في عهدة مؤسسة التوثيق والبحث في الموسيقى العربية - قرن من التسجيلات الموسيقية والغنائية
ما أن ظهر إلى الوجود اختراع التسجيل على أسطوانات، في أوربا، في وقت متأخر من القرن التاسع عشر، حتى انصرفت الأمم الأوربية المتقدمة، بدأب ومثابرة ومنهجية علمية، إلى لملمة ما تجمّع لديها من تراثها الموسيقي، المنطلق من القرن السادس عشر، والذي وصل إلى ذروة ازدهاره وتفتحه في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، وإعادة عزف كل نماذج هذا التراث الموسيقي الهائل، من أوبرات وسمفونيات وكونشرتات وغير ذلك من مؤلفات، بعد تنقيح وتصويب تدوينها بالنوتة الموسيقية، ثم تسجيلها على أسطوانات.
وكانت الأمم المتقدمة في أوربا، كلما تطور فن التسجيل تقنيًا، من الأسطوانة إلى الشريط المغناطيسي، إلى شريط الكاسيت إلى التسجيل الرقمي أخيرًا، تعيد تطوير ما احتفظت به من تسجيلات لكامل تراثها الموسيقي، على مر قرون خمسة (من السادس عشر إلى العشرين)، حتى أصبحت جميع أعمال هذا التراث في متناول الباحثين والدارسين، وأكثر من ذلك في متناول الهواة، تدوينا بالنوتة الموسيقية، وتسجيلاً على أسطوانات مطولة، ثم على أسطوانات مدمجة. حتى أصبح أي هاو للموسيقى الكلاسيكية الأوربية، بأي شكل من أشكالها، وبأي عصر من عصورها القديمة أو الحديثة، قادرًا بكل سهولة ويسر على أن يقتني في بيته ما يشاء من النماذج الكاملة لهذه الأعمال، موثقة كأنظم ما يكون التوثيق، ومسجلة كأرفع ما يكون مستوى التسجيل من الناحيتين الفنية والتقنية. حتى أنني، على سبيل المثال طبعًا، أملك في مكتبتي الفنية والتقنية الأعمال الكاملة لكل من بتهوفن وموزار وباخ، ومجموعة كاملة لأشهر الكونشرتات الموسيقية الأوربية على مر التاريخ، ومجموعة لأشهر خمسين أوبرا في التراث الأوربي.
طبعًا، استغرقت هذه المسيرة الحضارية قرنًا كاملاً من أواخر القرن التاسع عشر، حتى أواخر القرن العشرين، مع الإفادة الدائمة والسريعة من كل تطور يطرأ على تقنيات التسجيل، وصولاً إلى التسجيل الرقمي، الأكثر نقاء وصفاء، والأطول حياة.
ماذا كان يحدث عندنا بالمقابل نحن العرب؟
لقد شاءت الظروف السعيدة، بعد الرحيل المفجع لقطبي النهضة الموسيقية العربية والحديثة الأولى في القرن التاسع عشر، لمحمد عثمان (عام 1900) وعبده الحمولي (عام 1901)، ألا يتأخر ظهور اختراع التسجيل على أسطوانات، في القاهرة، عاصمة الثقافة العربية، في وقت مبكر نسبيًا هو العام 1903.
وكان في تتمة هذه الظروف السعيدة أنه عندما ظهر التسجيل على أسطوانات في القاهرة للمرة الأولى في العصر الحديث (أي العام 1903)، كان أفراد كتيبة كاملة من كبار مطربي القرن التاسع عشر (بعد عثمان والحمولي)، لايزالون على قيد الحياة، مثل يوسف المنيلاوي وعبدالحي حلمي وسيد الصفتي وسلامة حجازي. وكانت ذاكرة هؤلاء، وزملائهم من الجيل الثاني، مثل زكي مراد والشيخ أمين حسنين وصالح عبدالحي وسواهم، لاتزال تحتوي على كامل الأعمال الرئيسية من تراث القرن التاسع عشر، وبدايات القرن العشرين، فانكبّ هؤلاء منذ العام 1905 بشكل دقيق، على تدوين كل ما وعت ذاكرتهم من تراث القرن التاسع عشر، على أسطوانات تملكها شركات من إنجلترا وألمانيا وفرنسا، على وجه التحديد، إلى جانب شركات مصرية محلية ظهرت بعد ذلك، في الربع الأول من القرن العشرين.
وما أن بدأت شركات الأسطوانات هذه مع بداية عشرينيات القرن العشرين، تستوعب تسجيلات النجم الجديد للموسيقى العربية سيد درويش، ومن بعده تسجيلات النجمين الصاعدين اللامعين عبدالوهاب وأم كلثوم، حتى كانت تسجيلات هذه الشركات قد استوعبت تسجيلاً على أسطوانات للقسم الأكبر والأهم من تراث القرن التاسع عشر، أي عصر النهضة الأولى في الموسيقى العربية المعاصرة.
لكن ظهور نجوم جدد في الموسيقى العربية والغناء العربي مع مطلع الربع الثاني من القرن العشرين، جعل مكانة الأسطوانات التي تحوي تراث القرن التاسع عشر تتراجع، أمام زحف التسجيلات الحديثة، وذلك حتى من قبل أن يتاح لها الانتشار الكامل، لعدم ظهور الإذاعات في ذلك الوقت المبكر، ولندرة اقتناء الفونوغراف (الذي تشغّل عليه الأسطوانات)، إلا لدى الأسر العربية الموسرة.
مأساة التسجيلات الحديثة أيضًا
ومع ازدهار أعمال النهضة الموسيقية والغنائية العربية الثانية، في الربعين الثاني والثالث من القرن العشرين، وسيادة أعمال هذه النهضة في التسجيل على أسطوانات، أو في التردد الكثيف عبر أثير الإذاعات العربية، التي انتشرت بين المحيط والخليج، فإن اكتساح الغناء الاستهلاكي في زمن التراجع العربي العام، السياسي والحضاري، في الربع الأخير من القرن العشرين، قد وضع تسجيلات النهضة الموسيقية الثانية، في الوضع المأساوي نفسه لتسجيلات النهضة الموسيقية العربية الأولى، حتى دخل العرب القرن الحادي والعشرين، وهم لا يحتفظون بشكل منهجي بكل تسجيلات القرن المنصرم، بما يضعها في متناول الباحثين والمؤرخين من جهة، وتناول هواة سماع الأعمال الكلاسيكية الخالدة في الموسيقى العربية، والغناء العربي من جهة ثانية.
مكتبة عبدالعزيز العناني
مرة أخرى تشاء الظروف السعيدة أن تقيض للموسيقى العربية أفرادًا نابهين، يتولون بمحض إحساسهم بالهواية الشديدة للاحتفاظ بكنوز الموسيقى العربية الكلاسيكية، قديمها وحديثها، معوضين بذلك تراجع قيام المؤسسات العربية الرسمية بهذه المهمة، حيث يتناثر هذا التراث، في عدد من أرشيفات الإذاعات العربية، بطريقة غير منهجية أولاً، وبطريقة تضع هذا التراث ثانيًا في مهب التعثر والمحو والسرقة أحيانًا.
من هؤلاء الأفراد النابهين ظهر في القاهرة، في وقت مبكر من القرن العشرين لحسن الحظ، هاو للموسيقى العربية الرفيعة، اسمه عبدالعزيز العناني، فانبرى يقتني لمكتبته الخاصة في المنزل، جميع ما يظهر من أسطوانات في القاهرة، منذ الظهور الأول لتسجيل الأسطوانات في العام 1903، وقد تطورت هوايته فيما بعد، فراح يجمع أسطوانات من عدد من الدول العربية، مثل سورية والعراق وسواهما، كما بدأ يسجل على أشرطة مغناطيسية، سائر ما يستمع إليه من أعمال كلاسيكية تذيعها إذاعة القاهرة في عصرها الذهبي بين الأربعينيات والسبعينيات. ويضيف إلى ذلك الاحتفاظ بأشرطة لسهرات فنية خاصة في منازل كبار فناني العصر. وقد تحولت مكتبة عبدالعزيز العناني، في أثناء حياته، إلى محجة يحج إليها كل الباحثين والفنانين، عندما يعجزون عن العثور على تسجيل نقي وواضح وكامل لأحد الأعمال الموسيقية أو الغنائية العربية الكلاسيكية.
مؤسسة التوثيق والبحث الموسيقي
لكن شأنها شأن كل المشاريع الفردية غير المؤسسية، شاء قدر مكتبة عبدالعزيز العناني في القاهرة، أن يرحل صاحبها عن هذه الدنيا مع اقتراب القرن العشرين من نهايته، في العام 1996. وأصبح مصير مكتبة العناني في مهب الرياح. حتى بدأت تسري شائعات جادة عن عزم إسرائيلي، بأن تمارس دولة الاحتلال الصهيوني تخصصها التاريخي في سرقة ما يصل إليها من إرث المنطقة العربية، بعد أن سرقت فلسطين بكاملها. فسارعت إدارة دار الأوبرا في القاهرة إلى الاتصال بورثة العناني، مواصلة بذلك جهودًا كانت قد بدأتها بالاتصال الشخصي مع عبدالعزيز العناني قبل رحيله، للإفادة من مكتبته، وربما الحصول عليها كاملة. غير أن معوقات الروتين الإداري في المؤسسات الحكومية، حالت في المرتين دون نجاح جهود تحول تراث مكتبة العناني، من حالة فردية، إلى مؤسسة تحيطها العناية اللائقة بهذا الكنز الذي لا يعوّض.
ومرة أخرى، تهيئ الأقدار لمصير هذه المكتبة النادرة نفرًا آخر من الأفراد النابهين، حيث توصلت أخبار المخاطر التي تحيط بمكتبة العناني إلى مسامع رجل الأعمال اللبناني، كمال كريم قصار، وهو من الهواة المولعين بسماع الموسيقى الكلاسيكية الأوربية والعربية. فسارع إلى بذل جهود حثيثة تكللت أخيرًا بالحصول على كامل مقتنيات مكتبة عبدالعزيز العناني، التي انتقلت بكامل محتوياتها إلى لبنان في العام 2009، حيث تستقر في مبنى بالقرب من منزل كمال قصار، في قرنة الحمرا، محافظة المتن اللبنانية. ولابد هنا من الإشارة إلى مساعي الباحث الفرنسي المستشرق فردريك لاغرانج، الذي لعب دور همزة الوصل بين مقر مكتبة العناني في منزله بالقاهرة، والسيد كمال قصار، وظل يتابع الموضوع حتى اكتملت عملية الانتقال السليم من القاهرة إلى لبنان، لتكون حجر الأساس الذي قامت عليه مؤسسة التوثيق والبحث في الموسيقى العربية.
فبعد فرصة الحصول على مكتبة نادرة لقرن كامل من تسجيلات الموسيقى العربية، شعر السيد قصار أن الاكتفاء باقتناء مثل هذا الكنز، هو عمل أناني، يكاد يكون خاليًا من أي قيمة حضارية. وأن اكتمال القيمة الحضارية لمثل هذا الكنز لا يتم إلا بعمل على مرحلتين:
1 - إعادة تسجيل محتويات هذه التسجيلات، سواء كان على أسطوانات أو على أشرطة مغناطيسية، تسجيلاً رقميًا حديثًا، بعد إجراء ما يلزم من عمليات التنقية للتسجيل.
2 - إعادة طبع هذه الأعمال بالتدريج، حسب آخر الوسائل التقنية للتسجيل الحديث، لوضعها بمتناول أيدي الباحثين العرب من الأجيال الجديدة، والمستمعين العرب، وهكذا ولدت فكرة أن تكون مكتبة العناني بعد انتقالها إلى القرنة الحمرا في لبنان، حجر الأساس لما سمي «مؤسسة التوثيق والبحث في الموسيقى العربية».
محتويات مكتبة المؤسسة
- تضم مكتبة العناني أولاً ثلاثة آلاف أسطوانة (78 لفة) من تسجيلات للشركات التالية:
غراموفون، وهدماسترز فويس وزونوفون وكولومبيا، في إنجلترا.
باتيه، في فرنسا.
بوليفون، وأوديون، وبيكا، وبيضافون تطبع في ألمانيا.
ميشان - مصر
سدوة - حلب
- أشرطة جلسات خاصة، مجموعة من الهواة محمد كوثر، ومحمد نسيم، وحفلات منزلية خاصة وسعة هذه الأشرطة تقديرًا هي 10500 ساعة.
لكن تبين أثناء التدقيق في محتويات مكتبة العناني، أنه في الفترة ما بين رحيل صاحبها في العام 1996، والحصول عليها في العام 2009، قد تم تسرب بعض محتوياتها، فظهرت الحاجة إلى استكمال هذه المحتويات، فتم شراء أربعة آلاف أسطوانة أخرى من بيروت ودمشق والقاهرة، وسواء في الأسواق أو من المكتبات الخاصة.
ومازال اقتناء المزيد من الأسطوانات جاريًا، لجمع التسجيلات من العراق والخليج واليمن وشمال إفريقيا.
وقد أخبرني المسئول الفني حاليًا عن محتويات المكتبة، الباحث المصري، الشاب الفنان مصطفى سعيد، كثيرًا من التفاصيل عن جشع تجار المقتنيات الأثرية، عند شراء الأسطوانات منهم، حيث يمكن أن يتراوح ثمن الأسطوانة من خمسين جنيهًا مصريًا إلى مائة دولار، للأسطوانة الواحدة.
لكن عملية توسيع محتويات المكتبة لن تتوقف، بالرغم من كل الصعوبات.
التعامل التقني مع الأسطوانات
العملية الأولى التي يتم بها التعامل مع محتويات هذا الكنز، هو إجراء جردة لتصنيف كل أسطوانة وكل شريط، في هذه المكتبة الكبيرة. وتتم عملية التصنيف أولاً بالاستماع إلى محتوى الأسطوانة، ثم بالعودة إلى كتالوجات الشركات المنتجة، التي تحصل عليها بالتدرج. بعض هذه الكتالوجات أقرب إلى الكمال، من حيث المعلومات التي تزودنا بها، وبعضها ناقص مثل كاتالوجات أسطوانات «سمع الملوك» لشركة «بيكا» وهذه العلامة التجارية أنشئت فقط لطبع تسجيلات الشيخ يوسف المنيلاوي.
بعد تصنيف الأسطوانة، يقوم فني يدعى رامي نجم، بغسل الأسطوانة، على آلة مخصصة لغسيل الأسطوانات، وهي عملية تستخدم فيها مواد كيميائية خاصة، بحيث تزيل عن الأسطوانة الغبار والأوساخ، دون أن تؤذي محتواها الصوتي، ثم تخضع الأسطوانة بعد الغسيل لعملية تنشيف، على آلة خاصة أخرى.
ثم يجري تسجيلها رقميًا مع عملية تنقية الصوت إلى أعلى مستوى يسمح به تطور التكنولوجيا الحديثة.
والحقيقة، يقول لي الباحث الفنان مصطفى سعيد، إننا نستفيد في جمع المعلومات، ليس فقط من كتالوجات شركات الأسطوانات، بل مما نحصل عليه ونجمعه من مذكرات مهندسي الصوت القدماء، التي تروي لنا كثيرًا من تفاصيل تسجيل الأعمال الفنية.
ونحن نعثر على أسماء العازفين في التخت الموسيقي، إما من الورقة الملصقة على الأسطوانة، وإما من الكتالوج أو من قراءة العقود بين الفنان وشركة الأسطوانات.
كما أن أسماء بعض العازفين التي تتردد بأصوات «المطيباتية» الذين كانوا يقاطعون غناء المغني على الأسطوانة بهتافات التطييب.
ويظهر من الأسطوانات، أن عادة وجود مطيبين في التسجيل، قد راجت كثيرًا في عقد العشرينيات، لكنها توقفت في آخره.
أما عملية نقل المحتوى الصوتي للأسطوانة، إلى تسجيل رقمي، فإنه يتم عبر فونوغراف إلكتروني، يقدم لنا فرصة استعمال ست إبر مختلفة حسب نقاء الصوت في الأسطوانة الأصلية، وتاريخ تسجيلها. ذلك أنه كلما كانت السنوات تتقدم، كان نقاء تسجيل الأسطوانة يزداد صفاء ووضوحًا.
مجموعة يوسف المنيلاوي (1847 - 1911)
ومع أن فنيي المؤسسة لايزالون غارقين في تصنيف محتويات مكتبتهم الشاسعة، وتنظيف أسطواناتها، وتحويلها إلى تسجيلات رقمية، ومع حداثة عمر المؤسسة، فقد بدأت تفكر عمليًا بتدشين وسائل وضع محتويات هذه المكتبة، بالتدرج، بين أيدي الباحثين والهواة، بأحدث الأساليب وأرقاها. وقد بدأت المؤسسة هذا النشاط بمشروع عملي لوضع كامل الأعمال التي سجلها الشيخ يوسف المنيلاوي في مطلع القرن العشرين، بين أيدي الباحثين وهواة السمع.
وتحقيقًا لهذا المشروع، تم حصر جميع الأعمال التي خلفها لنا الشيخ يوسف المنيلاوي في تسجيلات، في أربع وثمانين أسطوانة (78 لفة)، بين شركة سمع الملوك (20 أسطوانة) وشركة غراموفون (64 أسطوانة) وقد جرت عمليات تنظيف الصوت وتنقيته في لبنان، أما تحضير «الماستر» أي النسخة الأصلية التي ستطبع نقلاً عنها جميع الأسطوانات المدمجة فقد تمت في فرنسا. وأما الطباعة بعد ذلك على أسطوانات مدمجة توضع بين أيدي الجمهور، فقد تمت في اليونان. وبلغ مجموعها عشر أسطوانات مدمجة، ضمت كامل أعمال الشيخ يوسف المنيلاوي.
بعد ذلك، ضمت المجموعة المطروحة حاليًا في الأسواق كتابًا قيّمًا باللغة العربية تشارك في كتابته ثلاثة باحثين، هم على التوالي: الفرنسي فردريك لاغرانج، التونسي محسن صوّة، المصري مصطفى سعيد.
ويضم الكتاب إضافة إلى أبحاث مطوّلة عن فن وعصر الشيخ يوسف المنيلاوي، كل أعمال المنيلاوي وأسطواناته، مع نص كلمات جميع الأغنيات، مع تحديد المقام والإيقاع ومؤلف الكلام، في كل أسطوانة، إضافة إلى اسم الملحن. وقد حمل هذا السفر النفيس عنوان «عصر المنيلاوي وأعماله». كما ضمت المجموعة كتيبًا باللغة الفرنسية، وضعه فردريك لاغرانج، اختصارًا للكتاب العربي.
خاتمة
لاشك أن المسافة ستكون طويلة بين انطلاق مشروع «مؤسسة التوثيق والبحث في الموسيقى العربية»، وبين وصوله إلى تحقيق جميع أغراضه الحضارية والثقافية، لكن مما هو منجز حتى الآن بين أيدينا، هو ولادة مؤسسة خاصة، تمضي جادة في جمع كل ما يمكن من قرن كامل من التسجيلات للموسيقى والغناء العربيين، في جميع الأقطار العربية من المحيط إلى الخليج، وذلك للحفاظ عليها أولاً، بتحويلها إلى تسجيلات رقمية لا يمحوها الزمان، ثم بوضعها، بعد تنقيتها بين أيدي الباحثين وهواة السمع، على أسطوانات مدمجة حديثة، وبإحاطتها بما يلزم من أبحاث جادة ومعمّقة، يقوم بوضعها كبار الأخصائيين.
إن قيام مؤسسة خاصة بمثل هذه المهمة الحضارية التاريخية الجليلة، بقدر ما يبعث على الفخر والاطمئنان والثقة، بقدر ما يجعلنا نأسف لعدم جدوى معظم مؤسساتنا الرسمية في القيام بمثل هذه المهمات.