مختارات من:

جدران وأنفاق واستيطان... إسرائيل تعزل القدس

إبراهيم الفني

إسرائيل عزلت منطقة القدس ومنطقة غور الأردن عن العمق الفلسطيني, ساعدها في هذا الواقع الجغرافي, على أساس أن الحدود الجنوبية لمنطقة نابلس تتقلص تدريجيًا من وادي عجلون إلى وادي عشتار, وموقع قرية عقربا القريبة من مدينة نابلس.

إسرائيل تريد أن تنهي قضية القدس عبر مشروعها القدس الكبرى, هذا المشروع غيّر امتداد القدس من شرق غرب إلى شمال جنوب, أي من مستوطنة كفار عصيون القريبة من مدينة الخليل حتى مستوطنة شيلو شمالاً بمعدل (40) كم هوائيًا, عبر هذا المشروع تكون إسرائيل قد استكملت السيطرة على المواقع الأثرية والحضارية العربية المحيطة بالقدس والخليل وبيت لحم, بواقع أن التلال الأثرية التي تقع شمال القدس باتجاه رام الله أصبحت ذا موروث ثقافي يهودي, وهذا برز في كل (تل الفول) وتل النصبة, والنبي صموئيل, وخرب كثيرة تقع في أراضي قرية عناتا وحزما وقرى العيزرية وأبو ديس والزعيم بالإضافة إلى موقع مستوطنة معاليه أدوميم التي في الأصل تعرف باسم (دير المرصرص) والذي كان ديرًا قائما في تلك المنطقة, في العصر البيزنطي.

نفذت إسرائيل مشروع الحزام الشرقي الذي كان يهدف إلى ربط شرق القدس بجنوبها ومن ثم ربط شوارع المدينة في منطقة الحزام, والهدف من هذا المشروع تفريغ المناطق العربية التي تقع على هذه الشوارع, ومن ثم جعلها نقاطًا مهمشة, أما المهمة الثانية لهذا الحزام فهو أنه يوفر مصادرة مساحات من الأراضي التي يمر بها, حيث يجعل إقامة أي مشروع على أراضي تلك المناطق محذورًا من واقع أن هذه المناطق تعتبر منطقة حرمًا لهذا الحزام.

ونتيجة لتلك الأعمال التي تقوم بها إسرائيل في منطقة القدس الشرقية, فقد تمت مصادرة حوالي 35% من أراضي القدس الشرقية وما حولها بأمر من الحكومة الإسرائيلية وتم تخصيص نسبة من الأراضي وضمها للمخطط الهيكلي للمدينة عبر أرض تم إعدادها لإقامة مشاريع سكانية ومناطق لإقامة مبان عامة مثل مدارس ومراكز ثقافية ومبان خاصة, وقد بلغت نسبة تلك الأراضي 25%. أما الأراضي التي لم يتم ضمها فنسبتها 23%. وقد نجحت إسرائيل في استيعاب ما يساوي 17% من الأراضي التي تم تخطيطها بنجاح, وبقي من هذه الأراضي ما نسبته 7.3 هي مساحة الشوارع وحدود البلدية المقترحة حاليًا.

قرى معزولة

وحسب الخرائط نجد أن تأجيل قضية القدس مع أربع قضايا أخرى لمرحلة الحل النهائي أدى إلى عزل مناطق القرى العربية عن بعضها البعض من واقع جغرافي ومن واقع تاريخي, حيث ستبقى هذه القرى والتي هي قرية أبو ديس والعيزرية ورأس العامود وأراضي سلوان ومنطقة التعامرة ومنطقة وادي حلوة ومنطقة حي الثوري والشياح والعيساوية ومنطقة جبل الطور, مناطق معزولة عن بعضها بعضًا. من واقع آخر تبقى مصادر الأرض الطبيعية مجمدة ومحافظًا عليها بأيدي أصحاب الحزام, ويكون من حقهم زيادة نسبة تطور تلك المستوطنات على تلك الأراضي التي ستصبح مناطق غير مأهولة للزراعة أو إقامة مشاريع صناعية أو أي مرافق اقتصادية.

إسرائيل طورت نموذج القدس الكبرى عبر تلك المشاريع الاستيطانية التي أقامتها, خاصة بعد توقيع اتفاق أوسلو, حيث إن هذا الاتفاق أطلق يد إسرائيل بالعمل على منهجين, الأول: السيطرة الديموجرافية على الأرض, والثاني التعامل مع التطور الديموجرافي السكاني العربي الذي كان ذا نسبة أعلى من الاستيطان اليهودي بما يسمي بشرقي القدس.

أمام هذا التطور قامت إسرائيل عام 1976 بإقامة مستوطنة معاليه أدوميم, والهدف كان من أجل إقامة تجمع استيطاني كبير يجمع تلك المستوطنات الصغيرة التي أقيمت ما بين منطقة البحر الميت وشمال أريحا وتصبح معاليه أدوميم مدينة كبيرة لها صفة مدينة إقليمية ترتبط بمشروع القدس الكبرى ومهمتها السيطرة على المنطقة الشرقية من القدس أي من رأس العامود حتى البحر الميت ومستوطنات أريحا.

أما التطور الآخر فتمثل بإغلاق الجهة الغربية لمشروع القدس الكبرى, حيث كان يجري صراع على توسيع هذا الضلع من واقع أن المستوطنات التي أقيمت على قرى كولونيا والقسطل وما بين باب الواد ودير ياسين والمالحة ولفتا جعلت امتداد المشروع للجهة الغربية محصورًا, ولذا قامت إسرائيل بتشييد تجمع سكاني كبير يوازي مستوطنة معاليه أدوميم وهي مستوطنة (جفعات زئيف) التي ستكون المدينة الإقليمية التي ستضم إليها المستوطنات التي أقيمت في الجهة الغربية, ومن جهة أخرى فإن مدينة جفعات زئيف ستكون جزءًا من مشروع القدس الكبرى وهي من أضلاع هذا المخطط الرباعي, وحتى يتجنب المخطط تجاهل مستوطنة (مودعين) التي أقيمت على قرى عربية تم تدميرها وهي قرى منطقة اللطرون, وقد اعتبرت تلك المستوطنة مهمة لأنها غيرت نمط الخط الأخضر الذي كان يفصل بين الضفة الغربية والمنطقة التي احتلتها إسرائيل بعد عام 1947م, وأصبحت (مودعين) منطقة استيطانية امتدادها باتجاه معابر نهر الأردن.

وبذلك تكون إسرائيل قد حسمت حدود القدس الكبرى عبر اتجاهين هما الامتداد الشرقي والغربي واعتبرتهما مناطق مغلقة. هذا التطور أدى إلى نقل مركزية القدس النمطية والديموجرافية والطبوجرافية عبر مركزيها اللذين عرفت بهما وهما الشرقية - الغربية, ولهذا قامت إسرائيل بتغيير هذه النمطية ونقلت مركزية القدس عبر الاتجاه الشمالي والجنوبي, وبالسرعة الممكنة سعت وقامت بتنفيذ مشاريع كبيرة وصغيرة على امتداد جبال الخليل جنوبًا وجبال رام الله ونابلس شمالاً, ورسمت الخرائط التي وفرت امتداد هذا الضلع عبر مركزية جنوبية تمثلت بمستوطنة كفار عصيون وشمالاً بمستوطنة شيلو شمالا,ً أي موقع (عيون الحرامية) والتي تربط غربًا بامتدادها من موقع مستعمرة (مودعين), وهذا التطور تم كي يغلق حلم الفلسطينيين في إقامة مشاريع عمرانية أو إقامة بنية تحتية تجمع بين قرى شمال رام الله ومدينة نابلس.

ومن قراءة لهذا المخطط نجد أن التطور في الخرائط يدلنا على أن المخطط ترك امتداد مشروع القدس مفتوحًا شمالاً وجنوبًا دون أن يحدد هذا الامتداد مما يدل على أن تطور هذا المشروع يتم توسيعه حسب الحاجة وحسب التطورات السياسية في المنطقة.

مشروع القدس الكبرى

إسرائيل كانت في عجلة من أمرها, حيث كانت تعرف أن الصراع حول القدس يعني أن القدس مفتاح فلسطين, لهذا حددت مساحة مشروع القدس بما نسبته 33% من مساحة الضفة الغربية, والهدف من ذلك عزل القرى العربية التي كانت الشريان السكاني الذي أقيم حول القدس مثل قرية شعفاط وقرية بيت حنينا ومنطقة الرام وكفر عين, لهذا سعت إلى إقامة مبان في منطقة الشيخ جراح حتى أصبحت هذه المنطقة غير عربية وكذلك سعت إلى إقامة مبان في التلة الفرنسية, ثم أقامت مستوطنة كبيرة شرق القرى العربية المذكورة سمتها (بزجات زئيف) أي (عرين الذئب). هذه المدينة توسعت كي تفصل بين مخيم شعفاط وقرية شعفاط, كذلك التفت مع مستوطنة (نفي يعقوب) التي أقيمت كي تحد من التوسع السكاني الفلسطيني في كل من ضاحية البريد وقرية الرام وقرية كفر عقب.

كذلك عملت إسرائيل عبر المقص الطبوغرافي في الجهة الشمالية سعت إلى إقامة حزام ربط مطار قلنديا بمطار اللد غربا, وشقت شارعا التفافيا سمته شارع (45) حيث سعت إلى إقامة مناطق صناعية عبر هذه المنطقة تربط بين منطقة قلنديا حتى موقع مستوطنة أبو غنيم جنوبًا وتجنب مخطط المشروع الدخول إلى مدينة القدس, لهذا أقيم مشروع طريق وسط بين جفعات زئيف وشارع النفق الذي يوصل إلى منطقة أبو غنيم حتى كفار عتصيون, هذه الوقائع جعلتنا نتعرف على خطة إسرائيل لفرض السيادة على القدس. لهذا نجد أن المعركة ضارية وشرسة جدًا في مدينة القدس, حيث إن الحكومة الإسرائيلية ودولة إسرائيل بكل إمكاناتها وصلاحياتها اللامتناهية اتخذت القرارات ووضعت الوسائل والأدوات اللازمة من أجل تنفيذ أطماعها في القدس.

وكي نتعرف على الواقع الحالي في القدس نجد أن إسرائيل قامت بإنشاء مشاريع عملاقة في القدس, بداية في الجهة الجنوبية من منطقة المسجد الأقصى حيث تنفذ مشروع إقامة الهيكل الثالث, وقد غيرت الوقائع العلمية للبقايا الأثرية التي تم الكشف عنها في الجهة الجنوبية والتي تحتوي على أنماط إسلامية أموية وعباسية وفاطمية, ثم أصبحت بقدرة قادر أنماطا يهودية تعود لنمط الهيكل الأول والثاني, أي أن إقامة الهيكل الثالث أصبحت نمطًا سياسيًا من واقع أن القوي يستطيع أن يفرض المعادلة, وهذا تمثل بمحاولة طرح القدس بأنها مدينة داود ولهذا فإن تلة (أوفل) المدينة الكنعانية القديمة والتي تعود لفترة العصر البرونزي المتقدم والمتوسط أصبحت مدينة داود. لهذا تقوم إسرائيل بإعداد هذه التلة كي تكون الحلقة التي تربط بين الهيكل الذي ستقيمه على مساحة المسجد الأقصى المنطقة التي تفصل بين مدينة أوفل والجهة الجنوبية من منطقة المسجد الأقصى, حيث أبلغت سلطة بلدية القدس الحالية أهالي حي البساتين والبرك المائية في منطقة وادي حلوة بضرورة إخلاء منازلهم التي يسكنونها قبل احتلال إسرائيل القدس لأنها تريد أن تقيم حديقة كبيرة وأطلقوا عليها حديقة الهيكل, أي أن هذا المشروع العملاق سيربط بين ما سمي بمدينة داود الأثرية ومنطقة الهيكل المراد إقامته في منطقة المسجد الأقصى.

أما المشروع الضخم الذي تنفذه إسرائيل الآن في مستوطنة رأس العامود ومنطقة وادي الكدرون الذي أطلقت عليه مشروع (خاتم سليمان) فتمثل بإقامة (22 إلى 25) فندقًا كبيرًا على ضفاف وادي الكدرون يبدأ من كنيسة الجسمانية حتى موقع باب داود غربًا, وتشرف على هذا المشروع شركة تطوير القدس الشرقية.

الأراضي المصادرة

من قراءة في الاستدلال على المناطق التي وفرتها إسرائيل كي توجد مجتمعا متزايدا عبر المستوطنات والتي تسعى إسرائيل إلى أن تكون كائنا موجودا ودائما في القدس, نقدم هنا جدولا يبين النسب المئوية بين الأراضي وبين هذه المسميات عبر مشروع القدس الكبرى, حسب الجدول المرفق (ص50)

للتلخيص

قد لا نمتلك الثقافات خارج مركزية الوطن, المبررات والدوافع كي توقف المستبد الذي يسعى من خلال التوسع والاستيطان إلى فرض التحولات الواسعة في هذا المجال إلى مركز مدني.

هذا المركز يتمثل بتلك المستعمرات التي سموها (النجوم) والتي بواقعها ستكون شريكة عبر مرحلة التبعيات الاقتصادية والسياسية القائمة في هذا الوطن.

المشروع بمفهومه تطويع نظري لكنه في مقدمته تطويع يهدف إلى هدم مركزية القضية الفلسطينية والتي ستكون عبر مراحل هذا المشروع أرضًا بلا سيادة لأصحابها, لا بل من واقع سيوفر السيادة لهذه النجوم القائمة على قواعد علمية ثقافية.

اعتماد التطويع قاعدة للعبة التخاطب النوعي الذي يميّز هؤلاء السكان عن سكان الأرض الأصليين من خلال الجنس والعنصر سيكون الواجهة الأمامية من تلك المستجدات المتقاطعة من واقع أحادية القرار.

فكرة المشروع الواردة في خرائط السيطرة على الأرض بوقائع متعددة المفاهيم توفر لنا إجابات عن كثير من الأسئلة التي يطرحها الباحثون والتي أهمها: لماذا هذا التسابق في إقامة تلك النقاط بداية من أبو غنيم إلى رأس العامود ثم موقع أبو ديس ثم يقوم بتوسيع مدينة (أفرات) مما يدل علي أنها ستكون أكبر من ثلاثة تجمعات فلسطينية قائمة بجوارها وهذه التجمعات الفلسطينية هي مدينة بيت لحم وبيت جالا وبيت ساحور.

علماء هذا المشروع يقولون إن الاستيطان اليهودي في (أرض إسرائيل) والتي هي فلسطين سيستمر حتى لو أدى إلى حرب مع الفلسطينيين.

التركيز على البدع للإقناع

الواقع الذي هدفت إسرائيل إليه من حفرياتها هو إشعار العالم بوجود ذاكرة دينية يهودية في موقع مجاور للمسجد الأقصى, فضلاً عن ذلك فإن النفق الروماني سيكون ضمن مرافق المدينة الدينية السياحية التي أقامتها إسرائيل تحت ساحات المسجد الأقصى حاليًا وجعلتها البنية التحتية في إقامة الهيكل المزعوم.

وهكذا طرحت إسرائيل مفهومًا يقول: إن التاريخ مقدس وكذلك الجغرافيا مقدسة, أي أنه من حق أي قوي أن يستنبت مقدساته ويزرعها في الأرض حتى لو لم يعثر على بقاياها.

وهكذا عبر هذه التسويقات التي هي كثيرة فقد خسرنا القدس عبر التفاوض وعبر طرح قضيتها المهمة للأمة الإسلامية والعربية والشعب الفلسطيني.

وما أختم به هو خلاصة تقول: إن الله خصّ الجمال بعشر حصص فنالت القدس تسعا منها, وخص الحزن بعشر حصص فنالت القدس تسعا منها.

وهكذا فإن القدس مدينة الحزن والجمال فإذا حزنت القدس حزنت الأمة وإذا فرحت فرحت الأمة, ولكن الفرح يأتي عبر التحرير والنصر والذي تمثل بمعركة حطين التي خاضها القائد صلاح الدين الذي دخل القدس حاملاً معه كفنه ومنبر نور الدين زنكي وقال: إذا انتصرنا فسنضع المنبر في مكانه وإذا استشهدت فهذا كفني ولهذا قالت لنا القدس: أنا شاهدة على التاريخ ومرآته الناطقة والمرآة عكست لنا الأهداف الإسرائيلية حول القدس:

1 - الجدار الذي أقامته إسرائيل وابتلع القدس وأجزاء من الضفة الغربية سيكون حدودًا سياسية لدولة إسرائيل وليس حدودًا طبيعية.

2 - الجدار سيوفر السيطرة على مخزون الماء الجوفي في الضفة الغربية حيث سيكون كل من الخزان الشرقي والجنوبي داخل منطقة الجدار.

3 - الجدار وفر السيطرة على الموروث الثقافي الفلسطيني حيث سيعزل منطقة غور الأردن الذي يوجد به أكثر من خمسين تلاً أثريًا مهمًا وتصبح هذه المواقع ضمن المنطقة الإسرائيلية.

4 - باستكمال بناء الجدار تكون إسرائيل قد أنهت معركة السيطرة على القدس وأقامت مشروع القدس الكبرى.

إبراهيم الفني مجلة العربي اكتوبر 2005

تقييم المقال: 1 ... 10

info@3rbi.info 2016