مختارات من:

بانوراما الكتابة النسائية في المغرب

رشيدة بنمسعود

المرأة المغربية لم تكن يوما بعيدة عن المشهد الثقافي والعمل العام. فقد قالت الشعر وانخرطت في المقاومة, ومازالت تخوض معركة الحداثة.

يؤكد مؤرخو الأدب المغربي أن الحضور النسائي في المشهد الثقافي يمتد بجذوره إلى الماضي البعيد, من خلال ممارسة المرأة المغربية لقول الشعر مثل الشاعرة سارة الحلبية, التي تعد من أجود شعراء مدينة فاس على عهد المرينيين, غير أن المصنفات الأدبية لم تحفظ لنا من الشعر النسائي إلا النزر القليل, مما يدفعنا إلى التساؤل عن عدم اهتمام مؤرخي الأدب بالشعر النسائي, وهل سبب ذلك يعود إلى طبيعة بنية الإنتاج الشعري النسائي الذي لم يصلنا منه سوى شذرات ومقطوعات تنسب في الغالب للشاعرات? أم, أن ذلك مصدره موقف المؤرخين الذين عملوا على تهميش الإبداع النسائي عمومًا? ونظرًا لغلبة الثقافة الفقهية والدينية نجد المؤرخين يذكرون لنا بعض أسماء العالمات والفقيهات مثل آمنة بنت خجو, التي كانت تقوم بتدريس الفقه والحديث على عهد الدولة السعدية, والسيدة عائشة زوجة المختار الكنتي - التي عاشت في عهد الدولة العلوية - وكانت بدورها تدرس مختصر الخليل للنساء.

ومع مجيء الاستعمار قامت النخبة المغربية بمقاومة الاحتلال الأجنبي مسلحة بالوعي بضرورة تحديث المجتمع والرغبة في اللحاق بأسباب التقدم. داخل هذا السياق يندرج الوعي بالمسألة النسائية. ففي خضم المعارك السياسية والاجتماعية التي كان يقودها رواد الحركة الوطنية والتي انطلقت مع دخول الاستعمار إلى الغرب, انخرطت المرأة في صفوف المقاومة مدافعة عن حرمة الوطن.

نذكر على سبيل المثال الشهيدة يطو بنت القائد حمو وموحا الزياني. كما بادر رواد الحركة الوطنية إلى المطالبة بضرورة تعليم الفتاة, وعيا منهم بأن المرأة هي الرئة الثانية التي يتنفس بها المجتمع, وهي المرآة التي تعكس المستوى الحضاري للبلد الذي تنتمي إليه. ومما لا شك فيه أن التعليم لا يعد أداة مباشرة لتأهيل الفرد لولوج مجال فعل الكتابة والإبداع, لكنه, بالرغم من ذلك يمثل عتبة أساسية من أجل امتلاك وسائل التعبير. وتجاوبًا مع الدعوة إلى ضرورة تعليم وتحرير الفتاة المغربية ظهرت أصوات نسائية لتعبر عن قضايا المجتمع المغربي بواسطة الكتابة والإبداع.

وفي هذا السياق, تندرج مساهمات كل من مليكة الفاسي وآمنة اللوه, حيث, قامت الأولى في سنة 1941 بنشر قصة تحمل عنوان (الضحية) في مجلة (الثقافة المغربية) التي تعالج فيها موضوع الزواج التقليدي الذي ينتج عن محاولة فرض إرادة العائلة على الفتاة خاصة فيما يتعلق باختيارها لشريك حياتها, حيث نجد أن (فاطمة) بطلة القصة أمام إصرار الأهل على زواجها برجل يكبرها سنًا ستلجأ إلى الفرار ومغادرة البلد بحثًا عن الخلاص, مما سيؤدي بها إلى السقوط في أحضان الدعارة. وفي سنة 1955 قامت الكاتبة آمنة اللوه بنشر قصتها (الملكة خناثة) في مجلة (الأنوار) التي تعامل معها النقد الأدبي التقليدي باعتبارها قصة تاريخية, ولم تقرأ هذه القصة كصرخة تناهض إشكالية تعدد الزوجات وتؤشر على ما يترتب عنه من قهر ومعاناة وإهدار لإنسانية المرأة.

نشأة الكتابة النسائية

إن المساهمة الإبداعية لكل من مليكة الفاسي وآمنة اللوه تتمثل في تركيزهما على قضايا المرأة, وبذلك تمثل مساهماتهما الإرهاصات الأولية لنشأة الكتابة النسائية خصوصًا في مجال الحكي القصصي. غير أن الانطلاقة الحقيقية للأدب النسائي في المغرب تقترن بفترة أواخر الستينيات التي ستشهد صدور رواية (غدا تتبدل الأرض) لفاطمة الراوي (سنة 1967) ومجموعتين قصصيتين للكاتبة خناتة بنونة (ليسقط الصمت) (1967) و(النار والاختيار) (1968). إضافة إلى مجموعة قصصية للكاتبة رفيقة الطبيعة وعنوانها (رجل وامرأة) (1969).

من خلال قراءة سريعة للتيمات المركزية التي تعكسها عناوين هذه المجموعات القصصية (ليسقط الصمت - النار والاختيار - رجل وامرأة - غدا تتبدل الأرض), يمكننا القول إن المرأة (الكاتبة) قد قررت بوعي إسقاط الصمت من حسابها, محاولة امتلاك سلطة الكلمة وفتح حوار مع الآخر/ الرجل, يتحول عبره الحكي (نارًا واختيارًا) أملاً في غد مغربي أفضل.

وسوف لن نجانب الحقيقة إذا سارعنا إلى القول انطلاقًا من هذا الجرد الأولي لما أصدرته المرأة من إبداع (رواية - قصة) في سنوات الستينيات أن المساهمة النسائية في الكتابة كانت تتسم في هذه المرحلة بالمحدودية سواء على مستوى الأسماء المساهمة في مجال الإبداع الأدبي, أو, على مستوى الإنتاج الأدبي الذي أصدرته النساء بالرغم من اتساع الخريطة التعليمية في تلك المرحلة وإقبال الفتاة المغربية على التعليم بحماس كبير. وسوف تتأكد لنا هذه الأحكام كلما توغلنا في جغرافية الأدب النسائي في المغرب. وللتدليل على هذه الملاحظة نورد الجدول التالي:

القصة

الكاتبة/القصة

خناثة بنونة/ليسقط الصمت
خناثة بنونة/النار والاختيار
خناثة بنونة/الصورة والصوت
خناثة بنونة/العاصفة
خناثة بنونة/الصمت الناطق
رفيقة الطبيعة/رجل وامرأة
رفيقة الطبيعة/تحت القنطرة
رفيقة الطبيعة/ريح السموم
لطيفة باقا ما الذي نفعله?
زهرة زيراوي/الذي كان!
زهرة زيراوي/نصف يوم يكفي
ليلى الشافعي /الوهم والرماد
أمينة الشرقي /حصري الإحباط
نزهة بنسليمان/لو قلت كلمتي
ربيعة ريحان /ظلال وخلجان
ربيعة ريحان /مشارف التيه
ربيعة ريحان/مطر المساء
ربيعة ريحان /شرخ الكلام
حنان درقاوي/طيور بيضاء
مليكة نجيب/الحلم الأخضر
مليكة نجيب/لتبدأ الحكاية
رجاء الطالبي/شموس الهاوية
نجاة السرار/حتى إشعار آخر
فاطمة بوزيان/همس النوايا

الرواية

الكاتبة/الرواية
فاطمة الراوي/غدا تتبدل الأرض
خناثة بنونة/النار والاختيار (وقصص أخرى)
خناثة بنونة/الغد والغضب
ليلى أبو زيد/عام الفيل (وقصص أخرى)
ليلى أبو زيد /رجوع إلى الطفولة
ليلى أبو زيد /الفصل الأخير
عائشة موقيظ /البوم
زهور كرام/جسد ومدينة
فاطمة المرنيسي/نساء على أجنحة الحلم
خديجة مروازي/سيرة الرماد
مليكة مستظرف/جراح الروح والجسد
حفيظة الحر/فاتحة الجرح

الشعر

الشاعرة/الديوان
ابن عدو الإدريسي/شعلة تحت الثلج
آسيا الهاشمي البلغيتي/فجر الميلاد
مليكة العاصمي/أصوات حنجرة ميتة
مليكة العاصمي/كتابات خارج أسوار العالم
مليكة العاصمي/شيء له أسماء
مليكة العاصمي/دماء الشمس
ثريا السقاط/أغنيات خارج الزمن
وفاء العمراني/الأنخاب
وفاء العمراني/أنين الأعالي
وفاء العمراني/فتنة الأقاصي
وفاء العمراني/هيأت لك
بهية الفيلالي أديب/ورقات من رحلة صامتة
ثريا مجدولين /أوراق الرماد
ثريا مجدولين /المتعبون
زهرة منصوري/جذور صامتة
زهرة منصوري/تراتيل
أمينة المريني /وردة من زناتة
أمينة المريني /سآتيك فردًا
حسنية عدي/صورة لامرأة مرتجلة
حكيمة الشاوي/العشق المزمن
فاطمة برودي/إبحار في قلاع الروح
عائشة البصري/مساءات

إذا قمنا بقراءة أولية لهذا الجدول انطلاقًا من سنوات السبعينيات, فسنلاحظ أن عدد الإصدارات النسائية سيتراجع, حيث لم يصدر في هذه المرحلة سوى ثلاث مجموعات قصصية (الصورة والصوت) (1975) لخناثة بنونة و(تحت القنطرة) (1976) و(ريح السموم) (1979) للقاصة رفيقة الطبيعة. والملاحظة العامة أن هذه الإصدارات تمثل امتدادًا للإنتاجات الأولى وتكاد أن تكون تكرارًا للموضوعات السابقة نفسها والتي ترتبط بقضايا اجتماعية وقومية وهموم نسائية.

لكن, مع مطلع الثمانينيات سيحدث تحول نوعي حيث ستصدر خناثة بنونة (رواية الغد والغضب) وليلى أبو زيد رواية (عام الفيل). وفي مرحلة لاحقة ستصدر لخناثة بنونة أيضًا مجموعة قصصية تحمل عنوان (الصمت الناطق) (1987). وستشهد هذه الفترة ميلاد القصيدة النسائية. وهذا لا يعني قطعًا أن المرأة المغربية لم تكن لتمارس فن القول الشعري قبل هذه المرحلة, ولكن الذي نعنيه هو أن المرأة الشاعرة ستعمل في هذه المرحلة على إصدار دواوين مثل (فجر الميلاد) لآسيا الهاشمي البلغيتي, و(كتابات خارج أسوار العالم) و(أصوات حنجرة ميتة) للشاعرة المتميزة مليكة العاصمي.

ظاهرة التوقف والانقطاع

وبصفة عامة, يمكن القول إن التجربة الإبداعية للمرأة لا تتسم فقط - كما سبقت الإشارة إلى ذلك - بقلة الإصدارات الإبداعية وقلة الأسماء المبدعة على امتداد ما يزيد على ثلاثة عقود, بل, ما يثير الانتباه في هذه التجربة أيضًا هو ظاهرة التوقف والانقطاع بالنسبة للمبدعات, فأغلب الأسماء الرائدة والمؤسسة للأدب النسائي في المغرب نجدها تتوقف عند حدود الإصدار الأول مثل: مليكة الفاسي, آمنة اللوه وفاطمة الراوي وليلى الشافعي. أما بالنسبة للقاصة رفيقة الطبيعة (واسمها الحقيقي زينب فهمي) فإنها بدورها ستتوقف عن الكتابة والنشر عند صدور ثالث مجموعة قصصية لها هي (ريح السموم) (1979). فباحتجابها - وهذا أمر شخصي - ابتعدت في الوقت نفسه عن مجال الكتابة بالرغم مما تتميز به كتاباتها من جمالية سواء على مستوى البناء الفني, أو على مستوى التيمات التي كانت تتطرق إليها.

في هذا الصدد, تجدر الإشارة إلى أن الانقطاع والتوقف عن الكتابة ظاهرة ثقافية قد تكون كونية وإنسانية, يشترك فيها كل من الرجل والمرأة, لكن ما يدعو إلى التأمل حقًا هو أن التوقف قد يكون محدودًا وفرديًا لدى الرجال/ الكتاب.

بينما, بالنسبة للنساء الكاتبات خاصة في مرحلة التأسيس الأولى فإن قلة المبدعات يعتبر لافتًا للانتباه, خاصة عندما يصبح ظاهرة جماعية, مما يدفعنا إلى التساؤل عن أسباب هذه الظاهرة, وذلك يتطلب - في رأيي - دراسة سوسيونفسية مستقلة تفسر لنا دواعي التوقف والانقطاع عند الكاتبات المغربيات.

اعتمادًا على هذا التحقيب النصّي لما أنتجته المخيّلة النسائية في المغرب, من شعر وقصة ورواية, على امتداد ما يزيد على أربعة عقود نستطيع القول إن أكثر من 50% من إنتاج المرأة المغربية قد صدر في سنوات التسعينيات (ست روايات - عشرة دواوين - إحدى عشرة مجموعة قصصية), نظرًا لتوافر شروط ثقافية معينة أفرزتها التحوّلات العامة التي عرفها الواقع المغربي العام, والواقع النسائي الخاص. ومن خلال مقاربتنا للتيمات المركزية المهيمنة في الكتابة النسائية, نخلص إلى القول إن البوح بالهموم النسائية يمثل مكونًا مهمًا في المتخيل النسائي, وركنًا أساسيًا في رؤية الكاتبة للعالم تشترك فيه كثير من الكاتبات العربيات.

وخلافًا للكاتبات اللائي ينتمين إلى مرحلة الستينيات والسبعينيات التي اتسمت بحدّة الصراع الاجتماعي, والارتباط بالقضايا الكبرى, كالانتماء القومي, ومساندة الثورة الفلسطينية من أجل تحرير الوطن المغتصب, كما نجده في رواية النار والاختيار لخناثة بنونة, فإن جيل الكاتبات الجدد اللائي ظهرن بعد عقد الثمانينيات قد اتجه للتعبير عن همومه الصغيرة, يستمد مشروعيته الإبداعية ومصداقيته الفنية من طبيعة المرحلة التاريخية التي كانت تتصف بالمواجهة والصراع الاجتماعي.

إن الكتابة النسائية المغربية, من خلال القصة القصيرة في بدايتها, كانت تبحث عن امتلاك سلطة الكلمة وردّ الاعتبار إلى المرأة كأنثى لها الحقوق والواجبات نفسها, ومع أواخر الستينيات, نزعت إلى المطالبة بالمساواة وإثبات الوجود الإنساني للمرأة, وتصحيح العلاقة غير المتوازنة بينها وبين الرجل, بينما, نجد أن تجربة التسعينيات يسكنها هاجس الرغبة في امتلاك اللغة وطرائق الحكي.

غير أن الخاصية المشتركة التي يتسم بها الإبداع النسائي تتحدد أساسًا في قلة الأسماء النسائية المبدعة - كما ذكرت في المقدمة - سواء في الشعر أو في القصة أو الرواية, وفي عدم الاستمرار في مزاولة الفعل الإبداعي, ممثلاً في ظاهرة التوقف والانقطاع كما حدث لآمنة اللوه ومليكة الفاسي وفاطمة الراوي ورفيقة الطبيعة, الشيء الذي يدفعنا إلى التساؤل عن سوسيولوجية ظاهرة الصمت والتوقف عن الإبداع لدى المرأة التي تحتاج إلى دراسة مستقلة.

وهكذا, نجد القاصّة لطيفة باقا في مجموعتها القصصية (ما الذي نفعله?), تحاول الاقتراب من الجزئيات الصغيرة, التي على الرغم من بساطتها بسبب انغراسها في اليومي المعيشي فإنها تبقى مشحونة بالدلالات الاجتماعية والنفسية الضاغطة, بدءًا من (سحق الأقدام في الحافلة) بسبب البطالة - كما في قصة (يداه) - التي تحاصر واقع البطلة وتضعها أمام اختيارين لا ثالث لهما, إما أن تختار الإرهاب, أو البغاء الذي ستمارسه البطّالة (رجاء) كخلاص من الأزمة الاقتصادية وشظف العيش. أما في قصة (حساء رديء), فالبطلة عندما أعياها البحث عن عمل, صارت تتطلع إلى الزواج بابن خالتها الذي يعمل بفرنسا, بالرغم من أنها تدرك وهم وحقيقة الحياة في المهجر الذي ليس بأحسن حالا من العيش في الداخل. ومع ذلك ستختار هذا الحل الذي يتسم بالمغامرة.

هكذا, نجد أن قصص (ما الذي نفعله?) للطيفة باقا, تتميز بلغة الإيجاز والتلميح في التقاط أحداث الواقع, من خلال استنطاق المتخيّل اليومي, ومشاغله التي تعانيها فئة عريضة من المجتمع, سواء في المستشفيات - حيث تتعرض المريضة للامبالاة - أو في المقهى - حيث يقدم للزبون المشروب الفاسد), برتقال فاسد, لأجل مستقبل فاسد, سانسون عصير طبيعي 100%, حكاية سخيفة

وفي بيت الزوجية, يقتل الروتين والرتابة عند الأسرة كل رغبة في الفرح والحيوية, أو بالنسبة العاطلين المجازين (أصحاب المؤهلات) الذين يلهثون وراء البحث عن فرصة للعمل, (إن السيل بلغ الزبى...وإنني مجازة في خرافة حقيقية اسمها السوسيولوجيا) حساء رديء

رشيدة بنمسعود مجلة العربي ابريل 2005

تقييم المقال: 1 ... 10

info@3rbi.info 2016