مختارات من:

السنباطي.. راهب النغم

رتيبة الحفني

عندما نتحدث عن التراث الموسيقي. فلا بد من الحديث عن ذلك المارد الذي ملأ الدنيا الحانا. وجعل الحناجر تشدو بعذب الكلام, وحول أم كلثوم إلى أسطورة من أساطير الغناء.

بلبل المنصورة.. يغني ويلحن


عاصر رياض السنباطي عصر الأصوات الذهبية، التي لمعت في تاريخ الغناء العربي: صالح عبدالحي - منيرة المهدية - عبدالغني السيد - أم كلثوم - محمد عبدالوهاب - فتحية أحمد - نجاة علي - فريد الأطرش - أسمهان...وغيرهم. إلا أن رياض لم يضع قدرات صوته، وإمكانية أدائه في المكان الذي يؤهله للوصول إلى الأسماع. فقد فضل أن تغني ألحانه صوت قيثارة العصر السيدة أم كلثوم، التي استطاعت التعبير عن روائعه بالشكل الذي أراد هو توصيله للأسماع.

ومع قلة ما غنى رياض من ألحانه، فإنه استطاع أن يضيف إلى الغناء العربي لونًا جديدًا، وإحساسًا وتعبيرا لم يألفه المستمع من قبل. كان لصوت رياض مذاق خاص، ولون دافئ، فاق أصواتًا قوية كثيرة. حتى أننا إذا ما استمعنا إلى ألحانه بصوته، والتي تغنّى بها آخرون، يشدنا أداؤه الدافئ مثال: قصيدة «يا حبيبي لا تقل ضاع حبي من يدي» للشاعر إبراهيم عيسى، وكانت قد غنتها وردة في أواخر السبعينيات. كما غنى قبل رحيله بعض روائعه، التي غنتها صاحبة الحنجرة الذهبية أم كلثوم. وغنى رياض بمصاحبة عوده «الأطلال»، و«عوّدت عيني»، و«أقبل الليل»، و«سلوا قلبي» و«رباعيات الخيام»... أداها رياض بأسلوبه الخاص «غير المكلثم».

بدأ السنباطي حياته الفنية مطربًا، وكان أول ما غنى «نام الحمام والقمري على الغصون" من ألحان والده. كما غنى من ألحان داود حسني «أنا أعشق في زماني»، وغيرهما من الأغاني التقليدية لكبار الملحنين، إلى جانب بعض الموشحات.

وتضاربت النصائح الموجهة إليه، فهناك مَن نصحه أن يحترف الغناء، وترك التلحين، بينما جاء رأي آخر يقول إنه من الأفضل أن يدخل عالم التلحين، ويترك مجال الغناء لمن يفوقه صوتًا وشهرة، خاصة وأن صوته لم يكن قويًا كغيره من المطربين.

لم يهتم رياض بهذه الآراء، فقد كان له رأيه الخاص، وعن احترافه للغناء قال:

كنت في البداية أغني كثيرًا، وشيئًا فشيئًا وجدت نفسي أغرق في التلحين، ربما كان صوت أم كلثوم هو الدافع لهذا الاتجاه. وساعد على ذلك عدم جرأتي في مواجهة الجمهور، فأعصابي لاتتحمل الوقوف على خشبة المسرح، ولا أستطيع سماع كلمة تعليق من مستمع عندما أغني في حفلة. وحتى أتفادى الإحراج، اكتفيت بتسجيل بعض الأغاني بصوتي في الإذاعة والأفلام وعلى الأسطوانات والأشرطة.

أنا لم أعتن بنفسي كمطرب، فالمطرب له مواصفات خاصة غير موجودة في شخصي، فأنا أخاف الجمهور، ولهذا أتوارى، وأغني أمام ميكروفون في ستوديو مغلق..».

وصفت «المجلة الموسيقية - العدد السابع والأربعون - مارس 1938» صوت رياض السنباطي بعد تقديمه لحفل غنائي في الإذاعة..قالت:

«من يصغ إلى غناء رياض يدرك على الفور أن جمال صوته ليس في قوة حنجرته واتساع مداها... وإنما لطابع أدائه الحلو، وبساطة الأسلوب، والإحساس والدفء الموجودين في صوته».

وشبه بعض النقاد صوت رياض السنباطي بهديل الحمام.

اشتهر رياض في طفولته بالغناء في فرقة والده المنشد محمد السنباطي، كان في البداية يشارك بالغناء مع مجموعة المذهبجية، ثم انفرد بغناء بعض المقاطع، ثم أصبح مطرب السهرة، ولقبوه بـ«بلبل المنصورة»، حيث اكتسب الأصالة من عيون الأدوار والموشحات، التي كان يؤديها مع فرقة والده. حفظ الطفل رياض الكثير من هذه الألحان، من بينها أدوار الشيخ سيد درويش وبعض ألحانه المسرحية، التي كان يحفظ جانبًا كبيرًا منها. كما حفظ العديد من التواشيح الدينية، التي كان يؤديها مع والده في الموالد والأعياد الدينية في القرى والمدن الريفية المجاورة...

أخذت مدارك الطفل تسمو باحتكاكه بأهل الطرب، وأدائه لروائع النغم، فاستساغ الشعر الذي أوحى إليه فيما بعد أعظم ألحانه، ومنه تعلم إتقان خروج الألفاظ والمفردات، فأعطى كل حرف حقه في التلحين والأداء، وهو أمر طبيعي يعود لحفظه أجزاء كبيرة من القرآن الكريم، ونشأته في أسرة اشتهرت بأدائها للتواشيح الدينية والابتهالات.

وبعد أن اشتد عود الصغير، وانتقل للحياة بالقاهرة، بدأ يطرق باب الغناء، حيث أخذ شهرته كمطرب.

رياض المغني

ومن الأغاني التي اشتُهر رياض بأدائها بصوته بمصاحبة الفرقة الموسيقية: «فجر»، «أيها السابقي»، «أشواق»، «يا حبيب القلب يا روح الأماني»، «حكاية في الحي» و«عذابي يا منايا»، «يا نجمة في سمائي»، «نغم ساحر»، «روّعوه»، «مسرنا بعد فرقتنا»، «صلح الحبيب».

كما غنى رياض من أدوار سيد درويش: «أنا هويت»، و«ضيعت مستقبل حياتي». ولاقت كل هذه الأغاني النجاح لدى جمهور المستمعين.

ومن الأدعية غنى رياض: «إله الكون»، «ربي سبحانك دومًا»، و«لك يا حبيب الله».

وشارك رياض بالغناء في بعض الأفلام فغنى: «فاضل يومين»، و«على عودي - في فيلم حبيب قلبي».

ومن أجمل ما غنى رياض قصيدة تعتبر من أروع ما لحّن، إلا أنها - مع الأسف - لم تأخذ شهرتها، وهي قصيدة «أين حبي»، ومطلعها: ذات يوم يا حبيبي كان عصفور ينادي بالهوى أجمل زهرة». كان أول من أذاع هذه القصيدة إذاعة لندن، التي أهدتها فيما بعد إلى إذاعة القاهرة.

وغنى رياض مع المطربة هدى سلطان في فيلم «حبيب قلبي» ثلاث حوارات هي: «بتبكي ليه يا نغم»، و«اشمعنى يا ناس»، و«عندي سؤال».

وسجلت شركة «أوديون» الشهيرة للأسطوانات بعض ألحان رياض بصوته في بداية حياته الفنية، لقاء أجر زهيد جدًا.

وعن صوت وأداء السنباطي قال محمد عبدالوهاب:«لو لم يغن السنباطي غير قصيدة أشواق، لحق له أن يعد مطربًا كبيرًا».

والسنباطي يعد من تلاميذ محمد عبدالوهاب في الغناء، وهذا لا يعيب رياض في شيء، فعبد الوهاب يكبر رياض، كما أنه بدأ حياته الفنية بروائعه قبل دخول رياض عالم الفن. والمعروف عن عبدالوهاب أنه في سنواته الأولى قام بثورة موسيقية أكسبت موسيقانا ألوانًا من المعاصرة والتجديد، وكان ذلك قبل ظهور كنوزالنغم، التي خرج بها رياض السنباطي، الذي أصبح هو نفسه فيما بعد قدوة لعدد من الملحنين البارزين. كما عمل رياض عوادًا في فرقة عبدالوهاب سنتي 1933 و 1934، فاستمع إلى ألحان هذا الموسيقار الكبير وتأثر بها. ويتضح هذا التأثر في كثير من ألحان رياض، وفي أسلوب غنائه، كما تأثر عبدالوهاب بدوره بعد انتشار أعمال السنباطي البارزة بالكثير من ألحانه، خاصة بعد خروجه بروائع أم كلثوم الغنائية. وعن علاقة السنباطي بعبدالوهاب والتأثر بألحانه قال: «إن عبدالوهاب أكثر منا خبرة ودراية وممارسة. ولأن الأستاذ محمد عبدالوهاب هو الذي أوجد الروح الحديثة في الموسيقى العربية، متأثرًا بأستاذنا الكبير سيد درويش، فنحن حتمًا متأثرون بهذه الروح، ومنحازون إلى التجربة التي خاضها للوصول بالموسيقى العربية إلى أرفع المستويات».

واضطر السنباطي إلى التوقف عن الغناء في منتصف السبعينيات إثر إصابته بنوبات صعبة من الربو، اضطرته للسفر إلى باريس عام 1978 للعلاج وإجراء بعض العمليات الجراحية في أنفه، غير أن الحساسية لم تفارقه، بل تزايدت مع الأيام، مما اضطره إلى التوقف تمامًا عن تسجيل أغانيه بصوته. كما عاق هذا المرض الفنان أيضًا في ممارسته لفن «التلحين» إلى حد كبير.

الملحن الأصيل..

عن التلحين يقول رياض:

«التلحين فن هندسي، كل واحد منا يحاول أن يزيّن هذا الفن بما عنده من إبداع. التلحين هو التوليف في المقامات، والتجنيس لأنغام، ومواءمة بين تلك المقامات والأنغام، يبقى بعد ذلك جمال اللحن، ومدى تماسكه، ومدى تأثيره في السمع. وطريقتي هي أن أضع لحنًا يتسابق مع المغني، أو يقترب منه على الأقل. وهي لا تسمى طريقة، وإنما عمل متميز ومبدع، ومؤثر في النفوس. والتلحين ما هو إلا إلهام وإحساس وانفعال وتذوّق. والروح هي التي تملي على الملحن طريقته».

استوعب رياض طرائق التلحين المختلفة، استمع إلى مَن سبقوه في فن الغناء والتلحين، فاستخرج منها أروع الألحان وأعظمها.

ورياض السنباطي آخر الكلاسيكيين المبدعين، حافظ على القوالب الغنائية التي ابتدعها أساتذته، وسار عليها، إلى أن ظهرت شخصيته الفنية، فأخذ في بناء مدرسته المشتقة من جذور شجرة الأجداد.

ويعتبر رياض من الملحنين المحافظين على التراث العربي الأصيل، أضاف إليه إضافات جمالية اعتبرت مدرسة، فأدخل عليها التصور الموسيقي والانتقالات اللحنية دون الخروج عن الإطار الذي وضعه عبده الحامولي ومحمد عثمان وسلامة حجازي، ومن بعدهم سيد درويش، الذي اعتبره رياض أستاذه الأول، ومثله الأعلى في الفن. وعن التطوير والتحديث الذي أدخله سيد درويش في الموسيقى العربية قال:

«لقد كان سيد درويش - رحمه الله - أول مَن أحدث نوعًا من الانقلاب الموسيقي على كل ما سبقه من ألحان، والتي كانت تتصف بالرتابة والتكرار والتطويل الممل. ثم جئنا أنا ومحمد عبدالوهاب لنكمل خط التطوير نفسه الذي بدأه سيد درويش، يعني كلنا خرجنا من عمامة سيد درويش. كل واحد منا أخذ منه حاجة، ولكن مع احتفاظ كل منا بلونه المميز.

سيد درويش هو أستاذ الأساتذة، هو من خطط الموسيقى الجديدة، هو الذي أحدث فعلاً تطويرًا في الغناء العربي. يقولون نحن أتينا بتطوير، نحن لم نحقق أي تطوير... أين هو التطوير؟ إذا كانوا يقصدون بالتطوير إدخال الأورج أو الجيتار على الفرقة... فهذا ليس بتطوير، نحن نتكلم عن التطوير اللحني، هذا لم نحققه بعد سيد درويش».

إن هذا الكلام يعتبر تواضعًا كبيرًا من فنان مثل رياض السنباطي.

حافظ رياض على التراث التقليدي الأصيل في الموسيقى العربية. وكان في ألحانه يهتم بإثارة سامعيه، بأن ينهي جملته الغنائية بقفلة تهز المستمع من مقعده فيصيح «الله». وكان أكثر هذه الأصوات قدرة على أداء هذه القفلات صوت أم كثوم، ويظهر هذا جليًا في أدائها لقصائد السنباطي.

كان رياض يهتم بالزخارف في جمله الموسيقية، وكان يعرفها بـ«الأويمة». ويلاحظ في أسلوب تلحينه التصاعد التدريجي بالغناء إلى أن يصل به إلى الذروة، التي تلهب أكف المستمعين بالتصفيق. كان بذكائه وموسيقيته يعرف كيف يصل بالغناء إلى هذه الذروة.

استعان السنباطي في ألحانه بالآلات الغربية دون أدنى تشويه للمسار الذي ابتكره بعبقريته العربية التي أثرت أغانيه. كما استخدم الكورس في أعماله الفنية. ففي ألحانه الأولى، كان يعطي الكورس أداء المذهب، كما هو متبع في تلحين الطقطوقة، إلا أنه سرعان ما ابتدع أسلوبًا جديدا وجريئًا في استخدام الكورس مع أغاني أم كلثوم مثال «نشيد الجامعة» في فيلم «نشيد الأمل» حيث أعطى الكورس جزءًا أساسيًا في الأغنية، يتبادل فيه الغناء مع أم كلثوم.

كما استخدم الآهات المؤداة من الكورس في ألحانه، مثال المقدمة الموسيقية للحن «على عودي» أدته مجموعة من الفتيات. وفي «إله الكون» استهل رياض اللحن بكورس من الرجال. وفيها طوع الآهات للون اللحن. كذلك استخدم الكورس بشكل فني رائع في أغاني «إلهي ما أعظمك - نجاة الصغيرة» و«يا أكرم من حكم - فايزة أحمد».

ثم أخذ رياض يتفنن في استخدام الكورس في ألحانه، كما في استعراض «لحن الوفاء - عبدالحليم حافظ وشادية»، واستعراض «حبيب الروح - ليلى مراد».

واستعان السنباطي بكورال أطفال في قصيدة «الثلاثية المقدسة» في مقطع «طلع البدر علينا» في درجة صوتية تختلف عن تلك التي غنت فيها أم كلثوم.

ومن اهتمامات رياض، إدخال عنصر الإيقاع بشكل ثري في ألحانه للسينما، فخرجت هذه الأغاني من قوالبها وشكلها التقليدي إلى الحداثة والمعاصرة.

وساير السنباطي «موضة» الأورج والجيتار الكهربائي في بعض ألحانه. إلا أنه كان في استخدامه لتلك الآلات يراعي الذوق والتقنية حتى لا يخرج بطابع الأغنية من الأصالة المصرية. ومن هذه الأغاني:

«من أجل عينيك» حيث استخدم الجيتار والأورج والأكورديون. وفي قصيدة «أقبل الليل» أعطى رياض آلة الأورج دورًا أساسيًا في المقدمة الموسيقية.

تأثرالسنباطي في بعض قصائده باللون الصوفي، إلا أنها خرجت سنباطية خالصة مثال «سلوا قلبي - نهج البردة - ولد الهدى - إلى عرفات الله» لأحمد شوقي. وقد تأثر السنباطي في هذه القصائد بروحانيات المعنى، فأعرب عنها بنغم بلغ ذروة مؤثرة تهز القلوب.

أبو القصيدة:

تناول رياض تلحين جميع القوالب الغنائية العربية، باستثناء الدور والموشح، إلا أنه تفوق في تلحينه للقصيدة، حتى أطلق عليه «أبو القصيدة». وساعده على النهوض بهذا القالب الغنائي صوت أم كلثوم، وتعلقه وتفهمه للشعر العربي، وقراءاته العديدة لدواوين كبار الشعراء، فإليه يعود فضل كبير في حفظ رجل الشارع للقصائد المغناة بصوت كوكب الشرق أم كلثوم... كان رياض مغرمًا بالجري وراء الصعب، متحديًا بالوثوب بقصائده الدسمة المعاني إلى رجل الشارع. والمعروف أن القصيدة هي أصعب أنواع التلحين. لحن رياض القصائد التقليدية والقصائد الحديثة مثال قصيدة «همسات» للشاعر أحمد فتحي، وقصيدة «الزهرة» شعر محمود أبو النجا.

وعن القصيدة قال رياض:

«نحن أبناء جيل يحترم الشعر، ويعتبره الطريق الأول للموسيقى... أو التوأم، كنت أحب محمد عبدالوهاب وهو يغني قصيدة «يا جارة الوادي» و«علّموه كيف يجفو فجفا». فالشعر أرقى أنواع الأدب، لذا وجب علينا أن نكرس له أرقى أنواع التلحين، لأنه الوسيلة الوحيدة للارتفاع بالمستوى الثقافي والفني للجماهير، وهذا لن يتم إلا عن طريق الغناء الذي يعتبر ألصق الفنون وأقربها إلى نفوس الجماهير».

والمعروف أن رياض السنباطي كان في بداية حياته الفنية يؤدي بصوته بعض القصائد.

لعب صوت أم كلثوم دورًا كبيرًا في حياة رياض الفنية، فيها وجد ضالته المنشودة. وقد ساعد أداؤها لألحانه على شهرته، كما فتحت له أبوابًا يظهر فيها إمكاناته الفنية في التلحين. قدم رياض ألحانه لأم كلثوم فترة تقترب من أربعين عامًا، تخللها خصام دام حوالي سنتين، ومن الملاحظ في ألحان رياض السنباطي الأولى لأم كلثوم تأثره الشديد بأسلوب محمد القصبجي، ناسجًا على منواله، ثم بدأت شخصيته الفنية تستقل.

غنت ألحان رياض السنباطي أصوات عدة، أما الصوت الذي أعطى هذه الألحان بريقًا ذهبيًا وقيمة فنية كبيرة، فكان - بغير شك - صوت أم كلثوم. فإذا استمعت لأغنية لرياض السنباطي مؤداة بصوت غير صوتها، أحست على الفور أن ملحن هذه الأغنية ليس هو رياض السنباطي الذي استمعنا إلى ألحانه بصوت أم كلثوم. وفي ذلك يقول الناقد الفني كمال النجمي:

«ملحنان مختلفان في المقدرة والإبداع، ولكنهما ملحن واحد اسمه رياض السنباطي. يبلغ القمة حين يضع لحنًا لأم كلثوم، ويأتي بخوارق تدهش العقول. كان يفاجئ المستمعين في كل لحن كلثومي بلون من الإبداع لم يسبقه أحد إليه، ولا يستطيع أحد أن يأتي بمثله. فإذا اقتضت الضرورة أن يضع لحنًا لمطربة أخرى لم يأت بشيء من الخوارق الفنية. ولم يفاجئ المستمعين بشيء من الإبداع. ويبدو عندئذ كأنه ملحن آخر من طبقة أقل بكثير من طبقة السنباطي، لا تطاولها طبقته عند التلحين لأم كلثوم. ولعل السبب أن روحه المعنوية ترتفع عندما يلحن لأم كلثوم فينعكس ارتفاعها على ألحانه».

وتتميز أغاني رياض بسلامة تلحين الألفاظ، ومطابقة حروف مخارج الكلمات مع اللحن. كما كان يحرص في اختياره للمقامات الموسيقية العربية، أن تتناسب مع موضوع الأغنية.

ولم يكن رياض يقدم على توزيع أغانيه إلا في النادر جدًا، وكان له رأي في توزيع الموسيقى العربية قال:

«ليست كل أغنية صالحة للتوزيع. وليس كل موزع يصلح للتوزيع. فالتوزيع يحتاج إلى شخص يكون مدركًا لأسلوب التوزيع الذي يتناسب مع اللحن. الملحن والموزع لابد أن يكملا بعضهما البعض».

وكان السنباطي لا يميل إلى استخدام النوتة الموسيقية بالرغم من إجادته لها، إلا كهيكل للعمل، حتى لا يتقيد المطرب في أدائه بما تعزفه الفرقة، وحتى لا يفقد اللحن عنصر الارتجال والزخرفة. فألحان رياض يصعب تدوينها لكثرة ما تضمّ من الحليات والنوتات الصغيرة التي تقع بين النغمات. كان السنباطي يميل إلى التحفيظ، لذا كان يحضر جميع التدريبات والتسجيلات الخاصة بأغانيه.

رياض السنباطي مدرسة. ومَن أنجب طلبة هذه المدرسة: محمد الموجي - حلمي بكر - كمال الطويل - أحمد عبدالقادر وغيرهم. بدأوا جميعًا حياتهم الفنية بالسير على منهج السنباطي.

رتيبة الحفني مجلة العربي مارس 2007

تقييم المقال: 1 ... 10

info@3rbi.info 2016