هل خُلق الكون? قد يستنكر القارئ هذا السؤال لسببين أولا أننا موجودون, فكيف يكون السؤال هل خُلق الكون? وثانيا, لماذا يطرح مثل هذا السؤال? والجواب, أن التفكير البشري في قصة إثبات خلق الكون, قد غاص في النقاش حول ما اذا كان الكون موجودًا منذ الأزل أم لا!
من عهد قدماء اليونان إلى وقت قريب من العصر الحاضر, هناك شبه إجماع بين الفلاسفة وكثير من المختصين في دراسة الكون, على أن الكون موجود منذ الأزل, ولا يختلف مع هذا التفكير إلا المؤمنون بالديانات السماوية. الفلاسفة من اليونان القديمة كانوا من الأوائل الذين بحثوا في أصل الكون وطبيعته, فمنهم طاليس الملطي المتوفى سنة 547 ق م والذي قال إن الماء هو أصل الأشياء, فقد أرجع الكون كله إلى شيء واحد وهو الماء. فيلسوف آخر هو أنكسيمنس المتوفى سنة 580 ق م, أرجع الأصل إلى الهواء وغيره أرجعها إلى النار أو التراب وأنكساغوراس المتوفى سنة 428 ق م, الذي قال إن الكون أصله عدد لا نهاية له من العناصر أو البذور يحركها عقل رشيد حكيم بصير.
في الماضي كانت مسألة وجود الكون تطرح من الناحية الفلسفية, ولكن في القرن العشرين بدأت تتشكل ملامح علم جديد بعد نظرية النسبية العامة لأينشتاين, التي أثبتت أن الكون في حالة تغيير, أي أنه غير ثابت منذ الأزل. العلم الجديد يأتي تحت مسمى علم الكون أو Cosmology, وهو علم يختص بدراسة الكون كوحدة واحدة من ناحية ولادته ومكوناته وتطوره ونهايته! ولذا يختلف عن علم الفلك بل يستفيد من علوم الفلك والفيزياء والرياضيات.
النظرات المختلفة للكون
في مقال سابق (نشر في مجلة العربي عدد مايو 2005) ذُُكرت النظرات المختلفة للكون عبر التاريخ الإنساني, إلى أن وصل الإنسان عن طريق العلم إلى حقيقة أن للكون بداية وهذا يعني أن الكون ليس أزليا (راجع العدد). لقد ثبت أن الكون مولود وكل مولود يكبر وينضج! فهل كبر الكون ونضج?! الإجابة نعم, كبر الكون ونضج, لأنه ببساطة ارتبط بالزمن وكل متغير يرتبط بالزمن لابد أن يكون له مسار خاص به. فكيف ولد الكون? وما مساره? وكم عمره ومادام للكون عمر فهذا يعني أن هناك مراحل مر بها الكون, فما هذه المراحل?
وكانت النظرة السائدة قبل سنة 1916 أن الكون ساكن مستقر, ولكن نظرية أينشتاين النسبية العامة أثبتت بالمعادلات أن الكون في حالة تغير سواء بالانكماش على نفسه أو التمدد.
والمعلوم أن كل مصدر ضوئي إذا تحرك كانت النتيجة إزاحة خطوط الطيف عن موقعها, ومن هذه الإزاحة يمكن تحديد ابتعاد أو اقتراب المصدر من مراقبة عدد كبير من المجرات على اعتبار أنها مصادر للضوء وقد تمكن الفلكي هابل من أن يفسر ظاهرة انحياز طيف الضوء الصادر من المجرات نحو الأحمر بوجود حركة ابتعاد المجرات عنا, وكلما كانت المجرة أبعد منا كانت سرعة ابتعادها أكبر, ومن هذه الدراسة ثبت أن المجرات تتباعد عن بعضها بعضًا, وهذا يعني أن الكون في حالة تمدد.
تصور تمدد الكون
لتوضيح فكرة تمدد الكون تصور بالونا من المطاط ورسمت عليه رسوم تمثل مجرات متعددة ومبعثرة على سطحه وعند نفخ البالون تتباعد الرسومات التي تمثل المجرات عن بعضها بعضًا, فلو تصورت نفسك جالسا على إحدى هذه المجرات ومراقبتك للمجرات الأخرى فتجد أنها تبتعد عنك, وينطبق هذا على أي مجرة تختارها. المجرات المرسومة على سطح البالون تمثل المجرات المنتشرة في الكون, ولذلك لا يهم من أي نقطة تراقب المجرات في الكون فالوضع بالنسبة لنا واحد, إن راقبنا الكون من الأرض, أم من كوكب آخر في مجرتنا, أم من أي مجرة أخرى في الكون, النتيجة واحدة: المجرات تبتعد عنا.
أساس نظرية الانفجار العظيم
بعد أن ثبت أن الكون في حالة تمدد ماذا لو تخيلنا أنفسنا نرجع بالزمن إلى الماضي? النتيجة أن الكون يصغر. الكون قبل مليون سنة مضت أصغر من الكون الحالي, والكون قبل ألف مليون سنة أصغر وأصغر وهكذا. والسؤال إلى أين يصل بنا هذا التصور? إلى بداية الكون عندما كان الكون أصغر ما يمكن!! ومن هذا الأصغر ربما وقع الانفجار ونتج الكون الذي نراه!!!. هذا التصور بداية للتفكير في النظرية, لكن نظرية الانفجار العظيم اعتمدت على علوم الفلك والفيزياء والرياضيات, وعلى الرصد المتواصل للكون وتفكير وجهد جمع من العلماء من مختلف التخصصات إلى أن وصلت إلى الصورة الحالية, ومن الذين لهم الدور في تأسيس هذه النظرية.
(1) عالم الرياضيات الروسي فريدمان
في سنة 1922 أثبت أن حل معادلات أينشتاين لا يسمح بوجود كون ساكن, فالكون في حالة تمدد, وهذا الكون نشأ من انفجار هائل قوي, من نقطة مادة صغيرة جدا ذات كتلة عالية, ومازال الكون يعيش الانفجار الى يومنا هذا, حيث الكون مازال في تمدده!!.
(2) القس والفيزيائي البلجيكي جورج ليماتير
هذا القس الفيزيائي أبدى اهتمامًا كبيرًا في علم الكون وحل معادلات أينشتاين, وأعلن سنة 1927 أن الكون غير ساكن, ومنها وضع سيناريو خلق الكون, ولذلك يطلق عليه (أبو نظرية الانفجار العظيم). لقد قال إن الكون بدأ بانفجار من أصل ذرة سماها ذرة بدائية! وبدأ الانفجار من يوم ليس له أمس!! وهذا تعبير دقيق عن النظرية, لأنه لا يمكن أن يكون للزمان وجود من غير وجود للكون!! وحسب نظرية النسبية, تم خلق الزمان والمكان مع الانفجار العظيم, لذلك لا يوجد شيء نقول عنه قبل الانفجار العظيم!!.
(3) العالم الفلكي هابل
هذا الباحث أعطى جهدا كبيرا في مراقبة الكون, واكتشف عملية تمدد الكون, وأثبت أن الكون يتألف من مجرات وإليه يرجع الفضل في تصنيف المجرات
(4) جورج جامو
في سنة 1948 أعطى تفاصيل عن النظرية, ومن الآراء التي طرحها هذا العالم الفيزيائي الأمريكي (الروسي الأصل) أن الكون يجب أن يكون ثلاثة أرباعه من الهيدروجين, والربع الباقي من الهيليوم, وتوجد موجات منتشرة في الفضاء ويجب أن تكون في مجال الميكرويف, وهذه الموجات هي بقايا من الانفجار العظيم, بعد أن برد الانفجار, وأن درجة حرارة الكون حاليا تصل إلى 5 درجات كلفن, أي -268 درجة سيليزية! كل هذه الاستنتاجات أعلنها باستعمال المعادلات الرياضية.
(5) أرنو بينزيا وروبرت ويلسون
في سنة 1964 حدث بالصدفة أن تم اكتشاف أشعة صادرة من جميع الاتجاهات, وتم الاكتشاف على يد عالمين كانا يعملان في مشروع الاتصالات باستعمال الموجات, وهذان العالمان هما أرنو بينزيا وروبرت ويلسون, فقد لاحظا أن أشعة الميكرويف صادرة من السماء من جميع الاتجاهات, بغض النظر عن الجهة التي توجه لها الأجهزة, وتبين أن هذه الموجات موجودة سواء في الليل أو النهار وبعد التحري الدقيق تبين أنها موجات حقيقية! وبعد دراستها من قبل المختصين أرجعوها إلى تلك الموجات التي تنبأ بها الفيزيائي جامو في سنة 1948!!.
(6) ألن جث
في سنة 1980 تقدم هذا الفيزيائي باقتراح لتعديل نظرية الانفجار العظيم ومختصر الفكرة التي طرحها هي أنه في اللحظات الأولية لبدء الانفجار, حدث تمدد مفاجئ سمي بالتضخم, وبسرعة هائلة تحولت النقطة الصغيرة جدا جدا التي انطلق منها الانفجار العظيم إلى كون واسع خلال فترة زمنية في منتهى الصغر. بعد هذا التمدد المفاجئ والسريع تمدد الكون على وتيرة عادية, واستمر التمدد إلى يومنا هذا. إن التعديل الذي اقترحه هذا الفيزيائي على نظرية الانفجار العظيم يحل بعض الإشكالات العلمية المتعلقة بالنظرية, ومن بينها أن الانفجار العظيم بنماذجه السابقة لم يكن لينتج عنه كون بهذا الحجم الهائل الفعلي, وإنما كان محددا بحجم صغير جدا. من الصعوبة بمكان تصور تمدد بهذا الحجم وبهذه السرعة.
لقد ذكرت في هذه العجالة بعض الأسماء وهذا طبعا لا يعني أنني وفيت حق جميع الذين ساهموا في هذه النظرية, وهذا لا ينتقص من حق الذين لم أذكرهم. نلاحظ أن النظرية بدأت مع أينشتاين في سنة 1916 وإلى سنة 1980, وهي في حالة تطور ومازالت تتطور, ومع الأيام ترسخ أكثر وأكثر, ولها تأييد عالمي من أغلب علماء الكون.
انفجار من نوع خاص
هذا الانفجار لا يشبه انفجار قنبلة, والسبب أن انفجار قنبلة يحدث في مكان ما وزمان معين, ولكن هذا الانفجار هو الذي أوجد المكان والزمان. في حالة انفجار قنبلة يمكن تحديد مركز انفجارها, لكن الانفجار الذي أوجد الكون حدث في كل مكان في نفس الوقت!! لذلك يستحيل علينا الآن أن نحدد النقطة التي بدأ منها الانفجار, لأنه لا يوجد مركز لهذا الانفجار, وعلى هذا يمكن اعتبار مركز الكون أي نقطة تتم منها المراقبة. أنا أعلم أن المسألة دخلت من باب التصور, وليس من اليسير استيعاب ذلك, لذا يجب أن نبعد إحساسنا الذي تعودنا عليه بالنسبة لمعرفتنا للمكان أو الزمان أو الطاقة أو المادة, وأذكر قولا للإمام علي بن أبي طالب يقول
(إن من عجز أن يصف المخلوق كيف له أن يصف الخالق?!!
كذلك أنقل ملاحظة جديرة بالاهتمام من شارلز تاونز, الحاصل على جائزة نوبل في الفيزياء (1964)
(العلم مبني على أساس السبب والأثر والمكان, وأخيرا الزمان والسؤال, كيف يمكننا تفسير أصل الكون على أساس العلم? كيف يمكن أن نطبق مفهوم العلم على أصل الكون? نقع في ضياع, والكلام عن أصل الكون دائما يخلق معضلة, وستبقى معضلة, والسبب أن الكون قد خُلق وخُلق معه الزمان والمكان, بينما في المفهوم العلمي الشيء يحدث في الزمان والمكان! أي أن الكون لم يُخلق في الزمان والمكان! لا يمكنني أن أفهم كيف يمكن للعلم لوحده بعد أن يُفصل عن الدين أن يفسر أصل كل الأشياء?! صحيح أن الفيزيائيين يأملون في النظر إلى ما بعد الانفجار العظيم وإمكان تفسير أصل الكون الذي نحن فيه, ولكن كيف بدأ أصل الكون في الوجود? في نظري أن السؤال عن أصل الوجود سيبقى من غير إجابة, إذا اعتمدنا على العلم وحده).
أتفق مع هذا الرأي. نعم, لا يمكن الاعتماد على العلم وحده في معرفة أصل الكون, لكن هذا لا يمنع البحث في مثل هذه المواضيع. إنه من الضروري أن يرتفع مستوى الإنسان, وأن نفهم - نحن البشر عامة - عالم الغيب معرفة صحيحة ونقر بوجوده بعيدا عن عالم الخرافات والأساطير, فالغيب أعمق وأرقى من أن تمسه يد الخرافة, ولكن مع الأسف تم خلط الأمور, ولذا تم في كثير من الحالات رفض الغيب بدعوى أنها خرافة!! وهذه هي الطامة الكبرى للإنسان!!. وحسنا قال الشاعر:
تأمل في سطور الكائنات فإنها
من الملأ الأعلى إليك رسائل
شروط الانفجار العظيم
لقد تبين من الدراسات الكثيرة أن الانفجار, الذي يفسر بداية الخلق, يجب أن يكون ضمن شروط معينة, لكي نتمكن من تفسير وجود الكون بالصورة التي نراها حاليا. هذه الشروط وجد أنها يجب أن تكون شروطًا خاصة جدًا ودقيقة, لأن عملية بدء خلق الكون ليست عملية انفجار فقط, ولكنها انفجار بشروط خاصة جدا جدا!!.
ماذا يعني أن الانفجار العظيم كان بشروط خاصة?
للإجابة عن هذا السؤال يمكن الاستعانة بالمثال الآتي: إن الطريقة الوحيدة لإرسال قمر صناعي يدور حول كوكب الأرض هي إعطاؤه دفعة, هذه الدفعة لو كانت قوية جدا لانفلت القمر الصناعي وسبح في الفضاء البعيد, ولو كانت الدفعة ضعيفة لسقط على الأرض بعد أن علا مسافة معينة في السماء, ولكي يوضع القمر الصناعي في المدار المناسب, يجب أن تكون الدفعة مناسبة ومحسوبًا حسابها, ويمكن تسميتها بـ (الدفعة الحرجة), لا هي بالقوية, بحيث تدفع الجسم إلى الفضاء الخارجي, ولا هي بالضعيفة, بحيث يرجع الجسم إلى الأرض. في هذه الحالة فقط يتمكن القمر الصناعي من الدوران حول الأرض, كما هو الحال بالنسبة للقمر الطبيعي, الذي يدور حول الأرض.
بعد هذا المثل التوضيحي نرجع إلى الكون عند بدايته فقد بدئ بانفجار, فإن كان الانفجار أكبر من القوة الحرجة للانفجار نتج عنه كون مفتوح يمتد إلى الأبد من غير أن يؤدي إلى أي وجود للمادة, وبالتالي لا يمكن أن يحوي الحياة كما نعرفها الآن. أما إن كان الانفجار أضعف من القوة الحرجة للانفجار نتج عنه كون مغلق, أي كون ينغلق على نفسه بعد الانفجار, ولا يعطي الفرصة لوجود أي شيء, لأن الكون ينطوي على نفسه!. إن هذا يعني أن الانفجار العظيم الذي تم كان محسوبا حسابه بدقة دقيقة جدا لا قوة انفجار أكثر من اللازم, ولا أقل, ويتبين أنه مخطط له من قبل. حتى نأخذ فكرة عن الدقة المطلوبة للانفجار, يشبه أحدهم هذا التوازن في الانفجار والنتيجة الحاصلة, كمن يريد أن يوازن هرما مقلوبا ضخما جدا على رأسه ذي حافة دقيقة جدا!!.
ماذا تم بعد الانفجار العظيم?!
يُقسم الفيزيائيون مابعد الانفجار العظيم إلى مراحل بدءًا من أجزاء أصغر كثيرا من التريليون من الثانية!! وانتهاءً ببلايين السنين. إن المراحل التي تم خلالها خلق الكون لا تأخذ نفس الفترة الزمنية لكل مرحلة, فهي تتفاوت من أجزاء من الثانية في المراحل الأولى, إلى بلايين السنين في المراحل الأخيرة. فمثلا المرحلتان الأولى والثانية لا تستغرقان إلا أجزاء من الثانية, وخلق العناصر الخفيفة تدخل فترة الدقائق لا أكثر, لكن فترة خلق النجوم والمجرات هي التي تدخل فترة البلايين من السنين.
بدأت ساعة الصفر لحظة بدء خلق الكون وهي من المراحل الصعبة الفهم على الإنسان, ويحاول العلماء فهمها, ولكن المشكلة أن القوانين الفيزيائية لا تنطبق على هذه المرحلة, أما بعدها بلحظات صغيرة جدًا, فتبدأ عملية التضخم في الكون, أي التمدد المفاجيء الضخم.
الثواني الأولى
بعد التضخم تمدد الكون بطريقة عادية, وفي هذه الثواني حالة الكون حار جدًا, ويحوي جسيمات أولية وأشعة!!
الدقائق الأولى
الكون فقد قدرا كبير من حرارته فانخفضت درجة الحرارة إلى ألف مليون درجة, وهذا ما سمح بحدوث التفاعل النووي وبدء خلق العناصر الخفيفة مثل الهيدروجين والهيليوم والديتوريوم والليثيوم والبريليوم, لكن بعد 30 دقيقة توقفت عملية خلق العناصر نظرا لانخفاض درجة الحرارة نسبيا. بالنسبة لخلق بقية العناصر الثقيلة مثل الكربون والأكسجين وغيرهما, لابد من الانتظار إلى مرحلة خلق النجوم, لأن عملية خلق العناصر الثقيلة تتم داخل النجوم, فالنجم هو الفرن الذي يتم فيه خلق العناصر الثقيلة.
وما بين ثلاثمائة ألف إلى خمسمائة ألف سنة بقي الكون على شكل كتلة غازية هائلة ساخنة, وفي حالة تمدد. عندما كان عمره حوالي بليون سنة تكونت المجرات, وبدأ الكون يأخذ شكله. أما ما يهمنا فهو تشكيل وتهيئة مكان سكننا نحن بني البشر, فقد بدأت المراحل الأولى لخلق الشمس في السحابة الغازية في أحد أذرع مجرتنا, ومن بقايا الغازات من الشمس مع الغبار الكوني تشكلت الأرض, وحدث هذا تقريبا بعد مرور أكثر من 8 بلايين سنة من عمر الكون, أي أن الأرض لم تكن موجودة طوال هذه الفترة الزمنية!!. بعد حوالي 13 إلى 14 بليون سنة صار الكون كما نراه الآن ووجدنا نحن بني البشر في اللحظات الأخيرة من خلق الكون. ومع أننا جئنا متأخرين, فإننا نسأل: كيف حدث كل هذا?! ولماذا حدث? وما الهدف من ورائه?!.
كيف بدأ الخلق?
هذا السؤال جزء من آية قرآنية مرت على خاطري, وأنا أبحث في موضوع الانفجار العظيم, فقد بذل الإنسان جهدا متواصلا وكبيرا للتوصل إلى نظرية الانفجار العظيم, وقد يصل إلى معرفة ما يحيط بهذا الموضوع ويقترب من الحقيقة أكثر وأكثر, ومازال يواصل بحثه في هذا الاتجاه, وليس مستبعدا أن نصل إلى معارف أكثر بالنسبة لخلق الكون.
إن الأمر الذي أحب أن أشير إليه هو أنه منذ بدأ التفكير في أسس هذه النظرية بدءًا من أينشتاين, ونظريته النسبية العامة سنة 1916, واستخدام أحدث التلسكوبات على مر السنين وإلى يومنا هذا وتجمع العقول المتخصصة في مؤتمرات وندوات بالإضافة إلى علماء الرياضيات والكيمياء, واستخدام أحدث الكومبيوترات, واستخدام الأقمار الصناعية, وتثبيت التلسكوبات عليها, ووضع المجسات المختلفة الدقيقة, كل هذه العلوم والتكنولوجيا الراقية, وجهود أكثر من 80 سنة للوصول إلى كيف بدأ الخلق? ونحن كمسلمين نقرأ هذه الآية ليل نهار وهي تأمرنا:
قُلْ سِيرُوا فِي الأرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
يعني ذلك لكي تعرف كيف بدأ الخلق وتنفذ مفهوم هذه الآية, يجب أن تملك كل هذه التكنولوجيا وهذه المعارف, أليست هذه دعوة من القرآن لنهتم بالعلم والتكنولوجيا? قد يأتي معترض ويقول القرآن: كتاب هداية, وأنا لا أعترض على ذلك ولا أتوقع من القرآن أن يكون كتابا للفيزياء مثلا, ولكن ما المانع من الاستفادة من الإشارات الموجودة في القرآن لحث المؤمنين به على الاهتمام بالعلم? ومن قال إن الهدف من القرآن فقط الآخرة?!!. أليست الدعوة للتطور العلمي هي أيضا لخير بني البشر (ولا أقول فقط للمسلمين) الذي يريده خالقه لهم سواء في الدنيا أو في الآخرة?! إني أجد أن هذه الدعوة السماوية هي دعوة لإعمال كل هذا الجهد, وهذا يعني الإلمام بكل التكنولوجيا التي تؤدي إلى معرفة بدء الخلق. إنني أرى في المستقبل القريب كشوفات ضخمة ستفتح أبوابها على العاملين في هذا المجال, والله هو العالم كم بابًا من العلم سيفتح من بعد معرفة التفاصيل الدقيقة للانفجار العظيم أي من بعد معرفة كيف بدأ الخلق!! ولكننا نأتي دائما متأخرين مع الأسف!!