مختارات من:

الظل والحرور

المحرر

عزيزي القارئ..

يدخل الربيع في أوجه متجها نحو حر الصيف, فتخبئ الأرض كدها في ظلال الأزهار والأشجار والعشب, وتبدو الدنيا خضرة نضرة, لكن فرح الأرض يظل منقوصاً بما يعشش بين الأزهار والأشجار والعشب من عنف متأهب أو كامن. ولعله ما من أرض مثل أرضنا العربية مثقلة بآلام العنف وتذكاراته المريرة, وما من أرض مثلها أحوج ما تكون لنفض العنف عنها من أجل أن تحتفل ولو بالقليل الجميل الذي بقي فيها. وحتى يتحقق الخلاص أو بعض الخلاص من أثقال وأوزار العنف, لابد لنا من الوقوف على منابع هذا العنف لردم هواتها, أو تحويل مجراها. وفي السعي باتجاه ذلك تفاجئنا كثرة تلك المنابع الوحشية والجهمة, ممتدة من عمق التاريخ العربي إلى اللحظة, ومتمددة من خارج حدودنا أحياناً ومن داخلها في معظم الأحيان.

هل كان ضمير هذا العدد مشغولاً بذلك حين إعداده؟

إن نظرة ولو عاجلة إلى محتواه تحملنا على الإجابة بنعم, رغم إصرارنا على أن التخطيط لكل عدد ليس تعمداً خطابياً بقدر ما هو انفتاح على حس الكتابة وأشواق القراءة. فثمة معالجة تنصب على (الديمجرافية العربية وأزمة التطور) ولعلها إشارة أولى إلى حقيقة راسخة حول علاقة التكدس بالأزمات, ومن ثم بإفرازات الأزمات التي على رأسها العنف. وثمة تشريح لطبيب ومفكر ممسك بالأصول والجذور يبحث في ثنايا (ظاهرة العنف في الجزائر) وهو يستهدي بشعار (العلم والسلم) من أجل الخلاص. وثمة استطلاع ميداني من قلب زهرة الروح, وجرح الروح, (القدس) يكشف عن عماء الضمير ومضاء الخبث الصهيوني الذي يستهدف قنص مدينة المدائن وابتلاعها في الأجواف المظلمة. وثمة حديث في ذكرى مرور قرنين على رياح الحملة الفرنسية يقطع منذ بدايته بأن (المدافع لاتقرأ القرآن) وكأنه يرصد منبعاً من منابع العنف التاريخي الوافد.

إنها منابع شتى, وإن انتهى مصبها إلى غاية ونتيجة واحدة هي العنف. لهذا لانكون مغالين إن قطعنا بأن هذه المنابع السوداء جميعاً ذات قلب مظلم واحد, سواء كانت روافده محلية عربية تدعي الأصول, كما في العنف الجزائري, أو صهيونية استيطانية كما إسرائيل, أو تغريبية وافدة على أسنة الرماح كما الحملات الصليبية.

فهل يستوي الظل والحرور؟

حتما لايستويان, وقد قطع في ذلك بأجمل وأوجز صورة كتابنا العظيم, القرآن الكريم في سورة فاطر, لكن هناك من يعمون أو يتعامون عن ذلك, والأسى كل الأسى أن يكون من بين هؤلاء متحدثون بلغة الضاد ومدعون بالاحتكام إلى الحق.

عزيزي القارئ, إن الأرض العربية لاتزال واعدة بأن تكون حلوة خضرة كما أرادها الله لنا, ففيما يشتد قيظها يمتد الظل. فهل ندأب في تطهير المساحات الظليلة الباقية, مما يكتنفها من عنف ظاهر أو كامن, لعلنا ننعم ببعض ما أفاءه الله علينا من نعم.. ولو نعمة الروح؟

نأمل في ذلك, وإلى لقاء متجدد

المحرر مجلة العربي مايو 1998

تقييم المقال: 1 ... 10

info@3rbi.info 2016