تستقي وسائل الإعلام العربيّة بعض الكلمات العربيّة من الإعلام الأجنبيّ، ومعروف أنّ الاسم، ولاسيّما اسم العلم، لا يتبدّل في اللغات الأجنبيّة بمقتضى الإعراب، وإذا تبدّل فبمقتضى نحو تلك اللغات وليس بمقتضى النحو العربيّ، فتجيء الكلمات العربيّة في إعلامنا أعجميّة؛ وبدل أن يأخذ الأجانب لغتنا عنا نأخذها نحن عنهم، وهذه مفارقة مبكية مضحكة. وربّما أخذنا عادةَ بناءِ الأسماء عنهم فبنيناها تطوّعًا، وكأنّ القاعدة أن تبنى الأسماء دائما. صحيح أنّهم ينسبون إلى ثعلب تجويزه منع جميع أسماء العلم من الصرف، ولكنّه رأي فرد، ولا يشمل الاسم المضاف مثلًا، وهو ما يكثر الخطأ فيه.
ومن ذلك أنّ الإعلاميّين والمتأثّرين بهم قد درجوا على ذكر اسم أسامة بن لادن، مثلا، بالطريقة الأجنبيّة: بِنْ لادن، أو بَنْ لادن؛ وقد بيّنا في مقالة سابقة أنّ كسر باء «ابن» وتسكين نونها من الأخطاء الشائعة في لغة الناس، والظاهر أنّ الأجانب أخذوا ذلك عن بعض العامّة أو بعض من لا يتقنون العربيّة، وربّما كتب أبناء لادِن أسماءهم في الوثائق الأجنبيّة على تلك الصورة؛ لكنّ الغريب أنّ الإعلاميّين يحذفون همزة ابن، في ابن لادِن وغيره، ولو كانت ابن غير متوسّطة لعلمين، مع أنّ العامّة أنفسهم يلفظونها في أحاديثهم فيقولون: ابن فلان، بتحقيق الهمزة، فكيف يسمح الإعلاميّون لأنفسهم بحذفها؟ وقد سبق القول إنّ الصحيح هو لفظ ابن الواقعة بين علمين هكذا: بْنُ أو بْنَ أو بْنِ، وفق محلّ الكلمة من الإعراب، ونزيد هنا أن الهمزة تثبت في غير ذلك: ابْنُ، ابْنَ، ابْنِ، ولا يقال «بِنْ» أبدا.
ومن ذلك أنّ بعض المذيعين أو المتحدّثين، بصورة عامّة، يحاولون أن يرفعوا اسم «حزب الله» و«نصر الله» بضم الباء والراء، في كلّ الأحوال، وكأنّهما اسمان مبنيّان؛ والحقيقة أنّ كلاًّ منهما معرب مصروف، مثل «عبد الله»، ويخضع لموقعه في الجملة؛ وذلك لأنّ المضاف لا يبنى ولا يمنع من الصرف؛ وهو ككلّ الأسماء يرفع في مواضع عشرة يعرفها أهل الاختصاص؛ وينصب في خمسة عشر موضعا؛ ويجرّ إذا سبقه حرف جر أو مضاف، أو كان تابعا لمجرور.
ويحاول بعضهم، ومنهم علماء دين، أن يشدّدوا القَسَم بالله، أو يؤكّدوا اللعنة، فيشبعوا كسرة الهاء في القسَم «واللهِ» ويشبعوا كذلك ضمة الهاء (التاء المربوطة) في قولهم :«لعنةُ الله»، وهذا مكروه لأنّه أوّلا غير عربيّ، بل مخالف لقواعد التجويد، ولعلّه من أثر اللغة الفارسيّة؛ ولأنّه ثانيا يُلبس لفظ الجلالة بكلمة اللاهي. صحيح أنّ تفخيم اللام في اسم الجلالة يميزه من تلك الكلمة، لكن اللام ترقق إذا كان القسم بالباء، نحو قولنا: «أقسم بالله». وفي كل الأحوال فإنّ العرب لا تشبع كسرة الهاء في لفظ الجلالة، إلاّ في حالة نظريّة واحدة نستبعد حدوثها، هي وقوع تلك الهاء في قافية بيت شعريّ؛ كما أنّها لا تشبع الضمة في عبارة «لعنةُ الله» لأنّها لا تَمُدّ الحركة أبدًا قبل همزة الوصل، سواء كانت الكلمة اسما مضافا أو ضميرًا أو غير ذلك، بل تختصر حتى حرف العلة في هذه الحالة، وهو في الأصل ممدود، فتجعله حركة قصيرة، فتقول مثلا : أبو الرجل (= أبُ رَّجُل) وزاروا البيت (= زارُ لْبَيتَ)؛ والسبب في ذلك أنّ الحركات الطويلة (حروف العلة والحركات المشبعة) هي بمنزلة الحروف الساكنة، وهمزة الوصل لام ساكنة، ولا يلتقي في العربيّة ساكنان.
ومما يستعجم به بعض العرب جهلًا، لفظهم الواو في «عمرو» وتشديدهم الراء في «ضرار»، ويكثر اليوم ورود هذين الاسمين في الإعلام، لكون الأوّل اسم الأمين العامّ لجامعة الدول العربيّة، والثاني اسم السفير المصريّ في لبنان. وبيان ذلك أنّ أكثر اللبنانيّين، ومنهم مذيعون وصحفيّون وسياسيّون، يلفظون اسم «عمرو» مرفوعا دائما وبواو ممدودة، وكأنّ الواو من أصل الكلمة؛ والحقيقة التي يعرفها أهل العلم أنّ العربيّة تخلو من أسماء آخرها واو ممدودة، وأنّ الواو لا تُمدّ إلاّ في الأسماء الستة حين تضاف، أي حين تصبح في تركيب يشبه الكلمة الواحدة، فتقع الواو في وسطه، نحو: أبوه، وأبو فلان، وأنّ أسماء العلم العربيّة المنتهية بواو ممدودة إنّما هي أسماء أعجميّة، تركيّة أو كرديّة أو أوربيّة أو غير ذلك، أو هي أسماء تحبّب عاميّة، وأنّ الواو في «عَمْرو» زائدة للتفريق بينه وبين «عُمَر» بضمّ العين وفتح الميم؛ فهي واو غير ملفوظة، وتحذف في حال النصب، نحو: سمعتُ عَمْرًا؛ ولذلك يجب اعتبارها كغير الموجود، فيقال: عَمْرٌ، وعَمْرًا، وعَمْرٍ. والمصريّون وعرب آخرون يلفظون اسم «عمرو» بصورة صحيحة لكثرة المسمَّين به عندهم. والحقيقة أنّه صار ضروريا حذف تلك الواو، بعد تقدّم الطباعة واستسهال وضع الحركات والسكون على الأحرف، مثلما استغنينا من قبل عن الواو الزائدة في كلمتي «الحياة» و«الزكاة» وأثبتنا الألف الطويلة فيهما. وحبذا لو تتجرّأ وسائل الإعلام المكتوب فتحذف تلك الواو وتثبت الفتحة والسكون على العين والميم، أو تثبت السكون على الأقل، فتجنّب القراء والمتكلّمين بعامّة ذلك اللبس.
أما «ضرار» فكثير من المذيعين اللبنانيّين يجعلونه ضَرّارا، بتشديد الراء، أي كثير الضرر؛ وهو ممّا لا يقع فيه إنسان عربيّ الثقافة، لأنّ الاسم هو ضِرار، بكسر الضاد وتخفيف الراء؛ وأصل معناه: المضارّة، من ضارّ مُضارّة وضِرارا، وهو يدلّ على المشاركة في الضرر أو تبادله، مثله في ذلك مثل: قاتل مقاتلة وقِتالا. صحيح أنّ الكلمتين من أسرة واحدة، لكنّ العرب، في ما نعلم، لم تسمّ إلاّ بالثانية، كما في حال الصحابيَّيْن ضِرار بن الخطّاب، وضِرار بن الأَزور. أمّا لماذا كان العرب يسمون بمثل هذا الاسم فلأنّهم، في ما يزعمون، كانوا يدْعون أبناءهم، أحيانًا، بما يدلّ على الكيد لأعدائهم وتمنّي الظفر بهم، مثل غالب وظالم وغارم ومقاتل، إلخ.