ربطتنى بها علاقة عاطفية. كنت أنتظرها في نفس المكان والزمان. المكان: شرفة منزلي التي تطل بطرف على فرع من فروع نهر النيل.. والزمان: إبريل "نيسان" من كل عام.
قبل الموعد، كانت تبدو عارية من ثيابها، ولكن لا يكاد الربيع يأتي حتى تلبس ثوبها البنفسجي المختلط بالأوراق الخضراء. أنظر لها فأحس بالسعادة والتفاؤل، فها هي الحياة تدب في شجرتي بعد موت استمر شتاء كاملا. ها هي الأوراق تزدهر، والزهور تتناثر، واللوحة الجمالية تكتمل..
حتى كان عام ارتفع فيه مبنى صغير حجب الرؤية بيني وبينها، وبعد عام آخر امتدت المباني فاقتلعت الشجرة من جذورها.
أصابني الضيق. فقدت التفاؤل بالربيع. قلت لنفسي: ها هي يد العبث امتدت لشجرتي كما امتدت لأشجار نادرة أخرى مضى عليها قرن من الزمان.. وتذكرت ما يحدث في إفريقيا حيث تتراجع الطبيعة بفعل الجوع والفقر والجفاف. لا تجد المرأة وقودا غير الغابة.. ولا يجد الرجل مفرا من الهجرة أمام التصحر.
قالت لي شجرتي ، الإفريقية المولد ، المصرية الموقع : " لكن الشمال هو الأسوأ.. فغازات المصانع تخرق طبقة الأوزون، والإنسان في أكثر من موقع أصبح مهددا بالعمى وسرطان الجلد وفقدان الكثير من أنواع النبات والحيوان . الحرارة - بتغيرات في البيئة - ترتفع لأعلى معدل لها منذ عشرة آلاف عام، وتوقعات العلماء أن تكون المائة عام المقبلة شيئا آخر حيث تزحف المحيطات والبحار، وتعلو الفيضانات وتختفي بعض السواحل والمدن ".
إنه الانقلاب الذي دفع لانعقاد " قمة الأرض " وتأسيس معهد " مراقبة العالم " وإنشاء " سكرتارية للأوزون " في إحدى الجامعات الأمريكية .. وهو التحول الذي دعا الأمم المتحدة للتفكير في اتفاقية " تثبيت حجم الكربون " بما يصحبها من إجراءات تشعل الحرب بين مصالح منتجي ومستهلكي النفط.
***
تقول الشجرة بعد أن رحلت: لا تحزن. انظر للشرق وما فعله " بترول حرب الكويت ".. وانظر للشمال وما فعلته المداخن والمصانع.
وأرد دفاعا عن حياتي: " سوف أنضوي تحت لواء الأحزاب الخضراء الحالمة. سوف أدعو لها في كل بقعة عربية. مازال لدينا وقت. وسوف تعودين يا شجرتي، رغم أن الحياة لا تأتي مرتين ".