أخيرا أصبح للأمة العربية في الفضاء ثلاثة أقمار صناعية بدلاً من اثنين، ففي الخامس والعشرين من فبراير 1992 انطلق القمر الثالث إلى الفضاء، تنفيذا لقرارات وزراء المواصلات العرب في اجتماعاتهم الأخيرة. وبداية لرؤية استراتيجية تنظر إلى مستقبل أقمار البث التليفزيوني المباشر بعد العام 1995، تأهبا للتحدي الحضاري الذي ستواجهه الأمة العربية في هذا الشأن، مع نهاية التسعينيات وفي أوائل القرن القادم.
لقد بدأت الأمة العربية في مواكبة تكنولوجيا الفضاء عندما انطلق أول أقمار "عربسات" بواسطة صاروخ دفع أوربي، من طراز أريان فيه فبراير 1985. ثم تلاه "عربسات 2" في يونيو من العام نفسه، ولكنه اتخذ طريقه في الفضاء بتكنولوجيا كانت وليدة آنذاك، إذ انطلق من فوق متن مكوك الفضاء الأمريكي "ديسكوفري" في رحلة كانت تضم بين روادها أول رائد فضاء عربي هو الأمير السعودي سلطان ابن سلمان وعلق القمران على المدار الثابت فوق خط الاستواء، والذي تعلق عليه كل أقمار الاتصالات على ارتفاع 35880 كيلو مترا، لكي تتزامن سرعة دورانها مع سرعة دوران الكرة الأرضية حول محورها. وبذلك تبقى الأقمار معلقة وثابتة في المكان الذي تحدده "المنظمة العالمية للاتصالات الفضائية" والتي تنسق وجود فواصل بين أقمار الدول المختلفة، حتى لا تشوش إذاعاتها على بعضها البعض.
ولقد علق القمر العربي الأول "عربسات 1" عند تقاطع. خط طول 19ْ شرقا، مع خط الاستواء، بينما علق الثاني "عربسات 2" عند تقاطع خط طول 26ْ شرقا مع خط الاستواء. ولذلك فهما يقعان فوق منطقة الكونغو، ليحققا وصول بثهما التليفزيوني لرقعة العالم العربي من منطقة الخليج العربي شرقا حتى المحيط الأطلسي غربا، ومن سوريا شمالا، حتى السودان والصومال جنوبا. فضلا عن وصول هذا البث أيضا، إلى الدول المتاخمة لهذه المنطقة، مثل إيران وتركيا وجزر البحر الأبيض المتوسط.
ولقد أتى اهتمام الأمة العربية بأقمار الاتصالات، من منطلق أنها أصبحت تتصدر قائمة التطبيقات الفضائية- لأنها تستطيع أن تغطى بإذاعاتها قارات بأكملها، إذ إن ثلاثة أقمار منها، يمكن أن تغطي الكرة الأرضية كلها بإذاعة واحدة، لأنها تطل على البشرية من ارتفاعات شاهقة العلو. فضلا عن أن قمرا واحدا يمكن أن يوفر أنواعا مختلفة من الاتصالات سواء إذاعية أو تليفزيونية أو تليفونية، إلى مديات طويلة جدا، يصعب تحقيقها بالوسائل التقليدية الأرضية. فهو يغني عن عشرات من المحطات الإذاعية الأرضية ومئات من محطات التقوية التليفزيونية ذات المدى المحدود فضلا عن عشرات السنترالات التليفونية في دول مختلفة، وآلاف الكيلو مترات من كوابل التليفونات التي يلزم أن يدفن بعضها تحت الأرض، وبعضها الآخر تحت الماء.
وبإطلاق قمري عربسات، تحقق نجاح أول مشروعات "المنظمة العربية للاتصالات الفضائية" إحدى منظمات جامعة الدول العربية. وقد تم ذلك بتمويل من المملكة العربية السعودية بنسبة 6. 26% والجماهيرية الليبية بنسبة 18% وأسهمت باقي الدول العربية الأخرى بنسب متفاوتة.
دوائر وقنوات
أقيمت محطة الإرسال الرئيسية للتعامل مع القمرين في مدينة الرياض، كما أقيمت المحطة الاحتياطية في مدينة تونس. واختير نظام الإرسال "غير المباشر" كأسلوب للتعامل مع القمرين، وهو نظام يعتمد على استقبال ما يذيعه القمر من محطته الرئيسية، بواسطة محطات استقبال محلية في كل دولة عربية. ثم تقوم" السلطات المحلية بترشيح المعلومات التي تستقبلها وانتقاء المناسب منها، ثم تعيد إذاعته أو بثه من محطاتها المحلية. ولقد صمم كل قمر ليضم:
(25) قناة اتصال عامة
(7) قنوات بث تليفزيوني بنظام الإرسال غير المباشر.
(1) قناة للبث التليفزيوني بالنظام المباشر ويطلق عليها اسم القناة الجماعية أو الإشعاع الغزير.
(8000) دائرة تليفونية.
وقبل عام 1985 سارعت أغلب الدول العربية إلى إقامة محطات الاستقبال للتعامل مع القمرين. غير أنه عند إطلاق القمر الأول لم يكن عدد الدول التي أتمت إقامة هذه المحطات قد تجاوز اثنتي عشرة دولة. ثم بدأ العدد يتزايد تدريجيا بعد ذلك، حتى بلغ الآن (16) دولة عربية. وأغلبها يستخدم هوائيات طبقية ذات أقطار بين 11 و 14 مترا.
لكن لم يمض على إطلاق القمر الأول غير بضعة شهور، حتى تعرضت أغلب قنواته لأعطال فنية. كما أن قناة الإشعاع الغزير المسماة بالقناة الجماعية، بقيت بلا استخدام، لتعذر الاتفاق بين الدول العربية على برامج تليفزيونية موحدة تبث منها. وهنا بدأت عملية خلط إعلامي، أوعزت عن غير قصد، لكثير من الشعوب العربية، أن هناك قمرا عربيا واحدا وليس قمرين. ولقد أتى ذلك من تكرار استخدام اصطلاح (عربسات) مجردا، فاستقر في أذهان غير المتخصصين أن هناك قمرا وأحدا فقط. ولكن الحقيقة المرة أن "عربسات- 1" الذي أطلق في فبراير 1985، كان قد توقف عن الأداء وثبت أن هناك أعطالا فنية تعوقه عن العمل. وبدا ذلك في صعوبة انفتاح الجناحين اللذين يحملان خلاياه الشمسية، وتعطل جهاز تحديد الاتجاه. كما تعطلت قناتان من قنواته، بينما لم يطابق عدد آخر من القنوات المعايير الدولية المنصوص عليها في المواصفات ولقد أدى كل ذلك إلى الحيلولة دون استكمال الفحوص المدارية. إذ ثبت أن أغلب قنواته الست والعشرين لا يعمل منها غير قناة واحدة وربع قناة فقط، ثم تأكد بعد ذلك بعد القمر عن مداره والتزحزح عن موقعه على المدار الثابت، ولم يصبح موجها لي المنطقة العربية لتغطيتها كما كان مقررا. بل أصبحت إشعاعاته موجهة إلى خارج المنطقة العربية، الأمر الذي جعل البعض يتهكمون بأنه أصيب بالحول!.
ولو تدبرنا الأمر على حقيقته فإن تعطل القنوات عن الأداء يعني خللا في الأجهزة الإليكترونية للقمر، بينما خروج القمر عن مداره يعني أن هناك خللا ميكانيكيا في أجهزة التوجيه التي تعمل بنفث الغازات من فتحات نفث ضيقة لتصحيح أوضاع القمر على المدار، والمعروف أن هذه الغازات توجه تحت ضغط شديد من مستودع يوجد داخل جسم القمر، وأن حجم هذه الغازات هو العامل الذي يحدد عمر أقمار الاتصالات، والتي لا تزيد على سبع سنوات. ومعنى ذلك أن عمر القمر يتناقض يوما بعد يوم، وعدم استخدامه يعني أننا نهدر أموالنا. وبمعنى أدق فإن "عربسات 1" الذي سبق القول إنه أطلق في فبراير 1985 سيتوقف عن العمل في مطلع عام 1992. وبعد أربعة أو خمسة شهور سيلحق به "عربسات 2". إلا أنه قد ظهرت في عالم تكنولوجيا الأقمار، وسائل جديدة استطاعت أن تطيل أعمار أقمار الاتصالات حتى عشر سنوات. ولقد تطور الأمر بمشكلات "عربسات 1" بالتحول بها إلى المحافل القضائية الدولية لتصبح هناك قضية بين المنظمة العربية والشركة المصنعة. كما قامت المؤسسة العربية للاتصالات الفضائية بمطالبة شركات التأمين المختصة بتعويض قدره (25) مليون دولار لعدم توافر عناصر الإطلاق الناجح للقمر الأول، وأصبح القمر العربي الوحيد الذي يمكن أن يعمل في الفضاء هو "عربسات-2".
ولكن المؤسف أن "عربسات 2" ظل حتى وقت قريب يعمل بسعة جزئية، فنسبة الاستخدام لقنواته كما جاء في محاضر المؤسسة العربية للاتصالات الفضائية في إبريل 1986، كانت لا تزيد على 4،3%، وفي عام 1987، ارتفعت هذه النسبة في 3%، وقفزت خلال عام 1988 إلى (28%) فقط. وسبب ضآلة هذه النسبة في الاستخدام هو حصيلة عدد كبير من السلبيات، أهمها أن أغلب الدول العربية لم تكن قد فرغت من إقامة محطات الاستقبال المحلية. وأغلب الدول التي تخلفت عن إقامة محطات استقبالها لم تستطع أن تتمها قبل عام 1988، أي بعد أن انتهى من عمر القمر قرابة نصفه. كما أن دولا عربية أخرى لم تتحمس للتعامل مع عربسات، ولذلك اتخذت قرارات في المؤتمر الثالث للجنة استخدام الشبكة الفضائية للأعلام والتنمية. والثقافة والتي انعقدت في تونس في إبريل 1986، ثم قرارات الدورة التاسعة للمؤسسة العربية للاتصالات الفضائية التي انعقدت في الشهر نفسه في الجزائر، تقضي بضرورة تحول الدول العربية بإذاعاتها واتصالاتها من استخدام أقمار الاتصالات العالمية " انتلسات" إلى القمر العربي "عربسات". وكان السبب في ذلك أن تكاليف تأجير القنوات في "عربسات" تكاد تبلغ عشرة أمثال الأقمار الأخرى. ولكن على الجانب الآخر، فمن المشرف أن القمر الثاني نجح في نقل شعائر الحج بدءا من عام 1405 هجرية (عام 1985 م) من مكة المكرمة، وعلى مدى الأعوام التالية، كما نجح في نقل مباريات مهرجان الشباب الخليجي الذي أقيم في اليابان من 18 إلى 25 سبتمبر 1985، وكذلك كثير من الأحداث العربية المهمة الأخرى.
ولكن تجسدت السلبيات بصورة أكبر في عدم تشغيل القناة الجماعية "عربسات - 1، 2".
القناة الموحدة
في عام 1988، عرض مستثمر لبناني فكرة تأجير القناة الموحدة غزيرة الإشعاع في القمر العربي الأول، لأغراض تجارية عمادها الإعلان، ولقد رفض طلبه. ولكن بعد أن استردت مصر عضويتها- التي ظلت معلقة لأكثر من عشر سنوات- في المنظمة العربية للاتصالات الفضائية، بدأت خطوة إيجابية جديدة في استغلال هذه القناة. إذ قامت وزارة الإعلام المصرية بالتعاقد مع المنظمة العربية المذكورة على استئجار "القناة الموحدة" في القمر العربي الأول في مقابل مليونين من الدولارات عن كل سنة. وقد تمثلت أهمية هذا التعاقد في كونه بمثابة إنقاذ لأمر طال إهماله. إذ إن القناة الغزيرة الإشعاع ليست موجودة في أغلب الأقمار الصناعية، حتى الأوربية منها إلى الآن، لأنها توفر البث التليفزيوني المباشر فوق رقعة شاسعة المساحة تشمل نصف مساحة العالم العربي. وهذا في حد ذاته يرسم قدرا من التطلع الطموح الذي كان مسيطر على العالم العربي لمواجهة الغزو الثقافي المتوقع مع أقمار البث المباشر الذي سيبدأ في الانتشار في أوربا بدءا من عام 1992. الأمر الذي يؤكد أن العالم العربي كان يتطلع منذ عام 1985 إلى المستقبل بإيجابية وجدية، لأن استخدام مثل هذه القناة على قمر صناعي يحتاج لاستهلاك ربع جملة الطاقة التي تحتاج إليها أجهزة القمر. ولقد بدأت القناة الفضائية المصرية بثها في نوفمبر 1990. وسرعان ما تحقق ربط إرسالها بشبكات أقمار أوربية وإفريقية، وأصبحت برامجها ترى في كثير من العواصم والسفارات والتجمعات العربية في كثير من الدول.
ومن المشرف أيضا أن بثا تليفزيونيا باللغة العربية بدأ في سبتمبر 1991 بتمويل سعودي عبر القمر الصناعي "أوتيلسات- 11" إلى دول أوربا وإفريقيا الشمالية، وعبر "عربسات- 1" إلى دول الشرق الأوسط.
وفي شهر نوفمبر 1991 قامت الكويت بخطوة.مماثلة، إذ بدأت بث إرسال تليفزيوني باللغة العربية في الدول الأوربية.
وهكذا تحولت الأمور، بالعالم العربي إلى نقلة حضارية بعد سبات طال أكثر عن ست سنوات.
من المخزن إلى الفضاء
في الاجتماعين الأخيرين لوزراء المواصلات العرب، تقرر أيضا إطلاق القمر الصناعي الثالث " عربسات- 3" في ديسمبر 1991. ثم تأجل هذا الموعد إلى 25 فبراير 1992. وقد تم الإطلاق من قاعدة في الصين التي دخلت أخيرا حلبة المنافسة الدولية في عمليات إطلاق الصواريخ بأسعار تقل كثيرا عن الأسعار الأوربية والأمريكية.
وجدير بالذكر أن القمر "عربسات- 3"، كان موجودا في حالة تخزين لدى الشركة الفرنسية (إيروسبيس) التي سبق لها تصنيع القمرين السابقين. ويأتي ذلك الإطلاق في موعد يقارب توقف القمر الأول عن الأداء، لانتهاء عمره الافتراضي كما أسلفنا، ولقد اتخذت المنظمة العربية للاتصالات الفضائية قرارا في العام الماضي بالاشتراك مع مؤسسة "كومسات" الأمريكية لتطبيق تكنولوجيا جديدة بهدف إطالة عمر القمر العربي الأول بمقدار ثلاث سنوات أي ليمتد عمره حتى عام 1995. ولكن الدراسات والبحوث انتهت إلى أن هذه التكنولوجيا الجديدة ستؤدي إلى ميل القمر على المدار الثابت بمقدار درجة واحدة في العام. الأول، ويزيد هذا الميل إلى ثلاث درجات في العام الثاني. ولكن محطات الاستقبال الأرضية لن تتأثر بذلك لأن بها أجهزة تعدل من حركتها تلقائيا للاستقبال من الاتجاه الصحيح.
وجدير بالذكر أن عقدا مصريا جديدا قد وقع أخيرا مع المنظمة العربية للاتصالات الفضائية، لاستغلال القناة غزيرة الإشعاع في القمر العربي الثالث، لبث برامج القناة الفضائية المصرية؟ بعد توقع توقف القمر الأول عن الأداء.
الجيل الثاني لعربسات
بدأت البحوث في لجان المنظمة العربية للاتصالات الفضائية، للإعداد لإطلاق أقمار الجيل الثاني لعربسات وقد أستقر الرأي على أن تكون جاهزة في بداية عم 1995، حتى تستمر أحزمة الاتصالات بعدما ينتهي عمر "عربسات - 2". وهناك عروض متعددة الجنسيات بتكاليف المرحلة التالية إلى 600 مليون دولار.
غير أنه لا بد من الإشارة إلى أن الملامح الرئيسية للجيل الثاني من أقمار عربسات، ستختلف عن تلك التي كانت للجيل الأول المستخدم حاليا وهي اختلافات جوهرية روعي أن تتوافر فيها الإمكانات لمجابهة التحدي الحضاري الذي ستواجهه الأمة العربية بجميع شعوبها في عقد التسعينيات، والتي تتمثل في اتجاهين: أولهما هو ضرورة القدرة على مجابهة التكنولوجيا المتقدمة التي يحرزها الطرف الإسرائيلي بمعونات فنية ومالية. سخية عن قبل الولايات المتحدة الأمريكية، فقد أثمرت هذه التكنولوجيا إطلاقه لقمره التجريبي "أفق- 1" في سبتمبر 1988، ثم إطلاقه "أفق -2" في إبريل 1990. وهو قمر مخصص للاستطلاع والتجسس العسكري بالتصوير الدقيق ولا شك أن إسرائيل قد نجحت في تنفيذ خطة خداع للأمة العربية بإعلان اعتزالها إطلاق قمر للاتصالات تحت اسم "عاموس" وكأنها في حال ملاحقة للأمة العربية بعد إطلاق "عربسات - 1، 2". ثم طلعت على العالم فجأة بإطلاق قمريها للتجسس، لأنه أهم بالنسبة لمصالحها الاستراتيجية من قمر الاتصالات ثم زادت في خطة أحكم الخداع بإعلان أن قمرها الأول "أفق - 1" تجريبي، وسيظل في الفضاء شهرا واحدا، فإذا به يستمر 19 شهرا ويصور ويتتبع ساحات الحرب التي كانت محتدمة آنذاك بين إيران والعراق.
وبفضل المعونات الأمريكية،- أصبحت إسرائيل تحتل المركز الثامن في العالم بين الدول التي تمتلك وسائل الدفع الصاروخية المتعددة الأغراض والمدى. وكان أولها الصاروخ "شافيت"، وبعد سنوات أصبح لديها صواريخ أرض- أرض من طراز "أريحا - 1، 2، 3" والتي تزيد مداها مع الوقت من (350 كم) إلى (850 كم) ثم (1450) كيلو مترا على التوالي وهو مدى ليس بالهين لأنه يمكن أن يصل إلى جنوب الاتحاد السوفييتي (سابقا)، ويتطاول إلى كثير من الدول العربية.
وفي عام 1991 بدأت إسرائيل تجارب إطلاق صاروخ آخر من طراز (آرو) أي "السهم" بمعونة فنية أمريكية في إطار برنامج حرب النجوم، بلغ مداه (6000) كيلو متر. ورغم أنه صارخ مضاد للصواريخ، إلا أنه يعكس القدرة التكنولوجية المتقدمة التي تصدت لواحدة من أعقد مشاكل تكنولوجيا الفضاء التي لم تحرز فيها الولايات المتحدة. الأمريكية تقدما إلا منذ أعوام قليلة- وهذا يعني أن الأمة العربية أمام تحد ليس هينا، لا في مجال الأقمار الصناعية وحدها، بل أيضا في صناعة صواريخ دفعها، إذ يسهل أن يوضع على هذه الصواريخ رءوس نووية بدلا من الأقمار الصناعية.
أما ثاني التحديات، "التي ستجابهها الأمة العربية في التسعينيات، فهي تكنولوجيا "البث المباشر" التي ستبدأ من عام 1992 بالنسبة لجيل. جديد من الأقمار الأوربية والأمريكية، لأنه أمام البث التليفزيوني المباشر تسقط الحدود الجغرافية للدول، والحواجز السياسية، ويصبح التواصل بين الأقمار الصناعية والشعوب، بلا قيود، وبلا رقابة من الحكومات والسلطات المحلية. لأن برامج البث المباشر ليست في حاجة إلى استئذان أحد، فهي تقتحم المنازل في الشاشات الصغيرة مباشرة دون أي تدخل من السلطات المحلية. ولذلك بدأت الهوائيات الطبقية، تحتل أماكن فوق أعالي العمارات، وفي الحدائق وفي المناطق البعيدة عن العمران.
ولذلك نجد أن الملامح الرئيسية لأقمار الجيل الثاني من عربسات، ستقوم على أن يستبدل بالقناة الجماعية غزيرة الإشعاع - والتي يسميها الفنيون باسم (حزام C) - نظام أقوى منها هو (حزام Q)، لكي يمكن استقبال البث التليفزيوني المباشر بهوائيات طبقية صغيرة القطر في عداد 2 أو 3 أمتار، حتى تكون مناسبة للمنازل والتجمعات السكنية.
ولقد ثار جدل كبير، مازال محتدما في الأوساط العربية عن الغزو الثقافي والعقائدي الذي ستتعرض له الأمة العربية في ظل نظام البث المباشر الذي ستنشره الأقمار الأوربية والأمريكية. تخوفا من أن بعض البرامج السائدة في هذه الدول تسمح بقدر من المشاهد والأفكار التي تتعارض مع عقائدنا وتقاليدنا العربية. لكن هذه القضية في حاجة في تمحيص ونقاش ليس هنا مجالهما، لأن الأمر الواقع سيفرض نفسه. فقد دلت إحصائية نشرت أخيرا على أن نصف مليون محطة تليفزيونية في العام ستقوم ببث برامجها عن طريق الأقمار الصناعية خلال التسعينات. وأن كل أقمار أوربا وأمريكا ستتحول خلال السنوات الخمس المقبلة إلى نظام البث المباشر .. فهل يقف العرب مكتوفي الأيدي؟