ليس غريباً أن تثير آلام الصدر لدى الناس مظاهر القلق وهواجس الخوف من أشباح النوبة القلبية, التي قد تتراءى أمام مخيلتهم مع كل نوبة ألم, وتدعوهم للهرع نحو عيادات الأطباء لاستشارتهم، لكن العديد من الأمراض غير القلبية قد تسبب ألماً صدرياً يقلد أعراض النوبة القلبية, وما هو بقلبي المنشأ، فما هي أسباب الألم الصدري؟ومتى يكون هذا الألم خطراً يهدد الحياة؟
أسطورة الذراع اليسرى
هناك تقليد قديم راسخ في عقول الكثير من الأطباء وعامة الناس, هو أن لألم الذراع اليسرى المترافق بألم في الصدر دلالة مشئومة على مرض قلبي خطير أو طليعة نوبة قلبية قد تكون قاتلة، إلا أن الدراسات ومتابعة المرض تشير إلى أن أسطورة الذراع اليسرى تلك لاتملك دائماً مبررات علمية وسريرية, لأن العديد من الأمراض الصدرية قد تحدث آلاماً تقلد أعراض النوبة القلبية وقد تنتشر للذراع اليسرى، كما يعتقد الكثير من الناس أن الألم القلبي يتوضع دوماً في ناحية الثدي اليسرى, لذا نلاحظ أن مثل هذا الألم من أكثر الأسباب التي تدعو المرضى للإسراع طلباً للعون الطبي, ظناً منهم أن قلوبهم عليلة، إلا أن هذا التوضع أيضاً ليس مقصوراً على الداء القلبي، فليس نادراً أن يكون سبب الألم الصدري الشديد آفة ليست قلبية ولاتهدد الحياة, في حين تتظاهر الآفة القلبية في أحيان كثيرة بأعراض مضللة تماثل حالة تشنج عضلي, أو تقيم من قبل المصاب على أنها أعراض عسر هضم عابرة, أو نزلة انفلونزا حادة بينما قد تختفي خلف هذه الأعراض طليعة نوبة قلبية خطيرة.
إن إلقاء الضوء على ميزات الأنماط المختلفة للألم الصدري ومسبباتها تملك فائدة جمة في توجيه المصاب ومن حوله للاهتمام المبكر بهذا الألم في حينه, وعدم التواني عن طلب العون الطبي السريع في سبيل إنقاذ الحياة التي قد تكون مهددة بالخطر.
ويعتبر الداء الإكليلي في شرايين القلب السبب الأكثر شيوعاً والأخطر في تحريض الألم الصدري, الناجم عن تضيق في لمعة الشرايين الإكليلية القلبية التالي للتصلب العصيدي، ويحرض هذه النوب الألمية فقدان التوازن المؤقت أو الدائم بين حاجة العضلة القلبية من الأكسجين والوارد منه.
وتتراوح شدة الألم القلبي الناجم عن إقفار "نقص تروية" العضلة القلبية من ألم الذبحة الصدرية إلى ألم احتشاء العضلة القلبية، ويصف مرضى الذبحة الصدرية الألم بأنه شعور بالضغط أو الثقف أو العصر مترافق بحس الاختناق, أو الانقباض خلف عظم القص في منتصف الصدر يمتد للجهة اليسرى, ويندر أن يصف المرضى الألم بالواخز أو الطاعن, ويثار عادة بالجهد العضلي أو الانفعال النفسي، كما قد يحرض نوبة الألم التعرض للبرد أو تناول وجبة ثقيلة، ويضطر المريض الذي يقوم بجهد فيزيائي كالمشي مثلا أو صعود السلالم أو الطرق الصاعدة للتوقـف أو تخفيف سرعته ليزول الألم بزوال العامل المسبب، إلا أنه أحيانا يحتاج إلى استعمال عقار كالنتروجليسرين تحت اللسان لتوسيع الشرايين الإكليلية القلبـية لتحسن تروية عضلة القلب بالدم المحمل بالأكسجين فيزول الألم.
أما إذا استمر الألم الصدري بعد زوال العامل المسبب أو استعمال دواء موسع للأوعية الإكليلية فإن ذلك يكون نذير حالة قلبية خطيرة ناجمة عن انسداد أحد شرايين القلب بجلطة تحجب التروية الدموية عن العضلة القلبية وتقود للاحتشاء ويشكو المريض, إضافة للألم الصدري المستمر بالصفات المذكورة أعلاه من التعرق البارد والغزير, الشحوب, هبوط الضغط, الزلة التنفسية.
ويكمن خطر احتشاء عضلة القلب في احتمال تموت العضلة القلبية مما يؤدي إلى اضطراب عمل القلب, فالرجفان البطيني والموت إذا لم يسعف المريض بأسرع ما يمكن،
إنه الصدر،، أو البطن
تسبب أمراض الجهاز التنفسي آلاماً صدرية تشابه بصفاتها أعراض النوبة القلبية في العديد من الآفات التنفسية, ويقف في مقدمتها الصمة الرئوية أكثر إصابات الجهاز التنفسي تهديداً للحياة، كما تترافق الآفات الرئوية الالتهابية بألم صدري قد يقيم على أنه قلبي المنشأ في الحالات المتوضعة في الرئة اليسرى كذات الرئة الالتهابية الحادة والخراجات الرئوية والتهاب الجنب وانصبابه.
وفي حين تكون الأعراض الالتهابية للجهاز التنفسي كالسعال المترافق بالقشع القيحي ونفث الدم والترفع الحروري علامة موجهة للانطباع بوجود آفة التهابية, إلا أن بعض الحالات خاصة التهاب أغشية الجنب من الجهة اليسرى, ولاسيما الجزء الحجابي قد تعطي أعراضاً مضللة في امتدادها نحو الجهة اليسرى, والكتف اليسرى والرقبة لتقلد انتشار الألم القلبي المنشأ، وأهم التظاهرات لفتاً للانتباه في حالات الألم الجنبي هي علاقته الواضحة مع الحركات التنفسية, حيث يشتد بالتنفس العميق, والعطاس, والسعال, والحركة مما يجعل المريض حذراً تجاه كل نفس, ونراه يتخذ وضعية تحقق له أدنى حركة ممكنة.
وتبقي الصمة الرئوية من أكثر إصابات الجهاز التنفسي خطرا على الحياة, وتنجم عن انتقال خثرة دموية من الأوردة, أو مادة أجنبية "شحوم, هواء, سائل أمنيوسي عند الولادة" إلى الدوران الرئوي لتسبب انسدادا مفاجئا في أحد الشرايين الرئوية فتسبب احتشاء بالرئة وتموتا فيها بسبب انقطاع التروية الدموية عنها، وتتظاهر أعراض الصمة الرئوية بزلة تنفسية شديدة, وألم صدري مبرح يقلد في توضعه, ونموذج انتشاره, وصفته العاصرة ألم النوبة القلبية، ويكون سبب الألم التمدد المفاجئ في جدران الشرايين الرئوية, الناجم عن انسداد مجرى الدم فيها ومما يوجه للاشتباه بالصمة الرئوية كسبب للألم الصدري وجود العوامل المؤهبة للخثار الوريدي كأذية الأوردة نتيجة الرضوض, والانتانات الموضعية المسببة لالتهاب الأوردة الخثري, أو إصابة الأوردة بالدوالي والتهابها، كما يؤهب بطئ الدوران والركوده الدورانية لتكون الخثار فيها لدى المرضى المقعدين, قليلي الحركة والمصابين بالسمنة وبقصور القلب الاحتقاني، وتزيد بعض الأدوية من قابلية تخثر الدم كموانع الحمل الفموية، وتشاهد الصمات الرئوية أثر العمليات الجراحية والولادات حيث يسهل انطلاق الخثرات إلى الدوران وانتقالها للدوران الرئوي.
وتسبب بعض آفات الجهاز الهضمي خاصة الجزء العلوي منه آلاما صدرية تشابه آلام النوبة القلبية فتوضع المري مباشرة خلف القلب يشكل أحد أسباب الأعراض المضللة للألم الصدري الذي يقلد ألم النوبة القلبية عند إصابات المري بآفات مختلفة كالتقرحات والتمزقات والحروق والفتوق الحجابية.
وقد تسبب القرحات المعدية والتهابات المرارة والحصيات المرارية والتهاب البنكرياس آلاما تمتد إلى الصدر لتحاكي آلام النوبة القلبية في انتشارها وشدتها.
النفس،، والجدار
قد يثار الألم الصدري المشابه لألم النوبة القلبية لدى بعض الناس العصابيين بالغضب والانفعال, والتوتر النفسي, ويدعى بالألم العصابي, وقد يثور ويهدأ في ثوان، وتنجم الشكوى من الألم في الصدر, والذي يحاكي آلام النوبة القلبية عن حالة نفسية مرتبطة بإصابة قريب, أو صديق بنوبة قلبية فجائية مميتة تركت أثرا في نفس المصاب، إذ تبدأ الأعراض بملاحقته ويأخذ بالشكوى ومراجعة الأطباء لاستبعاد ذلك الشبح المخيف الذي خطف شخصا عزيزا دون سابق إنذار، إلا أن الفحوص السريرية والإضافية تشير إلى سلامته من الآفات القلبية الخطيرة.
وينتج الألم الصدري عادة عن الإصابات الرضية المؤدية لتمزقات الأنسجة العضلية أو كسور الأضلاع، كما تسببه الالتهابات بالأعصاب الوربية, والغضاريف الضلعية, والغضاريف بين الفقرات.
ويشير المصاب عادة إلى ظهور الألم إثر إصابة رضية أو بعد تمرين شديد غير معتاد, أو حركة عنيفة.
وتعتبر إصابة المفاصل الضلعية الغضروفية, والضلعية القصية أكثر مصادر الألم الصدري الأمامي شيوعا، وتكون الشكوى من شعور بألم كليل, ذي صفة قارضة يزداد بالجس ويتوضع فوق واحد أو أكثر من الغضاريف المصابة قد يترافق باحمرار تورم وضخامة في جسور الأضلاع المصابة.
أما التهاب الأعصاب الوربية اليسرى فيسبب ألما قد يشابه بتوزعه نحو الأيسر الألم القلبي وقد يشخص خطأ على أنه نوبة ذبحة صدرية, إلا أنه يمكننا التفكير بالمنشأ العصبي للألم الصدري عند وجود شكوى من ألم رامح كطعن الخنجر أو ألم يشبه الصدمة الكهربائية لا علاقة له بالحركة, يترافق عادة بوجود فرط تألم وخدر في منطقة توزع العصب الوربي المصاب.
كما أن انضغاط الفقرات الرقبية والصدرية نتيجة إصابة في الغضاريف بينها يسبب ألما صـدرياً على مسار العصب الشوكي المصاب ويمكن أن تكون الأعراض مضللة وتشخص خطأ على أنها إصابة قلبية, خاصة إذا توضعت في القسم الأيسر من الصدر.
إذا ألم بك عزيزي القارئ ألم في الصدر فلا تتوقع أن بإمكانك وضع التشخيص بنفسك, إن كل ألم صدري سواء كان خفيفاً أم شديداً جدير بالاهتمام ومدعاة لمراجعة الطبيب, الذي بحوزته وسائل التشخيص, والتقنيات المتطورة للوقوف على أسباب الألم, وتقدير مخاطره، فالدراسات تشير إلى عدم وجود علاقة واضحة بين شدة الألم, وخطورة الداء المستبطن خلفه، فقد تخفي الآلام الصدرية الخفيفة طليعة نوبة قلبية مميتة, بينما قد يشكو المريض من آلام صدرية شديدة إلا أنها لاتحمل في طياتها أي خطر يهدد الحياة، إن استثناء الإصابات الخطيرة في حالات الألم الصدري كاحتشاء العضلة القلبية والصمة الرئوية تأتي في مقدمة أهداف دراسة المريض، وإن إجراء تخطيط القلب الكهربائي من أكثر الوسائل المفيدة في 70% من الحالات لكشف الإصابة القلبية الإكليلية, خاصة أثناء نوبة الألم الصدري، وإذا لم يظهر تخطيط القلب العادي أية تغيرات فإن الطبيب يلجأ, عند اشتباهه بالإصابة الإكليلية, لإجراء تخطيط القلب بالجهد, وتخطيط القلب المستمر خلال 24 ساعة مع الجهد المعتاد.
وإذا استمر الألم الصدري المفاجئ المقلد للنوبة القلبية دون علامات تخطيطية يجب متابعة مراقبة المرضى في قسم العناية القلبية لحين استثناء السبب القلبي للألم، ويفيد إجراء الفحوصات المخبرية الإضافية, كتعيير الخمائر في المصل, والذي يشير للتخرب في نسيج العضلة القلبية في تشخيص احتشاء العضلة القلبية.
وفي متناول يد الطبيب اليوم تقنية حديثة، هي إجراء التصوير الومضاني بالنظائر المشعة "التاليوم 201" لدراسة تروية القلب, يلجأ إليها عند المرضى ذوي الألم الصدري اللانمطي مع سلبية اختبارات تخطيط القلب الجهدي, ومبدأ الطريقة يعتمد على تجمع المادة المشعة في الخلايا ذات التروية الجيدة والفعالة استقلابياً، أما المناطق غير المروية فإنها تبدو كبقعة فارغة على صورة الومضان.
وهناك طرق تشخيصية أخرى كالتصوير السينمائي الإكليلي الانتقائي والقسطرة القلبية وهي وسائل جيدة لكنها بحاجة إلى خبرة جيدة وترتيبات متقنة ومعدات إسعافية، وفي حال استثناء السبب القلبي للألم الصدري يلجأ لإجراء الفحوص المتممة لكشف الآفات الصدرية الأخرى بواسطة التصوير الشعاعي البسيط للصدر، وتصوير الشرايين الرئوية الظليل الناحي, وإجراء لتشخيص الصمة الرئوية, إذ يظهر التصوير الشرياني الرئوي الانقطاع المفاجئ لظل فروع الشريان الرئوي خلف مكان الانسداد، ويفيد التصوير بالايكو والنظير الهضمي العلوي في تشخيص الأسباب الهضمية للألم الصدري.
إن بمتناول أيدي الأطباء اليوم تقنيات تشخيصية متطورة لتحديد الأسباب المؤدية للألم الصدري، كما أن الوقاية من تطور الآفات القلبية الخطيرة وعلاجها المبكر قد يسهم في حماية الضحايا من الموت بإذن الله, ويخفف معاناتهم ويسرع شفاءهم.