في كتب المدارس، الأسد ملك الغابة، وفي علم الحياة، ملك الأحياء في الغابة وخارجها، وفي التاريخ رمز السطوة القوة والجبروت على هامات القياصرة والملوك والسلاطين وأمراء المقاطعات، وآخر أسد تاريخي كان هيلاسلاسي، أسد يهوذا وملك الحبشة، وشاهنشاه إيران اتخذ من الطاووس رمزا دون الأسد، ثم هناك الأسد البريطاني الذي عاشت إمبراطوريته تحت ظله، حيث لا تغيب عن عرينه الشمس، بعد ذلك انهمر الأسد في الزمن الحاضر من غابته وتحول إلى ماركات سيارات وعلامات لأغلفة الأدوية المقوية وقافزا في السيرك ولاويا عنقه في زئير مضحك على مقدمات أفلام شركة مترو، وترى أثر الأسد في الوشم على صدور وأذرع مواطنينا تحديدا للهوية والاسم والبلد، قبل ظهور عصر البطاقات الشخصية وأوراق الهوية وجوازات السفر.
وقد احتفى عالم الحيوان العربي (الدميري) بالأسد فأفرد له صفحات تضم كثيرا من أسمائه ابتداء من السبع وقسورة وورد، وانتهاء بالغضنفر ودرغام - أو ضرغام-، ولا يزال حكام جمهوريات إفريقيا الوسطى يزخرفون اسمه على عروشهم، ذلك أن هذا السبع ظل موضع تفاخر البشر- والعرب منهم- بصفاته القوية والجبارة التي تشغى بها قصائد الفخر والحب أيضا، ويمكنك أن تخاطب أعداءك وأصدقاءك بلقب الأسد في حرية تامة ودون أن تقع تحت طائلة قانون السب العلني إذا ما أستخدمت لفظ اللبؤة- أنثى الأسد- وصفا لزوجاتهم، وأيام كان الأسد أسدا ذا ضراوة وزئير وعرين ولبؤة وأشبال، كان يأنف أكل الرمم وبقايا صيد الآخرين، ولم يكن يهاجم الآدميين إلا إذا جاع جوها شديدا، أو إذا استشعر منهم خطرا، في حين أن اللبؤة تفعل ذلك دون تقصير ودون اهتمام بفكرة القوة والعزة والكبرياء، لذلك نجد اللبؤة هي التي تطعم السبع الشائخ العاجز أو الجريح المكلوم.
وأشهر حكايات الأسد هي التي أنشأ منها برنارد شو مسرحيته عن ذلك الأسد الذي رفض رغم جوعه الشديد أن يأكل عدو القيصر حينما ألقوه إليه، لأن عدو القيصر كان صيادا عالج ذات مرة- منذ زمن- شوكة دخلت في قدم هذا الأسد بالذات، وليس هناك حكاية معاصرة توازيها.
ومع أن الأسد ارتبط وجوده بالغابات، إلا أن مجده الأدبي فاق هذه المساحات، ومن المؤكد أنه كان يعيش في بعض وديان البلاد العربية، إذ ورد ذكره كثيرا في فنون الآداب القديمة، من مجاز وتشبيه واستعارة . ولعل عنوان كتاب ابن الأثير (أسد الغابة في معرفة الصحابة)؟ ثم قبيلة بني أسد التي عاشت في جنوب شبه الجزيرة العربية- والتي منها الشهير امرؤ القيس- خير شاهدين على ذلك. كما أن اسمه لا يزال يعلو أسماء وألقاب بعض القبائل والأسر في المجتمعات المعاصرة، في الأردن الدكتور ناصر الدين الأسد الذي كتب آجمل وأرقى نقد في الرد على كتاب (الشعر الجاهلي) لطه حسين، وهو كتابه مصادر الشعر الجاهلي وقيمتها التاريخية، ويبز في موضوعيته ورصانته ودقته كتابي الخضر حسين ومصطفى صادق الرافعي.
وقد أحكم الإنسان سطوته على حركة الأسد، وحد من حريته داخل الحدائق المسورة في غابات تنزانيا وكينيا، أو مسجونا في حدائق الحيوان بالمدن الكبرى، أو أسيرا في برامج التليفزيون التي نرى فيها ملك الغابة وهو يغمض عينيه ويفتحهما اتقاء الذباب والبعوض وتعليقات المذيع، ودون أن يبكي.