مختارات من:

«الاقتصاد الأخضر».. وصفة بيئية لتقليص الفقر وتحقيق أهداف الألفية الإنمائية

أحمد خضر الشربيني

الاسْتِثْمار في الطاقةِ النظيفةِ، وحركة مواصلات مستدامة، وغابات وزراعة صديقة للبيئة عناصر جوهرية لبناء «اقتصاد أخضر» والوصول إلى أهداف مقبولة عالميا لتَقليص الفقر؛ بل إن استثمار اثنين في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي في عشرة قطاعات رئيسية يمكن أن يبدأ مرحلة انتقالية نحو اقتصاد اخضر يمتاز بانخفاض الكربون وكفاءة الموارد.

وسيعمل هذا المبلغ المستثمر، الذي يقدر حاليا بنحو 1.3 تريليون دولار أميركي سنويا في المتوسط، والذي تدعمه السياسات الوطنية والدولية المتطلعة إلى المستقبل، على نمو الاقتصاد العالمي بالمعدل نفسه تقريبا، إن لم يكن أعلى من ذلك المتوقع في إطار النماذج الاقتصادية الحالية؛ لكن الفارق أن هذا النمو سيحدث من دون ارتفاع المخاطر والصدمات والندرة والأزمات الواسعة على نحو متزايد في «الاقتصاد البني» عالي الكربون المستنزف للموارد. تلك هي أهم توصيات تقرير شامل أصدره برنامج الأمم المتحدة للبيئة أواخر فبراير الماضي تحت عنوان «نحو اقتصاد أخضر.. مسارات إلى التنمية المستدامة والقضاء على الفقر».

ويتحدى هذا التقرير الكبير، الذي جاء في 626 صفحة، وبصورة شاملة الخرافة القائمة على المقايضة بين الاستثمارات البيئية والنمو الاقتصادي، ويشير بدلا من ذلك إلى سوء توزيع فادح لرأس المال حاليا.

ما هو الاقتصاد الأخضر؟

فكرة «الاقتصاد الأخضر» فكرة حديثة. وقد شهد العامان الأخيران إبحار فكرة «الاقتصاد الأخضر» بعيدًا عن مراسيها المتخصصة في الاقتصادات البيئية إلى الخطاب السياسي العريض. وهي تتردد الآن بصورة مطردة في خطب رؤساء الدول ووزراء المالية، وفي نصوص البيانات الرسمية لمجموعة العشرين، كما تناقش في إطار التنمية المستدامة والقضاء على الفقر. ولاشك أن خيبة الأمل من النظام الاقتصادي العالمي السائد حاليا قد أسهمت في تلك القوة الدافعة التي اكتسبها مبدأ الاقتصاد الأخضر، كما ساهم في ذلك الإحساس بالإرهاق النابع من الأزمات العديدة المتزامنة وانهيارات الأسواق التي حدثت أثناء العقد الأول من الألفية الجديدة، بما في ذلك الأزمة المالية والاقتصادية العام 2008 على وجه الخصوص. ولكننا شهدنا في الوقت نفسه ظهور دلائل متزايدة على وجود طريقة للتقدم نحو الأمام، ونظام اقتصادي جديد نظام لا يكون الوصول إلى الثراء المادي فيه بالضرورة على حساب تنامي المخاطر البيئية، والندرة الإيكولوجية، والمفارقات الاجتماعية.

ويعرِّف برنامج الأمم المتحدة للبيئة الاقتصاد الأخضر على أنه الاقتصاد الذي ينتج عنه تحسن في رفاهية الإنسان والمساواة الاجتماعية، في حين يقلل بصورة ملحوظة من المخاطر البيئية وندرة الموارد الإيكولوجية. ويمكن أن ننظر للاقتصاد الأخضر في أبسط صورة كاقتصاد يقل فيه انبعاث الكربون وتزداد فيه كفاءة استخدام الموارد كما أنه يستوعب جميع الفئات الاجتماعية. وفي الاقتصاد الأخضر، يجب أن يكون النمو في الدخل وفرص العمل مدفوعاً من جانب الاستثمارات العامة والخاصة التي تقلل انبعاث الكربون والتلوث، وتزيد من كفاءة استهلاك الموارد والطاقة، وتمنع خسارة خدمات التنوع البيولوجي والنظام الإيكولوجي. وتحتاج هذه الاستثمارات للتحفيز والدعم عن طريق الإنفاق العام الموجه، وإصلاح السياسات وتغيير اللوائح. ويجب أن يحافظ مسار التنمية على رأس المال الطبيعي ويحسنه بل ويعيد بناءه عند الحاجة، باعتباره مصدرًا للمنفعة العامة، خاصة للفقراء الذين يعتمد أمنهم ونمط حياتهم على الطبيعة.

إنّ مبدأ «الاقتصاد الأخضر» لا يحل محل التنمية المستدامة، بل إن هناك فهمًا مطردًا الآن لحقيقة أن تحقيق الاستدامة يرتكز بالكامل تقريبًا على إصلاح الاقتصاد، فالعقود المتتالية من خلق الثروات الجديدة عن طريق نموذج «الاقتصاد البني» لم تتعامل مع التهميش الاجتماعي واستنفاد الموارد، ولا نزال بعيدين عن تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية. إن الاستدامة لا تزال هدفًا حيويًا بعيد الأمد، ولكننا لابد أن نعمل على «تخضير» الاقتصاد لنصل إلى هذا الهدف.

ويرى التقرير أن الاقتصاد الأخضر لا يرتبط بالاقتصادات الأكثر تقدما ولكنه أيضا حافز رئيسي للنمو والقضاء على الفقر في البلدان النامية، حيث يرتبط قرابة 90 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للفقراء في بعض الحالات بالطبيعة أو برأس المال الطبيعي كالغابات والمياه العذبة.

واعتمد التقرير على نموذج السياسات التي تعيد توجيه نحو 1.3 تريليون دولار سنويا في الاستثمارات الخضراء وفي عشرة من القطاعات الرئيسية، أي ما يعادل تقريبا اثنين في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. أما بالنسبة لحجم هذا المبلغ مقارنة بغيره فهو يمثل أقل من عشر مجموع الاستثمار السنوي في رأس المال المادي.

وينفق العالم حاليا ما بين واحد واثنين في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي على مجموعة من سياسات الدعم التي كثيرا ما تبقي على الاستعمال غير المستدام للموارد في مجالات الوقود الأحفوري والزراعة، بما في ذلك دعم المبيدات والمياه ومصايد الأسماك.

كما أن العديد منها يسهم في الضرر البيئي وعدم الكفاءة في الاقتصاد العالمي، لذا فإن خفضها أو التخلص منها تدريجيا من شأنه أن يولد فوائد متعددة إلى جانب تحرير الموارد لتمويل عملية الانتقال إلى الاقتصاد الأخضر.

الدخل وفرص العمل

بالإضافة إلى تحقيق معدل نمو أعلى، فإن التحول الشامل إلى الاقتصاد الأخضر من شأنه تحقيق دخل أعلى للفرد مقارنة بنظيره في ظل النماذج الاقتصادية الحالية مع تقليل البصمة البيئية بنسبة 50 في المئة تقريبا في العام 2050 ، بالمقارنة بنهج العمل المعتاد.

ويقر تقرير الاقتصاد الأخضر بأن فقدان فرص العمل على المدى القصير في بعض القطاعات- كمصايد الأسماك على سبيل المثال- أمر لا مفر منه إذا أريد لها أن تمر بمرحلة انتقالية نحو تحقيق الاستدامة.

وسيكون مطلوبا من الاستثمار، الذي يموله في بعض الحالات الحد من الدعم الضار، أن يقوم بإعادة بناء مهارات بعض قطاعات قوى العمل العالمية وإعادة تدريبها لضمان انتقال عادل ومقبول اجتماعيا.

ويسعى التقرير إلى إثبات أنه بمرور الوقت فإن عدد «الوظائف الجديدة واللائقة الناشئة» في القطاعات التي تتنوع بين الطاقات المتجددة والزراعة الأكثر استدامة، سيعوض تلك التي فقدت من «الاقتصاد البني» السابق.

وعلى سبيل المثال، فإن استثمار حوالي واحد وربع في المائة من إجمالي الناتج المحلي العالمي كل عام في كفاءة الطاقة والطاقات المتجددة من شأنه أن يخفض الطلب العالمي على الطاقة الأولية بنسبة تسعة في المئة في العام 2020 وما يقارب من 40 في المائة بحلول العام 2050.

وستكون مستويات العمالة في قطاع الطاقة أعلى بمقدار الخمس مقارنة بمستويات العمالة في ظل سيناريو العمل المعتاد لأن الطاقات المتجددة ستشكل ما يقرب من 30 في المئة من حصة الطلب العالمي على الطاقة الأولية بحلول منتصف القرن.

وستبلغ الوفورات في تكاليف رأس المال والوقود المستخدم في توليد الطاقة في إطار سيناريو الاقتصاد الأخضر 760 مليار دولار سنويا في المتوسط بين عامي 2010 و2050.

أهداف الألفية الإنمائية

والواقع أن التقرير، الذي أعده برنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP) بالتعاون مع اقتصاديين وخبراء من جميع أنحاء العالم، يهدف إلى تلبية أهداف الأمم المتحدة الإنمائية للألفية والحفاظ عليها- بدءا من خفض نسبة من يعانون الجوع إلى النصف وحتى خفض نسبة المحرومين من مياه الشرب المأمونة إلى النصف- كهدف واحد.

يقول آكيم شتاينر وكيل الأمين العام للأمم المتحدة والمدير التنفيذي لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة إن العالم في طريقه إلى ريو مرة أخرى، لكنه عالم مختلف تماما عما كان عليه في قمة الأرض في ريو العام 1992. وتأتي ريو 2012 على خلفية التراجع السريع في الموارد الطبيعية وتسارع التغيير البيئي، بدءا بفقدان الشعاب المرجانية والغابات إلى الندرة المتنامية في الأراضي المنتجة جراء الحاجة الملحة إلى الغذاء والوقود من جانب الاقتصاد والآثار المحتملة لتغير المناخ دون رادع.

وأكد شتاينر أنه يجب علينا تجاوز استقطابات الماضي كالتنمية في مقابل البيئة والدولة مقابل السوق والشمال مقابل الجنوب. وفي ظل وجود 2.5 مليار نسمة يعيشون على أقل من 2 دولار يوميا، وأكثر من ملياري نسمة يضافون إلى سكان العالم بحلول العام 2050، فمن الواضح أنه يجب علينا الاستمرار في تطوير وتنمية اقتصاداتنا، ولكن هذا التطور لا يمكن أن يأتي على حساب نظم دعم الحياة ذاتها على الأرض أو في المحيطات أو في الغلاف الجوي إذ إنها تحافظ على اقتصاداتنا وبالتالي على حياة كل واحد منا. و«الاقتصاد الأخضر» يقدم جزءا حيويا من الإجابة عن كيفية الحفاظ على البصمة البيئية للبشرية في الحدود الآمنة لكوكبنا وهو يهدف إلى الربط بين الضرورات البيئية لتغيير المسار والنتائج الاقتصادية والاجتماعية لاسيما التنمية الاقتصادية والوظائف والمساواة.

ملخص للاستنتاجات

إن استثمار اثنين في المائة فقط من الناتج المحلي الإجمالي العالمي في عشرة قطاعات رئيسية يمكن أن يبدأ مرحلة انتقالية نحو اقتصاد يمتاز بانخفاض الكربون وكفاءة الموارد. ويبين التقرير إمكانية الانتقال إلى اقتصاد أخضر باستثمار 2 في المائة فحسب من الناتج المحلي الإجمالي العالمي كل عام (والذي يبلغ حاليا نحو 1.3 تريليون دولار أميركي) وذلك بدءا من الآن حتى عام 2050 للتحول الأخضر للقطاعات الرئيسية التي تشمل الزراعة والمباني والطاقة ومصايد الأسماك والغابات والصناعة والسياحة والنقل وإدارة النفايات والمياه ولكن لابد من إصلاحات للسياسات الدولية والقومية تحفز على مثل هذه الاستثمارات.

ويؤكد التقرير أنه لا يصعب تحقيق التوافق بين الاستدامة البيئية والنمو الاقتصادي في ظل سيناريو الاقتصاد الأخضر بل على العكس فإن الاقتصاد الأخضر يخلق الوظائف ويعجل بالتقدم الاقتصادي ويجنب في الوقت نفسه العديد من المخاطر السلبية المهمة مثل تأثير تغير المناخ وتفاقم ندرة المياه وتدهور خدمات النظام الايكولوجي.

إن تخضير الاقتصاد لا يولد النمو فحسب وخاصة في مستوى تنمية رأس المال الطبيعي ولكنه ينتج أيضا نموا أعلى في الناتج المحلي الإجمالي والناتج المحلي الإجمالي للفرد. وطبقا للنماذج التي تم تطويرها في تقرير الاقتصاد الأخضر، فإن سيناريو الاستثمار الأخضر يحقق معدلات نمو سنوية أعلى من ذلك التي يحققها سيناريو نهج العمل المعتاد في غضون 5 إلى 10 أعوام، ويتميز هذا النمو الاقتصادي بالانفصال التام عن التأثيرات البيئية حيث يتوقع أن تنخفض نسبة البصمة البيئية العالمية إلى الطاقة البيولوجية من قيمتها الحالية البالغة 1.5 إلى 1.2 بحلول العام 2050 وهي قيمة تقترب كثيرا من القيمة الفاصلة للاستدامة التي تساوي 1 بدلا من أن ترتفع إلى مستوى 2 في نهج العمل المعتاد.

وسيرتفع الطلب على الطاقة إلى حد ما ولكنه سيعود لمستوياته الحالية بحلول العام 2050 وهو ما يقل بنحو 40 في المئة عما هو متوقع في ظل نهج العمل المعتاد. ويعزى ذلك إلى التقدم الجوهري في كفاءة الطاقة. ويتوقع أن يخفض سيناريو الاستثمار الأخضر من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون المتعلقة بالطاقة بنحو الثلث بحلول العام 2050 مقارنة بالمستويات الحالية. ويجب أن يظل تركيز انبعاثات الغلاف الجوي تحت مستوى 450 جزءا من المليون بحلول العام 2050. وهو مستوى مهم لإتاحة الفرصة للحد من الاحتباس الحراري إلى حد 2 درجة مئوية.

الاقتصاد الأخضر يقدر رأس المال الطبيعي ويستثمر فيه. حيث تم تخصيص ربع الاستثمارات الخضراء التي تم تحليلها - أي 0.5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي (325 مليار دولار أميركي) - لقطاعات رأس المال الطبيعي: الحراجة، والزراعة، والمياه العذبة، ومصايد الأسماك. وترتفع القيمة المضافة في صناعة الغابات بنحو 20 في المائة في العام 2050 مقارنة بنهج العمل المعتاد. ويمكن لاستثمارات في الاقتصاد الأخضر تتراوح بين 100 و300 مليار دولار أميركي سنويا في الفترة من 2010-2050، أن تؤدي بمرور الوقت إلى ارتفاع جودة التربة وزيادة العائدات العالمية من المحاصيل الرئيسية بما يمثل زيادة قدرها عشرة في المئة عما يمكن تحقيقه من خلال استراتيجيات الاستثمار الحالية. كما يمكن أن تقلل الكفاءة الزائدة في قطاعات الزراعة والصناعة والبلديات من الطلب على الماء بحوالي الخمس بحلول العام 2050، مقارنة بالتوجهات المتوقعة، مما يقلل الضغط على المياه الجوفية والسطحية على المديين القصير والطويل.

ويمكن للاقتصاد الأخضر ان يساهم في التخفيف من الفقر، وهناك رابط لا ينفصم بين التخفيف من الفقر والإدارة الحكيمة للموارد الطبيعية والأنظمة الايكولوجية نظرا لتدفق المنافع من رأس المال الطبيعي لتصل إلى الفقراء مباشرة، وهو أمر مهم بالنسبة للدول منخفضة الدخل بصفة خاصة، حين تمثل سلع وخدمات النظام الايكولوجي أحد أكبر مكونات المعيشة للمجتمعات الريفية الفقيرة ويوفر شبكة أمان تحمي من الكوارث الطبيعية والصدمات الاقتصادية.

وسيتم خلق وظائف جديدة أثناء الانتقال إلى الاقتصاد الأخضر، وبمرور الوقت ستزيد تلك الوظائف عما هو متاح في «الاقتصاد البني»، ويلاحظ هذا بصفة خاصة في قطاعات الزراعة والنباتات والطاقة والحراجة والنقل. ولكن التخضير سيتطلب فقدا في الدخل والوظائف، على المديين القصير والمتوسط في بعض القطاعات التي استنزفت بصورة شديدة مثل مصايد الأسماك لكي تستعاد المخزونات المستنزفة ولتجنب الفقد الدائم في الدخل والوظائف، وقد يتطلب التخضير أيضا الاستثمار في إعادة بناء المهارات وإعادة تعليم القوة العاملة.

ويعد إعطاء الأولوية للاستثمار والإنفاق الحكوميين في مجالات تخضير القطاعات الاقتصادية من الأمور الواقعة على المسار الحرج. وسيفتح إصلاح الدعم المكلف والضار في جميع القطاعات الفضاء المالي وسيحرر الموارد للانتقال إلى الاقتصاد الأخضر. ويمكن أن يوفر رفع الدعم عن قطاعات الطاقة والماء ومصائد الأسماك والزراعة وحدها نحو 1-2 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي سنويا. ويقدر دعم مصايد الأسماك على سبيل المثال بنحو 27 مليار دولار أميركي سنويا مما يسبب خسائر تزيد على المكاسب بعيدة المدى للاقتصادات الوطنية والرعاية الاجتماعية. وقد تجاوز مجموع دعم الإنتاج والدعم السعري للوقود الأحفوري 650 مليار دولار أميركي في عام 2008، ويثبط هذا المستوى من الدعم الانتقال إلى مصادر الطاقة المتجددة.

إن استخدام الأدوات المختلفة، مثل الضرائب والحوافز والرخص القابلة للتداول، لتشجيع الاستثمار الأخضر والابتكار، يعد أمرا ضروريا أيضا وكذلك الاستثمار في بناء القدرات والتدريب والتعليم، كما أن تقوية الحوكمة الدولية والآليات العالمية التي تدعم الانتقال تعد أمرا مهما. وسيكون مؤتمر الأمم المتحدة للتنمية المستدامة (قمة ريو +20) في العام 2012 فرصة لتحديد اتجاه جديد نحو عالم أكثر استدامة وأمنا وعدالة.

إن مستوى التمويل المطلوب للانتقال للاقتصاد الأخضر كبير للغاية ولكنه اقل من الاستثمار العالمي السنوي بنحو العشر، وفي هذا الصدد تجدر الإشارة إلى أن نسبة 2 في المائة من الناتج الإجمالي العالمي التي استخدمت كنموذج في هذا التقرير تمثل جزءا يسيرا من إجمالي التكوين الرأسمالي والبالغ نحو 22 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي في العام 2009. ويمكن تحريك هذه القيمة عن طريق السياسات العامة الذكية وآليات التمويل المبتكرة. كما أن النمو السريع للأسواق الرأسمالية واهتمام السوق المتزايد بالمبادرات الخضراء وتطور الأدوات البديلة، مثل تمويل الكربون والتمويل متناهي الصغر، تفتح المجال أمام التمويل واسع النطاق للتحرك الاقتصادي العالمي، ولكن هذه الكميات لا تزال صغيرة بالمقارنة بالمبالغ الإجمالية المطلوبة وتحتاج لزيادتها بصورة عاجلة.

إن التحرك نحو الاقتصاد الأخضر يحدث على مستوى غير مسبوق وبسرعة لم تعهد من قبل. فقد كان من المتوقع في العام 2010 أن تصل الاستثمارات الجديدة في الطاقة النظيفة إلى قيمة قياسية تبلغ 180-200 مليار دولار أميركي بزيادة عن قيمتها البالغة 162 مليار دولار أميركي في العام 2009 و173 مليار دولار أميركي في العام 2008. وتدفع الدول غير الأعضاء في منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي عجلة التنمية بصورة متزايدة والتي ارتفعت حصتها من الاستثمار العالمي في مجالات الطاقة المتجددة من 29 في المائة في العام 2007 إلى 40 في المائة في العام 2008، يأتي معظمها من البرازيل والصين والهند.

ومن المتوقع أن يولد الاقتصاد الأخضر قدرا من النمو والوظائف يماثل أو يزيد عن سيناريو نهج العمل المعتاد الحالي ويفوق التوقعات الاقتصادية على المديين المتوسط والطويل في حين يؤدي إلى منافع اجتماعية وبيئية أكثر، ولكن مثل هذا التحول إلى الاقتصاد الأخضر لن يكون بلا مخاطر وتحديات- من «تخضير» القطاعات البنية التقليدية إلى تلبية متطلبات السوق سريعة التغير في عالم يقيده الكربون، لذا يجب أن يتحد قادة العالم، والمجتمع المدني، والأعمال الرائدة، وأن يتعاونوا على التدبر في المقاييس التقليدية للثروة والرخاء والرفاهية وإعادة تعريفها، ومن الواضح أن أكبر المخاطر هو الاستمرار في الأمر الواقع.

أحمد خضر الشربيني مجلة العربي ابريل 2011

تقييم المقال: 1 ... 10

info@3rbi.info 2016