عرض: أحمد مفلح
مراد هوفمان هو ألماني يعمل سفيرا لبلاده في الرباط، اعتنق الإسلام في سبتمبر 1980، وأول معرفته بالإسلام كانت في الجزائر، ولم يكتف باعتناق الإسلام بل أخذ يعمل من أجل نشر تعاليمه وأحكامه ومثله، ويدافع عن الإسلام ويزكيه أمام هجمات الأعداء في الغرب، وما كتابه هذا "الإسلام كبديل" إلا واحد من مرافعاته المهمة عن الإسلام.
يرى المؤلف أن العلاقة بين الإسلام والغرب بدأت منذ أن بعث النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - في أخريات حياته رسائل إلى حكام المناطق المجاورة مثل النجاشي ملك الحبشة وخسروا الثاني في فارس وهرقل القيصر الرومي، طالبا إليهم بوضوح تام أن يسلموا.
ويرى أن هذه العلاقة لم تبتر قط، ولكن لم تتسم أيضا بخلوها من التوتر أو التحفز، وبناء على هذه البداية كانت ومازالت صراعات الشرق والغرب، أي أن هذا الصراع هو صراع ديني أو له جذوره الدينية.
أما عن تعليل تدهور العالم الإسلامي اليوم فيرى لذلك ثلاثة أسباب رئيسية:
1- في القرن الثالث عشر أطبق الغرب المسيحي والمغول على العالم الإسلامي متزامنين فشلا عصب الحياة، فسقط مركزا الحضارة الإسلامية الزاهرة في قرطبة وبغداد، ولم يسترد العالم الإسلامي حتى اليوم قواه بعد تلك الضربة القاصمة.
2- في القرن الرابع عشر شاع واستقر لدى الجمهور أن الشريعة وعلوم الحقوق الإسلامية تعلو ولا يعلى عليها، وأن السلف الصالح القريب من المصادر الأولى المباشرة قد أحاط بكل شيء علما، وقتله بحثا وفهما، ففضل اللاحق مقتصرا على التلخيص والتقليد أو الشروع مما أدى إلى حالة من الركود والجمود غريبة على الإسلام الذي يدعو إلى طلب العلم والتفكير والتدبر.
3- أما أخطر هذه الأسباب فهو ليس موجودا داخل العالم الإسلامي، وإنما خارجه وبالذات في العالم الغربي نفسه، فلا يستطيع الإنسان أن ينكر الارتباط الوثيق للانطلاقة المادية الهائلة التي بدأت مع القرن التاسع عشر بالانصراف عن الدين المسيحي، وعبارة آلهة جديدة هي السلطة والثراء والجمال والشهرة والجنس، فهذه الحركية ذات البواعث الدنيوية لا بمكن أن تعترضها أو تقاومها الحضارة الإسلامية أو أي حضارة دينية أخرى، وبذلك انتهى العالم الغربي إلى تطور غير قويم، أما الإسلام رغم كل الكوارث الدامية فلم يبتر بل بالعكس انطلق زاخرا بالحياة والنشاط، حتى بدأ الغرب مرة أخرى يحسب للإسلام حسابا.
أما عند البلدان العربية التي استقلت حديثا مثل الجزائر وتونس، فيقول عنها "ص- 30" إنها احتذت النماذج الغربية أو جربتها: الحرية في الفكر والعمل، والقومية، والاشتراكية، والشيوعية، ليصل إلى القول إن القومية العربية بدأت غير دينية مثلها في ذلك مثل الحركة الصهيونية في بداياتها، لكن كل تلك التجارب باءت بالفشل الذريع لأسباب منها عجزها وقصورها وعدم استطاعتها معالجة الأدواء المستشرية وحل المشكلات المستفحلة مثل الانفجار السكاني وضعف صادراتها وهجرة رءوس الأموال.
هنا نتوقف قليلا عند قوله إن القومية العربية بدأت غير دينية، الحقيقة أن هذا الكلام هو عكس الواقع تماما، فالقومية العربية انطلقت وتقوت مع الإسلام وبذلك لا تعارض بين القومية والإسلام، وإن كانت بعض التيارات القومية أو الحركات اتخذت من الماركسية أسلوبا في عملها الثوري والسياسي فهذا لا يعني أن القومية العربية تقوم على نبذ الدين، وأن هذا التحول بدأ أخيرا بعد العام 1967، أما القومية كعقيدة اجتماعية فهي قديمة قدم العباسيين والحركات الشعوبية وربما قبلها، ولا يجوز أيضا تحت أي ظرف أن يشبه القومية العربية التي تقوم على الإنسانية والروابط اللغوية والتاريخية بالصهيونية العنصرية التي تقوم على التمييز العرقي بين البشر.
العلم والإيمان
ثم ناقش المؤلف قضية العلم والإيمان واعتبر أن طلب العلم والظمأ إلى المعرفة: معرفة القرآن والسنة والتفقه في الدين، من أخص صفات المسلمين، ويستشهد بالآيات الكريمة اقرأ باسم ربك الذي خلق * خلق الإنسان من علق* اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم وبعد تعداد لأسماء أربعة عشر عالما مسلما، يقول: "ثم ذبلت الحضارة الإسلامية في القرن الرابع عشر وانحسر مداها ليس في مجال العلوم الإنسانية فحسب، وإنما في مجال العلوم الطبيعية بوجه خاص، ولقد أدى إلى ذلك عددا من الأسباب أحدها ظاهرة الأصولية السلفية التي روجت آنذاك للقول بإغلاق باب الاجتهاد، والاقتصار على التقليد، فانكمشت الأبحاث العلمية أو تقلصت لتفسح المجال لتعظيم المأثور وتخليد دورة المشهور" " ص 69"، وهكذا نظر علماء الدين والفقهاء نظرة معادية للعلوم الطبيعية وعلوم الفلسفة.
اقرأ وتفسيراتها
نقف هنا قليلا مع ما قاله الصادق النيهوم حول قضية تفسير سورة العلق، يرى النيهوم "أن هناك خطأ لغويا فاضحا، ارتكبه الرواة من دون أن يدروا، فالواقع أن كلمة اقرأ لا تعني أصلا فعل القراءة، وأنها كلمة ذات أصل كلداني، وتعني أعلن وجاهر وناد وبلغ، فالآية لا تطلب من الرسول أن يقرأ، بل تكلفه بإعلان الدعوة التي تمثلت في تصحيح مفهوم كلمة "الرب" بالذات، فكلمة "الرب" في لغتنا العربية تعني "السيد"، وقد دأبت الكنيسة العربية على تسمية المسيح باسم "الرب" بمعنى السيد والمعلم، وأدى هذا الخلط اللغوي إلى ارتباك ظاهر في نص الإنجيل، فأصبحت كلمة "الرب" تعني أحيانا يسوع المسيح، وقد تعمد القرآن أن يصححه في أول سورة وأول آية، بتحديد صفة "الرب" التي لا يشاركه فيها رب سواه، فالقرآن لا يفتتح نزوله بدعوة الرسول إلى القراءة، بل بدعوته إلى إصلاح خطأ جوهري في مفهوم الإله الواحد، وتظهير اسم "الرب" من التحريف الناجم عن سوء النقل والترجمة".
وينهي فصله هذا بأن العلم أثقل الإنسان المعاصر في ميدان العقائد بالشكوك والريبة، وأفقده الطمأنينة واليقين، وأورثه التقديس الأعمى لرصد البيانات والأرقام وتسجيلها وخزنها، ودفع بها إلى أزمة مستترة في البحث عن ذاته، وعلى كل حال فإن العلم يمكنه بعقائده التقدمية أن يقدم نوعا من الإيمان الأخروي بالحساب، والعقاب والثواب، على أساس علماني، وهنا يخلط المؤلف بين العلوم الطبيعية والدين ويعتبرها مخالفة للدين، بل ومناقضة، والحقيقة أن العلم في الإسلام لا يعنى علوم الدين فقط، فالرسول الكريم حث على طلب العلوم ولم يحددها فقط بعلوم الدين، فقوله "صلى الله عليه وسلم": "اطلبوا العلم ولو في الصين" تأكيد على طلب العلوم كافة والجهد من أجلها، لأن الصين البعيدة لم تكن تعلم أصول الدين الإسلامي!!.
يقين الصوفية
وعن الصوفية كتب في الفصل الخامس "إن يقين الصوفية أنهم أوتوا القدرة غير المحدودة للنفاذ إلى معرفة الحقائق التي لا تدركها وسائل المعرفة المعتادة، بحيث تتجلى لهم الحقائق كشفا، ولا ريب في أن هذا اليقين قد أدى في كثير من الأحوال إلى تقديم الأشخاص، إن الذين يصفون أنفسهم بأنهم "مشايخ طريق أهل الله" جذبوا إليهم في طريقهم بوصفهم أقطابا أو أولياء، الكثير من المريدين، لكنهم جذبوا أيضا كثيرا من السذج البسطاء، المؤمنين بمعجزات هؤلاء، الطامعين في كراماتهم والمفتونين بالهالة التي تحيط بهم".
أما عن الأصولية فكتب يقول إن "الأصولية عبارة عن موقف فكري ورؤية عالمية، ترى الالتزام بالإسلام كما كان في أول عهده، وكما عرف السلف الصالح من الصحابة منطلقا ومثالا يحتذى به في صياغة المعايير والقيم وقواعد السلوك والمعاملات في عمليات بناء الحاضر"، وعن المصلحين السلفيين الذين نادوا وطالبوا بفتح باب الاجتهاد من جديد "لقد بذل أولئك السلفيون جهدا مشكورا لتخليص الإسلام مما علق به من عناصر غير إسلامية والتي التصقت به على مر العصور، وينسحب ذلك على المعتقدات الشعبية الخرافية وغير الخرافية، لكن أولئك المصلحين ألحوا على أن إحياء الإسلام لن يتم إلا إذا ضحى المسلمون تضحية مطلقة بكثير من سفسطات القرون الوسطى، في هذا الصدد نجد أن العرف أخطأ خطأ فادحا حيث لم يفرق بين الشريعة، شريعة الله، وبين الشريعة التي استنبطها الفقهاء".
وفي الفصل الثامن يطالعنا بحديثه عن التسامح في الإسلام والعنف، وبعد مناقشة قضية عدم الإكراه في الدين وقتل المرتد في الإسلام، ينتقل إلى الإسلام والإرهاب، ويقول "هذا هو هدي الإسلام في السماحة والتقبل المتسامح نظريا لكن أيوجد هذا عمليا؟! أليس الإرهاب العربي الفلسطيني انتقاما مستضريا، يستبيح دم الضحايا أرضا وبحرا وجوا دون تفرقة بين ضحاياه؟!" (ص-117) ولي أن أسأل هنا: ما هو المقصود في هذه الجملة؟ هل النضال والجهاد الفلسطيني من أجل تحرير القدس الشريف هو إرهاب، فماذا نقول عن المجازر الصهيونية البشعة؟! وأين الآية وجاهدوا في سبيل الله، و وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة والعين بالعين والسن بالسن البادي أظلم.. وغير ذلك.. أين كل هذا في الإسلام، وهل نسي أن قضية فلسطين هي قضية إسلامية، وما اليهود سوى أعداء للإسلام متربصين ينتظرون الفرصة التي يطبقون فيها على الإسلام والمسلمين عدوهم الأول والأخير، ليتخلصوا من هذا الكابوس الذي فضح أضاليلهم وأكاذيبهم، وهل آثار النازية مازالت تخيفه فاستسلم؟! وهنا نقول له عليك أن تتقوى بالإسلام وتتسلح بالقرآن فهو القوة التي لا تهزم.
الإسلام والدولة
أما عن الدولة في الإسلام فيقول "أما أن الإسلام دين ودولة، فتلك حقيقة يثبتها الإسلام، وإن لم تكن هذه الصيغة قد وردت في القرآن حرفيا، لكن القرآن يصور المسلم مخلوقا ملتزما بمبادئ خلقية دون تقييد بحيث ينبغي له أن يكون مواطنا حرا وينبغي عليه في الوقت نفسه أن يصدر في أقواله وأفعاله عن إيمان بالله، فيكون الله سبحانه محور حياته الرئيسي أولا وآخرا، بهذا يملأ الإسلام حياة الإنسان أو يحتويها بشتى نواحيها، وهو يعنى بتطبيق الشريعة الإسلامية تطبيق شريعة القرآن حرفيا، وليست هناك مجال للتفسيرات والتأويلات، وهنا تظهر مثاليته الإسلامية، فهو يريده إسلاما خالصا كما جاء في القرآن، ولكن النبي محمدا - صلى الله عليه وسلم - كيف استمد سلطته عند بناء الدولة العربية الأولى؟؟ إنه استمدها من البيعة عند العقبة والصحيفة في المدينة، أي استمدها من الناس وليس من الله، ذلك لأن الله قد كان إلى جانبه في مكة ولم يمده بالسلطة التي تمكنه من إنشاء الدولة، ونستطيع الآن أن نقرر بأن التقاليد السياسية التي تركها النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - بعد أن قررها من تلقاء نفسه أو بتوجيهات من القرآن الكريم لم تكن لتتعارض أو تتناقض مع الدولة العلمانية.
أما بالنسبة إلى الشورى فيقول عنها الجابري بأنها "لا تقوم بديلا عن الاستبداد مطلقا بل فقط عن نوع من الاستبداد، هو ذلك الذي يمـارسه الحاكم الظالم: الاستبداد الذي يترتب عنه ظلم، والشورى بهذا المعنى لا تلزم الحاكم، إنه يستشير ولكن القرار في نهاية الأمر له وحده"، وبذلك فهي غير الديمقراطية التي تقوم على التعدد في الآراء وبناء الحكم على الانتخاب الحر ومراقبة الحاكمين.
الإسلام والفن
ثم ينتقل بنا إلى موضوع التصوير والفن في الإسلام، فيرى أن الإسلام حرم التصوير الذي يتخذ من أجل العبادة، ويرى أن الفن إذا كان غير ملتزم مثل مذهب "الفن للفن" فهو مضيعة للوقت، وأن وقت المسلم محسوب عليه وليس له أن يضيعه هباء في غير جدوى، ونقول إن العربي بطبيعته لم يكن محبا للتصوير وذلك بسبب ما يتطلبه الرسم والتصوير من جلوس ومكوث طويل، هذا فضلا عن تحضير اللوحة، والعربي كان بطبعه رحالا وراء العشب والكلأ فجاء اهتمامه بالشعر أكثر من التصوير، وأيضا يتعارض رأي هوفمان مع رأي عفيف بهنسي الذي يعتبر أن الفن الإسلامي ليس إلا فنا عربيا، يسبق الإسلام بعهود، وهو متطور ومنتشر قبل الإسلام، وما يعرف بالمنمنمات الإسلامية في الحقيقة هي زخارف عربية انتشرت مع الفتوحات الإسلامية، كما انتشرت اللغة العربية، ويرى بهنسي أن المنع في الإسلام لم يكن قائلا كأمر ديني مرتبط بموقف الرسول من التصوير بصورة شاملة، وإنها هو تعليل لاتجاه الفن الإسلامي ضمن خط جمالي يمتد من تقاليد الفن العربي القديمة ويأخذ من الإسلام أبعادا جديدة تستند ولا شك على المبادئ الروحية الأكثر وضوحا، وعلى المفاهيم التوحيدية التي نفذت إلى جميع مجالات النشاط الفكري والاجتماعي والفني.
حقوق الإنسان
وبعد ذلك ينتقل إلى الفقه في الإسلام ثم إلى حقوق الإنسان في الإسلام "الفصل الرابع عشر" ويرى أن هيكل الحقوق الإنسانية لن يتصدع ما دام فهم معنى الحقوق الأساسية كما يفهمه الإسلام، أي أن الحقوق ليست من وضع الإنسان، وإنما يجدها الإنسان فيتعرف عليها، وليس هو موجدها "ص- 188" وهو بذلك غير مقتنع بكل القوانين التي يضعها الإنسان حول الحريات وحقوق الإنسان، ثم ينتقل في الفصل السادس عشر إلى موضوع المرأة في المجتمع واعتبر في هذا المجال أن العقبة الكئود في عدم انتشار الإسلام في الغرب المسيحي تتمثل في الرأي السائد لدى غير المسلمين بأن المرأة المسلمة مقصور دورها على المطبخ ولا ترى إلا ملثمة، ويرى أن هناك نوعا من الحقيقة في هذا المجال، خصوصا أن المرأة المسلمة اليوم رغم إنصاف الإسلام لها غدت في وضع صعب ومزر. وبموضوع المرأة وحجابها وحكم الزاني والزانية ينهي حديثه عن المرأة، وينهي كتابه دون الدخول في حقوق المرأة التي منحها إياها الإسلام كحق الميراث والحرية والعيش الكريم والتعليم والعمل.
وأخيرا.. رغم بعض الثغرات التي وردت في الكتاب فإن لنا أن نفتخر ونستبشر خيرا بأننا كمسلمين وعرب مازلنا موجودين بشهادة شخص مثل هوفمان - السفير الألماني - عن الإسلام والمسلمين في ألمانيا، وهذه الشهادة في حد ذاتها إنجاز وسلاح لنا في قلب الغرب، فالحروب لا تكتسب فقط بالحديد والنار، وإنما الكتاب والعقائد هي أيضا أداة حرب ناجحة.