مختارات من:

لبنان الصامد.. لبنان الباقي

المحرر

عندما اختارت «العربي» أن تحتفل في هذا العدد بذكرى المفكر اللبناني العالمي جبران خليل جبران بملف تنشره تحت عنوان: «جبران.. شجرة الأرز السامقة»، لم تكن تدري أن الأقدار تخبئ لهذا البلد، العزيز على القلب، محنة دموية أليمة، ولم تكن تتصور أن المترصّدين له يبيتون اعتداء غاشمًا هدفه القضاء على منجزاته الحالية، وعلى آثار حضارته الغابرة. إن لبنان - وهو يجتاز هذه الأيام العصيبة - سوف يظل هو تلك الشجرة السامقة، التي بقيت على مدى عصور التاريخ، وسوف تبقى لأمد الزمان، وستزول تلك القوى الهمجية، التي لا تقترف إلا كل ما هو شر. إن إسرائيل مثل كل الأفكار الشريرة، التي عبرت مخيلة التاريخ البشري سوف تزول، فقد زالت قبلها همجية المغول، وشراسة النازية والفاشية، وعنصرية الرجل الأبيض في جنوب إفريقيا، وبالتأكيد سوف يزول طغيان قتلة الأطفال من على أرض فلسطين. ومهما كان الثمن غاليًا، فإن الأمر يستحق ذلك، ومهما كانت هناك أصوات متخاذلة، وأخرى متواطئة، فإن التاريخ الذي تعمّد بالدم العربي الزكي لن يرحم أحدًا.

إن بلدًا مثل لبنان قدم للبشرية الحرف المكتوب والسفن السابحة والمستكشفين الكبار، وأنجب جبران وميخائيل نعيمة والريحاني والبستاني وأمين معلوف وفيروز ووديع الصافي، لا يمكن أن يقارن بزمرة من الهمج، المهجـَّرين من أصقاع أوربا، الذين يعيثون فسادًا في الأرض، وسوف يدفعون ثمن الأرواح البريئة التي أزهقوها، وسوف يدفع كل من تحالف معهم الثمن مضاعفًا.

إن الظلام حالك، والمحنة قاسية، ولكن هناك ضوءًا دائما في نهاية النفق مهما بدا شاحبا وواهنا.

إن محنة لبنان هي جزء من الوهن العربي الذي أصبح ملحوظًا في كل ميادين الحياة، ويؤمن القائمون على هذه المجلة بأن تفعيل الإرادة العربية ـــ الملغاة تقريبًاـــ هو السبيل الوحيد للخروج من هذه المحنة. ويتحدث رئيس التحرير في افتتاحيته لهذا العدد عن مشروع معرفي جديد يسعى إلى جعل التربية هي المفتاح الأشمل لكل عمليات التغيير والنهوض، هو «تعليم الفهم»، ونحن في ظل هذه المحن المتوالية في أشد الحاجة إلى زيادة فهم العالم الذي نعيش فيه، لعلنا بهذا نمتلك الوعي والإرادة والقدرة على التغيير.

ووسط دوامات الحرب والدمار، رحل عنا واحد من أكبر مؤرخي لبنان والعالم العربي. هو الدكتور نقولا زيادة وكأنما القدر قد شاء أن يشهد الراحل آخر مآسي التاريخ العربي، وأن يشهد حالة الضعف الذي تعيشه الحضارة العربية، وهو الذي طالما تغنّى بأمجادها، وحلم بالإشراقة الثانية لها. إن «العربي» وهي تقدم تحيتها لهذا المؤرخ العظيم على صفحتها الأخيرة بمناسبة بلوغه المئوية الأولى، لم تكن تدري أن قلبه الحسّاس والمرهف، لن يتحمل كل هذا الجور والظلم الذي حل ببلاده. رحم الله الفقيد.

ولا نريد أن نواصل استعراض بقية المواد المنشورة في هذا العدد، فهو حافل بالأفكار الجديدة في كل المجالات، وكل ما نطمح إليه هو أن نزيد من حوار العرب وتفاهمهم مع أنفسهم، حتى لا يصيبنا الاختلاف بالمزيد من الضعف والوهن ويعرضنا لمحنة أشد خطرا مما نعيشه الآن.

المحرر مجلة العربي سبتمبر 2006

تقييم المقال: 1 ... 10

info@3rbi.info 2016