مختارات من:

غزة.. حلقة في الصراع العربي - الإسرائيلي طويل الأجل

سليمان العسكري

هلانتهتبالفعلمجزرةغزة؟وهلستكوندماءالأبرياءمنالأطفالالرضّعوالسيداتوالمسنينوغيرهممنمواطنيغزةهيآخرماتسفكهإسرائيلمندماء؟هلكانتإسرائيلفيحاجةماسةإلىكلهذاالدمار،وإلىإراقةكلتلكالدماءلتبدأطريقالسلام؟

منذأكثرمنستينعاماًوالعالملايرىالعربسوىجثثوبشرعلىأرضتحوطهاالدماء.
سفيرأمريكيسابقبالأممالمتحدةدعافيمقالبصحيفة«واشنطنبوست»إلىإغلاقملفالدولةالفلسطينيةالمستقلةوضمغزةإلىمصروإلحاقالضفةالغربيةبالأردن.
المماطلةالإسرائيليةفيمفاوضاتالسلاموعملياتالعنفالمسلحليستوفقأحداثعشوائيةأوتدابيرفجائيةبلتخضعلإستراتيجيةمعدةسلفاً.
لنيكونهناكحلللقضيةمنخارجموطنالصراعولنتستطيعأيدولةعربيةأنتقومبمفردهابهذاالجهدمهماامتلكتمنالقوةوالمنعة.
ستونعاماًمضتعلىمسيرةالدمالتيانتهجتهاإسرائيلمعالفلسطينيينوالعرب،لكنها،فيالحقيقة،وبغضالنظرعنالنتائجالنفسيةعلىمواطنيهاأنفسهمفيالمستقبل،وبالرغممنكلالأصواتالعاقلةالتييطلقهابعضمثقفيهابينآنوآخرعنمحصلةأفعالهاعلىصورتهافيالعالم،كدولةاحتلالدموية،لمتحققإلاالخجللمواطنيهااليوم،وغداًوبعدغد.

بالرغممنكلذلك،فإنالنهجالذيتسيرعليهإسرائيلعلىمدىالستينعاماًالماضيةيبدوأنهقدنمّىلديهانزعةالتعطشللدماء،وكلماتوحشت،ومارستالقتلوالعنف،تحولتساديتهاالمريضةإلىنزعةأصيلةتمارسبهاقدرتهاعلىالبقاء،كدولةاحتلالمزروعةفيسياقغريبعنها.

إننامنذأكثرمنستينعاماًوالعالملايراناكعرب-حتىلوغضالبعضالطرف-سوىجثث،وبشرعلىأرضتحوطهاالدماء،ليسعلىأرضفلسطينفقط،وإنماعلىكلالأرضالعربية،فيسوريةوفيلبنان،أومصرالتيتكبدتأكثرماسالمنالدماءخلالتلكالفترة،ومنذعام1948علىوجهالتحديد،وكذلكعلىأرضالعراقوغيرهامنالأرضالعربية.

وحتىقبلقيامالدولةاليهوديةعلىأرضفلسطينسنجدأنهامارستأقصىدرجاتالعنفتجاهالفلسطينيين،فيمهمةبدتواضحةمنذذلكالوقت،وهيتفريغالأرضمنسكانهاالعرب،لإحلالسكانالدولةاليهوديةمحلهم.وهوهدفإستراتيجيتجلياتهعديدة،وآخرها،ولعلهاليستالأخيرةهوماحدثفيغزةأخيراً،فيتلكالمذبحةالدمويةالصارخة.

ولاتزالالعقيدةاليهوديةتعبّرعننفسهاكليوم،فتصريحاتوزيرةخارجيةالدولةاليهوديةتسيبيليفنيأخيراًحولالواقععلىالأرضومستقبلالتحركاتالإسرائيليةتؤكدعلى«إمكانالفلسطينيينأنيحتفلوابعيداستقلالهمفقطبعدأنيحذفوامصطلحالنكبةمنقاموسهم».

والأكثروضوحاًماقالتهعنعربإسرائيل:«يمكنناأننقولللمواطنينالفلسطينيينفيإسرائيلالذينندعوهمعربإسرائيل،إنالحللتطلعاتكمالوطنيةموجودفيمكانآخر».

وهوتصريحخطيرفيالواقعيعكسالتوجهاتالإسرائيليةوخططهاالقادمة،التيتعتمدعلىإخلاءالدولةاليهوديةمنالمواطنينالعرب،وإبعادهمإلىدولةفلسطين،خاصةأنهذاالتصريحيأتيفيأعقابإعلانإسرائيلأنهادولةيهودية،بمعنىأنغيراليهوديلايحقلهأنيكونمواطنافيها،وهوالقرارالذيحصل،فورإعلانه،علىتأييدالرئيسالأمريكيالمنصرفجورجبوش.

وأضافتفيمايتعلقبموضوعاللاجئينالفلسطينيين:«ينبغيأنيكونحلمشكلةاللاجئينالفلسطينيينفيإطاردولةفلسطينية(أين؟)..ويتعينعلىإسرائيلألاتفتحأبوابهاأمامعودةهؤلاءاللاجئين».

فتسيبيليفنيلمتعُدتتحدثعنضرورة«وقفالإرهاب»فيغزةوحسب،أوعنالصلحوإحلالالسلام،بلعنالحاجةإلى«تغييرالمعادلةفيالشرقالأوسط»!وهيالمعادلةالتيربمايوضحهاالتصريحالذيجاءمنالولاياتالمتحدةبعدأيامقليلةمنبدءالاجتياحالإسرائيليالجديدلغزّة،إذبرزفجأةجونبولتون،السفيرالأمريكيالسابقلدىالأممالمتحدةمنغياهبالنسيان،ليدعوفيمقالفيصحيفة«واشنطنبوست»إلىإغلاقملفالدولةالفلسطينيةالمستقلة،عبرضمّغزةإلىمصروإلحاقالضفةالغربيةبالأردن.

ونشرالكاتباللبنانيسعدمحيوتفاصيلموسعةحولالموضوعفيموقع«سويسإنفو»الإلكترونيذكرفيهأنبولتونليسفقطواحداًمنأشرسالمحافظينالجددالأمريكيين،بليعتبرأيضاًمنالصهيونيينالليكوديينفيالولاياتالمتحدة،وكانمنأبرزالمشاركينفيوثيقة«القطعالنظيف»الأمريكية،التينشرتفيأوائلتسعينياتالقرنالعشرينوالتيدعتإلىنسفشعار«الأرضمقابلالسلام»،وبالتالي،معاهداتالسلامبينالعربوالإسرائيليين،وإحلالشعارموازينالقوىمكانه،لتغييرالمعادلةفيالشرقالأوسط.

وأوضحأنبولتونلمينطلقمنفراغفيدعوتههذه،ففيالداخلالأمريكي،ثمةمِروَحةواسعةمنالنخبالأمريكيةالمواليةلإسرائيل،التيتتبنّىنظريةتقسيمفلسطين1967بينمصروالأردنوإسرائيل،والممثلالأبرزلهذهالنخبة،هودانييلبايبس،الذييُطلقعليهفيالولاياتالمتحدة،«الفارسالأسود»،بسببتطرّفهالصهيوني،وهوبدأمنذيناير2008بتصعيدالضغوطوالحملاتفيواشنطن،لتبنّيهذاالخيار،الذييبررهكمايلي:

ياسرعرفاتثممحمودعباس،فشلافيتحويلغزةإلىسنغافورةجديدةوفيمنعصعودالإسلامالراديكاليفيها،ولذا،يجبالتخلّيعنفكرةالسيادةالفلسطينيةعلىهذاالقطاع.
علىواشنطنوالعواصمالغربيةالأخرى،إعلانأنتجربةالحُكمالذاتيفيغزةفشلت،ثمالقيامبالضغطعلىالرئيسالمصريحسنيمباركلتقديميدالعون،ربّماعبرمنحغزةأراضيمصريةإضافيةأوحتىضمالقطاعبرمتهإلىمصر،بصفتهمحافظةمنمحافظاتها.
هذهالخطوةالأخيرة،ستكونمنطقيةوبديهيةثقافياً:فالغزّاويونيتحدثونلكنةعربيةشبيهةبتلكالتيينطقبهاالمصريونفيسيناءولديهمعلاقاتعائليةمعسيناء،أكثرمنالضفةالغربية،وكذلكالأمربالنسبةإلىعلائقهمالاقتصاديةمعسيناء،وحتىحركةحماسالغزّاوية،تجدُجذورهاالحقيقيةفيجماعةالإخوانالمسلمينالمصريين،لافيالحركةالوطنيةالفلسطينية.
ويخلصبايبسإلىالقول:«إنتحويلهذهالعلاقاتغيرالرسميةإلىعلاقاترسميةعبرضمغزةإلىمصر،سيحقّقجملةأهدافدفعةواحدة:1-وقفالصواريخعلىجنوبإسرائيل.2-كشفالطابعالاصطناعيللوطنيةالفلسطينية.3-كسرالطريقالمسدودفيالعلاقاتالعربية-الإسرائيلية.

وهكذايتكشفلناأنالمماطلةالإسرائيليةفيمفاوضاتالسلام،وعملياتالعنفالمسلحالتيتمارسهاليستوفقأحداثعشوائيةأووفقاًلتدابيرفجائيةوإنماتخضعلإستراتيجيةمعدةسلفاً،وحتىقبلقيامالدولةاليهودية.

إنمايطرحههذاالتقريرفيالحقيقةيعكسواقعاًخطيراً،وإنبدامدهشاًلنا،لكنالنظرإلىالإستراتيجيةالإسرائيليةوالممارساتالتيتقومبهاالإداراتالإسرائيليةالمتعاقبةفيإدارةصراعهامعالفلسطينيين،والعرب،يكشفلنابوضوحأنكلتلكالتصريحاتليستوليدةاليوم،ولاهيمحضصدفة،بقدرماهيسياساتقديمةمبرمجةسلفاً،يمثلكلمنهاخطة،قدلايكونمنالمستبعدأنهاموضوعةوفقاًلبرنامجزمنيمحددأيضاً،ومنهاتدارالإستراتيجيةالإسرائيلية،أياًكانمنيتولىإدارةالحكومة،وأياًكانتتوجهاتهالسياسيةداخلإطارالدولةاليهودية.

هذهالإستراتيجية،لمتتوقفمنذبدءإسرائيلتنفيذمخططهاالاستيطاني،وحتىهذهاللحظة،ولعلهالنتتوقفأيضاًفيالمستقبل،فالشقالرئيسيمنهذهالإستراتيجيةالإسرائيليةيبدوجلياًأنهيتأسسعلىعنصرآخر،هونتيجةطبيعيةللعنصرالأول،وهوتأكيدبقاءإسرائيلكأقوىقوةفيالمنطقة،وهوماتحاولأنتؤكده،مرةبعدأخرى،عبرتلكالمذابحالدموية،وعملياتالاجتياحالبري،والضرباتالجويةالتيتنفذبينالآنوالآخر،علىفلسطينأولبنان،أوحتىعلىالعراقفيتدميرمشروعالمفاعلالذري،والتيارتبطالعديدمنهابوصفمذبحة،وخلفتفيكلمرة،آلافاًمنالضحاياوالشهداءالعرب،وأسالتأطناناًمنالدماء،لتأكيدقوتهاللعرب،وقدراتهاالعسكريةالمتفاقمةالتيلايمكنمواجهتها.

والمعنىالضمنيهناوالبديهيأيضاًهوأنالعربفيالمقابلوبالضرورة،يجبأنيكونواالطرفالأضعففيهذاالصراع.وهوماتجلىبقوةخلالالحربالأخيرة،وماسبقهامنمحاولاتإسرائيلفيتحييدأطرافقويةمنالعربفيالصراعمعها،ثمفيإشعالالنارفيعناصرالاختلافسواءبينفصائلالمقاومةفيفلسطين،وهوماكانأحدتجلياتهذهالأزمة،أوبينالأطرافالعربيةنفسها.

وضمنهذهالإستراتيجيةيمكنناأننفهمكيفأنإسرائيل،علىامتدادتاريخالصراعمعالعرب،لمتطرحمشروعاًحقيقياًللسلامفيالمنطقة،والعكسصحيح،علىطولالخط،كماأنهالمتعلن،ولامرةواحدة،عنالحدودلدولتهاوأينتقفتلكالحدود.

وخلال60عاماًمنالصراع،ثمالمفاوضاتالتيدخلتهاإسرائيلمعالعرب،لمتتقدم،علىوجهالإطلاق،بأياقتراحاتعملية،وقابلةللتحققعلىالأرض،كماأنهالمتقترحأيمشروعحقيقيمقبولللصلحمعالعرب،يفيبمتطلباتالعيشالمشتركفيمنطقةتقعتخومهاعلىحدودأكبردولالمنطقة.كماأنها،غالباًماتعودمنحيثبدأت،فهيعلىسبيلالمثالقداجتاحتغزة،بالرغممنأنهاسبقلهاأنانسحبتمنقطاعغزةفيسبتمبرالعام2005بموجبخطة«فكالارتباط»أحاديةالجانبالتينفذتهاإسرائيلعندماأخلتجنودهاومستوطناتهامنقطاعغزة.

لذلككلهفإنحربهاعلىغزةالتيوصلتإلىحدمواجهةالأطفالالأبرياءوالنساءالعزلبقواتبريةاجتاحتغزةمستخدمةأقصىدرجاتالعنفوالتدمير،وفيظلالموقفالمستهترواللامباليتجاهإسرائيلمنقبلالقوىالعالمية،وفيظلاستخفافإسرائيلبتغيرالإدارةالأمريكيةودورهافيقضيةالصراعالعربي-الإسرائيليوفقاًلماصرحتبهتسيبيليفنيقبلفترةمنوصولأوبامالسدةالحكمفيالإدارةالأمريكية،كلذلكيجعلمنالضروريالتفاتالعربلقمةالكويتالتيعقدتأخيراً،لتكونبدايةوانطلاقةحقيقيةلقناعةعربيةبضرورةإيقافتوسعالدولةاليهوديةعلىحسابالشعبالفلسطينيوالأرضالعربية.

فقدأثبتتظروفالمنطقةوطبيعةالصراعالعربي-الإسرائيلي،والموقفالعالميتجاهإسرائيلأنهلنيكونهناكحلللقضيةمنخارجموطنالصراع،ولنتستطيعأيدولةعربيةأنتقومبمفردهابهذاالجهدمهماامتلكتمنالقوةوالمنعة،ولنتكونهناكثمارحقيقيةتجنىمنأيعملعربيمنفردمعإسرائيل.فقدطرقناأبوابالقوىالعالميةمراراًوتكراراً،كمافعلناالشيءنفسهفيالأممالمتحدة،ولدىالكتلالدوليةفيأثناءالحربالباردة،ولميؤدذلكإلىتغييرملموسعلىالأرض،بلمزيدمنالتقدموالتوسعللدولةاليهوديةوضعفوتراجعلأصحابالأرضوالحق.

وبالتالي،فإنالإستراتيجيةالإسرائيليةالثابتة،وواضحةالرؤيةفيمايتعلقبإرادةإسرائيللتحقيقأهدافهالايمكنمواجهتهاإلابإستراتيجيةعربيةمقابلة،قائمةعلىقناعةبأنالدولةاليهوديةتستمروتتفوقوتبقىعلىحساباستمرارضعفالعربوتخلفهم.وهذهالقناعةتفرضعليهمالإيمانبضرورةأنينحيكلطرفمنهمنزاعاتهومشكلاتهمعالطرفالعربيالآخرجانباً،وتوحيدالجهود،معإخلاصالنوايا،منأجلوضعخطةعملعربيمشترك،طويلةالأجل،تعتمدعلىإيجادآلياتواقعيةلوقفمشروعالتوسعالإسرائيليمنجهة،توازيهاخطةمشتركةلتنميةالمجتمعالعربيعلمياًواقتصادياًواجتماعياً،وبناءالقوةالذاتيةالتيتفرضنفسهاعلىمجرياتالصراع.

فالحقيقةأنالعالمالعربيلايمكنلهأنيواجهالعالموإسرائيلإلابالقوة،وهذهالقوةلايمكنلهاأنتتحققإلامنخلالتنميةاجتماعيةشاملة،ثمتنميةالقوةالعسكرية.

فقدثبتلعقودأنشراءالسلاحوتكديسالمعداتالحربية،مندونالعملعلىقضيةالتنميةالبشريةكلها،ليسسوىضياعللوقتوالجهد.

وبالتالي،فلابدمنبدءطريقمختلفيعتمدعلىتحقيقالقوةبشكلحقيقييجعلمنالمنطقةالعربيةقوةردعحقيقيةعلىأساسمنالمنطق،ونتمنىأنتكونقمةالكويتالاقتصاديةوالاجتماعية،التيانعقدتفيينايرالماضي،بماتضمنتهمنبنودخاصةبموضوعالتنميةفيأرجاءالعالمالعربي،بمنزلةمدخلحقيقيلبناءقوةعربيةتستطيعأنتحميالعالمالعربي،وسكانه،منأيسيطرةإقليميةفيالمنطقةأوقوةاحتلالخارجية.

سليمان العسكري مجلة العربي مارس 2009

تقييم المقال: 1 ... 10

info@3rbi.info 2016