مختارات من:

الحب من أعلى الجبل

شوقي بغدادي

شعر

أحبك..
أعرف أني أخاطر بالفسحة الباقية
وأعلم أن مسافتها قفزتان
على حافّة الهاوية
وأنّي لا أستحق سخاء كرومك هذا
ولا أستطيع احتمال مسرّاتك الطاغية
ولكنني حين أجثو على ركبتيّ
أصلي صلاتي التي تجهلين
أراني أولد بين يديك
فيكتنز القفر بالماء والعشب
والبحر بالجزر النائية
***
أحبّك..
أعرف أن مقارنتي لا تصحّ
وأن الينابيع ليست بلون المصبّ
وما في ذرى الفجر
ليس كما في وهاد الغروب
وأنك حين تهلّين
تأتين بالمعجزات التي لا تصدّق
إلا بما يكذب الشعراء به
وأنا لم أكن مرة بالكذوب
جميع الكلام قليل عليك
فكيف تصحّ مقايضتي
أنت لون الحقيقة
طافحة بالدماء النقيّة
والكلمات التي نقتنيها احتمال بعيد
وتنويعة للشحوب
ولكنني أستعين بطهرك
لا لأرمّم ما لا يرمّم
بل لأسدّ الثقوب
وما بين عتمة خوفي
ووهج الشجاعة
يولد شيء غريبٌ
يعيد صياغة ما لا تُعاد صياغته
في القلوبْ
وعندئذ لا أقول: أحبّك
بل ستقول الجروح التي اندملت
والخطوط التي بقيت في رسوم الندوب
***
تأخّرت..
ضيّعت وقتي..
وحين وصلت
رأيتك وحدك في صالة الانتظار
ولم يك في لوحة الواصلين شعاع
ولا نأمة فوق أرض المطار
وحين تقدّمت منك
عرفتك فوراً
وكنت أراك لأوّل مرّة
وحين مددت ذراعيك نحوي
وعانقتني
لم أجدْ فرصة للبكاء
ولا للسقوط على الأرض
كان احتضانك يكفي
لأصعد نحو المجرّة
فأين قرأت المواعيد
كيف عرفت
بأن الذي سوف يأتي سيأتي
وقد غادر الكلّ
الأصدقاء
وأهلي
ولم يبق إلا رجال الجمارك
والمخبرين الصغار
ألم يسألوك لماذا تركت دمشق
وجئت إليّ?
ألم يزعجوك?
إذن لم تبال
إذن سوف أركبُ قربك سيارة
في انتظاري
تقودينها أنت
سوف نمرّ على ما تبقى من النهر
كي يتأسّى بنا
نقول له: لا ترع
سوف ترجع يا بردى
ذات يوم كما كنت
حين يعود المعين القديم
وعشّاق ذاك الزمان المضيء
فنحن من الليل عند السرار
ونصعد من بعد في قاسيون
إلى أن يشار لنا بالتوقّف
يكفي هنا
المدينة غارقة في سراب الغبار
هناك أراني صرت قريباً من الموت
من أن أكون على صهوة
ثم أرمي بنفسي لأولد ثانية
عاشقاً لا يدانيك
إلا إذا صار أقوى على الانتحار
***
أحبّك..
أصرخ في الجبل المستفزّ
وفي البلد المستكين
من القمّة الباذخة
تردّ الشعاب عليّ
وجمع من الحرس الوطنيّ
بإطلاق نيرانهم في الفضاء
كأنّ احتفالاً تفجّر مثل البراكين
ثم تدفّق نحو المدينة
فاستيقظت صارخة
تُراني صرتُ جديراً
بما قلت للصخر والعشب والريح
والأوصياء على الذروة الشامخة ْ

شوقي بغدادي مجلة العربي سبتمبر 1999

تقييم المقال: 1 ... 10

info@3rbi.info 2016