*طريقالمعلوماتالسريعغيّروجهالعالموجعلهمكشوفاًبلاحجبولاأسوار
*إرهاصاتثورةالاتصالاتالعالميةوصلتإلىعالمناالعربيولميعدمجدياًمحاصرتها
*منطقتناالعربيةليستمعزولةولكنناأصبحناتحتأنظارالعالممعرفياًكماكناجغرافياً
أثارتموجةالانتخاباتالتيأجريتأخيراًفيمشرقالعالمالعربيوجوارهالإيرانيالإسلامي،انتباهالمراقبينوالباحثينإلىذلكالحراكالسياسيوالنشاطالإعلاميفيالدولالتيشهدتتلكالانتخاباتبكلأنواعها،فقدجرتانتخاباتللمجالسالبلديةفيالعراق،وأخرىبرلمانيةونيابيةفيالكويتولبنان،ثمالانتخاباتالرئاسيةفيإيران.وكانأبرزالظواهرفيتلكالانتخاباتالتياستأثرتباهتمامالمراقبين،هوكثافةالمقترعين،وتصدّرجيلالشبابلقيادتها،واستخدامالتكنولوجياالحديثةوالمتطورةفيتسييرها،والدعايةلها،ورصدسيرهالحظةبلحظة.
إنماأفرزتهتلكالانتخاباتفيهذهالدول،بحسبكلدولةوواقعهاالسياسيوالاجتماعي،هومؤشرواضحلاتغفلهالعينعلىظاهرةالتحوّلالذييحدثفيالبنيةالاجتماعيةلشعوبالمنطقة،وتطوّروعيهاالسياسي،وفهمهاالثقافيللمتغيراتالتيتشهدهاالحياةالمعاصرةعلىمستوىالعالم.
وقدتجلّتهذهالظاهرةبشكللافتفيالكويتبفوزالمرأةفيمجلسالأمة،وللمرةالأولىبأربعةمقاعدمنأصلخمسينمقعداً،أيبنسبة8%منالأعضاءالمنتخبين،والأهممنذلكأنهنحصلنعلىنسبةعاليةمنأصواتالمقترعين،بعضهنحصلنعلىالمراكزالأولىوالثانيةفيترتيبالدوائرالتيترشحنلها.وممثلاتالأمةالأربعينتمينإلىجيلمنحملةالشهاداتالعلياوقدتخرجنفيجامعاتعالميةمرموقة،وهذاالأمريعكستغيراًنوعياًمهماًفيكيفيةاختيارالناخبلمرشحه،فهولميعديعتمدعلىالعصبيةالقبلية،اويؤخذبالوعودالفضفاضةالتييلوحبهابعضالمرشحين،ولكنهأصبحيبحثعنذويالخبرةوالمؤهلينتعليمياحتىيضعواخبرتهموكفاءتهملحلقضاياه.
وقدتأكدتهذهالظاهرةفيالانتخاباتاللبنانيةأيضا،إذاستطاععددمنالقياداتالشابةالوصولإلىمقاعدالتمثيلالنيابي،وتراجعتنسبةممثليالقوىالسياسيةالتقليديةواليمينية،وبالرغممنأنالتركيبةالطائفيةفيلبنانبدتمتماسكةإلىحدما،ولميستطعأيطرفأنيحققفوزاساحقاًعلىالطرفالآخر،كماهيالعادةفيلبنان،إلاأنالقوىالسياسيةالقديمةتدركأنهذهالانتخاباتهيالأخيرةبالنسبةلها،وأنهايجبأنتتنحىلتفسحالطريقأمامجيلصاعدمنالشباب،لنيعترفكثيرابهذهالموروثاتالطائفية.
أماالانتخاباتفيإيرانفقدكانتصاخبة،وقدعبرصخبهاالحدودإلىكلالعالم،فقدأفرزتنتائجهاموجةعارمةمنالاحتجاجوالرفض،ولمتعترفبهابقيةالقوىالتيشاركتفيالعمليةالانتخابية،واعتبرتهامزورةبسببتدخلالسلطةوتحويلفرزالأصواتليصبفيمصلحةاليمينوالتيارالدينيالمتزمت،وبالطبعانتقلتهذهالاحتجاجاتإلىالشارعالإيرانيوقادتهاقوىالتغييرمنشبابالجامعاتوالمعاهدالعلميةالإيرانية.
ولكنالذييثيرالانتباهوالتأملأنهالمتكنمجرداحتجاجاتعارضة،متعلقةبالانتخابات،فلمتكنصيحاتالرفضالتيتعالتفيهاتخصأشخاصاًبعينهم،بقدرماكانتتعبيراًعنرفضلتيارسياسيمتشددومحافظأكثرمماينبغي،بحيثلميعدقادراًعلىفهمتغيراتهذاالعصرفقط،ولكنهيرفضأيضاًالتكيفمعحركةالتطورالإنسانيالعالمي.
التحولالقادم
لابدإذنمنرصدهذهالظواهرالانتخابية،وفهمطبيعةالتحوّلالذييحدثفيمجتمعاتنا،وأثرالتطورالعلميالعالميعليه،ومفعولالعولمة،التيأصبحتتعيدصياغةالعالموفقأدواتهاالجديدة،وعليناالإقراربأنطريقالمعلوماتالسريعقدغيّروجهالعالممنذالقرنالعشرين،وحتىلحظتناالراهنةالتينعيشها،فقدأصبحهذاالعالموللمرةالأولىمكشوفا،وأزيلتالحجبوالأسوارالتيكانتتعزلالشعوبوالدولبعضهاعنبعض،ولميستثنمنتأثيرهعالمناالعربيوالإسلامي،الذييبدوجامداًعلىالسطح،ولكنداخلهيموربالعديدمنالمتغيرات،وبالطبعفإنالأداةالأولىفيانخراطأجيالالشبابفيهذاالطريقالسريعللمعلوماتهوجهازالكمبيوترالشخصي.وكماقال«بيلجيتس»،مؤسسشركةمايكروسوفتللكمبيوترفيمنتصفالتسعينياتمنالقرنالماضي:«إنالكمبيوترالشخصي-بمكوناتهالماديةالمتواصلةالتطور،وتطبيقاتهفيعالمالتجارةوالأعمال،وبنظمخدمةالاتصالالمباشر،ووصلاتالإنترنتوالبريدالإلكترونيوالعناوينمتعددةالوسائطوالألعاب،هوالأساسوالركيزةللثورةالمقبلة».
وهذهالثورةالعلميةالتيأطلقهاالكمبيوترمنذسنواتطويلة،بدأتتأثيراتهاتظهرواضحةفيكلالحركاتالاجتماعيةالتييشهدهاعالمناالعربيرفضاًأوقبولاً،وعلىالرغممنأنالبنيةالهرميةللمجتمعاتالتقليديةالعربيةمتخلفةعلمياً،فإنجيلالشباب،ورغماعنالقوىالمتحكمةفيحركةالمجتمع،قدانطلقوحيداًيسعىلمواكبةركبالتطورالعالمي،وقدزرعفيهامتلاكهلهذاالفضاءالمفتوح،وذلكالقدرمنحريةالتعبيرالذيلميكنمتوافراًمنقبل،رغبةعارمةفيالتصديلإدارةشئونه،وعدمتسليمهبمقولة«عواجيزالسياسة»بأنهغيرقادرعليها،ولابدمنوصايةالكبارعليه.
ويؤكدالدكتور«نبيلعلي»الباحثفيتكنولوجياالمعلوماتعلىأثرهذهالثورةالعلميةبأن:«شبكةالإنترنتأصبحتوسيطاًإعلامياًيحويداخلهجميعوسائطالاتصالالأخرى:المطبوعةوالمسموعةوالمرئية.وكذلكالجماهيريةوشبهالجماهيريةوالشخصية.لقدانعكسأثرهذهالتطوراتالتكنولوجيةعلىجميعقنواتالإعلاممنصحافةوإذاعةوتلفزيون،وانعكسكذلك-وهوالأخطر-علىطبيعةالعلاقاتالتيتربطبينمنتجالرسالةالإعلاميةوموزعهاومتلقيها.لقدانكمشالعالممكاناًوزماناً،وسقطتالحواجزبينالبعيدوالقريب».
وقدبداأثرالتطورالعلميوالتكنولوجيفيمجالالاتصالواضحافيمجرياتعمليةالانتخابات،وماأفرزتهمننتائج،وخاصةفيالانتخاباتالرئاسيةالإيرانيةوالأحداثالتيتلتإعلانالنتائج،فالتطورالهائلفيأجهزةالهواتفالمحمولة،وماتحويهمنإمكاناتمذهلةالدقةفيتسجيلالصوتوالصورةوالنقلالمباشربهاإلىالأقمارالاصطناعية،ساهمتكلهافيالنقلالمباشرلوقائعالأحداث،فيشوارعطهران،علىالرغممنأنالسلطاتالإيرانيةحاولتمحاصرتهاوإخفاءها،بلوقطعتخطوطالاتصالمعالخارجوأغلقتمكاتبالمراسلينالأجانب،بلوقبضتعلىموظفيالسفارات،كلهذالميمنعمننشرصورةقُتلتفيالشارعلمجردأنهاخرجتتعبرعنرأيها،وأصبحتشهيدةفينظرشعوبالعالم.
السيرعكسالزمن
إنإرهاصاتهذهالثورةالمقبلةالتيبشّربها«بيلجيتس»قدوصلتنا-بالتأكيد-ولميعدبإمكانأحدأنيصدّهاأويمنعها،فهياليومجزءمنالواقعاليومي،ومحاولاتالرفضوالتصديلهامنقوىالتخلف،هيأشبهبالسيرعكسالزمن،،فأساليبالمنعوالبتروالحصاروالمراقبةوالوعيدتنتميكلهاإلىالماضيالذيلنيصمدطويلاًأمامحيويةالمستقبلالقادمخاصةبعدأناكتسبطابعالتعاونوالتفاهمبينالشعوبعلىمستوىالعالمكله.
ومايمكنأننستخلصههوأنالمنطقةالعربية،وجوارها،بدأيتشكّلبهاوعيجديدينتميلقيمعصريةعولمية،ينحازللتجديدوللتقدم،ويعلنبشكلضمنيعنرغبةكبيرةتتشكلوتعلنعننفسهافيتزايدالإحساسمنقبلشعوبها،بضرورةالإسراعفياللحاقبركبالعصروالتحديث،ورفضقيودالتخلفوالتشدد،عبرتأثرهابالعديدمنالمتغيرات،التييرتبطبهاالعالمالآنفيمايعرفبـ«الإطارالعولمي».
فعلىمدىالعقودالقريبةالماضية،اتسمتمنطقتناالعربيةوجوارهاالإسلاميببطءعمليةالتغييرفيها،وبطءقدراتهاعلىملاحقةالركبالعالميفيمجالاتالثقافةوالعلموالحرياتوالوعيالسياسيوالفكري،وعملياتالتنميةالشاملةوالمستدامة،وغيرهامنالمجالاتالتيكانالعالميحققفيهاألواناًمنالطفراتالمتلاحقةالتيعكستنهضةعالميةغيرمسبوقةفيتاريخالبشرية.لكنيبدوأنهذاالآنفيطريقهإلىالتغيير.
فلمتعدمنطقتنابعيدةأومنعزلةعنالعالم،بلأصبحناتحتأنظارالعالممعرفياكماكناجغرافياً،علىالرغممنأنمعدلاتالتغييرفيهامازالتبطيئة،وتحكمهاظروفعدةمنفقروتخلفوتدنيمستوياتالتعليموالثقافة،مماأدىإلىهيمنةقوىالتخلفوالرجعيةعلىالمجتمعومؤسساتهالأهليةوبروزهافيتنظيماتحزبيةونقابية،وامتدادهاإلىكثيرمنمواقعالسلطةكذلك.
ثقافةالهوامش
إنثقافةالعولمةوالاتصالخلقتتواصلاً،وأحياناًاندماجاًبينالثقافاتالعالمية،وتأثربعضهاببعض،وتشكّلتثقافاتوقيموأخلاقياتجديدة،وحتىالثقافاتالمركزيةالنشطةوالمؤثرةبدأتتتأثربمايطلقعليه«ثقافةالهوامش»،أوثقافةالدولالضعيفةوالفقيرةوالمنزوية،ولانستطيعأننغفلأثرهذهالثورةفيطرقالاتصالالسريعفيحملالإسلامإلىأصقاعالعالم.
وهناكالآنحركةواسعةملحوظةفيأرجاءالعالمتتحركفياتجاهالتعريفبالإسلام،ومحاولةفهمقيمهالأساسيةوخصائصهوجوهرتعاليمهالعالمية،وتأثيرهافيالأفرادوسلوكياتهم.
وهناكأيضاحركةتأثركبيرةفيالغرببالآدابوالثقافاتوالفنونلمجتمعاتاعتبرتلسنواتهامشيةمثلثقافةمنطقةشرقآسياوإفريقيا،وحتىالمنطقةالعربية،وأصبحتتؤثرفيالثقافةالأوربيةفيمجالاتمختلفة،كالفنونالتشكيليةوالبصريةوالعمارةوتصميمالأزياءوالحليوالمجوهرات،وتأثيراتالمطبخالشرقي،وحتىفيالفلسفةوالأديان،وفيالتصميمالداخليللبيوتوتنسيقالزهوروطباعةالأقمشةوغيرهامنتأثيرات.كلهذايعكسمدىالسيولةالتيفرضتنفسهاعلىواقعالاتصالبينثقافاتالمجتمعاتالدوليةوقدرتهافيالتأثروالتأثيربينتلكالثقافات،ويؤكدصعوبةالانعزالفيمثلهذهالمتغيراتوالشروطالجديدةالتيلمتعدتوجهمنالحكوماتبقدرماأنهاتتحركبقوىرأسالمالومؤسساتالثقافةوالتعليموالإعلامالعالمي.بلأصبحتهذهالتغيراتوالتأثيراترهينةوسائلتكنولوجياالمعلوماتالحديثة.
منالصوتإلىالصورة
لقدكانتالإذاعةفيالماضي،تمثلثورةعالميةفيكسرعزلةالشعوب،وقدأتاحالبثالصوتيللشعوبأنتتعرفعلىمايدورفيمناطقبعيدةعنها،وأصبحفيمقدورهاأنتتابعالأحداثالكبرى،بلوتؤثرفيهاأيضاً.ولعلنانذكرجميعاًكيفأدىالشريطالمسجل(الكاسيت)دورهفيإشعالالثورةالإيرانيةحتىأسقطتنظامالشاه،لقدأصبحتالآنكاميراالهاتفالنقالهيالثورةالتقنيةالحديثةوالبديلة،بللعلهاأصبحتمفصلاًتاريخياًفيتطورنقلالصوتوالصورةمندونعوائق،وأتاحتللجماهيرعلىبعدآلافالأميالأنتشاهدمايجريفيالدولوحركةالشعوبالأخرى،فلمتعدتسمعفقطبلترىأيضا،ولمتعدتعتمدعلىأجهزةالبثالحكوميةولكنتقومبعمليةالبثبنفسها.
ولكنالرسالةالأساسية،والمهمةالتيقدمتهانتائجهذهالانتخابات،هيتوقالجماهيرللتعدديةوالإيمانبأنهلايوجدمستقبللأيتياريحاولأنيفرضرؤيتهالأحادية،أويغلبمذهبهعلىطائفةأخرى.لمتعدهذهالمطالبمجردرغباتدفينةفيصدورالناس،بقدرماتحوّلتإلىقوةتعكسإرادةحقيقية،حتىتصبحهذهالمبادئواقعاًعلىالأرضلمصلحةالمستقبلوالتعايشالإنساني،فنهضةأيمجتمعلايمكنأنتتحققمندونإرساءالتشريعاتالقانونيةوالدستوريةالتيتجعلمنذلكالتعايشجزءاًأساسياًمننهجالدولوالمؤسساتالحاكمة.
ثورة..لايمكنتجاهلها
ولعلالخلاصةالتييمكنأننراهافيذلكالحراكالذيتبدّىفينتائجتلكالانتخاباتفيمنطقتناوردودالفعلعلىبعضها،والإصرارعلىحصولالمعارضينعلىحقوقهم،هوأن«عصرالمعلومات»الذينعيشهاليوم،يفرضعليناأننتعاملمعحقائقالأشياءكمايجبعليهاأنتكون،وليسكمايحلمبهابعضعبدةالماضيالذينيتصورونأنهناكإمكاناًلاستعادةذلكالماضيالسحيقبقوانينهوقيمهوأدواته،ومحاولةخلقنظامسياسيواجتماعيوأخلاقيواقتصاديمنهذهالبقاياالقديمةفيعصرالمعلومات.فتلكالثورةالمعاصرةتفرضعلىالعربالمسلمينأنيعملواعلىالاستفادةمنمنجزاتالعصرالحديث،وأنيطوّرواأنظمتهمومجتمعاتهم،ويعيدواصياغتهابمايتلاءممعه،ويفسحمكاناًلهمبينشعوبالعالم،التيلاتكفعنالتسابقفيمجالالعلموالحضارةالحديثة،وعليناجميعاأننؤمنبضرورةالعملعلىمساعدةمجتمعاتنافيالتحوّلالسلميالحتميالقادمإلىالديمقراطيةالتيتحفظحقوقالإنسان،وتصونكرامته،وأنتعرفكلالأطراففيكلالمجتمعاتالعربيةأنالبديللهذاالتحولهوعنفطائفيفئوي،وصراعاتقدّملنافيهاالتاريخدروسادمويةلمنعدنحتاجإلىالمزيدمنها،لأنهالاتصبلافيمصلحةأيطرفمنأطرافالنزاعإذامااندلع-لاقدّرالله.