لا أنكر أن مشاغلي حالت دون زيارته فور وصوله، وذلك بعد غياب في الخارج دام لبضع سنوات، بيد أنه - رغم ذلك - استقبلني بحفاوة معهودة لم يفترها بعد العهد.
انقضى بعض الوقت تبودلت فيه التحايا والسؤال عن الأحوال ورواية المستملح من نوادر الذكريات، حتى بلغ سمعي صوت هادئ رقيق، وحين التفت إلى مصدره تراءت طفلة في أبهى الثياب ذات عمر يقرب من السنوات الست، فرحت أمتدح جمالها وهي تتقدم إلى مصافحتي طابعا على يدها الصغيرة قبلة، بعدها يممت شطر غرفتها مستأذنة في أدب جم.
شرد ذهن والدها قليلا، ثم ما لبث أن قال: لشد ما كنت أشفق على صغيرتي هذه، إذ لم يكد المقام يستقر بنا في الخارج، حتى اشتدت عليها وطأة المرض، ولما قصدنا طبيبا لأمراض الأطفال، أرجع الحالة إلى عيب في الجهاز التناسلي، وانتصحنا أن نقصد طبيبا لأمراض نساء الأطفال، ففعلنا حتى مضى الأمر على خير وجه، وكتب الله لها السلامة.
ولم يكد يتم كلماته، حتى استشعر ما في نفسي من سؤال يتردد، فأجاب: نعم.. طبيب لأمراض نساء الأطفال. ثم راح يشير إلى تعريف هذا الفرع من الطب قائلا: إنه يهتم بالأطفال الإناث من مرحلة الولادة حتى مرحلة البلوغ، وربما يمتد بعد ذلك لعدة سنوات إذا ما استدعت الحاجة.
ثم تضمن حديثه ما يشير إلى أهمية هذا الاختصاص بقوله: إنهم في الخارج لا يجدون استحياء في ذلك، كيما يتم تفادي أية أمراض جسيمة يمكن أن تحدث بعد الزواج، وكما تعلم، إن المجتمع عندنا لم تألف تقاليده اتجاه الإناث إلى طبيب النساء قبل الزواج، ويعتبر ذلك عيبا لا يصح الإقدام عليه، وترجئ مثل هذه الأمور إلى ما بعد الزواج، وهي مشكلة غاية في الخطورة لأننا نضيع فرصة اكتشاف هذه النوعية من الأمراض مبكرا، وبالتالي نضيع فرصة علاجها، وقد يؤدي ذلك إلى مشاكل أسرية تكون نتيجتها فشل الحياة الزوجية، كالأنثى التي تولد بدون رحم أو مبيض، ولا يتم اكتشاف ذلك إلا بعد الزواج حينما يتأخر الإنجاب، ولو تم اكتشاف هذه العيوب من قبل لتغير الموقف وابتدأ العلاج مبكرا.
.. وانتهت الزيارة