مختارات من:

(طفلة شنغهاي) رواية أغضبت السلطات الصينية

شيرين أبو النجا

فور صدور رواية (طفلة شنغهاي) للكاتبة الصينية وي هوي ثارت السلطات الرسمية الصينية, وقامت بحرق 40 ألف نسخة من الرواية, على أساس أنها رواية وضيعة, تلطخ سمعة الصين, فهل هي كذلك حقًا?

لقد كان تصرف السلطات الصينية كفيلاً بصنع شهرة مهولة للرواية وهي الأجواء التي تعيدنا إلى (آيات شيطانية) لسلمان رشدي الكاتب الإيراني, و(لاجا) للكاتبة البنغالية تسليمة نسرين و(أولاد حارتنا) لنجيب محفوظ, و(تلك الرائحة) لصنع الله إبراهيم والقائمة تطول, ليست هذه إلا بعض الأمثلة. فمهما يتغير السياق الزماني والمكاني والتاريخي والسياسي, تبقى السلطة كما هي لا تتغير.

فالحرق والمنع والمصادرة, كلها أفعال لا تؤدي إلا إلى المزيد من انتشار العمل ولفت الأنظار إليه, وتحويله أحيانا إلى وسيلة دعاية مضادة للنظام, ويزداد تعقيد الأمر عندما يشمل هذا المنع الغث والثمين.

مَن هي وي هوي. هي ابنة ضابط بالجيش, قضت ثلاث سنوات من طفولتها في معبد تم تحويله إلى ثكنة عسكرية أثناء الثورة الثقافية الصينية. ودرست الأدب في جامعة فودان بشنغهاي, كما أن لها أربعة أعمال سابقة وهي الآن في الثلاثين من عمرها. تصنّف الكاتبة روايتها على أنها شبه سيرة ذاتية للتحوّل الجسدي والنفسي الذي مرّت به في حياتها وتقول: (لقد نشأت في عائلة محافظة للغاية. وقضيت السنة الأولى من دراستي الجامعية في التدريب العسكري. ما حدث بعد ذلك كان طبيعيًا. فقد تمرّدت وهو ما كتبت عنه). وفي إحدى المقابلات التي نشرتها وكالة رويترز قالت: (كنت أبحث عن صوت يمثل جيلي, فقد اتسعت الهوّة بيننا - نحن الذين وُلدنا في السبعينيات - وبين الجيل الذي يسبقنا). كيف يمكن للكاتبة أن تفترض أنها تقدم ما يمكن أن يمثل جيلاً بأكمله? لدينا عدة إشكاليات هنا, ليس أولها حق التمثيل.

إذا كانت هناك أصوات في الفن والأدب بشكل عام تنمط أجيالا - الأصغر منها غالبًا - فإن ادّعاء حق تمثيل جيل هو نوع من أنواع التنميط أيضًا, حتى لو كان الصوت مختلفًا ومغايرًا. كان من الأجدر عدم الدخول في مسألة الأجيال لأن التجربة التي قدمتها وي هوي في (طفلة شنغهاي) تمثل طبقة ولا تمثل جيلاً بأي حال من الأحوال.

شبه سيرة ذاتية

تدور الرواية في شنغهاي ويأتي السرد على لسان الشخصية المحورية كوكو وهي التي تخرجت في جامعة فودان وكتبت مجموعة قصصية وتعمل نادلة في أحد المطاعم الصغيرة. تلتقي شابًا اسمه تيان تيان وتنتقل للعيش معه في منزله رغم معارضة عائلتها لهذا القرار. تيان تيان يرسم من باب الهواية, إذ إن والدته ترسل له مبالغ طائلة شهريًا من إسبانيا. ولذا فإنه ميسور الحال مما يجعلنا - نحن القرّاء - نطوف مع كوكو وتيان تيان في أفخم مطاعم شنغهاي ونتابع معها الملابس التي ترتديها. إلا أن تيان تيان لا يشبع كوكو من الناحية الجسدية لاصابته بالعجز - وربما اختارت الكاتبة أن تصور شخصيته على هذه الحال لتبرر فيما بعد العلاقة التي نشأت بين كوكو ومارك. تتحرق كوكو شوقًا لإشباع جسدها, ولكنها تقنع بحب تيان تيان لها وتفرغ كل طاقتها في كتابة رواية كانت تحلم بها, تكتب شبه سيرة ذاتية. أي كأن الكاتبة قامت بتصوير الواقع الذي تعيشه فيما تكتبه البطلة. في أثناء كل هذا نقابل العديد من الشخصيات التي يحتك بها تيان تيان وكوكو, وهي شخصيات استثنائية معظمها, ما بين العجوز المتصابية والفنان البوهيمي ومصمم الأزياء وغير ذلك من الأشخاص الذين ينتمون لشريحة رفيعة من المجتمع لا تعبّر بالضرورة عن شنغهاي وإن كانت جزءًا منها, وجزءا من صورة كاملة, ظهرت منقوصة ومبتورة في الرواية. ترتب المصادفات والظروف التعارف بين كوكو ومارك الألماني الذي يعمل في إحدى الشركات المتعدية الجنسيات وتنشأ بينهما علاقة قائمة على اللقاء الجسدي, وهي علاقة تصفها الكاتبة تفصيليًا وتؤكد على إحساس كوكو بالذنب تجاه تيان تيان. تتطور الأحداث ويغرق تيان تيان في المخدرات ويموت, أما مارك فيغادر شنغهاي وتبقى كوكو وحيدة لتنتهي الرواية بسؤالها (مَن أنا?).

نساء السبعينيات

الأكيد أن الرواية لا تعبّر عن جيل بأكمله والأكيد أيضا أن الضجة التي أثارتها السلطات في الصين نابعة من مرجعية أخلاقية, والأكيد أخيرًا أن هذه الضجة هي التي جعلت الرواية تترجم إلى لغات عدة من بينها الإنجليزية. ومن المثير هنا النظر فيما قيل حول الرواية. فقد كتب كريك سميث في نيويورك تايمز أن الرواية تصوّر جيل النساء اللواتي وُلدن في السبعينيات (حيث يبحثن عن أرضية أخلاقية (بمعنى القيم) في بلد صغير القيم, وي هوي امرأة تحاول مساعدة جيلها من النساء أن يفهمن أنفسهن) فالناقد مؤمن - إذن - أن الرواية تمثل نوعا من أنواع البحث عن الذات ومحاولة إيجاد موقع لها في العالم, وكأن اكتشاف الذات ليس له مسلك سوى تعددية العلاقات في الوقت نفسه. لا أريد الخوض في أحكام أخلاقية قيمية, كل ما في الأمر أنني أحاول تحديد المعيار الذي دفع الصحف والمجلات الأدبية في إنجلترا إلى الاشادة بالرواية. فقد أشادت - مثلا - داليا ألبرج في التايمز بالأسلوب الغربي الذي كُتب به العمل وهو نفس ما أكدته سارة برودهرست في The Bookseller. وهو ما يجعلنا ندرك أن العقلية المعرفية الأدبية والنقدية في إنجلترا مازالت محتفظة بمفهوم المركزية الغربية, رغم كل النظريات والمفاهيم التي قامت بتفكيك هذه السيطرة. وبشكل مفارق كان هذا هو رأي السلطات الصينية التي ارتأت أن وي هوي ليست إلا (تابعة للثقافة الغربية).

يبدو جليًّا من التعليقات أن هناك رؤى متصادمة متنافرة بين حضارتين كل منهما لا تعبّر عن الحقيقة, كما أن (طفلة شنغهاي) لا تمثل الجيل الشاب في الصين المعاصرة كما قالت ليندا هيجينز في Irish Independent.

ويبقى السؤال القديم متجددًا دائمًا: هل حقّا تفيد الرقابة? أم أن ضررها أكثر من الفوائد المرجوّة? وما معنى الرقابة إذا كانت تحول العمل إلى وسيلة هجوم وتعرية? وهل يمكن أن نقتنع فعلا أن (طفلة شنغهاي) تعبر عن جيل بأكمله يحاول الفهم والمعرفة.

شيرين أبو النجا مجلة العربي فبراير 2005

تقييم المقال: 1 ... 10

info@3rbi.info 2016