مختارات من:

قصيدة الشعر: عندما تتفكك صورها وتتناقض معانيها

جابر عصفور

القصيدة الشعرية هي صور مترابطة, ينبع تماسكها من ذات الشاعر. فماذا يحدث عندما يصيبها التفكك?


علّمتنا نظرية التعبير أن وحدة العمل الفني ترجع إلى الانفعال المهيمن الذي يتولد عنه العمل ويجسّده في آن. ويصح هذا المبدأ نفسه على الشعر, خصوصاً من منظور علاقات الصور البلاغية التي تتضام في سياق القصيدة بما يؤكد وحدتها, أو حتى بما يؤكد صفات هذه الوحدة. ولذلك درجنا على القول (منساقين بميراث نظرية التعبير), إن وحدة الصور وتجانسها تنبع داخل السياق الشعري من حقيقة بسيطة مؤداها أن الشاعر, عندما يكتب قصيدة, يكون واقعاً تحت تأثير انفعال موحّد, يهيمن على ذهنه أثناء عملية الخلق ويستبعد بطريقة آلية صرفة كل ما هو غير متجانس مع طبيعته النوعية الخاصة, خالقاً بذلك كلية التجربة وسياقها المتحد في حركته اللاواعية الأولى. ومن المؤكد - والأمر كذلك - أن الذي يعطي الصور ترابطها داخل القصيدة ليس شيئاً مفروضاً من الخارج بقدر ما هو ضرورة داخلية ملحّة ترتبط بطبيعة المشاعر والانفعالات التي تعبّر عنها القصيدة, فكما يجذب "المغناطيس" إليه مجموعة من المواد القابلة للتمغنط, تقوم انفعالات الشاعر ومشاعره الوجدانية لحظة الخلق الشعري بإثارة وجذب الصور النائمة في اللاوعي, خصوصاً تلك التي يمكن أن تكون بينها وبين الحالة النفسية السائدة قرابة انفعالية خاصة. فتتداعى الصور واحدة إثر الأخرى, معدّلة بفعل تفاعلها مع غيرها من العناصر, حتى تتشبّع انفعالات الشاعر وتتبلور في شكل مادي له طبيعته الحسيّة الأولى التي يقوم الشاعر - بعد ذلك - بتعديل نسقها وتنقيحه في وعي صارم أو حرفية واعية. ويعني ذلك أن ترابط الصور وتجانسها داخل السياق الشعري, إنما هو نتيجة لعمليتين توجدان بالضرورة في أساس الخلق الشعري ذاته: عملية لاواعية وأخرى واعية, وهذا أمر طبيعي, فالشعر - فيما يقال - ينبع من جبرية غامضة تكمن في اللاوعي, ومن تنظيم صناعي تام الوعي.

عندما نتأمل سياق الصور الشعرية في الجوانب التقليدية من شعراء عصر الإحياء -في ضوء هذا التصوّر العام - فإننا يمكننا أن نفترض أن هؤلاء الشعراء كانوا يبدأون قصائدهم, عادة, في ظل احتمالين: أولهما أن يعاني الشاعر من انفعال خاص, لكنه يبدده ويضيعه, إما لأنه كان يتسرّع في التعبير عنه بدلاً من أن يتأنى في تأمله ومعاناته, وإما لأنه كان ينصرف عنه ليستغرق تماماً في عملية التوليد وما تقترن به من حرص على محاكاة القدماء أو منافستهم, وثانيهما: أن الشاعر الإحيائي كثيراً ما كان يبدأ نظم قصائده بلا موقف خاص أو دون انفعال متميز, وهذا أمر فرضته عليه وظيفته الاجتماعية وارتباطه بقوة خاصة كانت تحتّم عليه أن يمدح أو يرثي أو يهاجم مَن لا يشعر نحوهم بأي شيء على الإطلاق. وهنا ما كان الشاعر الإحيائي يصنع شيئاً أكثر من إعادة النظر في مخزونه الثقافي واستخراج بعض محتوياته لينظمها شعراً يناسب المقام.

وسواء كان الشاعر يمارس صناعته في ظل الاحتمال الأول أو الثاني أو في ظل كليهما معاً, فإن النتيجة واحدة, وهي أن صوره تفقد العامل الأساسي الذي يجعلها تتضام معاً وتنصهر في وحدة نفسية واحدة, فضلاً عن أنها لابد أن تصبح خاضعة لحركة العقل المنطقي الذي يعمل بطريقة جزئية خالصة, أكّدتها تقاليد الصناعة الشعرية المتوازنة من مثل ضرورة احترام العمود الشعري القديم وتقديس (البيت) باعتباره وحدة موسيقية ومعنوية لها قوامها الخاص المستقل عن غيره من الوحدات.

القصيدة متعددة الأغراض

ولذلك, فإني أفترض أن الشاعر الإحيائي لم يكن يفكر في قصيدته تفكيراً كلياً يقوم بصهر عناصرها المختلفة وربطها معاً في وحدة عضوية وثيقة, تنتج تأثيراً نفسياً موحداً في نفس القارئ لحظة تلقّيه لها, بل كان يفكر في قصيدته - ومن ثم يقدمها إلى القارئ - باعتبارها مجموعة من المقاطع مستقلة الأغراض, يقوم كل مقطع منها بفكرة خاصة يتم الانتقال منها إلى غيرها عن طريق ما يسمّيه القدماء بحسن الانتقال أو التخلص, ولا جناح على الشاعر - والأمر كذلك - لو حمل كل جزء من أجزاء قصيدته إلى المتلقي تأثيراً نفسياً يتناقض والتأثير الذي حمله الجزء السابق أو الذي سيحمله الجزء اللاحق.

ولعل قصيدة شوقي (رمضان ولّى) من أوضح الأمثلة على ما افترضته, إذ تقوم هذه القصيدة على ثلاثة مقاطع مفككة, يتناقض كل منها مع الآخر تناقضاً واضحاً. فتبدأ القصيدة بمقدمة خمرية تشي بمشاعر نزقة, تبتهج بحلول العيد لما يرتبط به من تحلل ديني نسبي من قيود شهر الصوم:


رمضان ولّى هاتها يا ساقي --- مشتاقة تسعى إلى مشتاق
ما كان أكثره على ألاّفها --- وأقلّه في طاعة الخلاّقِ
بالأمس قد كنا سجيني طاعة --- واليوم مَنّ العيد بالإطلاقِ
ضحكت إليّ من السرور ولم تزل --- بنت الكروم كريمة الأعراقِ


وعن طريق هذا البيت الأخير يتخلص الشاعر من موضوع الخمرِ لينتقل إلى موضوع آخر لا صلة له بالأول, ولا يصلح أن يكون نتيجة شعورية مترتّبة عليه:


وطني أسفت عليك في عيدالملا --- وبكيت من وجد ومن إشفاقِ
لا عيد لي حتى أراك بأمة --- شماء راوية من الأخلاقِ
ذهب الكرام الجامعون لأمرهم --- وبقيت في خلف بغير خلاقِ


وبعد هذا الحزن الذي يتناقض مع بهجة المقطع الأول ونزقه, ويتحوّل من الخمر إلى الوطنية, يتخلص الشاعر إلى المقطع الثالث, وهو الغرض الأساسي من القصيدة الذي يقوله الشاعر, ولا صلة له بكلا المقطعين السابقين. ومع هذا الغرض يختفي الحزن ليحل محله التبجيل والتعظيم للخديو عباس:


العيد بين يديك يا بن محمد --- نثر السعود حلى على الآفاقِ
وأنا الفتى الطائي فيك وهذه --- كلَمى هززت بها أبا إسحاقِ


ولعل في تشبيه شوقي لنفسه بأبي تمام ومدحه بالمعتصم ما يوضح لنا مدى ارتباطه بالموروث, وحرصه على استعادة العلاقة التراثية بين الشاعر وممدوحه, ومن ثم نظرته إلى ممدوحه من خلال القيم الاجتماعية القديمة لهذا الموروث.

افتقاد الانفعال الموحد

ومهما يكن من أمر, فنحن في قصيدة شوقي التي توقفت عندها بوصفها مثالاً أمام ثلاثة مقاطع مفككة يحدث كل منها تأثيراً في نفس القارئ يتضاد والتأثير الذي يحدثه غيره من المقاطع. ويرجع ذلك - فيما أفترض - إلى أن أحمد شوقي, نتيجة غلبة التقليد عليه في موقف الكتابة, افتقد الإحساس بانفعال موحد يسيطر على ذهنه أثناء عملية الكتابة, ويقوم بلحم عناصر القصيدة ومقاطعها, الأمر الذي أدى به إلى احترام الأجزاء كوحدات مستقلة, ونمنمة العناصر المكوّنة لها في إسهاب وتفصيل دون أن يتعدى ذلك إلى الإحساس بالإطار العام أو الرؤية الكلية الشاملة التي تعطي للقصيدة وحدتها الموضوعية والنفسية. ومن الطبيعي - والأمر كذلك - أن تكون صور القصيدة صوراً مفككة متناقضة, لا يصل بينها مجرى انفعالي واحد يسيطر عليها ويجذبها إلى تياره, أو يدفع بها في الاتجاه الذي تغدو به عناصر فاعلة في أثر كلي موحد تصدر عنه.

قد لا تكون كل قصائد أحمد شوقي وأقرانه من شعراء الإحياء مثل قصيدة (رمضان ولى). بل من المؤكد أن هناك قصائد كثيرة في الشعر الإحيائي لا ينطبق عليها هذا الحكم. ولكني أتحدث عن الجوانب التقليدية من الشعر الإحيائي بوجه خاص, وأتوقف عندها دون غيرها لأبرز جناية التقليد على الشاعر الذي يمضي وراءه, وجناية الصنعة على الشاعر الذي يتنقل بين أغراض القصيدة التي لا يربطها إلا المعنى القديم لوحدة الأغراض. وأحسبني لا أتباعد كثيراً عن وصف عباس العقاد لشعر شوقي بالتناقض والتفكك, ولكن مع الاحتراس الذي يقرن هذا الوصف بالتقليدي من شعر شوقي بوجه خاص, والتقليدي من شعراء الإحياء بوجه عام.

ولكن يبدو أنه من الواجب إضافة أن التفكك والتناقض بوصفهما خاصية ثابتة في الصور الإحيائية التقليدية لا يتضح فحسب في علاقة الصورة الواحدة بغيرها من الصور داخل السياق العام للقصيدة, وإنما يتضح بالقدر نفسه, تقريباً, في علاقة العناصر الجزئية المكوّنة للصورة الواحدة. ولذلك فإننا, في واقع الأمر, أمام نوعين من التفكك: النوع الأول نراه في إطار النسق الجزئي للصورة الواحدة, والنوع الثاني يتكشّف في إطار النسق العام لصور القصيدة كلها. ونسوق للتدليل على النوع الأول الشواهد التالية:

يقول البارودي:


فانهض إلى شرب الصبوح فقد بدا --- شيب الصباح بلمة الظلماء

وله - أيضاً - في وصف أباريق الخمر:


في أباريق كالطيور اشرأبت --- حذر الفتك من صياح البزاة


وله في وصف حركة الطائر على الأغصان:


يهفو به الغصن أحياناً ويرفعه --- دحو الصوالج في الديمومة الأكرا


ويقول أحمد شوقي في وصف أزهار الربيع:


والجلنار دم على أوراقه --- قانى الحروف كخاتم السفاحِ


وله في وصف عبدالرحمن الداخل:


مد في الليل أنينا وخفق --- خفقان القرط في جنح الشّعر


ولحافظ في وصف فتاة بائسة:


دانيتها ولصوتها في مسمعي --- وقع النبال عطفن إثر نبالِ


وله في إحدى غزلياته:


فقامت وفي أجفانها كسل الكرى --- وفي ردفها استعرضت جيش أقداحِ


تناقض الصور

في كل واحدة من هذه النماذج, نرى الصورة الشعرية التقليدية تفتقر إلى الجامع النفسي الذي يضم عناصرها ويصهرها معاً في وحدة متجانسة, وتعتمد الصورة - عوضاً عن هذا الجامع النفسي - على الجامع المنطقي الذي يحرص على إيجاد المشابهة الخارجية بين طرفي الصورة, سواء كانت هذه المشابهة في الشكل أو اللون أو فيهما معاً. ولكن رغم ذلك لم تنجح هذه المشابهة في إحداث تجانس واضح بين عناصر الصورة أو بين طرفيها, بل على العكس, أحدثت تناقضاً واضحاً بينهما, وجعلت كل طرف من أطراف الصورة يُحدث في نفس القارئ تأثيراً يختلف تماماً عمّا يحدثه الآخر, إذ إن بواكير الصباح - في البيت الأول للبارودي - قد تتشابه مع الشيب في مجرد اللون, ولكنها تتنافر معه تنافراً بالغاً من حيث الإيحاءات النفسية التي يثيرها كل منهما في نفس المتلقي, فالمشيب يوحي بالشيخوخة والعجز والذبول والفناء, بينما توحي بواكير الصباح بالبهجة وتفتح الحياة, وبالشباب والنضارة والأمل. وبالقياس نفسه, فإن الأباريق رغم تشابهها في الشكل مع الطيور الفزعة في البيت الثاني للبارودي, يظل لكل من طرفي الصورة إيحاءاته الخاصة المتمايزة.

وأتصوّر أن دراسة النماذج السابقة تكشف عن الطريقة التي يصوغ بها الشاعر التقليدي كل صورة من صوره, وإلى أي مدى يعتمد في تكوينها على حركة العقل المنطقي الذي يحرص على التشابه الخارجي بين الأشياء بعد أن افتقد الإحساس بالتشابه الداخلي بينها. ولكن عندما نتجاوز التأمل الفردي لكل صورة على حدة, ونأخذ في تأمل الصور داخل سياقاتها, سرعان ما نكتشف أن الشاعر الإحيائي التقليدي لم يكن منطقياً في بنائه للسياق بالقدر نفسه الذي كان عليه أثناء بنائه لعناصر كل صورة على حدة. ونلاحظ أن العامل الأساسي الذي يكمن وراء حركة الصور في السياق هو نوع من التداعي الآلي الذي لا يخضع في حركته لانفعال موحد, ولا يتحدد مجراه تبعاً لحالة نفسية سائدة تتحكم في اختيار المواد وتنظيم العناصر, وعندما تكون حركة الصور خاضعة لهذا النوع من التداعي الذي لا يخضع لحالة نفسية سائدة, فمن الطبيعي ألا تتحرك الوثبات الخيالية في نطاق وحدة بينة, وأن تسير كل صورة في مجرى خاص قد ينتهي بها إلى مسارب فرعية لا صلة لها بالمجرى الأساسي للتجربة.

التداعي الآلي

وليس يهمنا الآن أن نتحدث عن القوانين العامة للتداعي في علم النفس, أو ما تقوم عليه من تشابه أو تضاد أو اقتران زماني ومكاني, مع تقديم الأمثلة على ذلك كله من الجوانب التقليدية في الشعر الإحيائي, فذلك أمر يمكن أن يلاحظه القارئ المدقق في هذا الشعر, والأهم من ذلك هو توضيح الشعر الإحيائي نتيجة هذا التداعي الآلي على حركة الصور داخل سياق القصيدة الإحيائية, وعندئذ, نتأمل تلك القطعة من قصيدة شوقي (كوك صو) على سبيل المثال:


تحية شاعر يا ماء جسكو --- فليس سواك للأرواح أنسُ
فدتك مياه دجلة وهي سعد --- ولا جعلت فداؤك وهي نحسُ
وجاءك ماء زمزم وهو طهر --- وأمواه على الأردن قدسُ
وكان النيل يعرس كل عام --- وأنت على المدى فرح وعرسُ
وقد زعموه للغادات رمسا --- وأنت لهمهن الدهر رمسُ
وردنك كوثرا وسفرن حورا --- وهل بالحور إن أسفرن بأسُ


إن حركة الصور داخل السياق في هذه القطعة من القصيدة إنما هي حركة متحررة, لا تخضع لانفعال موحّد أو حالة نفسية سائدة تتحكم في اختيار العناصر وتنظيمها بقدر ما هي خاضعة أساساً لهذا التداعي الآلي الذي تحدثنا عنه. فمياه "جكسو" تستدعي ذهنياً (بعامل التشابه) مياه دجلة وزمزم والنيل, وهنا يبتعد الشاعر عن موضوعه ليدافع قليلاً عن النيل الذي زعموه للغادات قبراً أو رمساً, ثم تستدعي "الغادات" صورة المرأة السافرة, وهذه بدورها, تستدعي قضية الحجاب والسفور ليدافع الشاعر عن سفور المرأة في ثلاثة أبيات يتحدث في آخرها عن جلال النساء الذي تستشعره النفس, الأمر الذي يستدعي صورة أخرى هي صورة (مريم) بكل ما يرتبط بها من حواريين وقسس. ولكن ما العلاقة الوثيقة التي يمكـن أن تربط هذه الصور معا? أو بعبارة أخرى: هل يمكن أن تلتقي الصور الحجاجية المرتبطة بإغراق الغادات في النيل والدفاع عن سفور النساء مع صورة مريم العذراء? وهل يمكن أن تتضام هذه الصور كلها لتصنع مع نهر (جكسو) علاقة تكشف عن وحدة - أي وحدة?

وأخيراً, هل تسير هذه الصور في مجرى شعوري واحد, يفضي إلى ما تبقى من القصيدة بشكل طبيعي ومنطقي? من المؤكد أن الإجابة عن ذلك كله لن تكون إلا بالنفي لسبب بسيط, وهو أن التداعي الذي يكمن وراء حركة الصور وتدفّقها في ذهن الشاعر لم يصدر عن انفعال موحّد ولا حالة نفسية سائدة, لها القدرة على تحديد مجراه الخاص الذي تتدفق فيه الصور دون أن تتسرّب أي واحدة منها إلى مجار فرعية مغايرة أو مناقضة.

تبديد المشاعر

ومن العبث أن نتساءل - والأمر كذلك - عما إذا كانت الوثبات الخيالية للشاعر التقليدي, سواء في نموذج شوقي أو النموذج الإحيائي أو غير الإحيائي بوجه عام, تتم في نطاق وحدة بيّنة? أو ما إذا كانت صور هذا الشاعر تنمو وتتجه بالقصيدة إلى الأمام في حركة صاعدة? أو ما إذا كانت الصورة الواحدة - في قصيدته - تتشكّل مع ما قبلها أو ما بعدها في علاقة تفاعل تكشف عن المعنى الشامل للتجربة? وأخيراً ما إذا كانت الصور تشعرنا بالبهجة لأنها تُرضي - بتوافقها وانتظامها - توقنا البشري إلى النظام والكمال? أقول من العبث أن نسأل عن ذلك كله, لأننا لن نجد إجابة إيجابية واحدة عن أي من هذه الأسئلة, فنحن لسنا أمام شاعر يعاني من مشاعر وانفعالات خاصة يحاول أن يتأملها وينمّيها, ويراقب ما تثيره في ذهنه من صور تتوافق طبيعتها مع حالته الخاصة فتكشف عنها وتثريها, بل نحن على العكس من ذلك أمام شاعر يضيع التقليد مشاعره ويبددها, وينتهي به إلى الفرار من تأمل ذاته إلى تأمل الموروث الذي يستغرقه, فينصرف عن الرؤية الشاملة والإحساس بالنسق الكامل إلى التأمل الجزئي والحرص على التفصيلات المنطقية الدقيقة داخل سلاسل التوليد من القديم.

جابر عصفور مجلة العربي مايو 2001

تقييم المقال: 1 ... 10

info@3rbi.info 2016