مختارات من:

علاقة الزخرفة والحروفية بالفنون التشكيلية في الغرب والعالم العربي

سوزان شكرون

استكمالاً لبحثنا السابق في مجلة العربي حول «مصادر الفنون الحديثة»، جاء هذا البحث ليضيء بعض الجوانب الأخرى من هذه الفنون (قديمها وحديثها) عبر الإطلالة على «فن الزخرفة» وعلاقته بالفنون التشكيلية، التي أصبحت كباقة زهور تُضيء عالم الفن الجميل.

ترتبط الفنون ارتباطاً وثيقاً بحياة الإنسان منذ وجوده، وخير دليل على كلامنا هو ما نعلمه عن الآثار التي تركها الإنسان بدءاً من مغاور «لاسكو» و«آلتاميرا». لم تكن هذه الرسوم التي وضعها إنسان الكهوف ذات وظيفة وجودية وروحية فقط بل كانت لها أهداف جمالية، يظهر ذلك من خلال انسيابات الخطوط وحركاتها وتنوّع الكتل في الرسوم.

ومع مرور الوقت تطوّر وعي الإنسان وحاجاته الجمالية تبعًا لنمط عيشه وتعقيدات الأزمنة. من هنا وُلد ما يُسمّى بفن الزخرفة التي تتصف بكونها علاقات تناسق ونظام، تخضع لاحتياجات جمالية بحتة. وهي بذلك تختلف عن سائر الفنون التي تتضمن مدلولاً تعبيرياً مباشراً أو غير مباشر. فالفن الزخرفي يخضع لمبادئ يمكن تعلمها والاستناد إليها في عملية التأليف الزخرفي.

لكن قبل الدخول في تفاصيل بحثنا نود أن نشير إلى أنّ هذا الفن تحوّل مع الوقت إلى فن قائم بذاته، وقد ارتبطت في بعض الأوقات الفنون الجميلة بالفنون التطبيقية، ما خلق إشكالات كثيرة في نسبة هذا الفن إلى تعريفات تعود إلى عطاءات الشعوب وإبداعاتها. فالزخرفة في الفنون البدائية كانت حاجة أكثر منها ترفاً كما في الفنون الحديثة والمعاصرة، فالتفرقة بين الفنون الجميلة والتطبيقية غريبة على الإنسان البدائي، على حد تعبير «مرجريت ترويل». وقد زاد الفن الحديث من تلك الإشكاليات. واذا ما وصلنا إلى الفنان العربي وهوية اللوحة الخاصة به، وهوية التسمية: فن عربي أم فن إسلامي أم فن عربي إسلامي؟ لزادت الإشكالية، تضاف إليها قراءة العمل وتعريفه. هل المقصود فن الخط منفصلاً عن الزخرفة أو العمارة أو الحفر والحوامل المختلفة؟ وهل المقصود جمالية هذا الخط أم دلالاته المختلفة من روحية وفلسفية ووجودية وفكرية... إلخ؟ وما هو الحد الزماني له؟ والحد المكاني؟ وتبقى إشكالية الهوية التي هي الأساس. إشكاليات وأسئلة كثيرة تتعدّد وتتداخل، لا يدّعي هذا البحث الإجابة عنها بل الإضاءة بغية إعطائه أبعاده التي يمكنها أن تجد أجوبة يوماً ما.

أما إذا أردنا تعريفها، فالزخرفة هي تصميم يستخدم نموذجًا يتكرّر عبره إيقاعياً عنصر واحد أو أكثر، أو في حالة عدم التكرار فتكون العناصر داخل الشكل العام كلاً متوازناً.

لمحة تاريخية

كثيرة هي الشعوب التي لجأت إلى هذا النوع من الفنون، واللائحة تطول، وقد تأتي المنطقة العربية على رأسها، لاسيما فنون «ما بين النهرين» التابعة للحضارات القديمة التي تعاقبت على المنطقة العربية: كـ «الأشوري» و«البابلي» و«السومري» و«الأخميني»، التي استعملت أوراق النخيل كحامل لها قبل أن يتواجد الورق على أنواعه والقماش والحوامل الأخرى، هذا إضافة إلى تميّز هذه الشعوب بالكتابة المسمارية على ألواح من الحجر، وهي كتابة اشتهرت بها أيضاً الحضارة الفرعونية. أما الفن الفرعوني، الرائد في مجال الفنون الجدارية والتزيينية والرسم على ورق البردى، فقد استلهم منه الغرب الكثير لرفد اللوحة والعمل التشكيلي الحديث. وهناك الفن «البيزنطي» و«الساساني الفارسي», اللذان كان لهما أعظم الأثر في نشوء فن الزخرفة الإسلامية فيما بعد.

مهما يكن من أمر، فإن تطوّر الفنون الزخرفية يعود إلى عوامل الاستقرار عند الشعوب, «التي أدّت بها عاداتها الدينية أو نظمها الملكية الاجتماعية إلى تنمية نوع من العمارة, هي التي طوّرت فنونها الزخرفية»، وقد تكون هذه النماذج تجريدية أو هندسية في معظمها، لكن الأشكال التمثيلية من آدمية وحيوانية ونباتية وجمادية تستخدم أيضاً، فتجيء معالجتها زخرفية المقصد، وهذا التمثيل كثيراً ما يكون رمزياً كمحاولة من الإنسان لفهم الكون والوجود والماهية وتمثلها بعلامات تختصر الإنسان ومشاعره.

بدورها، فإن القبائل والشعوب الإفريقية قد عرفت ولم تزل حتى وقتنا الحاضر هذا النوع من الفنون للأسباب ذاتها التي ذكرناها، وقد تنوعت الحوامل عندها، منها ما يتعلق بالحائط وبالحصير والستر والسلال والقماش والمنسوجات على أنواعها والخرز والجلود المدبوغة والوشم على الجسد والقرع والخشب والعاج والمعادن والفخار... إلخ.

علاقة المسلمين بالزخرفة والخط

أما عند المسلمين فتتعدد الروايات، وإن كان أغلبها يُرجع الأمر إلى تحريم التصوير التمثيلي (التشبيهي). ومن دون الوقوف على تفاصيل هذه الحجة، امتاز الإسلام بهذا الفن الذي يُطلق عليه في الغرب «أرابيسك L`Arabesque» كتعبير عن مصدره. وقد انقسمت الزخرفة عند المسلمين إلى نوعين: نباتية وهندسية «عربسات». ولا نخفي هنا أمراً وهو أن المسلمين قد أخذوا عن البيزنطيين مفردات كثيرة كزخرفة التيجان والأعمدة وغيرها. مع الإشارة هنا إلى أن فن الزجاج المعشق «الفيتراي Le vitrail»، الذي عرف امتداده وتاريخه في أوربا، قد استعان بشكل كبير بالزخارف المنوّعة في جنبات النوافذ المعشقة (الحواف) من أشكال نباتية وحيوانية مؤسلبة، علما بأن هذا الفن تعود جذوره إلى بلاد الشام على حدّ اعتراف «جون لافون Jean Lafond» في كتابه «الفيتراي»، كما أوضح الباحث يوسف غزاوي في بحث له في مجلة العربي عن هذا الفن القديم- الجديد.

وقد امتاز العرب المسلمون باستعمال الخط العربي كمفردة دلالية وجمالية في آن معا لإغناء الفن الزخرفي، حيث شكل الخط العربي الإسلامي في بعض الأحيان عنصراً أساسياً في العمل، وقد أدخلت عليه زخارف منوّعة لتعبئة الفراغ (الذي يهابه المسلم) داخل الحرف ذاته الذي ينتفخ في وسطه لإعطائه حجماً وللتمكن من رؤيته، وقد يكون في أعمال أخرى عنصراً إضافياً مكملاً كما في المنمنمات الفارسية والعربية كما حصل مع «بهزاد» و«الواسطي» وغيرهما.

«وقد دخل الخط العربي في صميم الزخرفة والرقش العربي منذ فجر الإسلام، وكان أهل الكوفة أكثر المسلمين عناية بالخط الذي أخذ أشكالاً هندسية مضلعة، وهكذا استعمل الخط الكوفي في أعمال التدوين والتزيين, بينما استعملت خطوط لينة للمكاتبات. وكان الخطاطون أعلى الفنيين مكانة لكتابتهم القرآن».

يظهر هذا الشيء أهمية الخط عند المسلم، وهو أحد الأسباب التي أدت إلى الاهتمام به وتطويره وتجويده.

أما المنمنمات فكانت من توابع كتابة المؤلفات والقصائد بخطوط جميلة، تزينها برسوم تمثيلية بيانية بريشة ناعمة مرهفة وبألوان شفافة جميلة، ولقد سمّي هذا التصوير بالمنمنمات، وازدهر في الشرق المسلم. ومن أشهر المخطوطات «مقامات الحريري» التي كتبها وصورها يحيى بن محمود الواسطي، وكتاب «كليلة ودمنة» وكتاب «خواص العقاقير».. قبل أن يتأثر بالفن الصيني ويعرف تألقه على يد محمد بن محمود البغدادي. وهناك «بهزاد» في عهد «الصفويين» الذي وطد الفن الفارسي وفيما بعد، في العصور اللاحقة، عُرف فن «المنياتور» المأخوذ عن فن «المنمنمات»، وهو فن الرسم الدقيق على مساحات صغيرة، متناهية في الصغر. ويرسم عادة على ورق جلد الرق (رق الغزال) أو العاج أو ألواح من مادة الخشب أو ما يماثلها من المواد الأخرى، حسب تعبير الفنان والباحث محمد حماد في كتابه «تكنولوجيا التصوير». ويكون الرسم بالألوان المائية أو بالألوان المصنوعة من الصمغ العربي الذائب في الماء كألوان الغواش. وتأتي أيضاً عملية التذهيب لتضاف إلى هذا الفن وتعطيه جمالية ولمعاناً وبعداً دينياً، لاسيّما الأعمال التي تتناول القديسين والأيقونات.

الغرب والزخرفة

أما عن الفن الحديث، فقد أخذ هذا الفن أبعاداً وأشكالاً مختلفة، تتعدد بتعدد الفنانين والتيارات وتعريفات الحداثة المتعددة وانفتاح الفن العربي على الفنون الغربية وجعلها مرجعاً لأعماله ورؤيته. تعود الحكاية إلى حملة نابليون بونابارت ومجيئه إلى مصر وانفتاح الفنان الغربي على تراث الشرق ومحاولته تجديد رؤيته الفنية الخاصة كما حصل مع الفنانين الرومانسيين، يأتي على رأسهم أوجين ديلاكروا Eugène Delacroix وزخرفة أعماله ونساء لوحاته بحلي الشرق ومجوهراته، ليأتي فيما بعد دور بول كلي Paul Klee وهنري ماتيس Henri Matisse وغيرهما. فنرى في أعمال الأوّل الخطوط اللينة والخط المتصل اللانهائي، المستوحى من فكرة الامتداد اللامتناهي عند المسلم، كما في عمله «تأرجح المراكب 1927» ولوحة «أغنية إلى القمر»، واستلهامه السجاد العربي بشكل تجريدي هندسي. وتبقى أهم أعماله تلك المتأثرة بالخط العربي غير المقروء بطبيعة الأمر لكنه ساحر بحضوره وامتداداته وتنوعه، ليكون فيما بعد مرجعاً للفنانين العرب. أما ماتيس فقد استلهم الخط العربي في لوحاته التي تمثل العاريات ضمن زخرفة شرقية بعين غربية لا تخلو من الغرابة والسحر والخيال.

وكذلك أعمال مدرسة «الأنبياء Le Nabis» و«الفن الجديد L`Art Nouveau» الذي استوحى الشرق العربي والياباني والصيني في أعماله.

لم يقتصر الأمر على حدود أوربا بل وصل إلى أمريكا مع «التعبيريين التجريديين Les expressionnistes abstraits» الذين استلهموا بدورهم الفن الأوربي، لاسيما السريالي منه الذي لم يكن بدوره بعيداً عن استلهام الشرق وروحه عبر الكتابات الأوتوماتية التلقائية المتراقصة في كل الأمكنة. فها هو هانز هارتونغ Hans Hartungالتعبيري الذي يعتبر فنه كتابة داخلية، وبيار سولاج Pierre Soulage عبر كتله المتراصة عبر الأحزمة السوداء، ولا يبتعد عنهما فرانز كلاين Franz Kline عبر بقعه المعتمة المتحركة، ومارك توبي Mark Tobey الذي زار الشرق العربي والأقصى وتأثر بالديانة والفلسفة البهائية، ونفذ أعمالاً في «الزن Le Zen» أسماها «كتابة بيضاء écriture blanche»، مستوحيا فيها كتابة وخطية الشرق الأدنى. إنّ عمل «توبي» عبارة عن تركيب بين الشرق والغرب وعن «عالم الذات» الذي لا يستسلم لنا إلا بعد تأمل طويل. وهناك جورج ماتيو Georges Mathieu الذي طوّر جمالية السرعة والمغامرة لا تغيب عنها روحية الخط العربي وحركيته.

ونستطيع أيضاً أن نذكر فن «الأبروجان» الأسترالي الذي يعيش في عصرين متناقضين «القديم والحديث» عبر زخرفة ألهمت الكثير من الفنانين المحدثين والمعاصرين، لاسيّما فناني التيار المفهومي L`art conceptuel.

يقول الفنان التشكيلي والباحث د.عادل قديح: «الواقع الذي لا بد من ذكره أن العرب لم يكونوا السباقين في استلهامهم (calligraphie La) للخط في لوحاتهم، فالحركة منشؤها الفن الغربي الحديث، بدأت مع براك الذي أدخل أولى علاماته الحروفية في لوحته «البرتغالي» وقد تضمنت هذه اللوحة حروفاً وأرقاماً، فكانت المدرسة التكعيبية هي أول من أثار الانتباه إلى أهمية الحرف كعنصر تشكيلي».لقد تحول الحرف في الفنون التشكيلية المعاصرة للتعبير عن الأيديولوجية الفردية للفنان. وقد شهد الحرف في تحولاته نقلتين نوعيتين، حسب تعبير الباحثة مدار أسعد: «النقلة الأولى من كونه حاملاً للمقدّس إلى الكتابة التي نقلت الثقافات المتعددة للآخر، ثم تأتي النقلة الثانية وهي من الكتابة إلى الفنون التشكيلية» التي أضافت أن «الحرف هو الذرة أو النواة التي تتحرك في اتجاهات مرسومة لتولد الطاقة (...) يرمز حرف النون لطاقة الدائرة المنفتحة وحرف السين للكرسي والاستقرار وحرف الهاء للكتمان وحرف العين للسعة... إلخ». لذا فالحرف العربي حسب هذا التعريف لا يكمن سرّه في جماليته فقط بل في معناه المتعدد الأبعاد والدلالات.

تجارب عربيّة حديثة

لقد تعددت الأسماء والتجارب في الفن العربي الحديث ممن استلهمت التراث والخط والحرف العربي في اللوحة، مثل شاكر حسن آل سعيد وتجربة البعد الواحد في العمل عام 1970 مستوحية بذلك الفن الإسلامي. وهناك ضياء العزاوي ورافع الناصري ومحمد مهر الدين وحمد سعيد الصكار وجميل حمودي ومحمد صمود ومحمد الزواوي ورفيق شرف وسعيد عقل وإيتيل عدنان. كما أن هناك تجارب حاولت وتحاول خلق لوحة لها هوية خاصة، لكنها كانت تقع أسيرة التجارب الغربية ولم تتجاوزها فبقيت عند حدود التقليد من دون الوصول إلى إبداع يكون علامة حديثة ومعاصرة لهذا الفن على غرار تجربة «بول كلي» كرؤية حديثة غير مسبوقة في هذا الإطار.

برزت في بداية الستينيات محاولة من الفنان نجيب بن الخوجة لإعطاء التجريد صبغة محلية بإضافة عناصر من التراث التقليدي، وانطلقت إثر تلك التجربة تجارب أخرى لفنانين يستلهمون الخطوط أو الكتابة العربية وعناصر الزخرفة والرقش العربي في بناء اللوحة. وتعيد الأساليب التأصيلية الجديدة إلى الأذهان الشبه بين الحيز الجمالي الحديث ذي البعدين والحيز العربي الإسلامي.

«يقوم أسلوب نجيب بن الخوجة على موضوع البنية المعمارية للمدينة كنسق وإيقاع، وتتكوّن الصيغة الأكثر شيوعاً لهذا الأسلوب من هيكل يعتمد على علاقة ثابتة ومتكرّرة بين الخط المنحني والخط المستقيم في تكوينات توحي بنسق الخط الكوفي الهندسي والعمارة الإسلامية».

وكغيره من الفنانين العرب، استلهم نجا مهداوي الفن الغربي بأبعاده ومفاهيمه بأن «بدأ تجربته مع التجريد واللوحات المجسّمة، ثم انتقل في بداية السبعينيات إلى حروفية متأثرة في بداياته بعمل الرسام حسين رندة رودي.

ويبقى مهداوي ملتصقاً بتقاليد الخط والزخرفة الإسلامية، ويحرص على المظهر التنميقي وملء الفراغات على نطاق واسع».

وهناك أسماء أخرى كالعراقيين جميل حمودي ومديحة عمر وهما أوّل من أدخلا الكتابة العربية في التصاميم، و«شاكر حسن آل سعيد» عضو سابق في «جماعة بغداد للفن الحديث»، نشر مع فنانين آخرين، كـ «رافع الناصري» و«ضياء العزاوي»، بيان «البعد الواحد» عام 1971، والقصد من ذلك الرجوع إلى بُعدٍ للخط كانتماء إسلامي عروبي مناقض للبعد الثلاثي في اللوحة الغربية. رأى موقعو البيان أنّ استعمال الحرف العربي يجب أن يتخطى المفهوم التقني والمؤسلب للعمل التجريدي. فعلى الفنان العربي أن يجيد الربط بين استعمال الحرف وفن الكتابة الذي هو الشكل الفني الأكثر رقياً في الحضارة العربية. و«أدّى هذا النجاح الذي حققته هذه الطريقة الجديدة في فهم التجريد، وعُرفت باسم «الحروفية» إلى أن تصبح هذه الطريقة هي الحركة الفنية الوحيدة التي انتشرت عبر العالم العربي»، حسب تعريف الباحثة سيلفيا نايف، التي تضيف: «إنّ الحروفية محاولة لخلق حداثة تغرق في المحلي ولكنها تندمج في نهاية المطاف بالتيارات الثقافية العالمية في تلك الحقبة».

ويشير تعبير «الحروفية العربية» إلى حركة فنية عامة بدأت أواخر الأربعينيات وغمرت الشرق الأوسط بأكمله منذ السبعينيات. أما سبب ظهورها فيعود بشكل أساسي إلى نكبة فلسطين عام 1948 والهزائم العربية التي أنتجت ردات فعل من قبل الفنانين الذين يبحثون عن الأصالة في الفن ومزج التراث بالحداثة. فكانت «جماعة بغداد للفن الحديث» عام 1952، وقبلها «جماعة الفن الحديث» عام 1946 في القاهرة، أبرز جماعتين ظهرتا في تلك الفترة الزمنية، فدخلت حينها الكتابة العربية الفنون التشكيلية من جديد بعد انقطاع دام قروناً.

ومهما يكن من أمر، فقد عرفت الفنون التشكيلية تنوعات، كان للزخرفة حظها الوافر برفدها بها. فقد تنوعت الرؤية عبر الشعوب والعصور، واختلفت الأبعاد الجمالية التي يبقى الإنسان محورها ومحرّكها. لقد استفاد الفنان الغربي جيداً من فنون الزخرفة واستلهمها في عمله وأجاد بذلك. أما الفنان العربي الحديث فقد جاءت أعماله دون مستوى ما أبدعه الفن العربي الإسلامي في عهوده الذهبية السالفة. وتبقى إشكالية ظهور لوحة أو عمل عربي ذي هوية خالصة هي هذا الإنسان الغائب خلف أزمته الوجودية التي قذفتها الحداثة وما بعد الحداثة إلى أمكنة لم يعد بإمكانه ولوجها في أزمنته الحالية.

سوزان شكرون مجلة العربي اكتوبر 2011

تقييم المقال: 1 ... 10

info@3rbi.info 2016