تأليف: بول نيبث
عندما رأت بريندا هاموند الرجل قادماً باتجاه بيتها, حسبته لأول وهلة سمساراً أو جابياً, لكنها عادت وظنت أن مظهره أظرف وألطف من أن يكون كذلك. كان بالتأكيد بائعاً لأي شيء, ربما للعقارات, طبعا لم يعرف بأنها كانت قد استأجرت المنزل فقط, حتى ولو كانت أجرته مرتفعة جداً, ربما كان أيضا قد أخطأ الطريق وأراد أن يسأل عن الوجهة الصحيحة. لكن مشيته كانت مشية رجل يعرف مايريد. في حين شدها صوت جرس الباب من أحلامها, كانت منزعجة عندما نزلت الدرج بسرعة لأنها لم تتح لنفسها الوقت الكافي لارتداء فستان بعد طعام الغذاء.
عندما فتحت الباب تراجع الرجل قليلاً بأدب ولباقة ثم وقف مستعداً للدخول قال والابتسامة على وجهه: نهارك سعيد آنسة هاموند, اسمي لييو رويكر, من اتحاد الخدمات الخاصة.
أخذت بريندا البطاقة الاسمية من يده: واستغربت بشيء من السطحية العابرة, إذ من أين عرف اسمها!
نظرت إليه بقليل من الحيرة والارتباك قائلة: هل أستطيع مساعدتك? ورد هو: أنا في الحقيقة هنا من أجل أن أساعدك, فهل تسمحين لي بالدخول والدردشة معك لبضع دقائق?
وضحت بشيء من البرودة لم تكن لتقصدها: (مشغولة جداً, لكن يمكنني أن أفرغ بعضا من الدقائق من أجلك. ادخل من فضلك).
نظف ليو رويكر نعليه بعناية, ثم تبعها إلى غرفة الجلوس, غرفة صغيرة ولكنها مريحة.
بدأ رويكر بالقول: (لقد جئت ياسيدة هاموند من أجل أن أقدم لك حلاً لمشكلاتك).
(لا أعرف بأن لدي أي مشكلات) قالت بريندا, لكن رويكر قاطعها: (الاتحاد من أجل الخدمات الخاصة هو عبارة عن منظمة فعالة جداً, وقبل أن نحتك بأي عضو مرتقب نجري تحريات, أجل تحريات أساسية وجوهرية, دعيني في البداية أقل كل ما أعرف وبعد ذلك نقرر سويا, فيما إذا كانت لديك مشكلة أم لا, عمرك ستة وثلاثون عاماً ومازلت غير متزوجة).
(ثلاثة وثلاثون) قالت بريندا وابتسم رويكر وهز برأسه. تعيشين من ريع مؤسسة وقفية, أسسها والدك قبل أن يموت منذ ثمانية عشر عاماً, قريبتك الوحيدة التي مازالت على قيد الحياة هي عمتك الأكبر سناً, (إما) وهنا تكمن مشكلتك, فالعمة إما في عمرها المبارك الذي يناهز الرابعة والثمانين مازالت فكرياً يقظة جداً ونشطة وإن كانت جسدياً ليست كذلك, إنها تدير فندقاً ترفيهياً كبيراً, هو ملك لها وحدها ويقع على الشاطئ على مسافة حوالي مائتي ميل من هنا. كانت الوصية عليك, حتى أصبحت في الخامسة والعشرين من عمرك ولم تكن لتكف وصايتها عليك بعد ذلك, واسمحي لي أن أضيف أنها تفعل ذلك ليس من دون نجاح.
أعلنت عن خطبتك ثلاث مرات, وثلاث مرات استطاعت عمتك فسخها بالتهديد بتغيير الوصية, حاولت مرتين أن تعملي عندها في الفندق ومرتين تتخلين عن ذلك بسبب المعاملة غير اللائقة من قبل عمتك وبسبب سجاياها وطبعها المتناقض, هل ما قلته حتى الآن صحيح?)
أرادت بريندا أن تعترض ولكن حنجرتها كانت جافة ولم تقو على شيء سوى أنها أومأت بصمت, بحق السماء كيف استطاع ذلك الرجل الغريب تماما أن يعرف كل هذا عن حياتها الخاصة?
كان الأمر مريباً ومثيراً للخوف, أومأت مرة أخرى, (بغض النظر عن بعض العطايا البسيطة للأقدم خدمة في الفندق, وبعض التبرعات لأغراض خيرية, فأنت المستفيدة الوحيدة من الوصية, تبلغ قيمة الثروة الكاملة حالياً ـ سحب دفتر ملاحظات صغيرا أسود ـ ثلاثة فارق أربعة ملايين دولار, دون حساب نسبة بضعة آلاف أقل أو أكثر).
(لم أكن أدري أبداً بأن المبلغ بهذه الكثرة) همست بريندا
(أستطيع أن أحدثك بأشياء كثيرة أخرى عن عمتك إما) استمر رويكر قائلاً باطراد (لكن هذا يكفي أولاً كنقطة بداية. الحل المتوافر لدينا, هو أن تنتهي حياة عمتك بهدوء ودون مسببات كثيرة, إذا كنت توافقين على ذلك, فبالإمكان تسوية الأمور لصالحك).
حدقت به بريندا (يالها من فكرة مرعبة, يا إلهي, أنت لست أكثر من قاتل محترف!).
(أنا رئيس اتحاد الخدمات الخاصة آنسة هاموند, ما أقترحه ربما كان فكرة مرعبة, لكنك أنت بالذات كثيراً ما أضمرتها, فقط لم تكن لديك الشجاعة أبداً لتنفيذها, أو أنك وبكل بساطة لم تكوني في وضع يؤهلك لإيجاد الوسيلة دون أن تلفتي الأنظار إليك, إذا وافقت على شروطنا, وأنا متأكد من أنك ستفعلين فإن حادثاً (حادث سيارة) سيحصل, في وقت تكونين أنت تمضين إجازة فيه على بعد آلاف الأميال, ولنقل في المكسيك أو ربما جزر الباهاما, لم نقرر ذلك بعد).
كان طبعاً على حق, قالت بريندا في نفسها, فكم من مرة راودتها فكرة أن تدفع بالوطواطة (الخفاشة) العجوز إلى أسفل الدرج, حتى أنها ذهبت مرة إلى المكتبة, لتجمع معلومات حول المواد السامة, بأمل أن تجد سماً ناقعاً لايترك أي أثر, لكن كل هذا لم يكن حقيقياً ولا قابلاً للتنفيذ.
(لنفترض أني أوافق على هذا الاقتراح غير المعقول) تساءلت بريندا, (فكم سيكلفني هذا?)
(رسم الانتساب للعضوية قليل جداً, لن يتجاوز في حالتك نصف بالمائة من الميراث, يعني سبعة عشر ألف دولار)
(إذن لامجال للمناقشة) قالت بريندا (فأنا حالياً لا أستطيع تجميع مثل هذا المبلغ إطلاقاً).
(هذا واضح لدي, آنسة هاموند, وبالفعل فإن حسابك الجاري في البنك كان البارحة مساء وقبل إقفال الصندوق مائة وستة وثلاثون دولاراً وبعض السنتات, لكن رسم الانتساب عندنا سيصبح نافذ المفعول بعد حصولك على الميراث, وبالإضافة إلى ذلك سندفع لك سلفة من أجل تغطية نفقات الإقامة خلال قضاء إجازتك, حيث تنتظرين وصول البرقية المؤسفة بوفاة عمتك الكبيرة).
(إذا كنت أفهمك بشكل صحيح, فإنك تريد أن تقرضني النقود لكي أستطيع أن أعمل إجازة ويكون لدي إثبات بعدم الوجود هنا أثناء وقوع الجريمة, ولاتريد أن تطلب مني أي أقوال قبل حصولي على الميراث?)
(بالضبط, ولكننا نطالب, قبل ذلك ببادرة حسن نية)
(أي بادرة)؟
هز رأسه ثانية وابتسم: (سأقول لك ذلك, عندما أسمع جوابك) فكرت بريندا بسرعة, لابد أن تناقش الموضوع مع الدكتور ريتشاردسون, كان الدكتور ريتشارد سون طبيبها النفساني, منذ أكثر من عام وهي تتردد عليه بانتظام, مرتين في الأسبوع, حتى أنها أغرمت به قليلاً, كان اتخاذ القرار دائماً أسهل عليها بكثير, عندما كانت تناقشه معه, لكنها كانت تعرف بأنه اليوم مسافر, ولن تستطيع التوصل إليه, ألم يوصها دائماً أبداً بأن تحاول الاعتماد على نفسها وتقف على قدميها? إذن ستتخذ قراراً خاصاً بها ثم تخبره به بعد ذلك. لا, إذا هي فكرت في الأمر ملياً, فيجب على المرء أن يحتفظ لنفسه ولو بسر واحد على الأقل, حتى تجاه طبيبه النفسي الخاص.
(عرضك مغر جداً, يا... هم).
(إذن أنت موافقة).
(لا, كيف يمكن أن أوافق على عملية اغتيال قاسٍ, بلا رحمة من تظنني أن أكون?).
(أعتقد بأنك سيدة شابة ولطيفة دمرت حياتها من قبل امرأة عجوز, أنانية, طماعة وبخيلة, واهنة وفي أرذل العمر, أصبحت عبئاً على من حولها, جعلت حياة كل إنسان من حولها أمراً لايطاق من خلال عدوانيتها وطلباتها الأنانية, هي بحد ذاتها ليست سعيدة وتريد أن ترى الجميع غير سعداء أيضاً, وإذا قام أحد ما بوضع حد لوجودها البائس التعيس, الذي نسميه الحياة, فإنه سيسدي بذلك معروفا لها ولجميع من يعرفها).
(أجل, أعتقد بأنك على حق في هذا).
لم يعقب رويكر على ذلك , لكن تعابير وجهه كانت تقول بوضوح إنه كان دائما على حق.
هو في الحقيقة ليس اغتيالاً وحشياً, قالت بريندا في نفسها, بل هو تسريع لقضية طبيعية, لعل من العجب على أي حال أن العمة إما, بمفاصلها الملتهبة, لم تقع قبل سنوات على الدرج, خلصت بريندا إلى القول إن الأمر سيكون ببساطة عبارة عن حادث ثم نظرت إلى رويكر بحزم وقالت: (حسن)
(أؤكد لك, انك لن تندمي آنسة هاموند, لقد اتخذت قراراً حاسماً ومتعقلاً جداً).
(ماهي إذن بادرة حسن النية, التي تطلبها مني?)
(اليوم مساءً وفي الساعة السابعة والنصف, تذهبين بشعر مستعار (بروكة) وثياب تحصلين عليها مني إلى بار معين (كوكتيل), تجلسين هناك إلى جانب رجل, سأصفه لك لاحقا وتسقطين في كأسه حبة, ثم تذهبين ثابتة).
هذا كل شيء؟
هذا كل شيء
اذا بشأن الحبة? هل هي سامة?
(طبعا لا, ولكنها تحتوي على منوم قوي, يجب أن نشل حركة هذا الرجل لبضع ساعات, لكي نؤمن الدليل والبرهان بذلك لعضو آخر من اتحادنا, لايمكن أن أقول لك الآن أكثر من ذلك, خلال يومين سآتي إليك ثانية, وستكونين في باهاما قبل عطلة نهاية الأسبوع, وعندما تعودين, تكون مشكلتك قد حلت).
بحلول المساء, وعندما ارتدت بريندا ملابسها من أجل الذهاب للموعد استغربت, كيف كانت البروكة الحمراء التي تخفي تحتها شعراً يصعب وصفه, والبدلة ذات البنطال الأخضر مناسبة جداً لها, كانت ترتجف اضطراباً وقلقاً عندما انتهت من تجهيز نفسها لما دعته في افكارها بـ (مغامرة بريندا الكبرى).
كانت تشعر وهي تتأمل نفسها في المرآة ومعجبة بنفسها, كأنها تقف أمام سيدة من طراز عالمي, كأنها ماتا هاري عصرية.
آه, لو كان بإمكان الدكتور ريتشارد سون أن يراها الآن فقط?
لم تواجه أي صعوبات في إيجاد بار (الكوكتيل) والتعرف على الرجل.
كان يجلس على مقعد صغير مرتفع دون مسند وأمامه كأس مارتيني, يرتشف منه جرعة بين الحين والآخر, وعندما تسلقت بريندا على المقعد الذي بجانبه, رمقها بنظرة قصيرة ثم أشاح بوجهه عنها بسرعة, وأشعل لنفسه سيجارة بقداحة ذهبية, وكان يضع باكيت السجائر والقداحة على البار أمامه. وضعت بريندا محفظتها اليدوية بجانب القداحة والباكيت وطلبت (واحد) شيري.
نظرت بريندا إلى من حولها على البار وهي ترتشف الشيري, كان وقت ازدحام الضيوف الخفيف, الذين يؤمون الحانة عادة بعد انتهاء الدوام لتناول المشروب قد ولى ولم يحن بعد وقت مجيء الضيوف لطعام العشاء, كان رجلان يجلسان في نهاية البار الأخرى, يتشاجران في حديث حار عن كرة السلة, وكان المشرف على البار يشارك في الحديث من وقت لآخر, لم يكن يجلس إلى الطاولات الأخرى في الحانة سوى زوجين (أربعة أشخاص) في ذلك الوقت.
اختارت بريندا اللحظة التي كان مشرف البار منشغلاً فيها بتعبئة الكئوس للمتحمسين للعبة كرة السلة في الطرف الآخر من البار, كتوقيت مناسب للبدء بعمليتها, كانت تخفي الحبة في يدها, ارتشفت الجرعة الأخيرة, وضعت الكأس, أخذت محفظتها ولوحت بها نازلة عن الكرسي, كنست بالمحفظة القداحة وسجائر جارها وأوقعتها على الأرض.
أوه, آسفة جداً.
لا بأس رد الرجل قائلا , برغم أن نظرته كانت تقول (يالك من غبية).
وفي الوقت, الذي نزل فيه عن مقعده ليلتقط أشياءه وضعت بريندا الحبة في كأسه.
كان لديها توجيه بمغادرة البار فورا بعد ذلك لكن تخيلها بأنها ماتاهاري أمسك بها فظلت واقفة, لم تكن في وضع تستطيع معه الخروج دون أن تعرف نتيجة عمليتها السرية, وهكذا بقيت واقفة, مسحت يدها على بنطالها, رتبت تسريحتها ونظرت إلى ما حولها, لم يلاحظ أحد أي شيء حتى الآن. كان الرجل قد صعد إلى مقعده ثانية, وظلت بريندا واقفة مترددة وحائرة, ولم يبق أمامها سوى أن تذهب باتجاه الباب, خطت بريندا عبر الحانة بمرونة تتمايل وتهز ردفيها في مشية كمشية القطة, تلك المشية التي يجب أن تكون ماتا هاري قد أبدتها عدة مرات, لم تكد تضع يدها على مقبض الباب, حتى صرخ الرجل بصوت عال, كانت أكثر من صرخة, كان عويلاً عنيفاً, مرعباً, جعل بريندا تتجمد في مكانها, نظرت إلى الرجل, وكاد قلبها أن يتوقف, قلص الألم وجهه وشوه منظره, كان منظراً لم تر بريندا مثله من قبل, وكانت تأمل ألا تراه ثانية في حياتها أبداً, تدلت شفتاه عن أسنانه المصفرة من التدخين, وكانت فتحتا أنفه ترتجان وعيناه واسعتين متفجرتين وكأنهما تكادان تسقطان, ثم انتهت الصرخة فجأة كما بدأت وسقط الرجل عن المقعد وخرجت بريندا مسرعة ملهوفة مذعورة. كانت ليلة مرعبة بالنسبة لبريندا هاموند, عادت إلى البيت دائخة, خلعت البروكة وشدت البنطال بعنف إلى الأسفل, ورمت بهما إلى أعمق زاوية داخل خزانة ملابسها, وبعدما أدركت أبعاد ما اقترفت يداها بالكامل, داهمتها موجة هيسترية من التشنجات المقرونة بالصراخ والعويل, ابتلعت قرصين من الحبوب المهدئة مع كأس ماء كان مليئاً بالكحول (شتابس), ولكن هذا لم يساعدها كثيراً أيضاً, فقد أوقع بها أحدهم, جعلها تعتقد بأنها ستناول إنساناً نائماً قرصاً منوماً فقط, في حين كانت تلك الحبة في الحقيقة سماً زعافاً قاتلاً!
وأصبحت الآن مجرمة تتحمل جناية القتل الوحشي لإنسان, لرجل لم يسبق لها أن رأته في حياتها من قبل.
حاولت أن تنسى وجه ذلك الرجل باحتسائها ماتبقى في زجاجة الشتابس, لكنه بقي بكل تقاسيمه المرعبة ماثلاً في ذاكرتها, سهت مرتين في الليل ومرتين فاقت على صوت صرخة مرعبة, لتتأكد من أنها هي التي كانت تصرخ بهلع ورعب, كانت في صباح اليوم التالي منهكة تماماً جسدياً ونفسيا كانت فارغة مثل زجاجة الشتابس, التي كانت تحاول أن تعزي نفسها بما فيها من المشروب, حاولت الاتصال بالدكتور ريتشاردسون عدة مرات لكن القائم على العمل بالنيابة لم يشأ أو لم يرد أن يقول لها أين كان في الساعة العاشرة. اتخذت القرار, قراراً كانت طيلة الوقت تعرف بأنها يجب أن تتخذه أن تذهب إلى الشرطة وتتحدث إليها عن ذلك الإنسان, الذي راودها وخدعها, يجب أن تخبر الشرطة عن اتحاد الخدمات الخاصة الذي لم يكن في الحقيقة سوى اتحاد لممارسة القتل والاغتيال بالتبادل (على قاعدة من المصلحة المتبادلة : قبل أن يتم الاغتيال من أجلك, يجب أن تغتال بنفسك وهذا كان ثمن تلك الفعلة الشنيعة).
بعد وقت قصير من ذلك, كانت بريندا هاموند تجلس أمام الرقيب ديف ساوندرز من هيئة التحقيق في جرائم القتل, مبلبلة الأفكار جداً, مكسورة الجناح استمع لقصتها, طرح عليها بعض الأسئلة ومن ثم حاول التخلص منها, لكنها كانت جامحة وعنيدة فاستسلم أخيراً, تركها تحت إشراف إحدى الحارسات وذهب إلى مكتب الملازم.
(عندي في الخارج أحد ما يخرف) قال الرقيب (يطلب الاعتقال بسبب حادث اغتيال بحامض البروسيك (مادة سامة), ذلك الحادث الذي كان لدينا البارحة في وسط المدينة لايترك فرصة للتحدث معه, ويصر على أن نرفع دعوى بالقتل).
(هل هناك أي احتمال في أن يكون هو الجاني?) سأل الملازم.
(لايوجد أي احتمال إطـلاقاً, والأمر لا يـتعلق بـ (هو), بل بـ (هي), تزعم أنها تزينت بزي امرأة غامضة في لباس أخضر, وهي المرأة التي تكتب الصحف عنها, قصتها مربكة ومحيرة نوعاً ما, لأنها مضطربة جداً من جهة, خائرة, محطمة النفس من جهة أخرى.
لكن, وحسب ما فهمته منها: يبدو أن هنالك رجلا ما كانت قد رأته من قبل, حدا بها إلى اقتراف جرم بالقتل نظير قتل عمتها.
(وهل قتلت عمتها?).
(لا أعرف وبصراحة فإنني أشك في أن لديها عمة)
(حسن, سأتكلم معها, وتحقق أنت في هذا الوقت, فيما إذا كان لديها عمة, وأن تلك العمة قد توفيت منذ وقت قريب, أدخلها).
فتح الرقيب ساوندرز الباب وأومأ إلى الحارسة والشرطية فأحضرتا المرأة المنتحبة المترنحة إلى الداخل, وقال لها: (آنسة هاموند, لقد أبدى الملازم اهتماماً كبيراً بما حدثته به عنك, ويريد أن يسمع قصتك بنفسه وبكل طيبة خاطر, اجلسي بهدوء وقصي عليه ما حصل بالضبط).
أخرجت بريندا محرمة من محفظتها, وربتت بها على عينيها المتورمتين المحمرتين,ثم حاولت بمزيد من الجهد استعادة سيطرتها على نفسها ونظرت في وجه الرجل الجالس خلف الطاولة.
فجرت عينيها مرتعبة, تدلى ذقنها إلى أسفل وصرخت من جديد (هذا هو) وشهقت باكية وهي تقول: (هذا هو الرجل الذي راودني, ودفعني إلى ذلك. هو الذي أعطاني السم والملابس, هو الذي دفع بي إلى ذلك).
رفعتها الشرطية والحارسة: ودفعتا بها إلى الخارج
(آسف) قال الرقيب, لم تكن سيئة بهذا الشكل قبل قليل, كانت فقط حائرة ومضطربة.
ورد الملازم قائلا: (حسن, ياديف, تعرف ماذا يجب عليك أن تفعل, كن على صلة بأسرتها وأصدقائها, وتأكد فيما إذا كانت تخضع لمعالجة نفسانية, وإذا لم يكن لها أسرة فتوجه إلى السلطات المختصة, فإنها تبدو لي جاهزة للإحالة, ولكن هذا ليس من عملي, اذهب الآن لتناول الطعام, ولا أريد أن أراها هنا عندما أعود).
أخذ الملازم ليو رويكر قبعة ومعطفاً وغادر المخفر وعلى بعد بضع بنايات قليلة دخل إلى إحدى كابينات الهاتف واتصل بالدكتور ريتشاردسون على رقمه الخاص الذي لم يكن موجوداً في دليل الهاتف.
لم تنجح الخطة بالضبط يا جيمي, لقد جمعت هاموند الغبية نفسها وأتت إلى المخفر, لكي تدلي باعتراف).
(أوه, لا. كنت متأكداً من أن الأمر وصل معها إلى هذا الحد, أجل, لايمكن أن نربح كل لعبة, على كل حال حصلنا على نتيجة جيدة حتى الآن, كم هو سيىء الوضع?)
(سيىء بما فيه الكفاية, أنا الآن في الطريق لكي أحضر البروكة والبدلة من بيتها, كم يكون جيداً لو أن خططك وملاحظاتك تبرهن على أنها كانت تقف على عتبة التسليم).
ستفعل, ياليو, أعطني مهلة ساعة فقط, على فكرة, لقد تحدثت اليوم صباحاً مع رجل شاب واعد جداً, يكره زوجته بحماس صادق, لكنه لايجرؤ على تركها لأنها هي التي تضع يدها على النقود. يدير كازية كبيرة في مشارف المدينة, وفكرت في أنه ربما كان مفيداً جداً, من أجل أن يتلاعب في مقود أو كوابح سيارة ذلك الذي يدعى جارميشيل.
فكرة جيدة, ياجيمي, أخبرني عندما يحين الوقت لإجراء حديث معه.
أشار ليو رويكر إلى إحدى سيارات التاكسي وأعطى السائق عنوان بريندا هاموند.