عربي القلب، إنساني العقل، صوفي التدين، أنبتته أرض الكويت في صدر القرن الماضي، بذرة طيبة من غرس أسرة عريقة، وقد توسم أهل الرأي منهم في تلك الفسيلة النضرة طيب الثمار، فأبوا إلا أن تسقى من ماء النيل، وقد كانت أرض الكنانة يومئذ أبعد من القمر.
ثم إن تلك الفسيلة الصغيرة عادت إلى الكويت نخلة سامقة تناطح الغمام، فأخذت تلقح ليل العرب أنجماً هي اليوم مجرة قارة وضاءة لا تأفل ولا تخبو.
ذلكم أحمد مشاري العدواني رجل زهت به الألقاب شاعراً ومفكراً وتربوياً... رجل لم يعطه الإعلام العربي كل حقه، وقد كان مديراً للتلفاز في دولة الكويت، وأول أمين للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب! رجل لم يحل في مكان قط إلا وأنبت الفكر والشعر من كل زوج بهيج، سما بعظيم خلقه، وتبوأ رفيع الدرجات عن استحقاق.
رجل توارى عن الأنظار باختياره تواضعاً يزيده رفعة، ولم يكن يكثر القول، ولكن كان يكثر العمل، جعل نصب عينيه هدفاً سامياً وجعله كده ودأبه، لا يكل ولا يتأفف، وإنما اجتهد وأخلص وأبدع حتى أتعب من بعده مع حبهم له وإقرارهم بفضله.
أحببته شاعراً، ولو لم يكن له من الشعر غير «شطحات على الطريق» لبلغته ذروة الشعر التي تقاصر عنها كثير ممن كثرت دواوينهم.
مثل هذا الرجل جدير بما قامت به مؤسسة عبدالعزيز سعود البابطين للإبداع الشعري - رائداً يشكر - حين جعلته محور ملتقى أبوظبي منذ سنوات.
ذكرت نبذة عن هذا العملاق لأغري الأشقاء العرب بالقراءة له، ولألفت المؤسسات الثقافية العربية إلى ما يستحقه إرثه الشعري والثقافي من تكريم وحفاوة، فقد قدم العدواني الكثير للثقافة العربية، وهو كثير الصمت سوى كلمات يهمسها شعرا على «أجنحة العاصفة» ويسكبها «أوشال» ويرسمها «صور وسوانح».
ورحم الله العدواني إذ يقول:
تتقلب الأحوال بي وأنا لها
كالشمس لم يشمل خطاي ظلام