يشهد عالمنا اليوم جهودا كثيفة في تطوير نظم التعليم لمواكبة ما يجري في محيط المتغيرات الكوكبية. وتتوالد في أدبيات التربية والتعليم مبادئ جديدة ومفاهيم مستحدثة ومغايرة.
الواقع أن صيرورة النظام التعليمي في سياق مستقبل مجتمعنا العربي, كالشأن في غيره من المجتمعات المتقدمة والناهضة, قد غدت في حاجة إلى تجاوز مفاهيم (التربية الحديثة) التي سادت حتى ثمانينيات القرن الماضي. والحاصل أن (حداثتها) لم تعد مرنة مستوعبة لحركة المنظومة التربوية في مقاصدها وتنويعاتها وتفريعاتها مما نتغياه لأجيال أمتنا من حيث تصورها لتدفق ميكانيكي للمتعلمين محكوم بمدخلات معينة تنتهي إلى مخرجات محددة.
واقتضى الحال كما يقال, السعي إلى تربية لما بعد الحداثة أي إلى تصور عن (التربية الجديدة والمتجددة). ويماثل هذا السعي ما حـدث من تغير لاسم (علم الفيزياء الحديث) إلى (علم الفيزياء الجديد), إذ تنتمي التسمية الأولى إلى مدرسة اسحق نيوتن وعلاقاتها الميكانيكية المؤدية إلى صـلات خطية أو طولية حتمية بين السبـب والنتيـجة أو بين المؤثر والاستجابة. بيد أن الفيزياء الجديدة قد انطلقت من علماء النسبية والاحتمالية والتطورية والتعقـدية والتغذية الراجعة, بدءاً من أينشتاين وعلماء البيولوجيا ومن لف لفهم من علماء تلك المجالات, حيث تسود المعرفة العلمية مفاهيم الحركة والمنظـومية والتفاعلية والمرونة.
تطوير المجاز التربوي
وفي هذا السياق الدينامي نود أن نجري نقلة نوعية في مجاز التشبيه لبنية التعليم أو هيكله العام وذلك من تسميته بمصطلح (السلم التعليمي) الذي جرت أدبيات (التربية الحديثة) على اصطناعه, إلى مجاز (الشجرة التعليمية) الذي يلائم في آفاق حيويته مقتضيات (التربية الجديدة والمتجددة), ومن ثم فإن النقلة في المجاز ليست مجرد صياغة لغوية لفظية, وإنما هي استشعار بأهمية المرونة والتنوع وحرية الاختيار والنقد والإبداع وغيرها مما يتطلبه تكوين المواطن العربي في مواقفه وفرصه ومجالاته في المنظومة التعليمية بتفاعلاتها الداخلية والخارجية, زماناً ومكاناً. والحاصل أن مفهوم السلم الخشبي بجمود بنيانه وسكون تكوينه وثبات درجاته (درجِه) قد أصبح عاجزاً, بل عائقاً في صياغة سياسات وممارسات تربوية متطورة.
وفي جميع الحالات, تشتد الحاجة في فضاء العلم التربوي وعلى أرضه إلى تجاوز المفاهيم والمجازات اللغوية التي تحمل وتعبر عن مفاهيم الجمود والثبات والميكانيكية السائدة. فعلى سبيل المثال لم يعد وافياً بالدلالة أو بليغاً أن نصف المعلم بأنه (حجر الزاوية) في العملية التربوية, ونرى من الأوفى والأبلغ أن نقول إنه (الطاقة المحركة) للمنظومة التعليمية. كذلك تختزل هيئة النظام التعليمي بأنها مجرد (انعكاس) لأوضاع المجتمع, إذ يوحي التشبيه بأنه انعكاس آلي كانعكاس صورة الإنسان على سطح المرآة مثلا. وفي هذا تبسيط مخل وقاصر عن إدراك العلاقات التفاعلية والجدلية بين كل من مركب المنظومة التعليمية والكيان المجتمعي. والحديث مثلاً عن مراحل نمو الطفل يوحي بأن ثمة مراحل متعاقبة محددة المعالم والسمات والخصائص في نمو الطفل ونضجه خلال فترات زمنية معلومة. كما يؤشر مفهوم المراحل إلى انفصالها عن بعضها كما لو كان كل منها قائماً بذاته. والواقع أن الصحيح هو عكس ذلك في تداخل المراحل وفي تنوع خصائصها وفترات ظهورها نتيجة لعوامل متعددة وتفاعلات معقدة وظروف بيئية وإنسانية مختلفة. وهناك أيضاً تشبيه حجم سكان النظام التعليمي بالهرم, عريض القاعدة, مدبب القمة, في حين أن نمو الحجم وزيادة فرص مواصلة التعليم العالي تتطلب أن يكون الشكل منتفخاً مفلطحاً في أعلى أقسامه مما يعدل العلاقات النسبية بين مستويات الهرم.
نقلة في المضمون
ومع إدراكنا لما قد يتعرض له كل مجاز أو تشبيه لغوي من قصور في الدلالة الكاملة على واقع معين أو متخيل, إلا أنه من الواضح أيضاً أن ثمة مجازات أكثر قدرة وأشمل مساحة في دلالتها المنشودة. ومن ثم فإن مفهوم (السلم التعليمي) قد أصبح عاجزاً عن استيعاب النقلة الكمية والنوعية والزمنية في أبعاد تعليم اليوم والغد. ومن المبادئ الأساسية في تلك النقلة: التعليم للجميع دون استبعاد, حق التعليم للصغار والكبار, التعليم المستمر مدى الحياة, التعليم الذاتي, التعليم/التعلم في اقتران عضوي للعمليتين, تعليم الكبار, التعليم للتميز, والتميز للجميع, أرستقراطية التعلم لكل فرد, التعليم للديمقراطية مع ديمقراطية التعليم, التعليم وحقوق الإنسان, المزاوجة بين التعليم والتعلم والعمل, التعليم للتكيف والمقاومة. وفي هذا السياق لم يقتصر حق التعليم وإمكاناته على فترتي الطفولة والشباب, وإنما تقتضي حاجات التنمية البشرية للتنمية المتواصلة انفتاح الأبواب للعودة إلى التعليم النظامي أو المفتوح مرة أخرى, وفي أي فترة عمرية, استكمالاً للتعليم, أو تجديداً له, أو رغبة في تخصص جديد أو مهنة أخرى.
كذلك أسهمت نتائج بحوث علم النفس في القضاء على مفهوم الذكاء الوراثي الثابت لدى المتعلم, فلم يعد هناك طفل ذكي وآخر غبي بالفطرة, وإنما هناك ضروب متنوعة من الذكاء (أي القدرات) حيث يتوافر لدى الأفراد ذكاء حركي, واجتماعي, ولفظي, ومجرد, ورياضي, وموسيقي, وفني, وتشكيلي. وكلها قدرات إنسانية/ اجتماعية قابلة للاكتشاف والتعهد بالتنمية من خلال عمليات التعليم والتعلم. ومن ثم لم تعد القدرات الذهنية هي مناط التعليم/التعلم, واعتبارها الحكم في نجاح المتعلم لمتابعة تعليمه أو في فشله واستبعاده.
كما تشير بعض البحوث إلى أن كل فرد قادر وقابل لتعلم أي مضمون أو موضوع إذا ما قدم له بالطريقة التعليمية الملائمة لاستثارة دافعيته للتعلم, أو إذا أتيح له الزمن الكافي لاستيعابه, ومن ثم فلا مبرر لاستبعاده من المدرسة (التمدرس) تطبيقا لقاعدة أنه (استنفد مرات الرسوب). أضف إلى ذلك ما أوضحته البحوث أيضا من قدرة كل متعلم على بلوغ مستوى التميز في مجال من مجالات المعرفة أو النشاط الإنساني, وبهذا لم يعد التميز مجرد استثناء لدى بعض الأفراد يثير تعجبنا وتقديرنا بين الحين والآخر.
السلم التعليمي المقيِّد
وانطلاقا من هذه المبادئ والمعطيات والموجهات في (التربية الجديدة) يصبح هيكل التعليم القائم على مفهوم السلم غير ملائم, بل معوقا يحبس تفكيرنا وسياساتنا وممارساتنا التربوية. ولتوضيح ذلك نشير إلى أنه من المفاهيم المعروفة في أدبيات التربية التشبيه لبنية هيكل التعليم على أنه سلم يصعد المتعلم على درجاته في تتابع مستمر من درجة إلى درجة في السلم. ولكل مرحلة من مراحل الصعود عدد محدد من الدرجات من أدنى إلى أعلى. ومن المفروض أن يقضي المتعلم سنة للارتقاء من درجة إلى أخرى في سنوات كل مرحلة حتى نهاية درجات مراحله. ويتم هذا التصاعد بناء على قدراته في التحصيل, والتي يحكم عليها في ضوء معايير امتحانية. وبعد الانتهاء من صعود آخر درجة يغادر السلم ليلتحق بسوق العمل, وفي امتحان الصعود يكرم المرء باستمرار صعوده إلى التعليم العالي, أو يهان بالبقاء في الدرجة نفسها لفترة أخرى, أو يسقط خارج السلم.
ومن خصائص السلم التعليمي اشتراط أن الطفل الذي ينشد العلم عليه أن يبدأ من أول درجاته, وأن يتابع الارتقاء فيه. بيد أنه إذا لم يرسله ولي أمره, أو تسرب من الدراسة انقطعت به سبل التعلم فيما بعد. كذلك على المتعلم أن ينجح في الامتحان السنوي لتلك الدرجة من السلم, وللامتحان الذي في آخر درجات كل مرحلة حتى نهاية درجات السلم ومراحله. وتتاح له فرصة إعادة الامتحان في الحالتين مرة واحدة أو مرتين. ثم إن انتقاله إلى بداية درجات أي مرحلة تالية مشروط كذلك بتحـديد عمـري لا يتجاوزه, وذلك حسب القواعد التي نظمها القانون أو اللوائح.
ومن لا يحقق تلك الشروط أو يتعثر في معايير النجاح يستبعد من متابعة الارتباط بالسلم, ويسقط حقه في أي تعليم لاحق, على أساس أنه قد تجاوز مرات الرسوب, أو تجاوز السن المحددة لبداية مواصلته التعلم في المرحلة التالية, أو أن شهادته السابقة قد تقادمت حين يمر عليها أكثر من عام, ومن ثم تنتهي صلاحيتها لمتابعة مراحل التعليم التالية.
وهكذا نجد عمليات استبعاد للمتعلم لأسباب مختلفة منها عوامل تعليمية أو اقتصادية أو اجتماعية. وقد كان هذا المفهوم ملائما لقيم وأوضاع ارتبطت بوظيفة التعليم في انتقاء للصفوة بمعايير آلية بيروقراطية تحكم على الطلاب حين تغربلهم بالامتحان في لحظة زمنية معينة, لفرز من يتابع الصعود على درجات السلم, ومن يُؤجل صعوده إلى أجل مسمى, أو من يستبعد حتى نهاية عمره, ومن بين المستبعدين عدد كبير ينضم إلى صفوف الأميين بمختلف فئاتهم.
وينجم عن ذلك السقوط والاستبعاد عن درجات السلم أن نجد معدل الالتحاق بالجامعات والمعاهد العليا لا يتجاوز في متوسط الأقطار العربية خلال السنوات الماضية 40 طالباً لكل 1000 من التلاميذ الذين التحقوا بالصف الأول الابتدائي, وهو معدل متدن جداً, برغم ما حدث من نمو ملحوظ في معدلات القبول بالجامعة في السنوات الأخيرة.
ونظرا لما سبق من تضييق وفرز تمليه قواعد ولوائح مدرسية عتيقة نطرح هنا مفهوم (الشجرة التعليمية) باعتباره أكثر مواءمة وتوجيهاً لحركة (التربية الجديدة) في مقاصدها ومبادئها وأنماطها وعملياتها التعليمية.
مكونات الشجرة التعليمية
يتماشى هذا المفهوم مع ما ينبغي أن يكون عليه المجاز المستخدم دينامياً حيوياً مستوعباً ورحباً, شاملاً لما يراد أن يجسده من المعاني والدلالات في إطار التربية الجديدة, فالشجرة التي نقصد بها التشبيه التمثيلي لبنية التعليم ـ كما هو معروف ـ كيان حي نام, لها جذورها الممتدة, ولها جذع أساس, وللجذع فروع رئيسة, تنمو منه فروع وأغصان متعددة دائمة الخضرة, وفي هذه الفروع والأغصان تظهر الثمار وتنضج, ويتم قطافها كل عام, ويتوقف ما تجود به على رعايتها وتوفير ما تتطلبه شروط نمائها.
تلك هي مكونات الشجرة التعليمية في بنيتها وفي ترابطها ترابطاً عضوياً. وسوف نتناول تلك المكونات لنرى صلتها ببنية النظام التعليمي في ضوء هذا التشبيه الجديد ودلالاته.
أـ جذور الشجرة التعليمية: وهي الأجزاء المنغمسة في تربة الثقافة الوطنية والشعبية, والمتعمقة في الماضي, والحية في الحاضر, والمغذية لبقية أجزاء النظام التعليمي في جذعه وفروعه ومستقبل ثماره. وبذلك تلتحم الشجرة التعليمية التحاما عضوياً ـ كما تلتحم مؤسسة المدرسة أو الجامعة ـ مع واقع الثقافة بمعارفها وقيمها وتطلعاتها وتظل بقية أجزاء الشجرة غير منبتة أو منقطعة عن جذورها الثقافية, لكنها في الوقت ذاته تضخ عصارة النمو إلى الأجزاء الأخرى بما يحفظ حيويتها ويضمن نماءها. والجذور نفسها نامية في طولها وامتداداتها مع ما تتلقاه من غذاء ثقافي من تربتها, ومن بقية أجزائها, وفي تنفسها من خلال الهواء والطقس الخارجي, كالشأن في أي رصيد ثقافي نام ومتجدد في تلاحقه مع المتغيرات الداخلية والخارجية.
ب ـ جذع الشجرة: وهو الذي يجسد قدر الثقافة المشتركة المتمثلة فيما اختاره الجذع من جذور الثقافة حيث يتمكن الطفل من أن يتعلم ليقرأ ويكتب, تهيئة له من أجل أن يقرأ ليتعلم, وأن يتعلم ليعبر, وأن يكتسب في المرحلة الابتدائية مثلاً على مقومات ثقافة المواطنة, فضلا عن قواعد الدين ومكارم الأخلاق.
وهذا الجذع نام في استطالته لتعلم تلك الأساسيات الثقافية, وقد يمتد الجذع الأساسي إلى مرحلة ما بعد التعليم الأساسي في المرحلة الثانوية كحد أدنى من التعليم للتعامل مع متطلبات التنمية ومتغيرات العصر.
ويتسلق الأطفال هذا الجذع للثقافة المشتركة كما تتسلق صغار العصافير على جذع الشجرة الحقيقي, ويستطيع الطفل أن يصل إلى هذا الجذع من أسفله متنقلا عليه حتى نهايته, كما يستطيع أن يبدأه من أي موقع آخر ـ في وسطه مثلاً ـ على أساس اختبار قدراته ومهاراته.
وهكذا يتحرك التلاميذ على جذع الشجرة التعليمية, دون استبعاد لأي منهم لتجاوزه سناً معينةً, أو لتعثره في مادة دراسية, أيا كانت صعوبتها, أو لظروف اقتصادية أو اجتماعية معوقة.
ج ـ فروع الشجرة: ومن هذا الجذع الواحد للشجرة التعليمية تبدأ الفروع في الانتشار, مناظرة للتشعب في المرحلة الثانوية, وانتشار الفروع لا يقتصر على التمدد إلى ستة فروع, كما هو الحال في المدرسة الثانوية الحالية (إلى مجموعة الرياضيات والعلوم, والإنسانيات في المدرسة الثانوية العامة, وإلى فنية صناعية وزراعية وتجارية في المدرسة الثانوية الفنية). ومع تنوع احتياجات سوق العمل ومتغيرات المعرفة, يمكن أن يكون في الثانوية العامة والفنية فروع جديدة للتركيز كتنظيم شعب للتكنولوجيا, والكمبيوتر, والأدب العربي, واللغات الأجنبية, والفنون, وصيد الأسماك, والتمريض, وزراعة المحاصيل الصحراوية, والمساحة, والتصوير, والآثار, والاقتصاد المنزلي, وتركيب الأجهزة المنزلية, والمياه, والصرف الصحي, إلى غير ذلك من الشعب ذات المضمون المحدد والمرتبطة بالأنشطة الحياتية, ليتم التركيز عليها إلى جانب المواد العلمية والثقافية الأخرى.
ويتيح مفهوم فروع الشجرة للعصافير الكبار (الطلاب) التنقل من فرع إلى فرع إذا لم يجد الفرع ملائماً, ومن ثم يتحقق مبدأ المرونة والانسيابية والاختيار في فروع المدرسة الثانوية بنوعيـها, كما لا يحكم على طالب بالانحباس في شعبة معينة إذا أراد الانتقال منها. ثم إن الشعب كلها منسابة إلى الانتقال إلى الأغصان الرفيعة في أعلى الشجرة (إلى التعليم العالي), أو أن تطير إلى خارج الشجرة إذا لم تستطع أن تبلغها. وكذلك الشأن مع الطلاب في نهاية هذه المرحلة, حيث يستطيع المتفوق منهم في أي شعبة الالتحاق بالجامعة أو المعاهد العليا دون قيود, أو أن ينخرط في سوق العمل.
د ـ أغصان الشجرة: الأغصان الرفيعة لا تصعد إليها إلا تلك العصافير ذات القدرات العالية في الطيران والنضج والتوازن في الوقوف على تلك الأغصان الرجراجة. وهذه هي قدرات المستوى الأعلى في قمم الشجرة, وهو ما يناظر مرحلة التعليم الجامعي/العالي, وما به من تخصصات أدق وأرفع من مجالات التعليم الثانوي في الفروع. كذلك ثمة انسيابية في التنقل والاختيار بين الأغصان وفي المقررات الجامعية. هذا فضلا عن أن العصافير الناضجة تستطيع أن ترقى إلى تلك الأغصان حتى لو قضت فترة طويلة خارج الشجرة تبحث عن طعامها أو ترعى صغارها. وقد تمضي وقتاً على الأغصان ثم تطير خارجها ثم تعود إليها مرة أخرى. وهكذا دواليك. كذلك الشأن في التحاق الطالب بالتعليم الجامعي العالي وهو يزاوج بين التعليم والعمل, فقد يسعى إلى العودة إلى الجامعة أو الالتحاق بها بعد سنوات من تخرجه في المرحلة الثانوية. وهكذا تزداد الأعداد وتتفلطح أعالي الشجرة.
والثمار: سوف تكون ثمار هذه الشجرة إذا ما تم تعهدها وفيرة غزيرة, متعددة الأنواع, مكتملة النضج, تتيح فرص التعليم المنتج لأكبر عدد من المواطنين, وتهيئ لهم طلباً حقيقياً في السوق الداخلية, وقدرة على التنافس في الأسواق الخارجية. والشجرة في مجملها وارفة الظلال على أرجاء وطنها.
* * *
أما بعد: ألا ترى معي أيها القارئ أن التشبيه التمثيلي في المجاز اللغوي لمفهوم الشجرة أشمل وأقرب ما يكون إلى التصور المعياري المنشود لبنية هيكل التعليم وتدفقه, وعلاقات مراحله, ونحن نفكر في (التربية الجديدة) من أجل تعليم المستقبل? ونظراً لما للمفاهيم اللغوية من دلالة وضبط للفكر والفعل, فإني أرى أهمية ملحقة لاصطناع مفهوم الشجرة التعليمية بديلاً عن السلم التعليمي, وبذلك يمكننا أن نحقق تطويراً كمياً ونوعياً ومتنوعاً وعملياً في مسيرة تعليمنا التي تفسح ساحاتها لتحقيق تعليم للجميع, للصغار والكبار, وتعلم متميز وتعليم مفتوح من خلال توافر الاختيارات للطالب والمواطن. ومن ثم يصبـح التعلـيم بحـق موردنا الرئيسي الذي لا ينضب في الانطلاق نحو تنمية متواصلة مبدعة للوطن والمواطن, وهو ذخيرتنا الحية في ضمان الأمن القومي للأمة, حاضراً ومستقبلاً.