وممشوقةٌ هيفاء تاه بها الفكرُ
لها كبدٌ حرّى يضيق بها الصّدر
رقيقةُ وجهٍ لو نظرتَ حسبته
غلافَ جمانٍ شفّ من تحته التبرُ
يغازل صفو المعصرات دُخانها
ويهرقُ خمراً دون لذّته خمرُ
وتذوي على ثغري هوى وتذيبني
هياماً كما الصوفي ذوّبه الذكرُ
شغفت بها حباً وأهرقت دونها
صبابة عيشٍ ما لمهرِقُها عذرُ
إذا ما خبتْ يخبو خيالي وإن ذَكت
تشظّى شعاعاً من جوانِبها الشّعرُ
قسمت لها شطرين قلبي على النوى
يهيم بها شطرٌ ويشقى بها شطرُ
فوالله ما أدري إذا ما ذكرتها
أأثني عليها أم أذمُ ولا فخْرُ
يقيّدُني شوقٌ إليها مبرحٌ
ويطلقني من أسرها المنهلُ المرُ
ظللتُ بها هيمانَ حتى تنكرت
وبان على أهدابِها الغدْرُ والشرُ
فودّعتها عامين طال مداهما
فيومهما شهرٌ وشهرهما دهرُ
وأمسى لدي الصبح كالليل مظلماً
وطال ولم يبزغ لآخرِه فجرُ
أبيتُ على جمرِ الغضا متقلباً
عشية لم يضرم لفافتي الجمرُ
أقلّب كفي حائراً كيف أتّقي
مهفهفةً خصراً وليس لها خصرُ
صباحاً متى استيقظت أبحث حائراً
حواليّ عنها حيث يحتبس الفكر
إذا القهوةُ الصهباءُ أرْبَدَّ وجهها
أهاج بي الذكرى ارتشافَتُها البكرُ
وألقى سراباً حيث لا ينقعُ الظما
سراباً ودون الوردِ مسلكه الوعرُ
فأصدر عنه ظامئاً وحشاشتي
رهينة صوم ليس يعقبه فطرُ
فيا عجباً كيف احتراقي بحرُها
وما بال شوقي لا يَبرِدُه الصبرُ
صبرتُ ولولا العزمَ عدت لوصلها
وقلت لها من تحت أخمصك الحشرُ