظلمهم إياه، فيعود إلى المنزل من المدرسة ويحكي لأهله مختلف الأسباب لتخلفه عن أقرانه في الدراسة، فتكون كل الأسباب دائرة حول الحيف الذي وقع به وحول كره المعلم إياه ومحاباته لغيره من الأطفال، وهو في الألعاب والرياضة يتخذ الموقف عينه، فإذا به يرجع عجزه عن منافسة إخوانه إلى الظلم، وهو يزعم أنه كان لا بد من تفوقه لو أن الفرصة أتيحت له. وقد يبرر رسوبه بصعوبة الامتحان تارة أخرى، وقد يلقي اللوم على أي فرد أو أي شيء.. ومما هو جدير بالذكر أن التبرير يساعد الإنسان على أن يحتفظ بثقته في نفسه ويقلل من توتره النفسي.
ولكن التبرير ليس خيرا كله فإذا تمادى الفرد في التبرير فإنه بذلك لا يواجه مشكلاته مواجهة إيجابية، فيلحق بنفسه في المدى البعيد أشد الأضرار.
2 - الحيل النفسية المرضية
تسنح مع المرض فرصة التخلص من كل التبعات، فكثيرا ما يتعلم الأطفال من صلاتهم بالكبار أن الصداع والقيء وما إلى ذلك أسباب تسترعي النظر والرعاية، ومن ثم يتخذ الصغار تلك الأعراض عن شعور أو لا شعور منهم. وقد يكون هذا تقليدا خالصا، أو طريقة للتخلص من مهمة كريهة وهذا هو أكثر الأسباب شيوعا. فالطفل الذي يكره الذهاب إلى المدرسة لخوفه من العقاب البدني أو الإهانات التي يوجهها إليه أحد المعلمين، أو لعجزه عن الوصول إلى مستوى مناسب من التحصيل الدراسي.. مما يجعله مثار سخرية واستهزاء زملائه، مثل هذا الطفل قد يتخذ من الصداع سببا في عدم الذهاب إلى المدرسة. والواقع أن هذا الصداع ولو لم يكن له أي أساس عضوي إلا أنه صداع يعاني منه الطفل ويؤلمه حقيقة. والعلاج الوحيد لهذا الصداع هو القضاء على المشكلات التي تواجه الطفل في مدرسته.
ومن الحيل العقلية التي تخدع النفس بها نفسها أحلام اليقظة والأوهام، وهي تعبير صريح عن الرغبات التي لم تتحقق في الواقع، كما تساعد الطفل على إشباع دوافعه النفسية والهروب ولو لفترة قصيرة من المواقف الصعبة التي يواجهها. وهذا هو ما يطلق عليه أحد علماء النفس، " استمتاعا سلبيا لا جهدا فاعليا". إذ إن الطفل في أوهامه يتخيل نفسه في المواقف الغريبة الرائعة التي لا يقف استمتاعه بما فيها من أشكال اللذة وألوان النجاح عند حد.
3 - التعويض
وتشير الكلمة هنا إلى واحد من معنيين: أولهما: الاتجاه نحو حافز جديد نتيجة إعاقة حافز قديم. ومثله الطفل الذي يعجز عن المباراة مع غيره في اللعب يعوض عجزه في الناحية البدنية بتفوقه في الناحية الفكرية، وهذا التعويض ليس فيه أي نوع من الخداع لأنه واقعي ومقصود، ثم إن فيه تقديرا دقيقا للواقع. وثانيهما: استبدال طريقة مباشرة من طرائق التعبير عن حافز ما بطريقة غير مباشرة. ومثل ذلك الصبي الذي يفشل في عمل من الأعمال، أو يواجه الإحباط في موقف من المواقف، أو وقفت أمام رغباته عقبة، فبدلا من أن يواجه نفسه ويوجه اللوم والعدوان إليها نجده يعمل على تحويل هذا العدوان إلى أشياء أو أفراد ليس لهم علاقة أو لم يكونوا سببا فيما يعانيه من إحباط.
4 - النكوص
إذا يئس الطفل من إيجاد حل لصعوبة تواجهه ولجأ في سلوكه إلى مرحلة نمو سابقة لمرحلة النمو التي يعيشها الآن كالبكاء والصراخ أو التبول اللا إرادي قلنا إنه نكص إلى طفولته، وهي حيلة قليلة الفائدة إلا في التنفيس المؤقت. ومنها أن يثور في وجه المجتمع إذا خاب، وأن ينحرف نحو ارتكاب الإثم عسى أن يجد هنا فرصة يستمد فيها بعض الرضا في التفوق على أقرانه، ويقود فئة من الأطفال يشعرون هم أيضا بمثل ما يشعر به من عجز أو قصور.
نصائح هامة
من الأهمية بمكان عظيم أن نشير إلى أن الكثرة العظمى من الأطفال الذين يخدعون أنفسهم باستخدام الحيل النفسية ليسوا نتاجا لماض لا يمكن إصلاحه، بل هم في الغالب نتيجة للبيئة التي نشأوا فيها.
وأهم عاملين في هذه البيئة هما البيت والمدرسة، لهذا يقع على الآباء والمربين مسئولية كبيرة نحو مساعدة هؤلاء الأطفال. ونقدم هنا بعض النصائح لتجنيب الأبناء هذه الحيل:
1 - إذا أكثر الأطفال في استخدام الحيل النفسية فإن على الآباء أن يبذلوا كل جهد مستطاع لتفهم الدوافع التي تقيم سلوك أبنائهم، ذلك لأن الدوافع هي الأمور الأساسية لا السلوك نفسه، ابحث عما يفكر فيه، ما هي مشكلاته وآماله وأسباب يأسه؟ فلعل الغيرة تأكله أو لعل خوفا غامضا يجثم عليه، أو لعله يشعر أنه أدنى مرتبة من الآخرين، فساعده حتى يرى الأمور على حقيقتها وعلى وجهها الصحيح، وأرشده إلى كيفية النجاح في مواجهة مشكلات الحياة اليومية.
مواجهة المهمات
2 - يستطيع الآباء بالقدوة الحسنة أن يعلموا أبناءهم كيف يحملون أعباءهم في روح رياضي صحيح، وكيف يقابلون الإخفاق في شجاعة، ويواجهون المهمات الخطيرة رغم ما يثقلهم من إشفاق وخشية إذ لا يتحتم أن يكون الإنسان الذي توافق توافقا طيبا مع أوضاع الحياة هو ذاك الذي تحميه مناعته من كل معضلات العالم العويصة أو ذاك الذي لا يستشعر الخوف مرة أو يلحقه الفشل مرات، بل هو الذي اتخذ من العادات ومن خصائص الخلق ما يهيئه لملاقاة صروف الحياة في علانية وجلاء.
معاملة ديمقراطية
3 - إذا أراد المعلم أن يؤدي خير ما عليه لزمه أن يعرف قدرة التلميذ العقلية وحياته الغريزية والانفعالية، وأن يدرك أفراحه وأتراحه. وينبغي ألا يرى الطفل في المعلم أو الأب حاكما بأمره، أو رمزا للقسوة والإرهاب، وهذا يتطلب من الآباء والمعلمين معاملة الأبناء والتلاميذ معاملة ديمقراطية خالية من الضغط والإرهاب، وأن يخلقوا في البيت والمدرسة جوا من المحبة تسوده الرعاية ويشيع فيه العطف والعدل.
الثقة بالنفس
4 - تدعيم ثقة الطفل بنفسه وذلك بمعاونة الطفل على تكوين شخصيته بأن نبين له نواحي القوة في نفوسه ونزكيها ونكشف نواحي الضعف عنده ونعالجها. وكلما بكرنا في تهيئة الفرصة للصغير كي يعمل وكي يلعب وكي ينافس غيره من الأطفال في مثل سنه، كان له في ذلك ما يدفعه على اتخاذ العادات التي تساعده على مواجهة مشكلاته وحلها.
وفوق كل هذا ينبغي ألا نطلب منه سوى المعقول من الأمور، وإذا أبطأ في أدائه فمن الخير أن نتريث وأن نعطيه ما يكفيه من وقت بحيث يستطيع أن يحقق نجاحا، فذلك يزيد ثقته بنفسه وخاصة لو أظهرنا الاهتمام والتقدير بما يحققه.