ثمة ملاحظتان رئيسيتان لاحظتهما من خلال تتبعي للموقع الاجتماعي «تويتر» على مدى الشهور الثلاثة الماضية، تمثلتا في أن أغلب ما يبث من تغريدات أو Tweets التي تصل يوميا لمئات الآلاف من المغردين العرب من مستخدمي تويتر تتظلل بظلال السياسة، نقدًا وقدحًا ونقلاً خبريًا وتعليقًا وحتى سخرية، بينما يغيب العلم مقتولا بالتجاهل التام، ومذبوحا بغياب الوعي بأنه لا يمكن لثورة حقيقية أن تنجح بدون العلم. أما الملاحظة الثانية فتتعلق بموضوع النزاع بين القائمين على جامعة النيل المصرية مع الحكومة المصرية والدكتور زويل حول أحقيتهم بالمكان الذي كان قد خصص أصلا لمدينة زويل للعلوم التي أعلن عن قيامها أخيرًا.
لاحظت ان هناك حملة ضخمة من جامعة النيل، يتبناها عدد من المتحمسين لفكرة أن قيام مشروع علمي لا يمكن ان يقوم على حساب مشروع آخر، وهو بديهي، لكن ما لفت انتباهي هو أن المسألة أيضًا لم تأخذ أي شكل علمي بل اتخذت طابعًا سياسيًا محضًا. لم يذكر شخص طبيعة الإنتاج العلمي لجامعة النيل، أو التخصصات البحثية والعلمية فيها، أو أهم المشروعات العلمية التي اسهمت فيها، مجرد تعليقات عن الظلم والتعسف والحقوق، وانتقادات شخصية في حق زويل وحق الحكومات المصرية السابقة، وذهب العلم، المرفوع باسمه كل هذا الجدل، إلى الجحيم!
خلط العلم بالسياسة
وأظن أن هذا الجدل الذي شهد الفضاء الإلكتروني جانبا واسعا منه، ونجح في نقله بالتالي للإعلام المرئي وسواه، هو امتداد لظاهرة بدأت مباشرة عقب الانتفاضات والثورات العربية والتي تمثلت في خلط الدين بالسياسة أولا عقب ظهور كل الفصائل السياسية، التي كانت تعمل بالسياسة باسم الدين، ثم بخلط العلم بالسياسة في مرحلة موازية، حين أعلن الدكتور أحمد زويل عن نيته ترشيح نفسه للرئاسة في مصر عقب الثورة المصرية مباشرة، وقبل أن يخرج الإعلان الدستوري الذي اشترط الجنسية المصرية شرطا لأي مرشح رئاسي.
بينما البديهي أن يقوم كل متخصص بالعمل في مجاله، وخصوصا رجال العلم الذين ينتظر منهم جهد خارق لوضع العلم على خارطة الاهتمام الجماهيري، مثل أحمد زويل، كما حدث أخيرا بإعلان إنشاء المدينة العلمية المزمع القيام بها في مصر. كما لاحظنا أيضا استضافة الإعلام لرجال بارزين في مجال الطب مثل الدكتور محمد غنيم مؤسس مركز زراعة الكلى الدولي في مدينة المنصورة، وأحد رواد العرب في نقل وزراعة الكلى، ليتحدث في الشأن السياسي، باستغلال نفوذه الجماهيري، وخبرته الإدارية في تأسيس مركز طبي ذي مواصفات قياسية دولية استمرت حتى بعد إعلان استقالته من إدارة المركز منذ سنوات.
والحقيقة أن ما نحتاج إليه اليوم من زويل وغنيم وغيرهما من رواد العلم والطب العرب في العالم العربي وخارجه ليس التنظير السياسي، بقدر ما نحتاج للأفكار العلمية، وكيفية إشاعتها في المجتمعات العربية التي كشفت لنا المتغيرات الأخيرة غياب العقل فيها بشكل لافت لحساب العواطف التي يمكن دغدغتها بخطابات دينية وتقليدية بسهولة.
وهذا مثلا ما عبر عنه بشكل جيد الدكتور مجدي يعقوب رائد جراحة القلب في إحدى المناسبات العلمية عقب الثورة قائلا أنه: «لا سبيل أمام مصر بعد ثورة 25يناير سوى العلم لضمان حمايتها وتحقيق أهدافها»، وأضاف: نحن مازلنا نجهل قيمة العلم في تحقيق التنمية والوصول إلى الرقي بالإنسان المصري.
وأشار في افتتاح مهرجان القاهرة السنوي الثاني للعلوم والهندسة بالجامعة الأمريكية إلى «أن مصر تستطيع تحقيق الاكتفاء الذاتي لها وللدول المجاورة من غذاء وطاقة مع تحسين الظروف المعيشية والصحية لتلك الشعوب إذا وضعت العلم في المكان اللائق بين أولوياتها وأنها تمتلك العلماء القادرين على ذلك».
لكن هذا التصريح النادر، لن نجد له صدى كبيرا لا في الإعلام المرئي أو المكتوب، ولا حتى في ساحة الفضاء الإلكتروني ممثلا في شبكة الإنترنت.
المبادرات الإلكترونية: لا مكان للعلم!
وكما كنت تناولت في هذه الزاوية، قبل فترة، المبادرات الإلكترونية التي ظهرت عقب الثورات العربية ممثلة في مواقع إلكترونية أنشأت لصحف إلكترونية ثورية، أو لمبادرات لترويج الأفكار المدنية، وحقوق الإنسان، والحريات، ورفض الرقابة على الإنترنت، وصولا حتى لبعض المبادرات الجديدة في عدد من التخصصات المبتكرة في الأدب أو الفنون. أما العلم فبقي منفيا ومعزولا في هذا الإطار.
المشكلة بشكل عام أن المحتوى العربي على الإنترنت في مجال العلوم، وقبل الثورات العربية ضعيف جدا، ويحتاج للمزيد من الجهد من الجهات البحثية والعلمية والأفراد لدعم هذا المحتوى كمًا وكيفًا، خصوصا أن المقارنة مع المواقع الأجنبية العلمية تظهر مدى الفقر الفادح الذي يعاني منه هذا المحتوى.
ويمكن تتبع فكرة واحدة فقط مثل المتاحف العلمية من خلال مواقعها الإلكترونية على الإنترنت ليتبين لنا وجود مئات المواقع الخاصة بالمتاحف العلمية في الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وألمانيا وفرنسا واليابان وكوريا وأغلب دول شرق آسيا وروسيا وغيرها. وهي شبه ظاهرة تعرف بها الدول المتقدمة تعبيرا عن أن الثقافة العلمية هي جزء أساسي من هوية الدولة والمواطنين وفيها يمكن لزائرها التعرف على كل ما يتعلق بالإنتاج العلمي والصناعي في العالم وليس فقط في مجال الدولة أو القطر. وهناك متاحف علمية متخصصة فقط في علوم الفضاء والطيران، وبعضها متخصص في الصناعة وهكذا.
ولمن يرغب في التعرف على العديد من هذه المواقع الخاصة بتلك المتاحف زيارة الرابط الخاص بالمتاحف العلمية في موسوعة ويكيبديا الإلكترونية:
http://en.wikipedia.org/wiki/Science_museum
ومنها يمكن التعرف على قائمة بأهم متاحف العالم العلمية.
محتوى الإنترنت العلمي عربيًا
والحقيقة أن هناك مؤسسات كثيرة مهتمة بالعلوم في العالم العربي يمكن أن تضطلع بهذه المهام، وتفعيل مشروعات إلكترونية تتحمل عبء زيادة المحتوى العلمي العربي على الإنترنت بإنشاء مجلات إلكترونية علمية متخصصة، أو موسوعات علمية، أو مواقع تتخصص في تاريخ العلم والعلماء وغير ذلك. وبينها مثلا الجامعات العربية الحكومية والخاصة عن طريق الكليات العلمية فيها، ووزارات البحث العلمي، ومؤسسات ذات إمكانات كبيرة في دعم العلوم مثل مؤسسة التقدم العلمي في الكويت، ومؤسسة قطر وسواهما.
وأظن إن أول ما ينبغي عمله هو الدخول على موقع ويكيبديا العربي والبحث عن كل ما يتعلق فيها بمفهوم العلوم لأنها تبدو فقيرة فقرا فادحا ومطعمة بطابع ديني، وتضع موضوع الإعجاز العلمي كجزء من العلوم، وهو ما يحتاج للكثير من التنقيح والتعديل.
ومع ذلك يجب الإشارة إلى وجود جهود فردية باستمرار سواء من قبل بعض المدونين العرب أو من جهة بعض المؤسسات الأهلية التي قامت بالفعل بمبادرات من هذا النوع تستهدف تشجيع العلم باستخدام الوسيط الإلكتروني وشبكة المعلومات الدولية الإنترنت، وفيما يلي بعض النماذج:
موقع لدعم الموهوبين علميًا
توصلت بعد بحث لموقع جديد باسم «موهوبون»
www.mawhopon.net
تابع لمؤسسة موهوبون للابتكار والتطوير، والذي يوضح القائمون عليه هدفهم على النحو التالي:
«من أعظم عبقري في التاريخ إلى أصغر موهوب في العالم الآن، لابد أن يقيض الله لكل موهبة من يتعهدها بالرعاية كي تؤتي ثمارها، وهذه هي بالضبط مهمة موقع «موهوبون» الذي يهتم برعاية الموهوبين والمبدعين في كل مجال، ويقوم بتسويق أعمالهم في ميادين الصناعة، الفن، الثقافة، لدى الجهات المعنية، ويركز الموقع بشكل خاص على دعم أصحاب الابتكارات الجديدة حتى ترى النور.
ولهذا ندعو كل صاحب موهبة أو فكرة جديدة أو ابتكار مفيد في مصر والعالم العربي، أن يشارك معنا في تحقيق حلمنا الكبير لبناء النهضة، يحدونا في ذلك جميعا الحس الوطني والقومي، والرغبة في تنمية بلادنا حضاريا وعلميا».
وهو موقع يضم عددا كبيرا من الأخبار العلمية في العالم العربي، ويركز بشكل خاص على المواهب العلمية في المنطقة العربية، وابرز ما ينتجه الشباب العرب من اختراعات، ويقدم مادة جيدة في هذا المجال وهو أحد الإضافات الجيدة للمحتوى العلمي العربي بالفعل.
وكان هذا الموقع قد حصل على جائزة الشيخ سالم العلي الصباح للمعلوماتية كأفضل موقع معلوماتي عربي، وهو ما يقتضي التنويه به ودعمه.
ويكتب مدير الموقع عاطف مظهر قائلا: بعد سقوط نظام فاسد كان مسوغه للبقاء هو تقييّد حركة الإبداع وإضعاف روح الابتكار ومنع الاجتهاد والتجديد.. أصبح واجبا علينا الآن وبكل قوة إطلاق أفكارنا وخيالنا وتحفيز ملكاتنا الإبداعية في كل المجالات الفكرية والعلمية والأدبية.. وتعويض ما فاتنا من سنين مهدورة وإعادة اكتشاف مواهبنا المقهورة.. يتحتم علينا الآن العمل على تقديم حلول ناجزة لقضايا مزمنة عانت منها الأمة لعقود طويلة.
وموقع «موهوبون دوت نت» المعني بنشر وتسويق الاختراعات المصرية والحاصل على جائزة أفضل موقع عربي لعام 2010 (جائزة الشيخ سالم العلي الصباح للمعلوماتية) يدعو إلى إطلاق ثورة تعمير والمشاركة فيها بتقديم مئات الاختراعات للتنفيذ والمساهمة في تحقيق نهضة علمية وتنموية شاملة.
الموقع يحتوي على مئات الاختراعات والأفكار الواعدة لمخترعين مصريين وعرب في مختلف المجالات.. هذه الابتكارات والاختراعات تقدم فرصا استثمارية واعدة تنتظر التنفيذ (يوجد في مصر وحدها أكثر من 30 ألف براءة اختراع مسجلة، فضلا عن آلاف الأفكار والابتكارات الأخرى غير المسجلة) لا تجد من يعتني بها أو يوظفها عمليا في حياة الناس، يمكن انتقاء مئات الابتكارات المفيدة منها، وخاصة تلك التي تقدم حلولا عملية وتنموية ونافعة.
ويدعو الموقع الجهات الرسمية والمخلصين من رجال الأعمال والمستثمرين إلى التعامل الجاد مع هذه المبادرة وتحديد الاختراعات والابتكارات التي تناسب مجالات أعمالهم لتنفيذها بالتنسيق مع إدارة الموقع.
متحف تاريخ العلوم
هذا المتحف تابع لمكتبة الإسكندرية، ويعد أحد أنشطتها المهتمة بنشر العلم والثقافة العلمية ويُلقي متحف تاريخ العلوم الضوء على الجانب التاريخي للعلوم في مصر من خلال ثلاث حقب تاريخية مهمة هي: مصر الفرعونية، والإسكندرية الهلينستية، والحضارة العربية الإسلامية في العصور الوسطى؛ حيث يحتفي المتحف بالعلماء الذين أثروا بأعمالهم العلم والمعرفة. ويسعى المتحف إلى إحياء الاكتشافات العلمية والإنجازات العظيمة لقدامى العلماء وكذلك المترجمين الذين أتاحوا لهذه الأعمال أن تتخطى حواجز الزمان والمكان.
ومتحف تاريخ العلوم ليس بمتحف تقليدي، فهو يقدم عدة أنشطة تستهدف الجمهور العام، وخاصًة طلبة المدارس، بالإضافة إلى تنظيمه لعدة جولات متحفية تقليدية.
وهناك صفحة على الإنترنت خاصة بمكتبة الإسكندرية أيضا تلقي الضوء على النشاط العلمي بالمكتبة ونشاطاتها العلمية المشتركة مع جهات علمية دولية وعنوان الصفحة الإلكتروني هو
www.bibalex.org/program
ومن بين ما يمكن التعرف عليه على هذه الصفحة مثلا مؤتمر «بيوفجن» الإسكندرية:
مؤتمر بيوفيجن الإسكندرية حدث دولي تنظمه مكتبة الإسكندرية بالتعاون مع منتدى علوم الحياة العالمي (بيوفيجن). وهو استمرار لتقليد بدأ في مؤتمر بيوفيجن 1999 في ليون، فرنسا بحيث ينعقد مؤتمر بيوفيجن الإسكندرية كل سنة زوجية بالتبادل مع منتدى علوم الحياة الذي يقام في ليون كل سنة فردية منذ عام 2004. ويعتبر مؤتمر بيوفيجن الإسكندرية ملتقى مهمًا للمتحدثين البارزين وللعلماء الحاصلين على جوائز نوبل من شتى بقاع الأرض، وذلك للاحتفال بالعلم وبأرقى إنجازات العقل البشري. ويحوي هذا الجمع بعض أعظم العقول في مجالات الصناعة والعلوم ووضع السياسات والإعلام والمجتمع المدني. والهدف الرئيسي من المؤتمر هو خلق مساحة لتبادل المعلومات وللحوار، وذلك لاكتشاف الطرق المختلفة التي يمكن لعلوم الحياة من خلالها مواجهة تحديات القرن الحادي والعشرين؛ وهي خطوة أساسية لخلق تنمية اقتصادية عالمية من أجل حياة أفضل للجميع. ويهدف مؤتمر بيوفيجن الإسكندرية إلى زيادة مشاركة الدول النامية في هذا الحوار العالمي المهم. وتقدم مكتبة الإسكندرية من خلال مؤتمر بيوفيجن- بصفتها داعياً رئيسياً لبناء الجسور وتعزيز الحوار- فرصة فريدة للتعاون بين الشمال والجنوب عن طريق نقل المعرفة العلمية الحديثة للجنوب.
مدونة العلوم
على مستوى فردي توجد هذه المدونة المبسطة للعلوم وتقوم عليها باحثة من سلطنة عمان تقدم فيها تبسيطا لبعض الموضوعات العلمية، مصحوبة برسوم توضيحية في علوم الأحياء وسواها، وفيديوهات علمية وعرض لبعض الكتب العلمية وعنوان هذه المدونة هو
http://science-g.blogspot.com
شبكة العلوم العربية والمنتديات العلمية
هذا موقع قديم نسبيا يعود للعام 2006 ويهتم بنشر الأخبار العلمية المفصلة على الموقع في التخصصات العلمية المختلفة مثل الأحياء والكيمياء والفيزياء والبيئة والفلك والجيولوجيا والطب وعلوم الحاسب وسواها، ويلحق بها شبكة المنتديات العلمية وهي مختصة ببث كل الاخبار العلمية الموجودة على الشبكة بهدف تكوين قاعدة معلوماتية موحدة لمختلف التخصصات.
وعنوان الشبكة هو
www.olom.info/mgz
بيت الحكمة
هذه مدونة باللغة الإنجليزية لكنها مختصة فقط بالعلوم في منطقة الشرق الأوسط، لكي تكون بمنزلة جسر بين المهتمين بالعلوم في الغرب ويرغبون في التعرف على مجال علمي يتعلق بالمنطقة، أو من يهتمون بمنطقة الشرق الأوسط بشكل عام ممن يقيمون في الغرب.
وتنشر المدونة أخبارا علمية من العالم العربي، وأحدث الاخبار العلمية في العالم أيضًا. كما تنشر العديد من الابحاث العلمية الجديدة الصادرة في الشرق الأوسط.
وعنوان المدونة هو
http://blogs.nature.com/houseofwisdom