مختارات من:

باراسايكولوجيا أم بارانورمالوجيا ؟ - ظواهر خارقة أم خوارق للعادات ؟‍‍

جمال نصار حسين

صار للخوارق علم ينبغي أن نتعامل معه بانفتاح، وبرصانة، وبروح نقدية أيضا.

إن التعمق في دراسة عالم الظواهر الخارقة تطلب ضرورة التنازل عن اسم الباراسايكولوجيا وذلك لقصور هذا المصطلح عن استيعاب ما يحدث في الظاهرة الخارقة عموماً. وهذا هو السبب الرئيسي وراء ضرورة توجيه هذه الدعوة لتأسيس مصطلح جديد هو (علم خوارق العادات أو البارانورمالوجيا) ليكون هو العلم الجديد الذي هو بحق وسيلة الإنسان الوحيدة للولوج إلى عالم جديد بظواهره غير المألوفة وظواهره المألوفة من بعد القيام بالنظر إليها من زاوية جديدة مخالفة لزاوية نظر العلم النظري المعاصر بمنظومته المعرفية القائمة على التفسير الإلحادي لظواهر الوجود.

إن أول ما يتوجب على هذا العلم الجديد أن يتقيد به هو ضرورة الابتعاد عن كل ما من شأنه أن يجعل منه نسخة أخرى للباراسايكولوجيا بصيغتها الحالية. فلا بد وأن يقوم هذا العلم بوضع ضوابط منهجية جديدة تحول دون وقوعه في ذات الأخطاء التي جعلت من باراسايكولوجيا أواخر هذا القرن علما زائفاً بعيدا كل البعد عن كل علم من علوم العصر!. لقد كان على السايكولوجيا (علم النفس) أن تنجب الباراسايكولوجيا لتقوم بدراسة الظواهر غير المألوفة وذلك على قدر تعلق الأمر بالجوانب السايكولوجية لهذه الظواهر إن وجدت. ولكن السايكولوجيا، ومع الأسف الشديد، لم تكن هي الأم التي قامت بإنجاب الباراسايكولوجيا وذلك على الرغم من تشدق هذه الأخيرة بأنها الابنة البارة بوالدتها السايكولوجيا! فالباراسايكولوجيا تحاول إلصاق نفسها قسراً وعنوة بعلم النفس وذلك عن طريق قيامها بتفسير الظواهر الخارقة، التي شغلت نفسها بها، وفقا لما تقول به النظريات السايكولوجية. وهي بذلك تظن، واهمة ولا شك أنها قد نجحت في محاولاتها لإثبات بنوتها وصلتها بعلم النفس. لكن البارا سايكولوجيا كانت قد ولدت من رحم آخر ألا وهو رحم الدراسة المختبرية التي كان يقوم بها باحث مختص بعلم بيولوجيا النبات هو (جوزيف راين) في مضمار بعض القابليات البشرية الخارقة. لم يكن اختيار راين موفقا لمصطلح الباراسايكولوجيا ليصف به (العلم الجديد) الذي أراد له أن يقوم بدراسة قابليات خارقة تتجلى في ظواهر الإدراك بغير وساطة الحواس المألوفة وظواهر (التحريك النفسي للأشياء). لقد كان على راين أن يقوم باشتقاق مصطلح لا علاقة له بعلم النفس وذلك لتكون (للعلم الجديد) القدرة على السير في الأرض الجديدة بحرية واستقلالية تبعدانه عن أي محاولة لفرض الوصاية على ظواهره الجديدة من قبل نظريات السايكولوجيا التي أصبحت بموجب التسمية الباراسايكولوجية لهذا العلم الجديد، أماً له على الرغم من عدم حملها به! ولكن لماذا اختار راين تسمية الباراسايكولوجيا ليصف بها عمله الجديد؟. لقد توهم راين بظنه إن علم النفس هو العلم المختص بدراسة القدرات البشرية إدراكية كانت أم تحريكية. لذا كان عليه أن يعزو ما رآه في ظواهر الإدراك بغير وساطة الحواس الخمس وظواهر (التحريك النفسي للأشياء) إلى وجود قدرات غير تقليدية للنفس البشرية تستدعي بالضرورة إيجاد فرع جديد لعلم النفس يعنى بدراسة هذه القدرات غير السايكولوجية! ولكن من قال بأن علم النفس (السايكولوجيا) هو حقا علم دراسة القدرات البشرية التقليدية حتى تكون البارسايكولوجيا هي علم دراسة القدرات البشرية غير التقليدية؟! إن دراسة إدراك الأشياء وتحريكها، ليست قصرا على علم النفس حتى كون (ما وراء علم النفس) هو العلم المختص بدراسة (ما وراء القدرات التقليدية) على الإدراك والتحريك! فالطب، بعلومه المتعددة والفيزياء وعلم النفس شركاء كلهم جميعا في دراسة هذه الظواهر وذلك من دون أن تكون هنالك وصاية تفرض عليها من قبل أي من هذه العلوم. إلا أن راين لم يدرك هذا عندما قام بنحت مصطلح الباراسايكولوجيا في محاولة فاشلة منه لتعريف العلم الذي ينبغي تأسيسه ليقوم بدراسة ظواهر الإدراك غير التقليدي والتحريك غير المألوف للأشياء. إذا لم تكن تسمية البارسايكولوجيا لتدل على المسمى الذي برز للوجود بدراسة راين لهذه الظواهر الخارقة! فلقد اكتشف راين جانبا من واقع غير مألوف سبق لآخرين الوقوع على جوانب أخرى منه، إلا أنه لم يحسن صياغة المصطلح الذي يصلح لوصف العلم الجديد الواجب تأسيسه لدراسة هذا الواقع غير المألوف. كانت هذه إذن خلاصة موجز لظروف نشأة الباراسايكولوج يا كتسمية خاطئة أريد لها أن تكون الاسم الدال على هذا العلم الجديد! لقد أخطأ راين، الذي تبعه في هذا الخطأ آخرون كثيرون يتعذر حصرهم، حين ظن بعلم النفس الجديد الذي أراد أن يكون من رواده القدرة علي الإحاطة المعرفية المطلقة بالظواهر الخارقة التي كانت محور دراسته المختبرية. فعلم النفس عاجز عن فرض وصايته المعرفية المطلقة على أي ظاهرة من ظواهر السلوك البشري حتى يكون لعلم النفس الجديد (الباراسايكولوجيا) هكذا وصاية مطلقة على ما هو خارق للمألوف من هذه الظواهر! إلا أن البارسايكولوجيين نهجوا في دراستهم للظواهر الخارقة التي اهتموا بها نهجا أملته عليهم هذه الاعتقادات الباطلة والتي سولت لهم إبعاد كل العلوم الأخرى عن الميدان لا لشيء إلا لأنهم هم أهل الدراية والمعرفة بكل ما له علاقة بهذه الظواهر وذلك من دون إسناد شرعي لهكذا وصاية انتحلوها ظلما وعدواناً. إلا أن الباراسايكولوجيين، وفي غمرة فرحهم بعلمهم الزائف الجديد، فاتهم أن يدركوا أنهم ما اتبعوا إلا الضلالة حين اتخذوا لأنفسهم هذه الصنعة التي لا علاقة لها بالعلم من قريب أو بعيد. فما يقومون به من دراسة لا علاقة لها بالباراسايكولوجيا أولا وقبل أي شيء. فالعلم الذي نشأ على أنه بار اسايكولوجيا لا علاقة له بالباراسايكولوجيا كتسمية تفيد الدلالة على علم يبحث في الظواهر غير المألوفة من زاوية نظر سايكولوجية.

مبحث فكري جديد

إننا في حقيقة الأمر وواقعه لم نحظ حتى يومنا هذا بعلم تنطبق عليه تسمية الباراسايكولوجيا بهذا المعنى المحدد الفحوى والدلالة! فما بين أيدينا من علم يدعي أنه باراسايكولوجيا ما هو إلا تخبط لتيارات فكرية شتى في ظلمات بعضها فوق بعض! ولكننا مرغمون على اعتبار هذه التيارات علما باراسايكولوجيا وذلك لشيوع الخطأ وتواتره حتى أصبح هو الصواب الملزم بوجوب الأخذ به على أنه الحق الذي ليس وراءه إلا الباطل. إننا ننتظر ولادة الباراسايكولوجيا لتحل محل هذا الخليط العجيب من الأفكار والذي أشاع في الأجواء أنه الباراسايكولوجيا! ولكن ما هي هذه الباراسايكولوجيا المنتظرة التي آن أوان ولادتها وذلك بقيامنا بتحديد السمات المميزة للعلم الجديد الذي نريد له أن يكون علماً، حقيقياً هذه المرة، يدرس الظواهر الخارقة دون استثناء أو استبعاد لأي ظاهرة ودون إبعاد وإقصاء لأي علم بمقدوره أن يقول الحق في حق هذه الظواهر؟ إن الباراسايكولوجيا التي ننتظر لها ولادة عاجلة هي تلك التي ظن وتوهم راين ومن تبعه من الباراسايكولوجيين أنهم قد استحدثوها و هم ما قاموا إلا باستحداث مبحث فكري جديد، بكل تأكيد، إلا أنه غير باراسايكولوجي دون أي شك! فالباراسايكولوجيا هذه يجب أن تكون بحق (علم نفس الظواهر الخارقة) وليست شيئا آخر على الإطلاق! فما بين أيدينا من باراسايكولوجيا مدعاة تريد أن تكون شيئا آخر لا مجرد علم نفس يدرس الظواهر الخارقة مستعينا بحقائقه السايكولوجية. إن الباراسايكولوجيا التي ننتظر هي المسمى الذي لم يقم راين بصناعته وتأسيسه كما قام بصياغة وتأثيل الاسم الذي أراد له أن يدل على العلم الذي يجب أن يُعنى بدراسة تجارية غير المألوفة! إن ما درسه راين كان شيئاً آخر ولم يكن باراسايكولوجيا. لقد ظلت تسمية الباراسايكولوجيا تبحث عن مسمى وذلك منذ أن نحتها راين وتوهم أنها هي الاسم الذي يدل على علمه الجديد! والآن إذا كنا لانزال في انتظار ولادة الباراسايكولجيا، كعلم نفس يدرس الظواهر الخارقة وليس كعلم زائف كحال الباراسايكولوجيا المعاصرة اليوم، فماذا نفعل بالتراث الفكري الذي صنعته أجيال الباراسايكولوجيين وهم يظنون بأنهم يدرسون الظاهرة الخارقة دراسة باراسايكولوجية؟! هل نأخذ به على أنه حق أخطأ تسميته أم ننبذه كلا وجزءاً بلا تمحيص؟! إن الدعوة موجهة أيضاً لهذه الباراسايكولوجيا المدعاة لتكون هي أيضاً طرفاً، وليس أكثر، من الأطراف المعرفية التي تقوم بدراسة الظواهر الخارقة ولكن من بعد أن تكف عن محاولة إقناعنا بأنها صاحبة الوصاية المطلقة على هذه الظواهر! إن الأمر يستدعي إذن إن تتخلى عن اسمها كباراسايكولوجيا مادامت لا تقنع بأن تكون مجرد علم نفس الظواهر الخارقة وذلك ليعود الحق إلى صاحبه الشرعي. فالباراسايكولوجيا الحقيقية هي صاحبة الحق الشرعي في هذا الاسم وذلك ما دامت هي علم نفس الظواهر الخارقة. والظواهر الخارقة هي صاحبة الحق الشرعي في أن يكون لها علم يدرسها بما تستحقه وليس بما يمليه عليها من حقوق له يتوجب عليها العمل بموجبها! إننا بانتظار باراسايكولوجيا جديدة لتكون هذه المرة بحق هي الباراسايكولوجيا الحقيقية لا الزائفة. والآن، ومن بعد فراغنا من أمر هذه التركة الثقيلة التي أرهقتنا بمسمياتها وتسمياتها وقديمها وجديدها، وبعد أن أدركنا أن الباراسايكولوجيا، كاسم يدل على مسمى هو علم نفس الظواهر الخارقة، لا وجود له حتى يومنا هذا، فإن علمي (الباراسايكولوجيا المعاصرة) و(الباراسايكولوجيا الجديدة) كليهما مدعوان للمشاركة في تأسيس العلم الجديد مع باقي العلوم ذات الصلة بدراسة هذه الظواهر.

قد اضطرتنا الظواهر الخارقة إلى التفكير بضرورة استحداث علم جديد يستوعبها كلها جميعاً دونما انحياز لفئة وذلك على حساب الانشغال عن فئة أخرى. ولقد أخذنا ندرك ضرورة ألا يكون هذا العلم باراسايكولوجيا بالمعنى الحرفي لهذا المصطلح. كما أننا تلمسنا ضرورة قيام جمهرة من العلوم بتناول هذه الظواهر بالدراسة المنهجية والبحث العلمي كل حسب تخصصه وذلك من دون أن يقوم أي من هذه العلوم بفرض وصايته المطلقة عليها كما فعلت (الباراسايكولوجيا) منذ نشأتها وحتى يومنا هذا. والآن، إذا كانت هذه الباراسايكولوجيا المدعاة بعيدة عن أن تكون اسما على مسمى كما سبق وأن رأينا قبل قليل، وإذا كنا بانتظار ولادة الباراسايكولوجيا كفرع لعلم النفس مختص بدراسة الظواهر الخارقة دراسة سايكولوجية ليس إلا، فهل لنا أن نستنتج أننا أيضا بانتظار ولادات أخرى لعلوم أخرى غير علم النفس؟ فإذا كان على الطب أن يبادر إلى دراسة الظواهر الخارقة وذلك على قدر تعلقها بالمنظومة البايولوجية للإنسان فإن هذا يستدعي وجوب تأسيس فرع جديد لعلم الطب يتوجب عليها أولا وقبل كل شيء المبادرة إلى تسميته تسمية مناظرة لتسمية الباراسايكولوجيا. فإذا كانت هذه لا أكثر من (علم نفس الظواهر الخارقة) فإن الفرع الطبي الجديد، والذي هو (علم طب الظواهر الخارقة)، يجب أن يُصار إلى تسميته باراطب. وهكذا تتوالى التسميات الأخرى لفروع العلوم الأخرى. فعلم اجتماع الظواهر الخارقة والذي يقوم بدراستها وفقاً لما بإمكان علم الاجتماع أن يرفدنا به عن طريق تناولها بمنظار منظومته المعرفية التخصصية هو الباراسوسيولوجيا . وعلم فيزياء الظواهر الخارقة والذي يقوم بدراسة هذه الظواهر الخارقة والتي يبحث فيها من زاوية علم الإنسان هو البارانثروبولوجيا أو أن هذه الفروع الجديدة من العلوم المختلفة التي ينبغي علينا إشراكها في دراسة الظواهر الخارقة سوف تستدعي بالضرورة أن يصار إلى تسمية العلم الناشئ من جراء عملية اجتماعها وتشاركها هذه. إن العلم الجديد الناشئ عن اشتراك فروع العلوم التي تم ذكرها، والتي لم يتم، في دراسة هذه الظواهر هو (علم الظواهر الخارقة).

أنسب تسمية لهذا العلم الجديد، المتكون من هذا العدد الكبير من الفروع العلمية الجديدة، هي الباراعلم أو إذا نحن الآن بانتظار ولادة الباراسايكولوجيا والباراسوسيولوجيا والبارانثروبولوجيا والباراطب والبارافيزياء وحتى البارافينومينولوجيا (علم ظواهر الظواهر الخارقة)! والآن ومن بعد فراغنا من هذا الواجب الذي تمليه علينا ضرورة تحديد المصطلحات التي يتوجب على العلم الجديد استقدام مسمياتها لتكون لها مادة وفحوى، فإن الواجب يحتم علينا ضرورة القيام بمراجعة المصطلح المستخدم للدلالة على الظواهر التي يدرسها هذا العلم الجديد هي ذاتها!! فالظواهر الخارقة أوصلتنا إلى هذا الإدراك لقصور المعرفة الإنسانية الحالية عن تناولها بالتفسير والتأويل المقنعين.

هي الآن، من بعد نجاحها هذا في إيصالنا لهذه المرحلة الحاسمة في مسار تطور وارتقاء الفكر البشري، يتوجب عليها أن تتخلى عن دورها الذي قامت بتأديته بكل إتقان وذلك بقيامنا بالتخلي عنها مصطلحاً وليس مسمى تدل عليه! فمصطلح الظواهر الخارقة هو الآخر لا يملك ما يجعل منه متفقاً مع واقع هذه الظواهر وحقيقة ما يحدث فيها.

هذه الظواهر لا تخرق الطبيعة كما تُلزمنا بالقول بذلك التسمية الإنجليزية Supernatural Phenomena، هذه التسمية التي كانت الأصل الذي تفرع بالترجمة إلى مصطلح الظواهر الخارقة للطبيعة. فما يحدث في هذه الظواهر لا يمكن النظر إليه على أنه يمثل خرقاً للطبيعة وذلك ما توهم واضعو المصطلح والمتواضعون على استخدامه بهذه الدلالة الملحدة الكافرة! فما يحدث في هذه الظواهر يمثل خرقاً بينا لما ألفناه واعدتنا عليه، أي لمنظومتنا المعرفية فحسب!

إذا فلا صحة للقول بما يتوجب علينا القول به إذا ما نحن واظبنا على استعمالنا الخاطئ لمصطلح الظواهر الخارقة، هذا المصطلح الذي ينبغي علينا التوقف عن استعماله من بعد نجاحنا في الإفادة منه، على قصوره والنقص المتبدي عليه، في توصلنا إلى ضرورة قيامنا باستحداث علم جديد يتناول ما يحدث في هذه الظواهر بالدراسة الجادة والبحث الرصين. إن خير معين لنا في حيرتنا حيال هذه الظواهر هو فكرنا العربي المؤمن الذي لم ير فيما يحدث فيها ما يوجب التردد في تسميتها على ما هي عليه حقا، أي خوارق للعادات، فخير تسمية لهكذا ظواهر تخرق المألوف الذي اعتدنا عليه واصطلحنا على اعتباره مادة منظومتنا المعرفية الإنسانية هي (خوارق العادات). فالعلم الجديد الذي ينبغي عليه دراسة ما يحدث في خوارق العادات هو (علم خوارق العادات)، وأنسب ترجمة لهذا المصطلح العربي المؤمن هو Paranormalogy البارانورمالوجيا.

هل هناك من منافع؟

إن البارانورمالوجيا هي العلم الذي بالإمكان وصفه علم خوارق العادات وهكذا تتوالى تسميات بقية فروع العلم الجديد ليصبح بمقدورنا تعريف البارافيزياء على أنها فيزياء خوارق العادات والباراسوسيولوجيا على أنها علم اجتماع خوارق العادات والباراطب على أنه علم طب خوارق العادات. والآن هل من منافع أخرى بإمكان هذا العلم الجديد أن يعدنا بها إن نحن بادرنا إلى تأسيسه وفق الضوابط المنهجية التي يقتضيها علم جديد بظواهر غير مألوفة؟ لنقم بتلخيص ما أفادنا به هذا العلم ونحن بعد في طور الدعوة لتأسيسه! لقد لفت علم خوارق العادات (البارانورمالوجيا) أنظارنا إلى وجوب قيامنا بمراجعة منهجية للبنى المعرفية التي تتشكل منها الثوابت المرجعية للفكر البشري وذلك ليتسنى لنا إعادة النظر في موقعنا من الوجود وما فيه من موجودات من بينها هذا الإنسان! فهذا العلم الجديد هو ليس مجرد دراسة جديدة لظواهر لم يسبق وإن قامت بدراستها منظومة معرفية خالصة من الدوغمائيات التي تمليها على الفكر الإنساني بشريته ورغبته في إسباغ بشريته هذه على كل ما في الوج ود. كما أنه لا يكتفي بمجرد الدعوة لتأسيس بنيته المعرفية باشتراك لفيف من العلوم التخصصية التي يدعو لتأسيس فروع لها تختص بدراسة خوارق العادات كل حسب اختصاصه المعلوماتي وبنيته المعرفية. فهو ليس مجرد دعوة لتأسيس البارانورمالوجيا والباراسايكولوجيا والباراسوسيولوجيا والبارانثروبولوجيا والبارافيزياء والباراطب و..غير ذلك من العلوم الجديدة. فعلم خوارق العادات هو، أولا وقبل أي شيء، علم إيماني بمستطاعه تقديم البرهان الحاسم الذي يملك أن يقطع بوجود الله وجوداً فوق كل شك أو تشكيك وذلك بدراسته للظواهر غير المألوفة التي ترافق السير على الطريق إلى الله، هذه الظواهر التي تعجز معارفنا عن تفسيرها وفقا لمنظوماتها النظرية الملحدة وذلك لفرط خرقها للأسس التي استندت إليها هذه المنظومات المعرفية في دراستها للظواهر المألوفة في هذا الوجود. كما أن علم خوارق العادات (البارانورمالوجيا) يمثل دراسة للظاهرة الإلهية في مجال جديد لتجليها واضحة دونما ريب أو لبس. فالظاهرة الإلهية المتجلية في الوجود بظواهره شائعة الحدوث لا تملك أن تلزم المتشكك بوجود الله سبحانه وتعالى بالقول بأن الله موجود لا محالة. بينما يتوجب على هذا المتشكك الإيمان بوجود الله وذلك إذا ما جوبه بالظاهرة الإلهية متجلية في خوارق العادات وذلك لأن القول بوجود الله هو وحده الذي يملك أن يحطم الغموض المطبق الذي يكتنف هذه الظواهر غير المألوفة فائقة الخارقية والتي بالإمكان على الدوام إحداثها وتوليدها شريطة التزام الإنسان بالسير على الطريق إلى الله وفقاً لضوابطه المنهجية.

جمال نصار حسين مجلة العربي سبتمبر 1999

تقييم المقال: 1 ... 10

info@3rbi.info 2016