إن تنوع وتفاوت وتداخل المشكلات البيئية بين مكان وآخر في العالم, والتغيرات السريعة والعميقة التي تطال العديد من النظم الاجتماعية والمؤسسية والاقتصادية باتجاه العولمة السريعة نتيجة التطورات المتسارعة في مجالات تقنيات المعلومات والاتصالات, والسعي إلى الحفاظ على مستوى لائق للحياة البشرية, كل ذلك دفع برنامج الأمم المتحدة للبيئة ومكاتبه الإقليمية إلى أن ينجز في عام 1997 تنظيم ما يشبه الاستنفار العلمي البيئي على مستوى العالم فكلف عشرين مؤسسة بيئية معروفة عالمياً, وأربع فرق عمل علمية, بمشاركة برامج الأمم المتحدة ذات الصلة, و(450) خبيراً بيئياً من مختلف أنحاء العالم من ذوي الخبرة والدراية بحالة البيئة في بلادهم ومناطقهم, لصوغ تقرير عن حالة البيئة, يتم فيه التركيز على وضع الأسس الدقيقة للنظرة المستقبلية للبيئة العالمية (توقعات البيئة العالمية) لمختلف مناطق العالم.
وقد جاءت عالمية التقرير المذكور الذي نعرض أهم نصوصه وتفاصيله مؤكدة أن معظم الهموم البيئية هي ـ وإن كانت متعددة الأبعاد والأوجه ـ تتشابه من حيث طبيعة أسبابها الاجتماعية والاقتصادية وآثارها على سلامة ورفاهية الإنسان عموما.
قضايا رئيسية
1 ـ الأراضي:
في المناطق التي شاغلها الأول هو الأمن الغذائي ومكافحة الفقر, كما هو الحال في مناطق إفريقيا, وغرب آسيا, وأجزاء من آسيا ـ الباسيفيك وأمريكا اللاتينية, فإن جهودها الرئيسية في مجال الأراضي تنصب على:
المتاح من الأراضي ومكافحة تدهور الموجود منها.
الإدارة الفعالة للموارد الأرضية والمالية.
وتمثل محدودية المتاح من الأراضي للزراعة, وفقدانها لصالح الامتداد العمراني عوامل مهمة في دول الجزر الصغيرة, وفي منطقة غرب آسيا. كما يعد تدهور الأراضي الجافة مشكلة دولية ملحة, حيث تعرض حوالي بليون من البشر في 110 دول لمصلحة للخطر, معظمهم في المناطق النامية. هذا بينما يحتل تحسين الأراضي بمكافحة تلوثها, ومقاومة تحمض الأراضي أولوية في الدول الصناعية.
يعد تدهور الأراضي المشكلة الأهم بمنطقة دول غرب آسيا, سواء كان نتيجة لعوامل بيئية طبيعية, أم نتيجة لسوء استغلال الموارد الأرضية. وقد ساهمت العوامل التالية في حدوث وانتشار هذه الظاهرة بالمنطقة: دورات الجفاف, الرعي الجائر, التحضر العشوائي, الزراعة, جمع أحطاب الوقود, استثمار الرمال, الوقود.
تغطي الأراضي الحدية الهشة مساحات كبيرة في منطقة غرب آسيا, وتمثل مورداً مهماً لتربية الحيوان. وفي ظل التغير السريع في أنماط المعيشة وإدخال نظم الإنتاج الحديثة في هذه المناطق وما أدى إليه من الإخلال بالتوازن بين قدرات هذه النظم البيئية (الحمل الرعوي) وبين معدلات الاستغلال الحالية, فقد شهدت المنطقة تدهوراً متزايداً للأراضي وتصحرها, مصحوباً بآثار سلبية على الأنماط المعيشية التقليدية للبدو وسكان الصحراء.
وتحمل عمليات التصحر وتدهور الأراضي, بما في ذلك تعرية التربة, تبعات جساما لدول المنطقة في مجال الأمن الغذائي, فقد بلغت قيمة الفجوة الغذائية المقدرة في عام 1993: 10.7بليون دولار أمريكي, أي بزيادة 4% عن العام السابق. وبتزايد التصحر مع الزيادة السكانية فإن الفجوة الغذائىة ستتسع بصورة خطرة, وهذا بدوره سيزيد من اعتماد معظم دول المنطقة على استيراد الغذاء.
2 ـ المياه:
في مجال المياه تعاني معظم دول العالم من الصعوبات التالية:
مشاكل متعلقة إما بالمياه الجوفية, أو بالمياه السطحية, أو كليهما.
يموت كل يوم 25 ألف إنسان كنتيجة للمياه الرديئة الملوثة.
تمثل الأمراض الناتجة عن المياه أهم عامل منفرد مسئول عن مرض وموت آلاف الأشخاص على مستوى العالم.
أكثر من ثلث سكان العالم (حوالي 1.7 بليون نسمة) محرومون من المياه النظيفة.
يقدر أن حوالي ربع سكان العالم سيعانون في مطلع القرن القادم من نقص مزمن في الموارد المائية.
تمثل مسائل الإدارة الكفؤة للموارد المائية أولوية في اهتمامات مناطق غرب آسيا, إفريقيا, آسيا ـ الباسيفيك, بينما في أوربا وأمريكا الشمالية تحظى مسائل حماية المياه من التلوث والتحمض وظاهرة الإثراء الطحالبي بالأولوية.
يعتمد أكثر من 1.5 بليون إنسان على المصادر الجوفية لتلبية حاجاتهم من المياه العذبة.
يمثل إمداد مناطق المدن الكبيرة بالمياه العذبة مشكلة على مستوى العالم, ولاسيما حماية موارد المياه الجوفية, وتملح المياه العذبة.
يشغل التوزيع العادل للموارد المائية بين الدول المشاركة في أحواض الأنهار وغيرها أولوية دولية, وكذلك مصادر التلوث غير المحددة, والآثار البيئية لبناء السدود.
ستمثل المياه في المستقبل العائق الرئيسي للتنمية في مناطق عديدة من العالم.
وتشير التقديرات إلى أن إجمالي الطلب على المياه بمنطقة غرب آسيا بلغ حوالي 82 مترا مكعبا في عام 1990 لتغطية احتياجات القطاعات الزراعية والصناعية والمنزلية وتستهلك الزراعة الجزء الرئيسي ) 83% (من الطلب على المياه والذي يبلغ حوالي 68 بليون متر مكعب, بينما تستهلك الصناعة حوالي 6 بلايين متر مكعب " 7.2", والقطاع المنزلي حوالي 7.7 بليون متر مكعب "9.4%".
ويتراوح استهلاك المياه بين 275 ـ 7090 لتر/فرد/يوم لتغطية الاحتياجات المنزلية والصناعية والزراعية, وهو ما يتراوح بين حوالي 101 ـ 2588 مترا مكعبا/فرد/عام. ويعد الاستهلاك الأول بالغ التدني والأخير مرتفعاً, هذا إذا علمنا أن الحدود التي وضعتها الأمم المتحدة من الوفرة والجوع المائي هي 1000 م3/فرد/عام. وقد أدت الزيادة السريعة للدخل ببعض الدول, والتغيرات المصاحبة لها في مستوى المعيشة, بالإضافة إلى توافر المياه في الشبكات الناقلة إلى زيادة استهلاك المياه وارتفاع نصيب الفرد منها. كما أن التكثيف الزراعي في مثل هذه المناطق الجافة يؤدي للزيادة المستمرة في الطلب على المياه.
واعتماداً على الاتجاهات الحالية فإنه من المتوقع أن يتزايد الطلب على الماء ومن ثم ستزداد الفجوة المائية اتساعاً بين الطلب والموارد المتاحة حالياً من المياه السطحية والجوفية المتجددة, والمحلاة, والمعالجة. وفي ضوء المعيار الذي وضعته الأمم المتحدة للحدود الدنيا للمياه العذبة المتجددة والتي تبلغ 0001م3/فرد/عام للمناطق الجافة, والتي تحتها يعاني الإنسان من ندرة مزمنة في المياه ربما تعوق برامجه الإنمائية وتؤثر على صحته فإن أغلب دول منطقة غرب آسيا ستعاني من شح المياه, وعلى رأسها دولة البحرين, والتي لاتحظى بأكثر من 18% من الحد الأدنى للمياه (146م3/فرد/عام مياه متجددة). كما يقل نصيب الفرد في كل من الأردن والكويت وقطر والسعودية والإمارات العربية المتحدة عن 1000م3/فرد/عام.
تعاني وحدات معالجة مياه الصرف الصحي مشاكل عديدة نشأت عن التزايد المستمر فيما يرد إليها من مياه ربما تزيد عن كفاءة تشغيلها, وذلك نتيجة لتزايد استهلاك المياه في مدن يزيد سكانها عشوائىا. وينجم عن ذلك تلويث مياه الصرف الصحي للخزانات الضحلة للمياه الجوفية والسواحل. وعلى الرغم من التطور الذي تشهده منطقة غرب آسيا حاليا في مجال مياه الشرب والصرف الصحي, فإن مستوى هذه العمليات لايزال منخفضاً. وعلى الرغم من أن الأهداف الموضوعة والجهود المبذولة لزيادة جودة المياه تعد مشجعة, فإن مستوى الخدمات في المناطق الريفية لمياه الشرب والصرف الصحي وتوافرها يعد غير مناسب. ولذلك فإن جودة المياه بالمنطقة لاتزال تعاني وبصورة متزايدة من تدني الأعمال الصحية ونظم معالجة مياه الصرف الصحي, فضلاً عن النفايات الصناعية, وعلى الرغم من توافر خدمات مياه الشرب الآمنة والصرف الصحي ببعض المدن بصورة جيدة نسبياً, فإن المعالجة تشمل حالياً 20% فقط من مياه الصرف الصحي بالمدن كما تتسبب عمليات الري الزراعي ببعض المناطق في تلوث المياه الجوفية والسطحية.
وتتسبب عمليات الري الزراعي في تمـلح وتدهور التربة في بعض المناطق.
فجوة مائية
وتقدر بعض التقارير أن جبهة المياه الجوفية العذبة تتراجع سنوياً بما يعادل 75ـ 130 مترا سنوياً أمام مياه البحر في دولة البحرين. وبإيجاز تتميز المنطقة باستهلاك عال للمياه العذبة ولاسيما للأغراض المنزلية, مع محدودية شديدة للموارد المائية العذبة. وسوف تؤدي الضغوط المتزايدة على جميع الموارد المائية كـمـاً وكيفاً مع تزايد الطلب على الماء إلى حدوث فجوة مائـيـة خطرة في المسـتقبل القريب.
3ـ الغابات والتنوع البيولوجي:
يمثل التنوع البيولوجي بمنطقة أمريكا اللاتينية والكاريبي ومنقطة آسيا ـ الباسيفيك أهمية خاصة حيث يستوطن فيها 80% من الأقطار ذات التنوع البيئي الهائل بالعالم وإلى الآن لايوجد تقييم لحالة التنوع البيولوجي العالمي على أساس المناطق, كما أنه لم تتيسر معلومات علمية (توصيف) إلا لحوالي 31% من الأصناف المتاحة (المقدرة بحوالي 13 مليونا).
تتضمن التغييرات الرئيسية للتنوع البيولوجي على مستوى العالم: فقدان الموائل وتفتتها على مستوى العالم, نقص الأحزمة البيولوجية, نقص التنوع البيولوجي خارج المحميات.
وتتعرض حياة النباتات والحيوانات الأصلية بمنطقة غرب آسيا إلى تهديدات متزايدة نتيجة لعمليات التطور. وقد أدى الرعي الجائر والإدارة غير السليمة للمراعي إلى فقدان الغطاء النباتي الطبيعي.
ويهدد القنص العشوائي بمنطقة غرب آسيا الحياة البرية بالانقراض, وهو ما تعاني منه حالياً الإبل السمر, والنعام, والماعز البري, والظباء كما تزداد الأخطار المحدقة بالحياة الفطرية نتيجة لتخريب موائلها, ولاسيما الغابية منها. فقد فقدت المنطقة خلال عقد الثمانينيات حوالي 11% من إجمالي مساحة غاباتها الطبيعية. وتغطي الغابات حالياً أقل من 12% من جملة مساحة الأرض بالمنطقة.
4 ـ البيئات البحرية والساحلية:
يعيش حوالي 80% من سكان العالم في الشريط الساحلي وبعمق لايزيد على 100 كيلومتر, ويعتمد أكثر من ثلاثة بلايين نسمة على الموائل البحرية والساحلية في مسائل الغذاء, ومواقع السكن والنقل, والتخلص من النفايات. ويتعرض حوالي ثلث المناطق الساحلية بالعالم لمخاطر التدهور, ولاسيما من مصادر التلوث الأرضية, والتنمية البنيوية الأساسية. وتعد السواحل الأوربية أكثر تعرضاً للخطر (80% منها) تليها السواحل بمنطقة آسيا ـ الباسيفيك (70%).
تتأثر 50% من موائل نبات الشورة (المانجروف) بأمريكا اللاتينية بالأنشطة الحراجية السميكة. بينما تمثل الملوثات النفطية التهديد الرئىسي بمناطق غرب آسيا والكاريبي. وعلى مستوى العالم تتعرض البيئات الساحلية لمخاطر عديدة نتيجة لتوسعات البنيات الأساسية, والسياحة, والصناعة, ولاسيما في الدول النامية الجزيرية والساحلية. وتنتشر المخاطر على البيئة البحرية بمناطق العالم المختلفة نتيجة للصيد الجائر, وانخفاض المخزون السمكي. وتتعرض حالياً أكثر من 06% من الموارد السمكية البحرية للصيد الجائر على مستوى العالم.
ويمثل التلوث النفطي بالمنطقة مصدراً أساسياً للخطر على البيئة البحرية. فبالإضافة للتسرب النفطي العرضي من السفن وأنابيب النقل, هناك تلوث مزمن يحدث من إلقاء حمولات مياه المعادلة (مياه الصابورة) بسفن نقل النفط مصحوبة بملوثاته إلى البحر وغيرها من الملوثات النفطية.
ويإيجاز, يعد النطاق الساحلي في منطقة غربي آسيا مورداً اقتصادياً مهماً للتنمية والسياحة لايمكن تعويضه. إلا أنه يعد أيضاً واحداً من أكثر النظم البيئية هشاشة وتعرضاً للتدهور على مستوى العالم. كما أنه متأثر بالملوثات الخطرة, وبالنفايات البترولية الملقاة إليه عمداً أو عرضاً, وبإلقاء مياه الصرف الصحي والصناعي فيه, وبحركة السفن التجارية
5 ـ البيئات الحضرية والصناعية:
أ ـ تلوث الهواء: باعتبار تلوث الهواء مشكلة متعددة الوجوه ومنتشرة, فإن كل مدن العالم تقريباً تعاني منها. وفي أوربا الشرقية تعد هي الأخطر من بين المشاكل. وبعد أن كانت الأمطار الحمضية وانتشار تلوث الهواء عبر حدود الدول هي مشكلة أوربية وأمريكية فقط, امتدت لتعبر أيضا بعض أجزاء منطقة آسيا ـ الباسيفيك وأمريكا اللاتينية. فهناك مناطق كبيرة تهددها مخاطر تغير المناخ والتحميض.
وعلى الرغم من الجهود المنظمة على مستوى العالم يستمر تدهور طبقة الأوزون بمعدلات أسرع من التوقعات, مع توقع التأثير الأعظم في السنوات العشر القادمة. ويعد عدم الالتزام بتحاشي استخدام المواد المستنزفة لطبقة الأوزون بل والاتجار غير المشروع فيها, أحد المشاكل المتنامية.
كما عبرت كل المناطق عن اهتمامها بمشكلة الاحتباس الحراري الكوني (ظاهرة الدفيئة). كما تركز الدول النامية على حاجتها إلى آليات مناسبة لها لمواجهة متغيرات المناخ وارتفاع مستوى سطح البحر. ولاشك أن الطلب المتزايد على الطاقة يعمق حجم المشكلة, ولاسيما في منطقة آسيا ـ الباسيفيك حيث يتوقع تضاعف (100%) استهلاك الطاقة خلال عقدين 1995 ـ 2010, وكذلك في أمريكا اللاتينية حيث يتوقع زيادة تبلغ 50 ـ 77%. ومن المتوقع أن يستمر الوقود الأحفوري ( فحم, بترول, غاز طبيعي) المصدر الرئيسي للطاقة.
ب ـ تراكم المخلفات:يحتل الاهتمام بمسألة تراكم المخلفات, نتيجة لأنماط الإنتاج والاستهلاك السائد وما يصاحبها من توليد المخلفات, وآثارها على صحة الإنسان بأمريكا الشمالية وأوربا أولوية متقدمة. كما أن مناطق أخرى من العالم تعاني من نفس المشكلة, وتواجه مناطق التنمية النشطة مثل أوربا الشرقية, جنوب شرق آسيا, أمريكا اللاتينية وغرب آسيا نفس المشاكل نتيجة للتصنيع السريع الحاصل هناك.
ويتعاظم تأثير هذه المشاكل نتيجة للتحضر السريع, ولاسيما في المناطق الساحلية, وكذلك نتيجة لاتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء. ويتوقع بنهاية هذا القرن أن يقطن حوالي نصف البشرية بالحضر, وهو ما سيصل إلى 60% بحلول عام 2020 وحينها سيقطن الحضر أكثر من 80% من سكان أوربا وأمريكا اللاتينية وأمريكا الشمالية. كما أن المناطق القطبية, والتي تمثل أكبر النظم الطبيعية الباقية على كوكب الأرض, تتعرض بصورة متزايدة للإجهاد, ولاسيما الناشئ عن الانتقال بعيد المدى للملوثات. وتستحق هذه المنطقة اهتماماً خاصاً لدورها الحيوي في تنظيم المناخ وتأثر مواردها الحيوانية والنباتية.
وقد شهدت المدن بمنطقة غرب آسيا خلال العقدين الأخيرين أكبر تحولات جذرية في تاريخها كله, فقد بلغ معدل النمو الحضري 4.2% سنوياً خلال السنوات الخمس 1990 ـ 1995. ويعود ذلك للهجرة المكثفة من الريف للمدن, عجلته ظروف الفقر السائدة بالريف, وتدهور الأراضي الزراعية, والتي بدورها نجمت عن التكثيف الزراعي غير الرشيد والرعي الجائر والاكتظاظ بالسكان. وتشير التقديرات إلى أن حوالي 70% من السكان يقطنون الحضر. وقد أدت تلك الهجرة غير المخططة إلى تدهور البيئة في المناطق الحضرية, كما أدت إلى تدهور الموارد الطبيعية بالمناطق الريفية نتيجة لتزايد هجر الأراضي الزراعية وقد تطورت المدن تاريخياً ونمت على طول الأراضي الخصبة, والتي احتاجت إليها المدن في شق الطرق والامتداد العمراني, تم ذلك في منطقة تفتقر بشدة للأراضي الخصبة.
كما تمثل إدارة النفايات أكثر المشاكل البيئىة إلحاحاً والتي تواجه المدن بهذه المنطقة. فمع النمو السكاني بمعدلات غير مستدامة, لاتستطيع إمكانات الصرف الصحي وغيرها من نظم التخلص من النفايات بتلك المدن مواجهة الضغوط الجديدة ومن هنا يبدأ التدهور البيئى. وباتجاه الفقراء إلى العيش في مجتمعات مكتظة تفتقر للبنية الأساسية المناسبة, تتراكم المخلفات وينتشر التلوث ومن ثم أخطار الأمراض.
وتواجه المنطقة أيضاً مشكلة تلوث هواء الحضر, فالصناعات الخاصة والمدعومة من القطاع العام ليس لديها ما يحفزها على تبني تقنيات أكثر نظافة بيئىاً. ففي ظل نظم حماية الإنتاج المحلية وغياب قواعد وقوانين حماية البيئة, تمكنت الصناعات القديمة والأكثر تلويثاً للبيئة من الاستمرار, فمحركات السيارات القديمة, والكفاءة المتدنية للاحتراق, والبنزين الحاوي على الرصاص, والوقود عالي الكبريت فاقمت من تلوث هواء المدن. إلا أن المنطقة, على الرغم من ذلك, تشهد تغيرات مبشرة, ففي سلطنة عمان مثلاً, يشترط التزام الصناعات الجديدة بالمعايير البيئىة القياسية للسماح بإقامتها.
تلعب الصناعة دوراً متزايد الأهمية في التنمية الاجتماعية والاقتصادية بمنطقة غرب آسيا, ولكنها أيضا تمثل مصدراً رئىساً للتلوث بالمنطقة. ففي معظم بلدان المنطقة تتركز الصناعة وبصورة كبيرة في مواقع قليلة, الأمر الذي ينجم عنه ظهور مناطق تعاني مواردها المائىة ـ سطحية كانت أم جوفية ـ من التلوث الشديد بمخلفات الصناعة. ويصاحب التطور الصناعي زيادة سريعة في الصرف العشوائي للمخلفات الصناعية السائلة, وفي الرشح المستتر للكيماويات السامة إلى مخزون المياه الجوفي, وإلقاء النفايات الخطرة دون حماية.
إن ما تم عرضه من مظاهر الحياة البيئىة العالمية والإقليمية يؤكد على الطابع المتكامل للبيئة ويشدد على الحاجة إلى المزيد من التحليلات المنهجية للروابط بين البيئة من جهة والقطاعات الاجتماعية والاقتصادية والمؤسسية والثقافية من جهة, وكذلك بين القضايا البيئية المختلفة مثل التنوع البيولوجي, والمناخ, والأرض, والمياه من جهة أخرى.