يجتاح العالم مرض الاستهلاك المفرط، فالمستهلكون يتطلعون، أكثر فأكثر، إلى الحصول على سلع أكثر حداثة، أما المنتجون، فيرتضون التخلي عن قسم من أرباحهم، وذلك في لهاثهم الدائم لحفز الطلب، حتى ولو كان ذلك على حساب النوعية أحيانًا.
لقد كان نمط الاستهلاك المفرط هذا، أحد الأسباب التي أدت إلى نشوب الأزمة المالية العالمية الراهنة، وقد ساهم في ذلك فائض السيولة في الاقتصادات المتقدمة. وقاد ذلك إلى السعي الجامح لحفز الاستهلاك على نحو لا يتناسب مع دخول الناس وقدراتهم الشرائية، مما أدى إلى تضخيم الإقراض الاستهلاكي بوتائر سريعة وعلى نحو مبالغ فيه، وإلى الإفراط في تقديم القروض للمستهلكين، حيث كان يجري دعم الاستهلاك الفائض بسياسة ائتمانية نشيطة غير مسبوقة، ويجعل السيولة النقدية في متناول فئات وشرائح واسعة من المواطنين.
كثيرًا ما نسمع في حياتنا اليومية خلال هذه الأيام كلامًا من نوع: «منذ ثلاثة أشهر وأنا أراك تحمل جهاز الهاتف نفسه. يا لك من متخلف!». أو: «لا، لن أقصد المتجر الفلاني بعد الآن، فتشكيلة البضاعة لديه لم تتغير منذ شهر!»، هذه التعليقات وغيرها من السياق نفسه، ما هي إلا عوارض للمرض الذي يجتاح اليوم الكثير من البلدان (وليس الغنية وحدها!)، والمتمثل في النمو الجامح للاستهلاك على كل الأصعدة.
فالمستهلك المعاصر صار أكثر تطلّبًا، وأكثر ولعًا بكل ما هو جديد في عالم السلع، فهو يطالب المنتجين كل يوم بشيء ما جديد. وإذا ما تأملنا عالم التجارة اليوم، فسنرى أن ما يتصدّر الأسواق في شتى المجالات، هي تلك الشركات التي تنجح أكثر من غيرها في تلبية متطلبات المستهلكين، من خلال التجديد المتواصل والتنويع المتزايد لتشكيلة سلعها، الشركات الأكثر سرعة في مجاراة التبدّل في رغبات المستهلكين وأذواقهم، وبالتالي دراسة التحولات في سلوك المستهلك، ومن ثم طرح السلع المرغوبة في السوق، وإيصالها إلى المستهلك بأسرع الطرق وأقصرها. لقد أصبح التسارع الهائل في وتيرة الإنتاج والاستهلاك سمة رئيسية من سمات الاقتصاد المعاصر المعولم، الاقتصاد ما بعد الصناعي، اقتصاد المعرفة وثورة المعلوماتية وتكنولوجيا الاتصالات.
الفوز للأكثر سرعة ومرونة
ما هي الأسباب الكامنة خلف هذه الظاهرة؟ وكيف تتجلى التحوّلات في عالم الاستهلاك، وما هي انعكاسات ذلك على الإنتاج على المستوى العالمي؟لنأخذ، على سبيل الأمثلة، بعض الميادين التي تتجلى فيها تلك الظاهرة بوضوح أكبر، ففي قطاع الملبوسات، مثلاً، نجد اليوم أن العديد من الماركات الأكثر عراقة تفقد قسمًا من زبائنها، وتتراجع أمام ماركات جديدة نسبيًا.
ما سبب هذا التحوّل؟
إنه في تقدم شركات أخرى فتية وأكثر «رشاقة»، تتطور بوتائر سريعة جدًا، لقد ركّزت هذه الشركات في إستراتيجيتها الإنتاجية والتسويقية، على التنويع الكبير في تشكيلة السلع واستبدالها السريع جدًا، وهذا ما يجذب بالدرجة الأولى اليوم المستهلك المعاصر، وتستخدم هذه الشركات منسوجات رخيصة نسبيًا، مع بساطة واضحة في تصاميم السلع، لتتماشى مع نمط حياة هذا المستهلك، خصوصًا مَن هم في سن الشباب. إن تشكيلة سلع هذه الشركات تتجدد بسرعة قياسية، فكل أسبوع أو أسبوعين تصل إلى متاجرها تشكيلات جديدة، وبفضل هذه السرعة، صار أسلوب عمل هذه الشركات «الرشيقة» يسمى Fast Fashion.
هذا النمط السريع في ميداني الإنتاج والتسويق، صار يضغط على الشركات العريقة «الثقيلة الوزن»، لكي تعمل على تغيير أسلوب عملها، وإلا وجدت نفسها مرغمة على مغادرة السوق، بيد أن ذلك يقترن بمصاعب جمّة، وفي مقدمتها اضطرارها لتغيير صورتها التقليدية في السوق، وسمعتها التي بنت عليها مجدها الغابر، وهو أمر ينطوي على مخاطر كبيرة، لاسيما أن هذا التغيير يتطلب توظيف استثمارات هائلة وإدارة جديدة كليًا.
ولا تقتصر السرعة والدينامية على عالم الملبوسات وحده، بل وتشمل اليوم قطاعات أخرى كثيرة، منها خصوصًا شركات أجهزة الهاتف النقال والمفروشات والإعلام، بل تشمل قطاعًا «ثقيلاً» كصناعة السيارات.
خلال السنوات الأخيرة، تناقص إلى الحد الأدنى، بمعدل مرتين أو ثلاث، الوقت الذي يستغرقه ظهور موديلات جديدة في الأسواق، ويتجلى ذلك بصورة خاصة في قطاع إنتاج أجهزة الهاتف النقال، وقد بدأت هذه العملية في نهاية التسعينيات، عندما بدأت شركة «نوكيا» الفنلندية إستراتيجيتها الجديدة، وهي إستراتيجية تتمثل في الزيادة الحادة في تشكيلة الموديلات التي لا تتمايز عن بعضها بصورة جوهرية من ناحية الوظائف، ولكنها تختلف بصورة أساسية من ناحيتي «الديزاين» و«الحجم»، لتماشي أوسع طائفة من الأذواق. هذه الإستراتيجية الجديدة أتاحت للشركة التفوّق على منافسيها وهي لاتزال حتى اليوم تحتل الموقع الأول في السوق العالمية، متقدمة على الشركات الأخرى بأشواط طويلة، هذه التجربة دفعت الشركات الأخرى من أمثال «أريكسون» و«سامسونغ» وغيرهما للتشبّه بشركة «نوكيا»، بحيث صارت سرعة تغيير تشكيلة السلع وتنوّعها، سمة أساسية لسياستها الإنتاجية والتسويقية.
أما في صناعة السيارات، فقد كانت «فترة تجديد المنتج» (أي من بداية وضع التصاميم الأولية على الورق، وصولاً إلى إنتاج السيارة الأولى الجاهزة للبيع) فيها حتى فترة وجيزة، أي في التسعينيات من القرن المنصرم، تبلغ عمومًا خمس سنوات، أما اليوم، فإن هذه الدورة انخفضت في شركة «ستروين» مثلاً إلى ثلاث سنوات، وطوّرت شركة «كرايزلر» قبل سنوات سيارة «نيون» في غضون 33 شهرًا، وبجهود 700 عامل فقط، وبإمكان قسم البحث والتطوير في الشركة اليوم إنتاج سيارة جديدة في أقل من عامين. أما في الموديلات التي تتسم بتكنولوجيا أكثر تعقيدًا، فالفترة أطول بقليل، ولكنها إلى انخفاض، ففي شركة «أودي» انخفضت هذه الدورة من 60 شهرًا قبل فترة غير بعيدة إلى 50 شهرًا، بحيث إن نظام عمل كل الوحدات محدد بالأسابيع (وأحيانًا بالأيام)، ابتداء من وضع التصاميم الأولية، وصولاً إلى خروج السيارة الأولى من خط الإنتاج. أما الدورة الأقصر، فهي لدى شركات السيارات اليابانية، لأن تجديد الموديلات هناك يحصل حوالي كل سنتين، حيث يشمل التجديد عادة الهيكل الخارجي للسيارة وكذلك الصالون، وهذا ما يؤثر أساسًا على الشخص العادي الذي لا يفقه كثيرًا ولا قليلاً، في ميكانيك السيارة أو تجهيزها الإلكتروني.
تبدُّل سلوك المستهلك
في محاولة الإجابة عن سؤالنا المتكرر عن سبب هذا التجديد المتسارع في تشكيلة سلع الشركات المنتجة للسلع الاستهلاكية، نقول إن الذي تغير أساسًا هو المستهلك نفسه، وكذلك سلوكه في السوق، ففي العصر ما بعد الصناعي، حيث تُبتاع السلع ليس من أجل تلبية الحاجات الفعلية فقط، بل وكذلك وبدرجة أكبر في أكثر الأحيان من أجل تلبية متطلبات الإنسان المعاصر النفسية والعاطفية والثقافية.. بل والافتراضية أيضًا، في هذا العصر تتكون لدى الزبائن حاجات ومتطلبات جديدة، متجددة باستمرار وغير متناهية. وتلاحظ هذه الظاهرة بصورة خاصة في المدن الكبرى، حيث إن العلاقات الاجتماعية بين الناس ضعيفة، وتقوم الأشياء (السلع) مقام هذه العلاقات «الاتصال الهاتفي بدلاً من زيارة الأهل، أو الجلوس أمام جهاز الكمبيوتر، والإبحار في عالم الإنترنت، بدلاً من الالتقاء بصديق.. إلخ».
ولا شك في أن تضاؤل دورة حياة المنتج، يقابله قلة اهتمام عند المستهلك، فمع وجود الآلاف من المنتجات الجديدة المتدفقة من السوق وإليها بوتائر سريعة، من الطبيعي أن نتوقع نفاد صبر المستهلك بسرعة، وتضاؤل اهتمامه أيضًا، لأن الفترة بين الرغبة والرضا تتضاءل بسرعة، مع تزايد توقعات المستهلك بقرب طرح مجموعة أكبر وأحدث من المنتجات والخدمات. واليوم، لا يكاد يجد المستهلكون بكل فئاتهم، بمن فيهم المستهلكون النهائيون، الوقت لتجربة تقنيات أو منتجات أو خدمات جديدة، حتى تظهر أجيال منها أكثر تطورًا.
نظرية الموجات الطويلة في الاقتصاد
كل ذلك يؤدي إلى تسارع الاستهلاك بوتائر لم يسبق لها مثيل، فمدة استهلاك الأشياء تضاءلت إلى حدودها الدنيا، وصارت كأنها للاستعمال لمرة واحدة، فكما أن ثوب الفتاة أو حذاءها مخصص لموسم واحد وربما أقصر، فإن جهاز الهاتف النقال لا يستخدم اليوم لأكثر من ثلاثة أو أربعة أشهر، ليظهر بعده موديل «جديد» لا يختلف عنه إلا من حيث الشكل أحيانًا، فيتلقفه المشترون ويتباهون به، والأمر نفسه ينطبق على معظم السلع الأخرى. وبالتالي فالشركات التي لا تأخذ بالحسبان الصفات الجديدة لسلوك المستهلك في السوق، تخسر مواقعها فيه.
بماذا ترتبط ظاهرة تسارع الاستهلاك اليوم؟
إن الإجابة عن هذا السؤال تتطلب مقاربة الموضوع بصورة أكثر عمقًا من مجرد توصيف ظواهر المسألة، ففي الواقع، يتسارع الزمن نفسه، سواء من الناحية الاجتماعية، أو من الناحية الاقتصادية، فلو عدنا إلى تاريخ الوقائع الاقتصادية، سنجد أن ظاهرة التسارع هذه بدأت مع اختراع الآلة البخارية في القرن الثامن عشر، التي أتاحت الإنتاج الواسع للسلع، وبدأت منذ ذلك الحين عملية التطوير المستمر للأنماط التقنية - الاقتصادية لاقتصادات الدول. وقد قام العالم الاقتصادي الروسي البارز نيقولاي كوندراتيف في عشرينيات القرن المنصرم، بدراسة جدية لتلك التغيرات، وطرح نظريته المعروفة المسمّاة «نظرية الموجات الاقتصادية الطويلة»، حيث قدر طول هذه الموجات ما بين 60 و70 سنة، واعتبر أن اقتصادات الدول تتمكن خلال هذه الفترة من استيعاب التكنولوجيات الجديدة، ومن ثم الانتقال إلى إنتاج أنواع جديدة من السلع وبقدرات أكبر، والاستحواذ على أسواق جديدة.
ومع الوقت، صارت هذه الموجات أقصر، وهي تتراوح اليوم بين 40 و50 سنة، وقد أدى ذلك إلى احتدام المنافسة في جميع الأسواق الاستهلاكية، وصار الوقت اللازم لاتخاذ القرار لدى المنتجين اليوم لا يحسب بالسنوات ولا حتى بالشهور، بل بالأسابيع، لقد أصبح الوقت، فضلاً عن الابتكار بالطبع، هو الميزة التنافسية الرئيسية، فإذا تلكأ المنتج في إصدار التشكيلة الجديدة، وتأخر لأسبوع أو اثنين في تجديد السلعة، فإنه يجد نفسه على «قارعة» السوق.
من «سوق المنتج» إلى «سوق المستهلك»
فضلاً عن التقدم العلمي - التكنولوجي والمنافسة، ثمة سبب آخر مهم لتسريع الاستهلاك، فقد شهد منتصف القرن الماضي «تمأسس» التسويق، أي أنه أصبح عبارة عن «مؤسسة» أو «ثقافة»، ترتبط بتفاعل عالم الأعمال مع التبدّل في الطلب، وكان ذلك نتيجة طبيعية للتحولات التي شهدتها الأسواق العالمية، حيث صارت هذه الأخيرة تكتسب أكثر فأكثر سمات «أسواق المستهلكين»، بعدما كانت «أسواقًا للمنتجين». ففي الماضي، كان المنتج هو المهيمن في السوق، وصاحب القرار فيها. فقد سئل هنري فورد مرة، هل يخجل من إنتاج سيارات سوداء فقط؟ فأجاب بتعالٍ: «السيارة الحقيقية لا يمكن أن تكون إلا بهذا اللون»!.. أما اليوم فقد تغير الوضع، وأصبح شعار «المستهلك دائمًا على حق» هو الشعار السائد لدى المنتجين والبائعين، ربما لا يؤمن هؤلاء بذلك حقًا، ولكن العبارة تشير إلى أهمية آراء المستهلك، فصار المستهلك هو السيد، يحوم حوله المنتجون، محاولين استطلاع ومعرفة رغباته وكل تبدّل في ذوقه، لإرضائه وتلبية حاجاته، كأنما يقولون له: «قل فقط ماذا تريد، أعرب عن رغبتك، ونحن حاضرون لتلبيتها على الفور، وإذا كنت لا تعلم تمامًا ما الذي ترغب به، فنحن حاضرون لتقديم النصح لك، بل نحن مستعدون للتفكير عنك»!
لقد أصبح إنتاج المزيد والمزيد من الحاجات الاستهلاكية الجديدة والمتجددة باستمرار وإغراق الأسواق بها في أوقات قياسية، السمة الرئيسية للاقتصادات ما بعد الصناعية، والعامل الرئيسي لتسارع عملية الاستهلاك. ثمة قول معروف للكاتب مارك توين الذي عاش في حقبة بدايات العصر الصناعي، كأنما يستشرف فيه ما ستكون عليه حال المجتمع الاستهلاكي المفرط في الحقبة ما بعد الصناعية، إذ يقول: «الحضارة هي عبارة عن آلة لإنتاج الحاجات التي لا حاجة إليها».
ففي العالم ما بعد الصناعي، لم يعد المنتجون يكتفون بتلبية حاجات الإنسان الملموسة والفعلية، بل صاروا يسعون لتلبية حاجاته الافتراضية، وهذا ما يجعلهم يسبغون على السلع صفات مفترضة ومختلقة. وقد تغير جوهر السلعة، حيث ثمة ميل لإضفاء صفات «إنسانية» عليها، تتجاوز طبيعتها المادية، فالسلعة في العصر ما بعد الصناعي ليس ما يُنتج، وإنما ما يُستهلك. فيقول أحد منتجي الألبسة، مثلاً: «أنا لا أبيع الثياب، إنما أبيع الأناقة»! وأحد منتجي مواد التجميل يمكن أن يقول: «إنني أصنع أحمر الشفاه في معملي، ولكنني أبيع الأمل في متجري»! ولهذا الغرض صارت الدعاية والإعلان والترويج صناعة متكاملة، تستغرق جزءًا أساسيًا من جهود الشركة الإبداعية، وتبتلع قسمًا كبيرًا من قدراتها الاستثمارية. فموقعك في السوق لا يتحقق فقط من خلال عرض سلعتك فيه، بل وبالدرجة الأولى من خلال حضورك في وعي المستهلكين وعقولهم،من هنا تبرز أهمية ودور إستراتيجية التسويق في المنظمة.
لقد أصبحت إقامة العلاقات المباشرة وغير المباشرة مع المستهلكين، أمرًا مهمًا وضروريًا بالنسبة للشركة، وأخذ التسويق يتحول إلى إطار محوري، كما أخذ توجيه الزبون يتحول إلى هدف للنشاط التجاري يتسم بالأهمية والإلحاح. وتوجيه الزبون يعني أن تكون لدى المنتج القدرة على تملك اهتمامه وتوجيهه وإدارة أدق التفاصيل في حياته اليومية ونمط معيشته، بل وحتى في علاقاته الاجتماعية. وكان بيتر دراكر من بين أوائل مَن لاحظ أهمية التحوّل من «سوق المنتج» إلى «سوق المستهلك»، فكتب يقول: «الزبون هو أساس الأعمال وأساس بقائها، فهو وحده يوفر الوظائف، ولابد من توفير الزبون الذي عهد إليه المجتمع بالموارد المؤدية إلى الثراء، للشركة التجارية.. ولأن هدفها هو إيجاد زبون، ثمة وظيفتان رئيسيتان لا ثالث لهما لأي شركة تجارية: التسويق والإبداع، فالتسويق هو الوظيفة المميزة والفريدة للأعمال التجارية، وهو كل العمل التجاري في ما يتعلق بالنتيجة النهائية، أي في ما يتعلق بالزبون، لذلك فلابد من الاهتمام بالتسويق، ومسئوليته يجب أن تشمل كل مجالات عمل الشركة». لقد أدى التحوّل من «سوق البائعين» إلى «سوق المشترين»، إلى تسريع التحول من التوجه الإنتاجي إلى التوجه التسويقي، وقد جعلت تقنية المعلومات الجديدة في ظل اقتصاد المعرفة، من تسليع العلاقة الأبدية المستمرة مع الزبون أمرًا ممكنًا، ويمكن القول إن التغير في العملية الإنتاجية الذي بدأ في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، هو الذي أدى إلى غلبة المنظور التسويقي، وحوّل الإنتاج إلى وظيفة في العملية التسويقية. وقد وفرت القدرة على إنتاج السلع على نحو يتماشى مع احتياجات المستهلكين ورغباتهم، ويتكيف بمرونة وسرعة فائقة مع التغير في سلوك المستهلك، وذلك بتشكيلات واسعة ومتغيرة بدينامية متسارعة، وفرت للشركات مزايا هائلة، تمنحها التفوق على منافسيها. ولأن العملية التجارية الجديدة صارت تبدأ بالمستهلك وتنتهي بالعملية الإنتاجية، فإن إعادة تنظيم وهيكلة العلاقة بين الشركة والمستهلك، أي الوظيفة التسويقية، تعتبر اليوم العامل الحاسم والأكثر أهمية، كونها تحدد طبيعة الإنتاج في الشركة.