مختارات من:

سلطة بلا مسئولية الصحافة والإذاعة في بريطانيا

جان سيتون

عرض: الدكتور أمين العيوطي

حتى الآن لا توجد لغة كافية لوصف العلاقة بين وسائل الإعلام المختلفة والفرد والمجتمع، ولكن المؤكد أنها قد أصبحت تمثل سلطة لا يمكن تجاهلها، فوسائل الإعلام تؤثر تقريبا على كل القرارات التي يتخذها الفرد. وبذلك استمدت قوة كبيرة تصبح أحيانا بلا مسئولية. حصلت الصحافة البريطانية على حريتها بعد كفاح بطولي ضد الدولة امتد منذ منتصف القرن السابع عشر حتى نهاية القرن العشرين، وأدى نمو أرباحها من الإعلانات والإعانات إلى استقلالها الاقتصادي عن الدولة، كما أن تحسن مرتبات الصحفيين جعلهم أقل عرضة لرشاوي الحكومة، وأقل اعتمادا على المصادر الرسمية في جمع الأخبار، وبذلك أدت الصحافة دورها في تنوير الرأي العام ووضع الحكومة موضع المساءلة، مما أدى إلى نضج الديمقراطية في بريطانيا.

وربما لم تكن الصحافة التجارية سلطة مستقلة إلى وقت قريب حيث تغلغلت فيها الأحزاب السياسية، وحيث كان أصحاب امتيازاتها أعضاء في البرلمان، غير أن الصحافة الراديكالية أدى دورها في القرنين 18 و19 إلى استقلال الصحافة عن الحكومة والأحزاب السياسية، ولم يكن هذا من خلال الاعتماد على الإعلانات، ولكن من خلال إقبال القراء عليها من العمال والنقابات والأندية والاتحادات السياسية حتى زاد توزيعها، وعلى الرغم من محاولة كبتها من خلال التشريعات القانونية، فإن المحلفين اعتبروا أي قضايا تشهير أو قذف في هذه الصحف في صالح الجمهور، وربما لجأت الحكومة إلى فرض ضرائب ورسوم عليها لتحصر ملكيتها وقراءها في الطبقة الموسرة، إلا أن شعبيتها صانتها.

صحافة عمالية.. وأخرى مضادة

كانت هذه الصحافة، في حقيقة الأمر، تعكس نمو تنظيمات الطبقة العمالية، وتنشر الجدل بين العمال حول الأخبار التي تنشرها، وتنمي التعاطف مع العمال، وتعمق الوعي الطبقي، وتشجع تضامن الحركات النقابية، كانت أيضا تشجع الناس على حضور الاجتماعات والارتباط بالتنظيمات السياسية والصناعية، وعن طريق التحليلات السياسية نجحت الصحافة في بث الروح الراديكالية الإصلاحية بين العمال بحيث أصبحت تشكل تهديدا للنظام الاجتماعي.

وفي هجوم مضاد على هذا النوع من الصحافة ظهرت الصحف اليومية المحلية التي يملكها رجال الصناعة وأصحاب المناجم والأحزاب السياسية، كانت تلك الصحف تقدم رؤية مختلفة، إذ عملت على تشجيع قرائها على التوحد مع الأحزاب السياسية التي توجهها الطبقات الحاكمة، وأدى هذا إلى تفرق الحركة العمالية، حيث انضمت بعض فرقها إلى الأحزاب السياسية البرلمانية المتنافسة، كذلك ظهرت رؤى جديدة تحيي روح المشاركة بين العمال وأصحاب الأعمال، وتدعو إلى نشر الاستنارة بين الطبقتين الوسطى والعمالية، وهكذا حلت الصحافة الليبرالية مكان الصحافة الراديكالية، وعلاوة على هذا شجعت تلك الصحافة موجة الإمبريالية، وصورت الاستعمار البريطاني بأن عليه مهمة تمدين العالم المتخلف الكافر.

عهد بارونات الصحافة

يعتبر عهد بارونات الصحافة الذين يملكون سلسلة من الصحف فترة فاصلة في تطورها، حيث أقام باروناتها إمبراطوريات شاسعة، وفي أيديهم أصبحت الصحافة وسيلة للدعاية لطموحاتهم السياسية، غير أن هذا لا يعني، أي تجديد في الصحافة، لأن استغلالها للدعاية كان تقليدا سائدا قبلهم، لكن ما فعلوه حقا هو فصل الصحافة التجارية من الأحزاب السياسية، وهي ظاهرة امتدت من أواخر القرن 19 إلى أوائل القرن 20.

وقد دخل تركيز ملكية الصحافة في أيدي باروناتها مرحلة جديدة فيما بين الحربين باندماج سلاسل الصحف المرحلية، وزاد من فعاليتها إلغاء المنافسة المحلية، غير أن صحافة المدن ظلت الأكثر مبيعا لتركز أعداد هائلة من السكان فيها، ولهذا شهدت الفترة الأخيرة من الحرب تحولا عن سيطرة مالك الصحف، إذ عادت الملكية المشتركة للصحف، وأدى ارتفاع تكاليف النشر إلى توزيع ملكية الصحف من خلال بيع أسهمها، وبذلك تقلصت سيطرة بارونات الصحافة. وأهم ما يميز بارونات الصحافة هو أنهم لم يستخدموا صحفهم كأدوات للنفوذ داخل الأحزاب السياسية، بل كأدوات للنفوذ ضد الأحزاب السياسية، فلما كانت تلك الصحف تعتمد على الإعلانات أساسا، كان بمقدورها أن تستقل عن الوصاية السياسية، وبذلك تحققت مكانة الصحافة بصفتها سلطة رابعة مستقلة في فترة ما بين الحربين، وكانت فعاليتها الأساسية تكمن في دعمها للقيم المحافظة ضد تيار الدعوة الاشتراكية مما أدى إلى اختفاء الكثير من المنشورات السياسية.

الصحافة في ظل التنظيم العام: الرقابة والمقاومة

وسط تزايد المخاوف في عام 1940 أصدرت الحكومة قرار يسمح لوزير الداخلية بحظر أي مطبوعات تنشر مادة معارضة للحرب، وأنكر القرار على صاحب الجريدة حق اللجوء إلى القضاء، أدى هذا إلى معارضة لهذه الإجراءات، ونجحت هذه المعارضة في إعاقة اتجاه إلى حظر مطبوعات تعتبر شقا لوحدة الصف في البلد، كما جرت محاولات من مجلس العموم لتطبيق هذا الحظر على الصحف التي تعارض استمرار الحرب، غير أن هذه المحاولات قوبلت بمعارضة منظمة أيضا.

وقد أدت هذه الحملات ضد سوء استخدام الرقابة على الصحف إلى رفض أية مقترحات بفرض رقابة إجبارية عليها، وساعد على هذا اقتناع الحكومة بشكل عام بأن الصحف كانت متعاونة في رفع معنويات الناس، وأن سيطرتها على الصحف قد تؤدي إلى فقدان هذه الصحف لمصداقيتها، وعندما تحسن الموقف العسكري في عام 1942 لم تعد الحكومة حساسة بالنسبة للنقد.

كان الالتزام الواسع الانتشار بصحافة حرة أحد العوامل الهامة في وقف السيطرة على الصحافة، فقد أصبحت حريتها أحد رموز الديمقراطية التي كانت بريطانيا تحارب من أجلها ضد النازية، وهكذا أدت مقاومة سوء استخدام الرقابة إلى الإبقاء على تقليد حرية الصحافة.

الإذاعة البريطانية

بدأ الإرسال الإذاعي في العشرينيات من القرن العشرين، وسرعان ما اجتذب جمهورا هائلا دفع صانعي الأجهزة في عام 1922 إلى الوعي بإمكان خلق سوق واسعة للتوزيع،، وحين فكر هؤلاء في إقامة محطات إذاعية أقنعهم مدير البريد أن يستثمروا معا في محطة واحدة منعا للتشويش، كانت هذه المحطة هي "شركة الإذاعة البريطانية" وكان تمويلها يعتمد على فرض رسوم على أجهزة الراديو وعلى الحصول على رسم ترخيص، غير أن المستمعين تحايلوا على الاثنين بأن راحوا يصنعون أجهزتكم بأنفسهم، ولذلك شكلت لجنة لبحث الأمر في عام 1923 انتهت إلى ضرورة فرض رسوم ترخيص بسيطة لتمويل هذه الخدمة، وفي عام 1925 رأت لجنة أخرى فصل الشركة عن مصلحة البريد وضرورة وجود احتكار إذاعي، وأوصت بأن تستبدل بالشركة لجنة عامة تديرها للصالح القومي، وهكذا أصبحت الإذاعة مستقلة عن الدولة.

اعتمد تطور الهيئة العامة على رفض تدخل كل من السوق والسياسة في مقابل كفاءة الأداء والنمو على أساس تخطيط من جانب خبراء، لم تكن الهيئة تحقق أرباحا، وكانت متاحة للجميع، وكان أي اعتبار للربح يحدد مجال خدماتها على المناطق الحضرية فقط. كذلك قامت الهيئة على رفض تدخل الحكومة إلا في مجال الأخبار، إذ إنها كانت تعتبر مهمتها ثقافية في المقام الأول، وكانت الحكومة مقتنعة بأن أي تدخل أو إشراف من جانبها يعوق تقدم العلم والفن.

وعلى الرغم من هذا خضعت الإذاعة دائما لضغوط في أوائل الثلاثينيات، كان واضعو البرامج يرون السياسة نشاطا خاصا بالأحزاب السياسية الأساسية، ولذا لم يهتموا بإذاعة أنباء عن الانقسامات داخل الأحزاب أو عن سياسات الشارع، حتى أن تشرشل نفسه كان يستبعد لشذوذ آرائه وغرابتها، كما كان كثير من أعضاء البرلمان يبتعدون عن الميكروفون، وبينما كانت سياسة الحكومة تستهدف تهدئة مطامح ألمانيا الإقليمية، تجاهلت الإذاعة هذه السياسة، بل فرضت حظرا على المتحدثين الذين كانوا يعادون الفاشية، والغريب في الأمر أن الإذاعة على الرغم من هذا كانت تقوم في نفس الوقت بوضع خطط واسعة المدى لمواجهة الحرب المحتملة لحماية المذيعين ومحطات الإذاعة، وتدوين تفصيلات حركة القطارات التي يمكنها أن تنقل العاملين من لندن، أي أنها كانت تعد سرا لحرب لم تكن تتوقعها رسميا.

هيئة الإذاعة البريطانية والحرب

في نهاية الثلاثينيات كانت هيئة الإذاعة البريطانية قد أصبحت الحل الطبيعي والحتمي لمشكلة إدارة نظام إذاعي وطني، ففي أثناء الحرب الثانية كانت الإذاعة هي الأداة الأساسية للدعاية المحلية، والحافز الرئيسي للناس على الجلد والتضامن، بحيث برزت بعد الحرب رمزا، بل إحدى أدوات النصر وجزءا من التاريخ الوطني.

كان برنامج الأخبار بطبيعة الحال أهم البرامج في وقت الحرب، وكانت الإذاعة تتوخى الدقة والموضوعية أكثر من الصحف، لأنها كانت "صوت بريطانيا"، وكانت الأخبار تحكمها أو ضرورة كسب الحرب، ورفع الروح المعنوية، بحيث أصبح إقبال الجمهور عليها هائلا، إلى حد أنه حين لم تكن هناك أخبار بسبب توقف العمليات العسكرية كان الجمهور يختلق شائعات، وكان رأي هيئة الإذاعة البريطانية أن الشائعات يمكن وضع حد لها بالمزيد من الأخبار الشاملة.

ونتيجة لهذا نما قسم الأخبار نموا سريعا، لجمع المادة من مصادر متنوعة ومتعددة، وأدى هذا إلى خلق فرق من المذيعين تصاحب وحدات الجيش البريطاني من فرنسا إلى الشرق الأقصى، وطور هؤلاء المعلقون طريقة نقل الأخبار من الجبهة بحيث تحمل تجربة الجنود إلى ذويهم في أرض الوطن.

وقد أثر هذا على أسلوب قراءة الأخبار، فبدلا من توخي جزالة الأسلوب، أصبح المعيار الأول هو قابلية الخبر الإذاعي للفهم وسهولته بالنسبة للمتلقي، وتطلب هذا أمرين: سهولة الكلمات والتراكيب اللغوية، وأن تكون نبرة إذاعة الخبر بأسلوب رسمي محايد غير مصطنع، وقراءة الخبر بشكل ناعم، غير متردد.

الإذاعة والتليفزيون

غير أن احتكار الإذاعة لموجات الأثير، سرعان ما تبدد بعودة البث التليفزيوني في 1946، فأصبحت العلاقة بينهما علاقة تنافسية، كانت أهم ملامح المنافسة حول النظرة إلى الإذاعة البريطانية على أنها إذاعة محافظة، بيروقراطية، تقودها عناصر من الطبقة الوسطى معادية لمصالح الطبقة العاملة، ومن ثم كان اتهامها بالمحسوبية وعدم الكفاءة، ونتيجة لهذه الظاهرة جاءت إعادة تشكيل أهداف البرامج التليفزيونية وبنائها وإنتاجها، كان أهم تغيير في هذه البرامج هو إدخال نظام التليفزيون التجاري، بين جدل عنيف من جانب المؤيدين والمعارضين، بهدف تشجيع الصناعة والتجارة والسوق الحرة، وهكذا ساد الإنتاج التليفزيوني التجاري على القناتين.

اجتذبت القناة التجارية أعدادا هائلة من المشاهدين، بما فيهم الطبقة العاملة نتيجة لاتجاهها إلى التسلية بدلا من البرامج الثقافية، فلعل أهم تجديد أدخله التليفزيون التجاري هو اعتماده على التنوع في البرامج الخفيفة، وإلى جانب هذا طور التليفزيون شكلا جديدا للأخبار، فبدلا من مذيع الأخبار الذي لا يرى وتصاحب إذاعته لقطات فوتوغرافية ثابتة عن الأخبار المحلية والعالمية، اتجه التليفزيون إلى إذاعة أخبار عن الأحداث الجارية التي تشغل الرأي العام، وكان من أهم عوامل اجتذاب الأخبار للمشاهدين تعبيرها عن ثقافة الطبقة العاملة، مما دعا الكثيرين إلى الاعتقاد بأن التليفزيون أداة تقوض التميز الطبقي وتزيد من الحراك الاجتماعي، وتشكل تهديدا لأساليب الحياة التقليدية.

وقد ضاعف من تأثير هذا اللون من التليفزيون ظهور تكنولوجيات الفيديو والأقمار الصناعية، وقد تجاوز تأثيرها ما يفعله المشاهدون في أوقات فراغهم إلى إيجاد ثورة إعلامية حول وجود بريطانيا كبلد صناعي ومنتجاته، وصورته القومية، وأولوياته السياسية في الداخل والخارج، وتمثل هذه الثورة في واقع الأمر استمرار تصنيع قطاع الخدمات، حيث تؤدي التكنولوجيا الجديدة مهام قديمة بكفاءة أعلى، وقد أدى هذا إلى أن تنعقد الآمال في الإحياء الصناعي على تكنولوجيات الاتصالات الحديثة، حيث تهيئ هذه الوسائل الصلة بين الأسواق والمنتجات وبين المستهلكين، ولهذا ظهر الاتجاه إلى تعدد القنوات لربط المشاهد بشبكات متعددة الأغراض تهتم بالتسوق والعمل والتعليم.

سوسيولوجيا وسائل الإعلام

يعزو كثير من الكتاب إلى الصحافة والبث الإذاعي والتليفزيوني القدرة على التأثير في الجماهير وإقناعهم وتغيير مواقفهم والتأثير في سلوكهم، غير أن هذه العبارات تبدو غامضة وغير دقيقة، فليست هناك حتى اليوم لغة كافية لوصف العلاقة بين وسائل الإعلام والفرد والمجتمع، وقد أوضحت الدراسات المبكرة أن وسائل الإعلام لم تغير آراء الناس في حملات الدعاية الانتخابية مثلا، ذلك أن المشاهدين ليسوا جمهورا متجانسا والمجتمع ليس تركيبا هرميا بسيطا، ولهذا كان تأثير الإعلام على الرأي العام محدودا.

كذلك أوضحت هذه الدراسات أن السلوك الاستهلاكي والسلوك السياسي لا يخضعان لهذه التأثيرات، وقد توصلت الدراسات النفسية إلى نفس هذه النتيجة، كذلك أظهرت الدراسات حول الأغراض التي يستخدم الجمهور وسائل الإعلام من أجلها أنه يستخدمها بهدف التسلية أو بهدف معرفة مجريات الأمور، وهناك وجهة نظر أخرى تقول إن وسائل الإعلام تدعم البناء الاجتماعي القائم وتضفي عليه الشرعية، فهي تشتت اهتمام الجماهير بعيدا عن المشكلات الحقيقية بأن تصطنع أحداثا وتضخم قضايا تافهة.

كان أحد مقومات هذا المدخل إلى سلطة وسائل الإعلام الاهتمام بالطريقة التي تمر بها الطبقات المختلفة بتجربة وجودها الاجتماعي، وقد تبين أن الطبقات تفسر وتستخدم الأيديولوجيات التي تقدم لها من خلال وضعها الاجتماعي، وطبقا لهذا الرأي فإن الطبقة العاملة سجينة أيديولوجيات ترفضها، ويبدو هذا من سلوكها المعارض والمتشكك الذي قد لا يكون سياسيا بشكل واضح، ولعل هذا يرجع في التحليل الأخير إلى أن المؤسسات الإذاعية تعتمد في مشروعيتها على الدولة، وهكذا ينظر الناس إلى محتوى البرامج بصفتها تخضع للتدخل السياسي.

إصلاح وسائل الإعلام

ويتطلب هذا إصلاح وسائل الإعلام، وأحد الحلول المطروحة هو خلق وزارة واحدة للفنون والاتصالات والتسلية، تكون مهمتها التحكم في تطوير كل هذه الصناعات، والتعامل مع المناطق المشتركة بين الفنون والمكتبات العامة والنشر والرياضة والترويح مما يؤدي إلى خلق سياسة متكاملة ذات أهداف محددة، تأخذ في الاعتبار ما تنطوي عليه التطورات السياسية والاقتصادية، وفي خلق هذه الوزارة المقترحة اعتراف بدور وسائل الإعلام في الفنون والرياضة في المجتمع المعاصر، ووجود سياسة متماسكة طموحة لصناعة الاتصالات - سياسة قادرة على التسامح مع الاختلافات السياسية ومهتمة بتنوع الاحتمالات التجارية والثقافية الجديدة - أمر بالغ الحيوية أكثر من ذي قبل.

جان سيتون مجلة العربي فبراير 1992

تقييم المقال: 1 ... 10

info@3rbi.info 2016