مختارات من:

عزيزي القاريء..

المحرر

قضايـا ساخنـة
في هذا العدد تلامس "العربي" العديد من القضايا الساخنة التي يقف العالم العربي في مواجهتها متوّجساً وربما خائفاً. ويبدو أن هذا القرن الجديد الذي ولجنا من أبوابه لا يحمل لنا إلا لظى من حمم البراكين لا ندري حتى الآن كيف يمكن المضي بينها. ولعل أولى هذه القضايا وأكثرها ثقلاً على النفس والروح هي ذلك القمع المستمر والمتواصل الذي تمارسه إسرائيل ضد إخواننا في الأرض المحتلة وسط عجز عربي رسمي يصل إلى درجة التواطؤ. والعنف الإسرائيلي هنا كما تكشفه واحدة من مقالات هذا العدد, ليس وليد الأطماع السياسية والاقتصادية الحديثة فقط ولكنه محصلة ميراث قديم من العنف والتعصب تشربه بنو إسرائيل من تعاليم التوراة الأولى, والتوراة التي نقصدها هنا ليست كتاباً سماوياً بقدر ما هي إعادة صياغة أرضية وضعها حاخامات إسرائيل في سنوات الأسر البابلي, ليبرروا بها كل ما في نفوسهم من شراهة وحقد, فلا يوجد كتاب سماوي يحض على العنف وسلب حقوق الآخرين, ولا توجد عقيدة سماوية تبيح قتل النفس البشرية التي حرّم الله قتلها إلا بالحق.

أما القضية الثانية التي تقلق عالمنا العربي, فهي ذلك النقص الخطير في مصادره المائية مما يهدد أمنه ومستقبله. ومشكلة العالم العربي أن الأنهار الكبرى التي تغذي أرضه تنبع من خارج حدوده, وهو بالتالي يتلقى النزر القليل الذي يلقيه إليه المصب دون أن تتلوّن أراضيه بغزارة المنبع. وترحل "العربي" في هذا الشهر إلى منبع واحد من أعظم وأقدم الأنهار التي عرفها الإنسان وهو نهر النيل الذي يمثل الشريان الأوحد للحياة لبلدين عربيين كبيرين هما مصر والسودان. وهي تكشف في هذا الاستطلاع المؤامرات التي تحاك حول منابع هذا النهر والتي تبين لنا أن إسرائيل لها النصيب الأكبر في هذه المؤامرات وكأنما تأبى كل القضايا العربية الساخنة إلا أن تجد علتها في هذا الجسم الغريب الذي يفتك بأحلامنا وأمننا.

أما القضية الثالثة والتي يثيرها رئيس التحرير في مقاله الافتتاحي, فهي عن تلك الأزمة الثقافية العامة التي تنبع من تخلّفنا ومن قصر نظرنا, وهو يلاحظ تجلياتها هذا العدد في واحد من أهم الفنون المعاصرة وهو فن السينما, فهذا الفن الذي يتطلع إلى أن يكون ذاكرة ضوئية لكل شعوب العالم, تستعيد من خلاله أحداث تاريخها وتحيي قيمها يتحول في عالمنا العربي إلى أداة لتسيد السطحية وغلبة الطابع الترفيهي والمكاسب التجارية. والخلاصة, أن السينما الفن ليست هي ,فقط, الضحية بقدر ما هي القيم الثقافية العربية التي تخسر وسيلة جيدة ومعاصرة تؤصل نفسها من خلالها.

وتبدأ "العربي" أيضاً في هذا العدد طرح قضية الكاتب العربي وهويته, وهي توجه دعوتها للعديد من المثقفين العرب لتعريف من هو الكاتب وما هو قدر الحرية المتاح له حتى يواصل إبداعه. وسوف تفرد ملفات كاملة في المستقبل لهذه القضية مساهمة منها لكي يتعرف الكتّاب العرب على ذواتهم وتحديد العوائق الفكرية التي يواجهونها. إنه عدد القضايا الساخنة - كما قلنا من قبل - وهو يأتي في وقت تشتد فيه حرارة الجو, فيما نودّع ربيعاً مضطرباً مليئاً بالأحزان, لعلنا نجد عزاء في صفاء أمسيات الصيف.

المحرر مجلة العربي مايو 2001

تقييم المقال: 1 ... 10

info@3rbi.info 2016