رؤية فقهية معاصرة
هناك توجه عام لدى دول مجلس التعاون، نحو توسيع قاعدة مشاركة المرأة الخليجية في الحياة العامة، لأن هذه المشاركة ضرورة للتنيمة ووسيلة فعالة في معالجة الخلل السكاني.
برزت في الآونة الأخيرة، اهتمامات متزايدة، بدعم وتأكيد المشاركة السياسية للمرأة الخليجية، وتمثل ذلك في وصولها إلى مناصب قيادية في معظم الدول الخليجية، سواء كان على مستوى مديرة جامعة أو وكيلة وزارة أو سفيرة أو نائبة في المجلس التشريعي، ومن المتوقع وصولها قريباً إلى مناصب وزارية. ففي عُمان يتم تعيين 4 من النساء في مجلس الدولة، وتفوز امرأتان بعضوية مجلس الشورى العماني في منافسة انتخابية عامة، وفي قطر، تشارك النساء في أول انتخابات عامة للمجلس البلدي وبإقبال فاق كل التوقعات، وتترشح بعض القطريات لعضوية المجلس، وإذا كان الحظ لم يحالفهن فذلك لقلة الخبرة وشدة المنافسة، وسيمتد هذا الحق إلى انتخابات مجلس الشورى القطري القادم بعد وضع الدستور الدائم.
وفي دولة الإمارات، يؤكد رئيس الدولة حق الإماراتية في المشاركة السياسية وحقها في عضوية المجلس الوطني، وفي البحرين يؤكد رئيس الحكومة تعزيز دور البحرينية، وفي السعودية يصرح ولي العهد بقوله "لن نسمح بتهميش دور المرأة في المجتمع" وتطالعنا الصحف أخيرا بالسماح للمرأة السعودية بحضور جلسات مجلس الشورى السعودي بصفة مراقبة، ويتم ذلك بالفعل، كل هذه التطورات السريعة، تؤكد أن المرأة الخليجية ستنال جميع حقوقها السياسية وستمارسها فعلاً، وأن المسألة مرهونة بالوقت والملاءمة.
يأتي هذا الاهتمام المتزايد من قبل قادة المجلس بدعم المشاركة السياسية للمرأة الخليجية، في إطار التوجه العالمي الضاغط نحو التأكيد على حقوق الإنسان، ومكافحة شتى أشكال التمييز ضد المرأة، كتمهيد أساسي، وتأهيل ضروري لدخول القرن المقبل، ذلك القرن الذي نرجو ويرجو فيه كل نصير لحقوق الإنسان، ألا يكون فيه مجال للنظم التي تضطهد الإنسان وتصادر حقوقه وتقيد حرياته.
ورغم التقبل المجتمعي لهذا التوجه والترحيب به، فأن هناك في المقابل جماعات تعارض حق المشاركة السياسية للمرأة، لاعتبارات دينية واجتماعية، وتتباين مواقف هذه الجماعات من الرفض المطلق للحق السياسي انتخابا وترشيحاً إلى رفض الترشيح دون الانتخاب.
وكذلك تتباين المعارضة شدة واتساعاً من دولة إلى أخرى، ولعل أوسعها وأشدها ما حصل غداة صدور المرسوم الأميري في الكويت بقانون بمنح المرأة الكويتية كامل الحقوق السياسية،، إذ تطرف البعض ووصف ذلك الإجراء بالمعصية التي لا طاعة للحاكم فيها.
وهذه محاولة لإلقاء الأضواء على أبرز الحجج للرافضين دينياً، وهدفنا الوصول إلى فهم أرحب يساعد على التوصل إلى قناعة مشتركة بين الجميع.
حجج الرافضين
يذكر المعارضون لحقوق المرأة السياسية، أن المجالس النيابية أو الشورية، إنما تمثل الولاية العامة أو القوامة للمجتمع، لأنها السلطة الأعلى التي تحاسب الوزراء ورئيسهم، وتُسيّر أمور السياسة، والولاية العامة قصرتها الشريعة على الرجال، دون النساء، عملاً بالآية الكريمة سورة النساء آية 34الرجال قوامون على النساء، وبمفهوم الحديث الشريف لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة.
إذ يرون أن القوامة عامة، وأن الولاية العامة شاملة لكل الولايات في المجتمع.
ولكن هذا الفهم للآية والحديث غير مسلم به وذلك للاعتبارات الآتية:
1 - الآية الكريمة سورة النساء آية 34الرجال قوامون على النساء واردة في سياق شئون الأسرة، في قوامة الرجل على أهل بيته، يؤكد ذلك تركيب الآية وسياقها، فلا علاقة للآية بالحقوق السياسية.
2 - الحديث الشريف لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة وارد في شأن الإمامة العظمى، ولا علاقة له بالحقوق السياسية المتعلقة بالانتخاب والترشيح، يؤكد هذا الفهم، قوله صلى الله عليه وسلم "ولوا أمرهم" أي أمر قيادتهم ورئاستهم العامة، ويؤكده أيضا سبب ورود الحديث، حين تولية بنت كسرى حكم الإمبراطورية، خلفاً لأبيها، ويؤكده مرة ثالثة أن الفقهاء القدامى رحمهم الله عندما عرضوا لهذا الحديث، وتناولوا شروط الإمامة ومنها شرط الذكورة، لم يتطرقوا للحقوق السياسية المتعلقة بالانتخاب والترشيح، إذ هي أمور متعلقة بتنظيمات مستحدثة، وهم إذا اتفقوا على منع المرأة من الإمامة العظمى أو الخلافة إلا أنهم اختلفوا في بقية الولايات العامة، كالقضاء، فمنعه الجمهور وأجازه ابن حزم والطبري وابن القاسم.
3 - عموم الحديث، معارض بظاهر القرآن الذي أثنى على المرأة التي حكمت بالشورى وهي بلقيس سورة النمل آية 32قالت يا أيها الملأ، أفتوني في أمري، ما كنت قاطعة أمراً حتى تشهدون.
4 - عموم الحديث، منقوض بوقائع تاريخية قديماً وحديثاً شهدت بقدرة المرأة وأهليتها للقيادة والحكم والإدارة.
5 - إن عدم الفلاح المحذور منه في الحديث إنما يتعلق بالوضع الذي تكون فيه المرأة حاكمة مطلقة، بيدها مقاليد الأمور، فلا يرد لها أمر ولا نهي، وأما طبيعة الحكم في النظم الديمقراطية المعاصرة، فهي حكم مؤسسات، لا تتأثر بجنس شاغل المنصب رجلاً كان أو امرأة لأن المسئولية فيها جماعية ومشتركة، والمرأة حين تتولى منصباً عاماً في مثل هذا النظام لا تكون مقاليد الأمور بيدها وحدها وإنما تشاركها أجهزة كثيرة، فرئيسة الوزراء في النظام الديمقراطي ليست هي الحاكمة المطلقة، وإنما مجلس الوزراء الذي يحكم بصفته الجماعية، ولعل هذه الصورة تختلف عن الصورة التي ورد النهي في شأنها.
6 - وأما كون المجلس هو الذي يدير دفة السياسة وهو القوام، فهذا باعتبار مجموع أفراده لا بعضه أو كل فرد فيه، فوجود بعض النساء في المجلس لا يتعارض مع كون السلطة العامة للرجال، لأن السلطة منسوبة إلى الأغلبية، والأغلبية في المجلس إنما هي للرجال الذين بيدهم السلطة والقرار، يؤكد ذلك أن الدول التي طبقت المساواة المطلقة في الحقوق السياسية بين الرجال والنساء ومنذ زمن بعيد مازالت السلطة العامة فيها بيد الرجال سواء في المناصب القيادية أو المجالس النيابية.
7 - على أن تضخيم دور المجلس لا يتفق والواقع السياسي المعاصر لمجتمعنا العربي والإسلامي، ومجالسنا التشريعية لا يخرج عملها عن الرقابة والتشريع كما أسلفنا، وهما أمران غير محظورين على المرأة كما ذكرنا، وقد مارستهما المرأة قديما في الصدر الأول، وتمارسهما المرأة حديثاً في كثير من مجتمعاتنا، بل إن في وجود المرأة في المجلس، ما يعين على ترشيد القرارات المتعلقة بتشريعات المرأة والأسرة والطفولة، ولا تكفي إنابة الرجال عنها، ما دامت المرأة قادرة على التعبير عن إرادتها، فلا يُقضى وصاحب الحق غائب، والرسول صلى الله عليه وسلم لم يكتف ببيعة الرجال عن النساء.
8 - كذلك لا تعارض بين قوامية الرجل في الحياة الأسرية، أو قوامية الرجال باعتبار مجموعهم في الحياة العامة، وولاية بعض النساء على بعض الرجال خارج النطاق الأسري إذ لم يرد ما يمنع ذلك، فكم من معلم في مدرسة تديرها امرأة، وكم من أستاذ في كلية، عميدتها امرأة، وقد يكون زوج المرأة نفسه، مرءوساً لها في شركة أو مؤسسة.
9 - وأما كون المجلس أعلى رتبة من الحكومة ورئيسها، لأنه يملك حق المحاسبة، فالمحاسبة أمر مشترك بين المسلمين جميعاً، بغض النظر عن مراتبهم، فمن حق أقل القوم رتبة أن يسائل أعلاهم، والمرأة تحاسب زوجها، وهو القوام عليها، والمجلس وإن كان الأعلى سلطة، فذلك كما قلنا باعتبار مجموعه لا باعتبار كل فرد فيه.
وبعد أن انتهينا من مناقشة حجج المعارضين لحقوق المرأة السياسية، يحسن أن نذكر أبرز حجج المؤيدين لتلك الحقوق، فماذا يقولون؟
شرعية حقوق المرأة
يرى أنصار الحقوق السياسية للمرأة والمؤيدون لها، أنهم في غير حاجة أصلاً إلى البحث عن أدلة تبيح الحقوق السياسية للمرأة لسبب بسيط ولكنه عظيم الأهمية وهو أن الأصل في الأشياء الإباحة، فكل التصرفات والعادات والمعاملات والتنظيمات، الأصل فيها هو الحل، فالقائل بمشروعية الحقوق السياسية للمرأة غير مطالب بتقديم الدليل على دعواه، لأن معه دليل الأصل وهو دليل قوي في الشريعة الإسلامية، وعلى المعارض أو المحرم أن يقدم الدليل الذي لا يحتمل الاختلاف.
ومع ذلك فإنه لا بأس من عرض المؤكدات الشرعية لحقوق المرأة السياسية وهي:
1 - لم يثبت ورود نص قرآني أو سنة نبوية أو إجماع صحيح صريح أو قياس معتبر يحرم حق الانتخاب والترشيح على المرأة، فليس من حق البشر أن يقولوا بالتحريم من غير دليل، إذ لو كان محرماً لنص عليه القرآن أو فصلته السنة.
2 - إننا يجب ألا نلزم أنفسنا ولا نلزم الآخرين إلا بالنصوص الصريحة الثابتة، أما النصوص غير الثابتة، كالأحاديث الضعيفة أو ما كان محتملاً لأكثر من رأي فليس لأحد أن يلزم الأمة برأيه وبخاصة في الأمور الاجتماعية العامة.
3 - حقوق الإنسان، ومنها حق الانتخاب والترشيح، هبة من الله تعالى خالق الإنسان بمقتضى التكريم الإلهي سورة الإسراء آية 70ولقد كرمنا بني آدم، فلا يحق لبشر أن يصادر هذه الحقوق أو يمنعها أو ينتقص منها.
4 - المساواة العامة في الحقوق والواجبات بين الجنسين، هي القاعدة العامة في الشريعة، إلا ما استثنى بنص صريح.
والمرأة إنسان مكلف مثل الرجل، وكل خطابات الشارع تشملها إلا ما دل عليه دليل معين من أنه حكم خاص بالرجال أو خاص بالمرأة أو دل على وجود اختلاف بينهما كالميراث والشهادة وذلك لاعتبارات معينة لا علاقة لها بنقص أو كمال أحدهما على الآخر.
5 - المرأة تساهم الآن في بناء المجتمع وتطوره وتقدمه، فهي شريكة، ومن حقها أن يكون لها رأي في أمر مجتمعها وفي صنع القرار، والقرآن يجعل مسئولية بناء المجتمع وتقويمه وإصلاحه، مسئولية مشتركة بين الجنسين في قوله تعالى سورة التوبة آية 71والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر.
ولا يقال أن لا حاجة للمرأة في الانتخاب أو دخول البرلمان، بل الحاجة قائمة وهي حاجة اجتماعية وسياسية وهي أكبر من الحاجات الفردية، فمشاركة المرأة في الانتخاب ودخولها المجلس النيابي لنصرة الحق والعدل والاتجاه الإصلاحي، في كل ذلك خير لها ولمجتمعها، وكذلك فإن للمرأة مطالب وحقوقا وهي أقدر على التعبير عنها وبخاصة فيما يتعلق بأمور المرأة والأسرة والأطفال، فيجب أن تكون حاضرة لتعبر عن رأيها بنفسها، ولذلك فوجود المرأة في المجلس التشريعي ضروري من أجل ترشيد القرار وتدعيم القيم الإيجابية، وهو كما قلنا من قبل، قيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مأجورة عليه.
6 - العمل الانتخابي، توكيل ونيابة، والعمل النيابي، رقابة وتشريع، والمرأة في الإسلام ليست ممنوعة من التوكيل أو من الرقابة والتشريع.
7 - المرأة المسلمة في صدر الإسلام مارست أشكالاً من الحقوق السياسية تمثلت في البيعة والهجرة والدفاع عن الإسلام والرقابة السياسية، وبالأسلوب المتناسب مع ذلك العصر، ولا يوجد في الشريعة ما يمنع المرأة من مزاولة الحقوق السياسية وبالأسلوب المتناسب مع هذا العصر.
8 - إن المسجد كان داراً للشورى العامة وكانت النساء يحضرن المسجد بانتظام طوال عصري الرسول صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين ويستمعن إلى رئيس الدولة طالباً الرأي والمشورة فيشاركن في صنع القرار والتشريع.
9 - ما يتعلق بالعمل الانتخابي والنيابي، يدخل ضمن مفاهيم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبذل النصيحة الواجبة، وهي أمور مطلوبة من الجنسين، ومسئولية مجتمعية مشتركة، والمرأة مثل الرجل مدعوة إلى الإسهام في شئون مجتمعها في حدود ظروفها وقدرتها بجانب مسئوليتها الأسرية.
وأخيراً فإن قضية الحق السياسي للمرأة في الانتخاب والترشيح، أصبحت محسومة على المستوى السياسي لدى معظم التيارات السياسية الإسلامية، والفكر السياسي الإسلامي قد تجاوز هذه القضية، كما تجاوز من قبل قضيتي تعليم المرأة وعملها، وكذلك يجب أن يكون واضحاً للجميع وبخاصة للدعاة والخطباء بأن من حق ولي الأمر في المسائل الخلافية، اختيار الرأي الذي يراه محققاً للصالح العام، وبخاصة إذا كان هو الرأي المتفق مع القواعد الشرعية العامة، ويكون من خطأ الرأي، وصف الرأي الخلافي بالمعصية، فذلك لا يتفق وآداب الإسلام بالدعوة بالتي هي أحسن، كما يجب إبعاد منابر المساجد عن الخلافات السياسية أو الحزبية أو المذهبية، فلا يجوز للخطيب فرض رأيه في مسألة خلافية أو اتهام وتجريح المخالفين له في الرأي، وينبغي العمل على تأكيد رسالة المسجد في تعزيز مبادئ الإسلام وتعاليمه وقيمه والتي تشكل القواسم المشتركة التي هي محل اتفاق الأمة.