لماذا عرفت الجماهير العربية صوت الشيخ إمام مغنيا رقم أن أجهزة الإعلام الرسمي لم تعرف به أبداً؟
منذ أن رحل مغني الشعب الشيخ "إمام عيسى" عن دنيانا في مثل هذه الأيام من صيف عام 1995، لم يتوقف الصحفيون ونقاد الموسيقى عن طرح هذا السؤال المحوري:
لماذا عرف قطاع واسع من الجمهور العربي من عشاق الموسيقى والغناء أغنيات الشيخ "إمام عيسى" التي كتبها أحمد فؤاد نجم بل وحفظها البعض عن ظهر قلب رغم أنهما لم يعرف الطريق أبداً إلى أجهزة الإعلام والاتصال الجماهيري في مصر حيث نشأ وأنتجا فنهما، أو في أي بلد عربي آخر، بل وعلى العكس من ذلك قضي الشيخ "إمام عيسى" معظم عمره الفني إما مسجونا أو ملاحقاً من الشرطة متهماً في كل الحالات "بالتحريض على كراهية النظام والجهر بالغناء" كما كان يقول التكييف القانوني وكان معه دائما شاعر العامية أحمد فؤاد نجم؟
كان ردي على هذا السؤال مركبا وبالغ التعقيد.
وكانت مصادفة غريبة تلك التي جعلتني أستمع إليه يغني لآخر مرة قبل موته ببضعة شهور في احتفال نظمه مجموعة من الأصدقاء بمناسبة خروج سياسي تقدمي من السجن، بعد أن تغيرت الظروف تغيراً كلياً فلم يعد " الشيخ إمام " ورفيقي دربه الشاعر "أحمد فؤاد نجم" و"الرسام التلقائي " محمد علي يتعرضون للملاحقة أو السجن بل ولم يعودوا يقدمون أغنياتهم في الاحتفالات التي اعتاد المثقفون بعد حرب 1967 تنظيمها في بيوتهم لكي يستمعوا إلى الأغنيات المنوعة التي سبق أن لاحقت الحكومة مؤلفها وملحنها ومغنيها، وكانوا بذلك يعبرون عن معارضاتهم الجذرية لتوجهات النظام السياسي ويعنون سخطهم العارم عليه بعد الهزيمة الماحقة التي تلقاها، وبعد أن كان قبل هذه الهزيمة قد أسكت كل أصوات المعارضة رافعاً شعار:
لا صوت يعلو فوق صوت المعركة بل وكان هذا الشعار نفسه موضوعا لأغنية ساخرة "نجم" و"إمام" وضعته الشرطة في ملفهما كإحدى حيثيات اتهامهما بالحض على كراهية النظام. الخطبة الغزل في هذه الفترة التي توقف فيما المثقفون عن تنظيم احتفالاتهم- المنزلية غالبا- للاستماع لشيخ "إمام" عيسى" و"أحمد فؤاد نجم" كان نظم التعددية السياسية المقيدة قد بدأ في مصر مع نهاية 1976 وبعد عام واحد من هذا التاريخ كان الرئيس السادات قد ركب طائرته ذاهباً القدس ليضع البلاد على طريق سياسي جديد تماماً"ويلخبط غزل" كل القوى الوطنية والمعارضة "ولخبطة الغزل"- عبير عامي مصري بليغ- أعمق أثراً اشد إيلاما من توجيه الضربات المباشرة من عدو أو خصم صريح، فلخبطة الغزل تربك وتجعل الطريق معتماً لاتتبين ملامحه. كان السادات قد بدأ بعد النصر في حرب "أكتوبر- رمضان" المجيدة سياسة أطلق عليها اسم الانفتاح الاقتصادي، وهي السياسة التي ساندها اللبير اليون وإن تحفظوا على غياب الديمقراطية السياسية فيها ولم يساندها "اليسار" بل انتقدها في المستقبل كلنه بدوره انتقد غياب المستقل في المستقبل لكنه بدوره انتقد غياب الديمقراطية السياسية وهو النقد الذي أفضى إلى بداء التعددية الحربية. هنا نأتي لمحور الاستجابة غير العادية لأغنيات الشيخ "إمام عيسى" و "أحمد فؤاد نجم" في زمن سابق ثم خفوت هذه الاستجابة وتراجعها بعد دخول نظام التعددية الحزبية إلى مصر، رغم أن هذه التعددية قد ارتبطت ارتباطا وثيقا بالخيارات السياسية الجديدة للنظام اي الاقتصاد الحر. انخرطت قوى الوطنية في التعبير المستقل عن نفسها لأول مرة منذ قيام ثورة يوليو 1952، وكانت مؤسسة الشيخ "إمام عيسى" و"أحمد فؤاد نجم"- إذا جاز التعبير- قد نهضت بها الدور، أي التعبير المستقبل فنياً عن طموحات المعارضة وبخاصة "اليسا" رغم أن المعارضة الليبرالية وجدت فيهما بعض من يشفى غليلها، بل ولا أبالغ إن قلت شماتتها
في النظام الناصري- الذي انتقدوه بقسوة بالغة- خاصة بعد هزيمة 1967.
بل إن المعارضة الدينية للناصرية نظرت إليهما نظرة عطف من موقع صراعها الممتد ضد الناصرية أي أن كل المعارضة للناصرية بظلالها المختلفة ومن مواقعها المتباينة وجدت في الظاهرة الفنية الجديدة تعبيراً حرا عن المسكوت عنه، أي وجدت بعض نفسها هي الممنوعة من التنظيم المستقل والمحرومة من-حقوق التعبير بينما امتلك الشاعر والمغني شجاعة كبيرة في مواجهة السلطات ونقدها، حتى أن مفكرا عقلانيا كبيرا مثل الراحل الدكتور "لويس عوض " قالت إنهما يتسلحان بشجاعة مريبة، وذلك دون أن يدرك حقيقة أنهما كانا مقطوعي الصلة كلية بالمجتمع البورجوازي مظاهرة ومطالبة. بل وأكثر من ذلك لم يكن لأي منهما أسرة تكبله أو تحضه على إجراء الحسابات المعقدة قبل اتخاذ الموقف، وكان الموقف في ذلك الحين هو التعبير بحرية خالصة ونقدية للنظام دونما حذر أو خرف، وانطبق عليهما الوصف الشهير حين وضعا رأسيهما على كفيهما دون رهبة.
هكذا وجد الجميع شيئا مما يتوقون إليه في تجربة الشيخ "إمام عيسى" و "أحمد فؤاد نجم" فكان الاحتضان والإعلام السري عنهما الذي أدى لدخول أغنياتهما إلى كل بيوت السياسة والمهتمين بالشأن العام. خصائص فنية ولكن هذا التغير "السميكو- سياسي " لا يكفي وحده للمعرفة العميقة بالظاهرة، التي لابد أن نسجل لها خاصيتين فنيتين كبيرتين هما ما جعلاها وسوف يجعلانها تبقى مؤثرة وقوية رغم انقضاء الظروف التي أنتجتها والملابسات الآنية التي ارتبطت بها ومناخ الحظر الذي ساعد على انتشارها باعتبار أن كل ممنوع مرغوب.
الخاصية الأولى هي أنهـا امتداد فني عصري للشيخ "سيد درويش "، ولم تكن مصادفة أن أطلق الجمهور على الشيخ "إمام عيسى" وصف فنان الشعب وهو نفسه الوصف الذي حظي به الشيخ سيد درويش في أول القرن.
وارتبط الوصف في الحالتين بعبقرية سيد درويش وإمام عيسى في التقاط اللحظات الروحية الأساسية والفاصلة أحيانا في حياة الشعب والتي مست أوتار الجمهور العريض الحساسة وبثت نبضها الخاص في الموسيقي والألحان.
وقد عاش كلاهما في أحد أفقر الأحياء الشعبية في مصر وارتبطا ارتباطا وثيقأ بجمهورها المتنوع من أبناء الشعب البسطاء.
مغني الحارة
عاش الشيخ سدي درويش في كوم الدكة بالإسكندرية ولا يزال بيته قائماً هناك كمزار، وعاش الشيخ "إمام عيسى" في حارة "حوش قدم " في حي الغورية الشعبي، وهو واحد من أعرق أحياء القاهرة المملوكية وأكثرها ازدحامأ بالآثار التاريخية لتلك المرحلة ولا يزال بيته قائما هناك رغم أن زلزال عام 1992 قد أصابه باضرار بالغة، ولكنه تخول مع ذلك إلى مزار يتردد عليه محبو الشيخ والفنانون من مختلف المشارب وكأن روح هذا الفنان العظيم مازالت تسكنه لم يكن ارتباط هذين الفنانين الكبيرين بالشعب إذن ارتباطا خارجياً أو مجرد اختيار سياسي ولم يكن الشعب أبداً موضوع للأغنيات والأوبريتات، بل كان ذاتا فاعلة حية تتردد باسمهما الكلمات المجهولة المؤلف والتي ألفتها الجماعة وصقلتها على امتداد الزمن والإيقاعات القوية المفعمة بالحياة والأمل وروح الصبر والمثابرة التي تنهض على العمل المغني الذي يقوم به ملايين الفقراء من الشيالين وعمال التراحيل والفلاحين والمعلمين والبائعين الذين يكافحون الفناء في كل خطوة وحين تهزمهم الظروف الواقعية ويسقطون في عز الكدح صرعي انعدام التوازن وعنف الضربات ليكون حزنهم هو الحزن كما أن فرحهم في زمن البهجة هو الفرح. هكذا غني "سيد درويش" للشيالين والسقائين والفلاحات والمصريين الفقراء عامة وهم بالملايين وغني للوطن من موقع هؤلاء الذين يصنعون ثروته. وغني الشيخ إمام عيسى للكمسارية والشغالين والمراكبية والمنتجين الفقراء من كل نوع، وتحول "العزيق" في إحدى أجمل أغنياته لنوع من الوجد الصوفي، وأصبحت مصر كما هي في تمثال نهضة مصر للمثال "مختار" فلاحة تضم تحت جلبابها وطرحتها كل الأبناء وتشملهم بالحماية على امتداد الأجيال حيث يقول "نجم": الزمن شاب وأنت شابه هوه راح وإنت جاية أما الخاصية الثانية بالغضاة للارتباط العضوي بالشعب فهي اكتشاف الأنغام في الكلمات وما يسميه نقاد الموسيقى بتحلين الكلام.
والدراسة المتأنية لهذه الخاصية قد تقودنا إلى المعرف على بعض القوانين الداخلية المخفية لموسيقى اللغة العربية والتي طالما أفصحت عن إمكاناتها غير المحدودة في تجويد القرآن الكريم وقراءاته المنغمة المتباينة، هذا التجويد الذي تعمقت في قوانينه وجمالياته كل العبقريات الغنائية والموسيقية في عصرنا من الشيخ زكريا أحمد لأم كلثوم، ومن محمد القصبجي لرياض السنباطي لفريد الأطرش، ومن فتحية أحمد لعبده السروجي ومن حامد مرسي لسعاد محمد. يقول بعض اللغويين- من باب التبسيط- إن ثقافتنا في ثقافة كلام، وإذاما اتفقنا معهم على ذلك لابد أن نخطو إلى الأمام خطوة أبعد، فالكلامهو أيضاً أصوات أي نعم. وليس غريباً الا تحتوي الموسيقى الغربية التي تطورت تطوراً هائلاً ألا على مقامين كبير وصغير بينما نضم الموسيقى العربية- ربما بسبب هذه الخاصية الكلامية- ما يزيد على خمسمائة مقام. اكتشف هذان العبقريان الموسيقيان في أول القرن ومنتصفه عبقرية اللغة العربية كموسيقى وأبدع كل منهما عالمة الغني، وإن كان "سيد درويش"- ويا للمقارفقة- قد اكتشف إمكانات المسرع في أول القرن حيث ساعدته ظروف عمله وملابسات نهوض الحركة الوطنية في مواجهة الاحتلال على اكتشاف إمكانات المسرع وكتب موسيقى لمجموعة من الأوبريتات الخالدة. عرض سيء الحظ وحين توفرت فرصة مشابهة- وإن صغيرة جدا- للشيخ "إمام عيسى" في نهاية السبعينيات لكتابة موسيقى لنص مسرحي هو "العقد" الذي أنتجه مكتب الكتاب والفنانين بحزب التجمع في زمن المواجهة العاصفة التي نظمتها القوى التقدمية ضد اتفاقيات كامب ديفيد، لم تساعد الخبرة المحدودة والملاحقات المستمرة علىترويج هذا العرض الذي قام على اكتاف "إمام عيسى" و "أحمد فؤاد نجم" وكان الأخير هارباً من الملاحقات البوليسية وكتب قصائد العرض أثناء الهرب، بينما كانالنص تجربة في الكتابة الجماعية شارك فيها كل من المسرحي والقاص الراحل "إسماعيل العادلي" والمؤلف الدرامي جلال الغزالي وفريدة النقاش، كما أضاف إليها المخرج "عبد العزيز مخيون" وفيق الممثلين إضافات مهمة. أدرك الشيخ إمام أنه جزء من هذا الجديد الذي هو في طور التكوين فكتب موسيقي جديدة كلية وقال حينئذاك إنالعمل جعله يطل على عوالم كانت مجهولة بالنسبة له، وكان سعيداً بفكرة أن يكون جزءا من فريق ضابطا لإيقاعة هو الذي طالما غني منفرداً. لم يسجل هذا العرض تسجيلاً لائقاً، ولم يدرسه أحد عبدالدراسة الجديرة بفن الشيخ "إمام" من جهة وبتجربة الكتابة المسرحية الجماعية من جهة أخرى. كان عرض "العقد" هو آخر الأعمال اكلبيرة التي لحنها الشيخ "إمام عيسى" والتي شاهدها بجمهور غفير تزاحم في قاعة "جمال عبدالناصر" بمقر حزب التجمع لعدة ليالي متواصلة ذكرت محبي الشيخ "إمام" بتلك الأيام في منتصف السبعينيات التي كانت مدرجات كليات الآداب والهندسة والحقوق والطب في جامعات القاهرة وعين شمس تكتظ عن آخرها ويتزاحم بعض الطلاب وقوفا ليستمعوا إلى الشيخ "إمام" يغني ومعه "عزة بليع" و"أحمد فؤاد نجم" ينشد أشعاره النقدية الساخرة سخرية مريرة. بعد أن بدأت تجربة التعددية السياسية بسنوات قليلة كفت أجهزة الأمن عن ملاحقة الشيخ "إمام" و "أحمد فؤاد نجم" وكانت آخر محاكمة علنية لهما ومعهما المغنية "عزة بلبع" في عام 1978 بسبب قصيدة ساخرة شهيرة "لأحمد فؤاد نجم" بعنوان "بيان هام من إذاعة شقلبان" دأب على قراءتها في الندوات والمهرجانات الجامعية قبل أن تصدر اللائحة الطلابية لسنة 1979 التي حظرت مثل هذه اللقاءات. في بداية القرن تحملت البورجوازية الفنية الشيخ "سيد درويش" بل وتباهت به وأفصحت له مكانا في إعلامها الذي كان بدائيا "نشأت الإذاعة المصرية سنة 1935 أي بعد وفاة الشيخ سيد درويش باثنتي عشرة سنة" كان بوسع درويش أن يطبع موسيقاه وأغنياته على الأسطوانات، ويقدم أوبريتاته وأغانيه على خشبات المسارح دون رقابة، وإن كنا لا نستطيع أن ننكر أن هذه البورجوازية احتفت به من الزاوية الوطنية فقد كانت تريد أن تتخلص من الاحتلال وتعبئ من ثم كل الإمكانات والطاقات الشعبية فنية وأدبية وسياسية لإنجاز هذه المهمة فتسامحت مع هذا الفنان العظيم وإن لم تتحمس كثيرا له خاصة في المنحى الاجتماعي النقدي العميق لفنه.
الخطر الماحق
لكن بورجوازية منتصف القرن ونهاياته وجدت في "الشيخ إمام عيسى" خطراً ما حقاً ليس لا فحسب لأنه كانت لنزعته الوطنية دائما ماضمين اجتماعية قاطعة وصريحة تعري الطبقة الحاكمة التي حلت على يديها الهزيمة القاسية في عام 1967:
جاتكو فضيحة يا طبقة سطيحة
عاملة فضيحة وجايبه العار
وإنما لأنه استطاع أيضاً أن يدخل إلى الوجدان العشبي بسلاسة وقدرة آسرة مستخدما خبرته كقارئ للقرآن الكريم، مطوعاً المهارات التي اكتسبها في هذا الصدد لخدمة رسالته فنيا واجتماعيا في آن واحد، وكانت بعض ألحانه التي وضعها القصائد تتسم بروح ديني وتصوفي عميق تعد من أنجح الأعمال التي قدمها على الإطلاق، وبدأ للوهلة الأولى أنه سوف ينافس الطبقة، التي حافظ دائما على تميزه بل وانفصاله عنها في ذلك الميدان الذي طالما اعتبرته حكرا لها وهو الدين، فما بالنا إذا كان يستخلص منه رسالة تقدمية وإنسانية واحتجاجية شاملة. هكذا حجبته طيلة الوقت عن وسائل الإعلام والاتصال الجماهيري حتى بعد أن كفت قوى المعارضة عنتقديمه والالتفاف حوله كعلم من أعلمها بعد صدور عدة صحف ومجلات معارضة خاصة من موقع اليسار، وبعد حالة "اخبطة الغزل" التي تحدثت عنها في بداية المقال وكانت قد أربكت قوى المعارضة التقدمية وحتى غير التقدمية أما إرباك.
ولعل أكبر دليل على حقيقة أن ظاهرة الشيخ "إمام عيسى" و"أحمد فؤاد نجم" وكثنائي فني ارتبط أساسا بالمعارضة اليسارية الجذرية على المستوى السياسي وبشعر العامية الجديد وموسيقى الكلام المستوحاة من الإيقاعات الشعبية على المستوى الفني، لم تعد تقض مضاجع البورجوازية كما فعلت في سنوات نشوئها وإزدهارها قبل تجربة التعددية الحزبية الجديدة في مصر، أقول ليس أدل على هذه الحقيقة من الاحتفال بعيد الميلاد السبعين "لأحمد فؤاد نجم" الذي نظمه في نهاية شهر يونيو 1999 "نجيب ساويرس" المياردير المصري وأحد أبرز رجال الانفتاح الاقتصادي في مصر.
صحيح أن هناك سبباً شخصيا يتعلق بتكوين "ساويرس" الذي كان طالباً في جامعة القاهرة في زمن عنفوان الحركة الطلابية اليسارية في نهاية الستينيات وبداية السبعينيات مع انتصار فيتنام ونمو الكفاح المسلح الفلسطيني وجينها عرفت الجامعة ظاهرة الشاعر والمغني فكانت الأيام أيامهما بامتياز وهو ما أثر في "ساويرس" تأثيراً ثقافيا عميقاً.
لكن هذا السبب الشخصي لا يصلح وحده تفسيراً لعدم خوف البورجوازية من الفن الثوري إن السبب الموضوعي والأشمل هو في ظني انحسار تأثير الفن والفكر الثوريين خاصة بعد السقوط المدوي للتجارب الاشتراكية في الاتحاد السوفيتي السابق وشرق أوربا، والهجوم الناجح على الصعيد العالمي الذي شنته الليبرالية الجديدة مطلقة لعنان الرأسمالية على صعيد الكوكب.
لم يبق هناك ما يخيف... فلماذا لا يحتفل المياردير بالشاعر والمغني ويستضيف الاحتفال مجموعة من فناني اليسار الكبار مجدي أحمد علي مخرجاً، عزة بلبع مغنية، فردوس عبد الحميد، محمود الجندي، محمود حميدة. عمار الشريعي، أحمد عبد العزيز وغيرهم. لا شيء يهم حتى لو غني "أحمد فؤاد نجم" في ختام الاحتفال: هوهو إحنا كده وها نبقى كده واضحين عارفين مع مين، على مين ولعل أهم ما قدمه هذا الاحتفال الجميل للحياة الثقافية هو التوزيع الأوركسترالي الذي كتبه الفنان "جمال رشاد" لخمس عشرة أغنية من أشعار نجم وألحان الشيخ إمام عيسى.