تصدر مجلة العربي هذا الشهر وشهر رمضان على الأبواب والشعوب الإسلامية تستعد لتلقي نفحاته المباركة, ولكن يبدو أن هذا الشهر الذي جعله الله سلاماً ورحمة للعالمين سوف يكون مختلفاً هذا العام, فالعالم مازال يعاني آثار الصدمة الحادة التي أصابت الولايات المتحدة في شهر سبتمبر الماضي, والحشود العسكرية تتدفق من كل حدب وصوب حتى تطبق على أفغانستان, المتهم الأول - إن لم يكن الوحيد - في قضية إيواء الإرهاب, كما أن آثار هذه الضربة من الناحية الاقتصادية كانت أشد مما كنا نتوقع, فالعولمة جعلت من اقتصادات العالم وعاء واحداً, إذا اضطرب منه جزء تداعت بقية الأجزاء, وهذا ما نراه حولنا الآن من تباطؤ للاقتصاد إلى انهيار الشركات العملاقة. أما على المستوى الحضاري, فإن الذين يؤججون اللهب يريدون أن يحوّلوها إلى نوع من (صدام الحضارات) بين الغرب والعالم الإسلامي, وهي القضية الخطيرة التي يتعرض لها رئيس التحرير في مقاله الافتتاحي حول البعد التاريخي لمفهوم الصدام بين الحضارات, وكيف أن هذا الحادث هو مجرد تكأة لتفجير أمثال هذه الصراعات, ويطرح المقال سؤالاً أساسياً حول مفهوم (حرب الإرهاب) التي تسعى الولايات المتحدة لحشد العالم خلفها فيها: هل تجعلها هذه الحرب أكثر عدلاً أم أكثر بطشاً?
في وسط هذا العالم المضطرب تتردى أحوال العالم العربي, وتزداد إسرائيل بطشاً وعتوا في الأراضي العربية المحتلة في فلسطين دون أن تستطيع الأنظمة العربية المكبلة أن تردها على أعقابها, ولكن وسط هذا الجو المعتم تلمح مجلة العربي بارقة صغيرة من الأمل في جزيرة صغيرة وسط مياه الخليج العربي, إنها جزيرة البحرين التي تعيش هذه الأيام ربيعاً من نوع خاص تتفتح فيه أزهار الديمقراطية, وتعلو فيه أصوات الحوار التي تنادي بالانفتاح السياسي على كل القوى والتيارات التي تضمها تلك الجزيرة الصغيرة, , وأملا في التغيير تحت قيادة شابّة .
هذه الهموم لا تنسي العربي المشاركة في الاحتفال باختيار الكويت عاصمة للثقافة العربية, فتقدم في ملفها لهذا العدد مقالا عن واحد من رواد الشعر في الكويت والخليج هو (فهد العسكر) الذي عاش معذّباً ومات غريباً, وأخرج من نفثات روحه باقات من الشعر الغاضب البريء العذب, فهذا الشاعر الذي أضنته موهبته وكبلته التقاليد جاء شعره غريباً عن عصره ومتقدما عليه, ولم يستقم أمر هذه المفارقة إلا بالموت.
كما أن الهموم لا تنسي العربي أيضاً أن ترحب بقرب مقدم شهر رمضان الفضيل فتقدمه من خلال عيون الذين كتبوا عنه سواء كانوا من الرحالة الأجانب أو من خلال كتابات (ابن بلد) أصيل هو الراحل يحيى حقي الكاتب الكبير. كما تقدم العربي - إضافة للمحاور السابقة - العديد من قضايا الفكر والفن والأدب في سعيها الدائب لأن تكون مرآة للفكر العربي في تجلياته المختلفة, وهي تثير على صفحاتها أكثر من قضية مهمة, لعل أكثرها إثارة هو المقال الذي يقدمه سمير غريب عن أحد رموز الفكر العربي الذي يكتب تحت اسم مستعار وبقناع لغوي مستعار أيضاً, ونحن نترك لك المجال يا عزيزي القارئ لاكتشاف هذا المقال إضافة لبقية صفحات هذا العدد بما فيها من مواد شائقة.