مختارات من:

عزيزي العربي

مجموعة من الباحثين

* سؤال لقراء «العربي» عن «سلاح الصين السري»
طالعتنا إحدى الصحف الأجنبية بخبر مفاده عن الحرب السرية الخفية في بلاد الصين، وذلك عن قول صحيفة «التايمز» ومضمون الخبر عن استخدام الحمام الزاجل بالفكرة القديمة في المراسلة، واليوم أصبحت الصين تعمل بهذه الفكرة في الوقت الحاضر.

نرجو أن تعطونا فكرة واضحة ولو بشيء من التفصيل عن هذه المعلومة عن سلاح الصين السري «الحمام الزاجل سلاح الصين القديم - الجديد».

هذا ونتمنى لكم دوام التقدم.. مع التقدير.

فاهم مجبل العامري
النجف / العراق

* ألف سلام وتحية لكادر أسرة مجلة «العربي» الغراء
طالعت في العدد 621 أغسطس 2010 عرضًا لكتاب عنوانه «هل لإسرائيل مستقبل ؟» تأليف الدكتورة الأمريكية كونستانسي هيليارد أستاذة تاريخ الشرق الأوسط وإفريقيا جامعة شمال تكساس، واستعرض الكتاب الباحث الاقتصادي عامر التميمي.

واستوقفني ما استعرض من الكتاب ما نصه «... تعود الكاتبة إلى العام 1939 عندما غادر 937 من الألمان، منهم 936 يهوديًا ألمانيا على ظهر أحد المراكب باتجاه كوبا هربًا من الاضطهاد العنصري النازي، وهؤلاء اللاجئون تم رفض قبولهم في كوبا من حكومة الرئيس فريدريكو لاريدو ولم يسمح لهم بمغادرة السفينة».

وما أود استيضاحه من الرقم 937 وهو عدد المغادرين من البطش النازي. وعدد اليهود من هذا الرقم أعلاه 936 والفرق بين الرقمين هو الرقم (1) وأود أن أستوضح عن هذا الواحد من غير اليهود ممن كان على ظهر المركب.

وأيضًا هناك سؤال يطرح نفسه، لماذا رفضت الحكومة الكوبية استقبال هؤلاء اللاجئين، وهل كان الرفض عن معرفة سابقة بالشر الذي يحمله اليهود، لاسيما العنصريين منهم؟ أو كان الرفض بسبب العامل الاقتصادي؟ هذا ما أريد أن أستوضحه ممن استعرض الكتاب.

وتكملة للنص أعلاه، النص الذي يليه أيضًا يدعو للتساؤل حيث يقول النص «... وعندما اتجهت السفينة بركابها إلى شواطئ الولايات المتحدة الأمريكية قامت قوات خفر السواحل الأمريكية بتوجيه السفينة بعيدًا عن الشواطئ الأمريكية وإجبارها على العودة إلى أوربا، تم ذلك بالرغم من تعاطف الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت».

والسؤال الذي يطرح نفسه وبقوة: لماذا رفضت حكومة الولايات المتحدة الأمريكية (آنذاك) استقبال هؤلاء اللاجئين، علمًا بأن عددهم ليس بالكبير قياسًا بحجم الولايات المتحدة والتي هي أصلًا مكونة من المهاجرين من القارات الكبرى الثلاث أوربا وإفريقيا وآسيا واليهود فيها (أي في الولايات المتحدة) لهم الدور الفعال على المستويين الاقتصادي والسياسي؟

وفي تحليلي الشخصي أن هذا الرفض من قبل الحكومة الأمريكية له أيد خفية من قبل المتنفذين اليهود ممن لهم تأثير في صناعة القرار الأمريكي، ليجعلوا من هؤلاء اللاجئين وسيلة ضغط على أوربا، لاسيما بريطانيا لزجهم في فلسطين لوقوعها تحت انتدابهم وذلك للإسراع في تكوين الوطن القومي لليهود على أرض فلسطين العربية.

وإن كان هناك تحليل آخر فأرجو تبيانه.

واستوقفني أيضًا متأملًا ومتأثرًا من قوة وعظمة القضية الفلسطينية وتدخل الأقدار الإلهية في مسارها حيث جاء ما يلي:

«.. وبناء على الإحصاءات الرسمية، فإن عدد سكان إسرائيل من اليهود يقارب 5.5 مليون نسمة في عام 2008، فيما يبلغ عدد العرب المقيمين داخل إسرائيل، أراضي 1948، ما يزيد قليلًا على مليون فلسطيني داخل الضفة الغربية وغزة، ويبلغ معدل الخصوبة للمرأة الفلسطينية في سن الإنجاب 6 أطفال، في حين يبلغ 2.6 طفل للمرأة اليهودية في إسرائيل، وتقول الكاتبة إذا أضيف الفلسطينيون المقيمون في الشتات، وفي البلدان العربية وغيرها، فإن عدد الفلسطينيين سيصل إلى 9 ملايين نسمة..».

والنص أعلاه لا يحتاج إلى توضيح فهو واضح وضوح الشمس في وسط النهار. وما أود قوله هذه الإحصائيات الرسمية هي معجزة العصر الإلهية في نصرة الفلسطينيين من قبل السماء وترجيحهم سكانيًا على الرغم من أوضاعهم المعيشية السيئة، قياسًا بأوضاع اليهود الاقتصادية المترفة.

ولا يسعني في الختام إلا أن أقدم أسمى آيات الشكر والامتنان لكادر أسرة مجلة «العربي» الغراء وأتمنى لهم مزيدًا من التقدم والازدهار.

حسين هاشم آل طعمة
كربلاء - العراق

* تعقيبًا على مقال تكريم جميلة بوحيرد
شاهد المصريون والعرب في كل مكان الفيلم السينمائي «جميلة» نهاية الستينيات، بطولة الفنانة ماجدة، ونور الشريف، إنه الفيلم الذي عرف شهرة الممثلة ماجدة توًا ومن خلاله دخلت «جميلة بوحيرد» بيوت العرب ونالت إعجابهم، فإذا سألت اليوم مصريًّا أو سوريًّا أو عراقيًّا عن معرفته بأبطال ثورة الجزائر فسيقول لك مسرعًا: جميلة بوحيرد و... وآخرون!

كأن ثورة التحرير الجزائرية أصبحت من يومها «جميلة بوحيرد» البطلة التي قاومت الاستعمار الفرنسي بشجاعة وأزاحت عالم الرجال الأبطال من أذهان العرب، وتم تجاهل الحسين آيت أحمد وأحمد محساس وعبدالحميد مهري وعبان رمضان، وقائمة طويلة من الأبطال كأنهم أصبحوا بذلك يختصرون بطولات هؤلاء الأبطال الذين كانت أسماؤهم فقط ترعب العدو وتستنفر فيالق المخابرات في اسم «جميلة»، فهل حقًّا كانت هذه التي غطت على العربي بن مهيدي ومصطفى بن بولعيد لدى إخواننا العرب في المشرق العربي، هل حقا كانت بطلة؟ أقصد كانت بطلة أسطورية كما ذكر محمد بوفلاقة في مقاله «تكريم جميلة بوحيرد» بالعدد 628 - مارس 2011.

إنه فِعل الإعلام، ذلك الذي غير معرفة العرب بالثوار الكثر والحقيقيين مزيحا إياهم مختصرا قواف لهم باسم واحد ووحيد هو الأنثى المرأة «جميلة» إنه انحسار الإعلام الجزائري، خاصة السينما، وعدم قدرتها على تقديم أبطال ثورة الجزائر الخالدين للعرب عن طريق لغة يعرفونها، بسيطة ومفهومة تقترب من العربية الفصحى قدر المستطاع، حيث لم تركز تلك السينما على الشخصيات البطلة التي صنعت الثورة إلا أخيرًا، محاولة تقديم فيلم عن «مصطفى بن بولعيد أب الثورة الجزائرية» ولم يقدم الإعلام الجزائري طيلة أربعين سنة من الاستقلال ما يعرّف بأبطال تلك الثورة ومآثرهم الثورية، نتيجة ضعف الدوريات تجاه اللغة العربية التي تقدر على تخطي الحدود ومنافسة «الأهرام» و«الهلال» ونتيجة لتقاعس كتّاب السيناريو الفرانكوفونيين عن كتابة سيناريوهات عن هؤلاء الأبطال في سنوات الستينيات والسبعينيات.

بوزيان السالم بغلول - الجزائر

الترجمة أم التعريب؟
السادة الأفاضل في مجلة العربي المتألقة:

أود التعليق على خطأ يقع فيه الكثيرون ورد في الصفحة 98 من العدد 629 من مجلتنا المميزة. فقد كتب في المجلة «تعريب قصيدتين لماثياس وروبيو» وهنا مكمن الخطأ، وأقصد الخلط بين الترجمة والتعريب.

الترجمة تعني نقل كلمة أو نص أو حتى مؤلف كامل من لغة إلى أخرى.

أما كلمة التعريب فلا تعني كما يتوهم الكثيرون الترجمة من لغة أجنبية إلى اللغة العربية بل دخول كلمات كما هي من دون تغيير من لغات أجنبية إلى اللغة العربية بعد موافقة مجامع اللغة المختصة مثل الكلمات التالية:

«كونترول.. دكتور.. سينما.. فيديو.. بيانو.. باركينغ.. ستريس.. إلخ».

أحببت لفت الانتباه إلى هذا التفصيل الصغير كوني من الباحثين المهتمين بشئون اللغة العربية العظيمة.

وتفضلوا بقبول أعطر التحيات

د. سامي قباوة
حلب - سورية

تقدير وتحية من قارئ عراقي
حضرة الأستاذ المحترم رئيس تحرير مجلة «العربي» لقد قرأت مقالكم الافتتاحي «ثورة عصر» الذي نشر في العدد 629 - أبريل 2011 وهو رائع وتحفة جيدة وأشكركم.

وعندي ملاحظة لكم وللشعب الكويتي الشقيق مع أنها متأخرة جدًّا وهي أن الناس في مدن العراق وخاصة في الموصل منهم المثقفون والتدريسيون والمستقلون وعامة الناس في المجتمع والذين يخافون الله تعالى لم ولن يرضوا أو يقبلوا بالعدوان البعثي للطاغية على دولة الكويت الشقيقة عام 1990، وقد خلقت تلك الحرب المجنونة جفاء وبعدًا وحزنًا بين الشعبين الجارين والمسلمين مع شديد الأسف، لأننا كنا نحترم ونقدّر ونحب الكويت شعبًا وحضارة، وخير دليل على ذلك الآن التعاون والزيارات وللعلم أخي الدكتور رئيس التحرير، فإن الكثير من الناس في الموصل وقبل أكثر من 25 سنة كانت فقط تعرف وتسمع بالكويت الشقيقة عن طريق الإذاعة والتلفزيون ومسلسلاته الاجتماعية والشعبية الجميلة مثل «خالتي قماشة» وغيرها وكذلك الكتب ومجلة العربي والصحف الكويتية فكُلّما أسافر إلى الشام أشتري صحف الكويت من المكتبات. وأخيرًا أخي الكريم خلاصة كلامي لكم يجب أن تميز ما بين المواطن المستقل والطيب والبعثيين المعتدين عليكم فنحن أبرياء مما حدث وقام به هؤلاء في بلدكم والله يوفقكم ويحفظ الكويت والعراق.

د. طلال محمود
الموصل / العراق

التطبيع مع الزحام
من ضروب المستحيل إعادة أنهار الصفاء بينهما إلى مجراها الطبيعي.

أنا.. بهشاشة تحملي - ربما - بأنفاسي التي تلهث هاربة من صدري إلى المطلق عندما يحاصرني ذلك العدو الشرس.

والآخر.. زحام الأماكن واكتظاظ زواياها.. حينما تطبق بأكف القسوة على أجساد البشر.

بالنسبة لي تجتاح حدود صبري فتنفد إلى لحم طاقتي المبعثر على فراش الضجر.

غارق أنا في أوحال عرقي المتوحد مع صهد الأجساد التي تنتحر في أتون التلاصق والتصادم وعنف اللحظات.

عندما تعجز الأماكن عن أن تحتوينا.. ويهرب البراح إلى شقوق الضيق نتلاصق كحبات قمح على جسد سنبلة.. نختنق كسمكة على شاطئ نهر.. نحترق كعصفور النار.

الزحام ثقافة جديدة اقتحمت حياتنا، تضغط على أعصابنا، تتصارع طوال الوقت مع عقولنا ومشاعرنا كي نتقبلها ونتعامل معها بصورة طبيعية، تدعونا إلى التطبيع معها بلا أي شروط.

التقط بنفسك صورة من أي زوايا الكون لأي مقطع فيه، بكل اليسر لن تكتشف إلا زحامًا يصيبك بالغثيان.. ربما لن تجد في الصورة إلا هو..

الخالق العظيم منحنا الأرض نتبوأ منها حيث وكيف نشاء.. إنها تكفينا جميعًا دون أن نتعاطى الزحام في أطباق طعامنا أو في فناجين قهوة أحلامنا أو تحت ملابسنا، الخارجية منها والداخلية.

لكننا في لهاثنا المحموم نحو إشباع حاجات الأنا والذات المطلقة.. سقطت منا شارة العدل والإيثار على أرصفة الحياة.

فراغ هائل بلا حدود لا تدركه أبصار الأدنى من الناس - على كثرتهم - ينعم به قلة من الأقوياء والمحظوظين..وشقوق ليلية الإيقاع.. حجرية المردات.. لغتها خرساء.. أضواؤها عمياء تضم تحت أضلاعها المتوحشة معظم القطيع من بني البشر.. أولئك الضعفاء.. المطحونين المعجونين من قمح المعاناة والسابحين في أتون الكد وصهد الشقاء.

كم يصبح العنف يسيرًا في زحام الأمكنة.

بقدر ما تتقارب الرءوس.. تتباعد النفوس وتتنافر المشاعر والأعصاب.

يسيل دم الحب على أرصفة الضجر.. يتسرب من ثقوب الملل والقرف والضيق.

أيتها الأرض المباركة سامحينا.. ساعدينا.. أعيدينا إلينا.. فجري فينا ينابيع الصبر والتحمل.. وامنحينا أعظم هدية لابنك الإنسان.. العدل والحب علّنا بتلك المنحة نبدأ التطبيع مع الزحام رغم قسوته ووحشيته.

نبيه أحمد القرشومي
الدقهلية - مصر

تعقيباً على مقال «ما كل ما قيس على كلام العرب مقبول»
في العدد (630) من «العربي» (مايو 2011) ورد تعقيب من القارئ السيد محمد الحبيب، من المغرب، على مقالتي «ما كل ما قيس على كلام العرب مقبول» العدد 628 - مارس 2011، باب: اللغة حياة، وفيه أنني نسبت قصيدة «سمراء يا حلم الطفولة» إلى الشاعر اللبناني سعيد عقل، مع أنها فيما يعلم، للشاعر السعودي الأمير عبدالله الفيصل.

والحقيقة أن للشاعرين قصيدتين بالعنوان نفسه، وعلى نفس الوزن والقافية، والشطر الأول من مطلعهما واحد هو «سمراء يا حلم الطفولة» لكنهما تفترقان في الشطر الثاني وفي سائر الأبيات.

وبداية قصيدة سعيد عقل هي:

سمراء يا حلم الطفولة
وتمنُّعَ الشفة البخيلةْ
لا تَقْربي مني وظَلّي
فكرة لغدي جميلةْ

على حين أن بداية قصيدة عبدالله الفيصل:

سمراء يا حلم الطفولةْ
يا مُنية النفس العليلةْ
كيف الوصول إلى حماك
وليس لي في اليد حيلةْ؟

والبيت الذي استشهدتُ به في المقالة مأخوذ من قصيدة سعيد عقل وليس من قصيدة عبدالله الفيصل.

د. مصطفى علي الجوزو - لبنان

* الكويت .. رئة الثقافة العربية
رئةٌ ثقافيةٌ بحقّ.. لا يمكن أن يمرّ يوم ٌ دون أن نتنفسَ هواءها.. مطبوعاتها، سواء أكانت مجلة «العربي» أم «الكويت» أم غيرهما من المطبوعات التي ندين لها بالفضل في تكوين مكتباتنا وعقولنا. وأكاد أجزم بأنه ما من أحدٍ من مثقفينا ومبدعينا المعاصرين، إلا كانت الكويت أهم المحطات التي توقف عندها واستفاد منها. نعم.. أعطتْ للثقافة العربية الكثير، ولاتزال .. بكلّ رضا، ودون منّ، إيمانًا منها بأهمية الكلمة في تحصين الأمة، فرمّمتْ ما أمكن ترميمُه من البيت العربي المتهالك.

كتابتي عن الكويت ودورها الثقافي جاءتْ متأخرةً جدًا، وكانتْ ستتأخرُ أكثر لو لم تكن «فاطمة حسين» قد حرّكتِ الآسنَ بما كتبتْه في العمود الأخير من مجلة العربي (إلى أن نلتقي، العدد 615 - فبراير 2010م)، بعنوان: «نعم .. تستحق رد التحية».

الكاتبة والإعلامية الكويتية فاطمة حسين تمنّتْ على كلّ عربي أن يرسلَ للكويتِ ردًّا على تحيّتها له بمطبوعة مجلة العربي. وهي وإن كانت قد اعتذرتْ عن طلبها ردّ التحية، فقد أرسلتْ عتابها الضمني للمثقف العربي، في صمته تجاه الكويت ودورها الحضاري في محاولة النهوض بالأمة، وهي محقةٌ في ذلك، فالمثقف العربي أخفق في تقدير ذلك الدور، بيد أنه في اعتقادي - لم يكن جاحدًا، إنما الإحباط الذي يسيّج واقعَه هو الذي أجبره على الصمت.. ليس إلا، فضلًا عن قناعته بأن الكويت ليست بحاجةٍ إلى التحيّة، كونها اختطّتْ لنفسها هذا الطريق طوعًا، وحملتِ الراية منذ أكثر من نصف قرن من الزمان، غير آبهةٍ لجحود «س» أو تعامي «ص» مِن الناس، ولم تكن لتنتظرَ شكرًا أو ثناءً من أحد لشعورها بالمسؤولية الدينية والقومية تجاه أمتها، ولقناعتها بأن رسالتها أبلغ من الشكر العابر، وأدعى للخلود من الثناء الجامد البليد.

ومع ما يمكن أن يقال عن صمت المثقف العربي تجاهها تبقى الكويتُ حالةً استثنائية في العمل الثقافي العربي، فالحديث عنها لا يمكن أن يأخذ بُعدًا سياسيًا إلا في النادر الذي لا حكم له، وغالبًا ما يتمُّ تناولها بأبعادها الحضارية كدولةٍ سخّرتْ إمكانياتها لحمل راية التنوير في المنطقة، نائيةً بمشروعها الثقافي عن نَتَنِ السياسة، وتلك خصوصيةٌ تفرّدتْ بها، ونالتها عن جدارةٍ واستحقاق، شاءَ مَن شاء، وأبَى مَن أبَى. وهنا قد يقول قائل إنّ «مصر» كانت السبّاقة في حمل راية التنوير في المنطقة العربية، ومعه بعض الحق في ذلك، لكن تبقى التجربة الكويتية ذات خصوصية وتميز كونها وجّهتْ كل طاقاتها للعمل الثقافي بعيدًا عن السياسة، فضلًا عن أنها آثرتِ العمل بصمتٍ ورويّةٍ، فتمكنتْ من الإبداع والإمتاع.

ولم يكن ذلك وليد لحظته، أو نتاج المصادفة بل كان خلاصةَ رؤيةٍ ثاقبةٍ لإرادةٍ حكيمةٍ أفرزتها ثقافةٌ واعيةٌ متفتحة، أعلنتها الكويت قُبيل استقلالها بثلاث سنوات تقريبًا، وهي تشعل القنديل الأول من مجلة العربي، في كانون الأول/ ديسمبر 1958م، مؤكدةً أنّ الهم العربي باعثها الأوحد وإطارها الأكبر والأبرز. ولعلّ من يتابع أعداد هذه المجلة السامقة يدرك بما لا يدع مجالًا للشك - إخلاصها لهويتها العربية، من خلال سعيها الحثيث إلى تجسير الهوّة بين العرب والغرب، على كل المستويات. وكانت في أعدادها التي تجاوزت ستمائة عدد منذ تأسيسها إلى اليوم تسير بخطى ثابتة متّزنة، مستنيرة برؤى عميقةٍ، ومنهجٍ علميّ رصين حرصت من خلاله على استيعاب كل جديد، لكنها لم تتحول عن مسارها طرفة عين تحت أي ظرف، ولم تكن في أيٍّ من أعدادها خاويةً من زادها المعهود ولم تصدرْ مرّةً لأجل الصدور فقط.

كلّ ذلك يحتّم علينا أن ننحني إجلالًا لتلك المطبوعة العربية الرّاقية، التي تناسلتْ بملاحقها المتميزة، فضاعفتْ مسؤوليتنا تجاهها.. فلمن نرفع تحيتنا؟ هل لمجلة «العربي»؟ أم لـ «العربي العلمي»؟ أم لـ «العربي الصغير»؟ أم لـ «كتاب العربي»؟ لعل الكويت باعتبارها الحاضنة لكل هذه المنارات هي الأَولى بالتحيّة.

إنّ معالم الكويت الفكرية والثقافية تدلّ دلالة عميقة على جهودها الحقيقية للتنوير والنهوض، وهي - لعمري -أكبر من أنْ تُجحدَ.. ها أنا الآن أكتب ومطبوعاتها تقفُ أمامي كأشجار النخيل الباسقة، شاهدةً على عظمة دولةٍ احترمت العقل العربي في كل مكان، وآمنتْ بأهمية بناء الإنسان كرافدٍ رئيس لبناء الأوطان، فغدتْ ملء الأسماع والأبصار.

وليست «العربي» وحدها من ألهمتنا أبجديةَ حبِّ الكويت، بيد أنها كانت الشمعة البكر، وإلا فنوافذ الضوء التي أشرعتها في سمائنا العربية كثيرة، وفي مقدمتها إصدارات المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الشهرية والفصلية: «عالم المعرفة، عالم الفكر، الثقافة العالمية، من المسرح العالمي، إبداعات عالمية، جريدة الفنون»، بالإضافة إلى مجلة الكويت، والوعي الإسلامي، وغيرها من المطبوعات الفخمة مبنى ومعنى، والتي ينتظر صدورها المثقفون العرب على اختلاف مشاربهم - انتظار الأم لوليدها الغائب.

لم أكن معنيًا في هذه المساحة الضيقة بتبرير عجزنا عن إنصاف الكويت كمركزِ إشعاعٍ رائدٍ في الوطن الكبير، بقدر ما سعيتُ لتوسيع دائرة الماء التي أحدثها حجر الكاتبة والإعلامية الكويتية فاطمة حسين في مياه المثقف العربي الراكدة، ولا أدّعي أنني قد رددتُ التحية للكويت، إذ تبقى الكويت أكبرَ من تحيةٍ هي مَن منحتها معناها الحقيقي، لكنني أقول إنّ الكويت التي أنجبتْ «العربي» وغذّتها بالحبّ والحيوية، ومنحتها القدرة على التحليق في فضائنا الإنساني، ستظلّ جديرةً بحبّنا وعشقنا.

فسلامٌ عليكِ يا درة العرب الثقافية.. يا كويت، سلامٌ عليكِ وأنتِ ترسلين الضوء ساطعًا إلى كل بيتٍ عربي، وتضمّخينَ مجالسَ الفكر والأدب بعطركِ الفريد، سلامٌ عليكِ وأنتِ تمارسين فعلَ التميّزِ بوعيٍ ومسؤوليةٍ وتواضع، وتحملين مشروعًا حضاريًا تجاوز حدودنا العربية الضيقة إلى آفاق الإنسانية الأرحب. يا كويت.. يا وطن «العربي».. لكِ الحبُّ مِن قبلُ ومِن بعد.

عبدالرحمن سبأ - اليمن

مجموعة من الباحثين مجلة العربي يوليو 2011

تقييم المقال: 1 ... 10

info@3rbi.info 2016