على الرغم من التقدم الذي تحقق في مجال علم الزلازل، فإن الأجهزة العلمية الحديثة لا تستطيع التنبؤ بالحدث. وكل ما يمكن أن تقدمه دراسات العلماء.. مجرد إعطاء فكرة عامة عن تطور النشاط الزلزالي في مناطق العالم المختلفة وعلى حد تعبير بعض هؤلاء العلماء، فإن التنبؤ في مجال الزلازل، لا يعدو أن يكون تشخيصًا، وليس تنبؤا حقيقيًا مضبوطًا. تلك هي وجهة نظر علماء الجيوفيزيا، ولكن يبدو أن لعلماء سلوك الحيوان وجهة نظر أخرى...
يؤكد علماء سلوك الحيوان أن لديهم نظرية تقول بإمكان اتخاذ الحيوانات، كأجهزة إنذار مبكر للزلازل. نعم.. فإن لدى الطيور والزواحف والفئران والقطط والكلاب والأسماك وغيرها، من الحواس المرهفة الدقيقة، ما يمكنها من استشعار الزلازل قبل وقوعها. نعم - أيها السادة (هكذا يقول علماء سلوك الحيوان).. إن ما نقوله ليس خيالات وأوهاما من نسج العناكب، لا يصمد لريح، ولا هو مجرد حقائق ونظريات أكاديمية يحلو للعلماء التندر بها فى محافلهم، ولكنها حقائق علمية مؤكدة، ساهمت بالفعل في إنقاذ ملايين البشر من أخطار ونكبات، كادت تعصف بهم!
الحيوانات تنقذ المدينة
ثمة قصص مثيرة، يطالعها الباحث عن تاريخ الزلازل وأحداثها. إن التاريخ يذكر شيئًا عن زلزال المدينة الإغريقية القديمة "هيليس" Helice .. فقبل وقوع الزلزال بخمسة أيام، شاهد الناس الفئران وابن عرس وشتى حيوانات الجحور، وهي تفر مذعورة من جحورها، ثم راحت في جماعات كبيرة، تجوب طرقات المدينة، وكأنما كانت تودع كل حجر فيها ( أو كل جحر فيها) قبل أن يصيبها الزلزال، الذي حول المدينة إلى ركام. صفحة أخرى من التاريخ، نقرأ فيها عن أسراب طيور النورس البحري، التي ظهرت فجأة في سماء مدينة " كونسبسيون" في تشيلي.. ثم راحت تصرخ بعنف طوال ساعات، قبل أن تتزلزل في عام 1835. ثم نأتى إلى زلزال مدينة "سان فرانسيسكو" الذي دمرها عام 1906. إننا نقرأ أن نباح الكلاب لم ينقطع عن المدينة قبل ساعات من زلزلتها المدمرة.. تلك الزلزلة التي قتلت 50 ألف شخص، وسحقت الطرق والجسور والقنوات، وأعقبها حريق هائل وبركان عظيم. صفحة أخرى حزينة، تحمل هذا التاريخ.. (مساء يوم 6 مايو 1976) ، وفي منطقة "فريولي" شمال شرق إيطاليا.. ففي ذلك المساء أصيبت الحيوانات فجأة بحالة هستيريا واضطراب غريب.. حيث خرجت الفئران من جحورها مذعورة في جماعات.. وهرعت الكلاب إلى الطرقات وأسطح الأبنية، وظلت طيلة الليل تنبح بلا توقف. وهربت القطط من البيوت، وانطلقت صارخة في الشوارع، كما حطمت الخيول والمواشي حظائرها، وأثارت من حولها جلبة شديدة طوال الليل. وفي هذا المساء لم تأو الطيور المنزلية إلى حظائرها، وتعالت أصواتها. هكذا - وعلى مدى ساعات الليل الثقيلة المضطربة - كانت الحيوانات. وفجأة تزلزلت الأرض بهزة قوية، قلبت المنطقة رأسًا على عقب، بما فيها ومن فيها. وفي صباح يوم الاثنين 12 أكتوبر 1992، كانت حيوانات حديقة حيوان الجيزة، أول من تنبأ بحدوث الزلزال العنيف، الذي هز العاصمة المصرية، وهز معها مدنًا كثيرة وقرى، في طول البلاد وعرضها. ففي صباح ذلك اليوم، لاحظ المشرفون على الحديقة، ولاحظ الزوار، أن الزواحف تبدو على غير عادتها، في حالة إثارة شديدة وانزعاج.. إنها تحاول الهرب من شيء ما.. فالسحالي تتسلق الجدران بعصبية، ولكنها تسقط نظرًا لثقل وزنها، فتعيد الكرة تلو الكرة.. ويصيبها الفشل أيضًا، فتنبش في الحوائط الزجاجية، تبغي اختراقها.. ولكن هيهات وفي بيت الثعابين، كانت الأصلة الملكية (نوع من الثعابين العاصرة) تحاول الهرب إلى أعلى شيء أمامها، فتعتلى الأفرع القائمة في صندوقها، ولا تفارقه إلا بعد تفريغ شحنة الزلزال. وفي نفس الوقت، كان الطاووس منزعجًا يصدر أصواتاً قوية مفزعة، بينما كان الفيل يصرخ بأعلى صوته. الذي يشبه العويل، كما لو كان ينفخ في نفير منذرًا بالخطر الفادم.. أما الأسد، فقد غطى زئيره أرجاء المكان معلنًا رفع حالة الاستعداد لمواجهة الكارثة.. حدث كل ذلك في الحديقة، ولكن أحدًا لم يفهم السر وراء حالة الذعر العام. لم يفهم أحد السر إلا بعد حدوث الزلزال في الساعة الثالثة وتسع دقائق عصر ذلك اليوم.. ونعود نقلب صفحات- التاريخ، فنجد صفحة يعتبرها علماء سلوك الحيوان، أكبر برهان، على مقدرة الحيوانات على التنبؤ بالزلازل، وفي نفس الوقت، فهي الحالة الوحيدة التي فطن الناس فيها لمدلول الإنذار الحيواني.. ففي شهر ديسمبر 1974، لاحظ الصينيون في مدينة "هاينشنج" بمقاطعة "لياونينج" ، أن الحيوانات تتصرف بشكل غير مألوف وغريب.. فقد سلكت الأفاعي خلال هذا الشهر القارس البرودة سلوكاً انتحاريًا، حين زحفت من مخادعها الشتوية الدافئة، وكأنما هي تريد الانتحار. وفي نفس الوقت، فقد خرجت الفئران من جحورها، وظهرت في طرقات المدينة في وضح النهار.. وهو سلوك شاذ غريب. أما الأوز، فقد أصابه مس، فراح يحاول تسلق جذوع الأشجار. وفي حظائر الخنازير، كانت الحيوانات تتقاتل بعنف وشراسة، والأمهات يقتلن صغارهن بقسوة. لقد لاحظ الناس والعلماء كل هذه المظاهر، ثم لاحظوا أن حدتها تزيد وتزيد، حتى بلغت ذروتها في أول فبراير 1975، وعندئذ لم يجد المسئولون مفرًا من إجلاء سكان المدينة، وهم أكثر من مليون نسمة. وفي يوم 4 فبراير 1975، وقعت الواقعة، وحول زلزال مدمر المدينة الخالية إلى أنقاض. وهكذا قدمت حيوانات "هاينشنج" دليلاً جديدًا (ساطعًا) على مقدرتها على التنبؤ بالزلازل!
ولكن.. كيف؟
بعض الناس يتساءلون.. ولكن، كيف تستشعر الحيوانات بقرب حدوث الزلازل؟ ونقول.. إن لدى علماء الزلازل نظريات مدهشة تتعلق بأحداث جيوفيزيقية، تسبق ضربة الزلزال المدمرة. وفي نفس الوقت، فإن لدى علماء سلوك الحيوان نظريات أخرى أكثر إبهارًا، تتعلق بقدرة الحيوانات على استشعار كل هذه الأحداث. ففي رأي العلماء، أن الزلزلة لا تحدث هكذا بغتة.. بل تسبقها مقدمات أولية، تمهد لها، وتنبئ عن مقدمها. ثمة تغيرات تحدث في الشاقلية، والمغناطيسية الأرضية، وفي الكهربية الجوية، وفي مستوى المياه الداخلية في الآبار العميقة، وفي أصوات أخرى تحدث في الأعماق. وهي كلها أحداث وتغيرات، تقع خارج نطاق قدرة الإنسان على الإحساس بها، كما أن معظمها يقع خارج نطاق حساسية أجهزتنا العلمية الحديثة. ولكنها - وياللعجب - تقع ضمن مجال حساسيات الحيوانات. نعم .. لقد أماط علماء سلوك الحيوان، اللثام أخيراً عن اكتشافات مثيرة تتعلق بوجود مجسات لدى بعض الحيوانات تمكنها من تسجيل الارتعاشات الضعيفة السابقة للزلزال. واكتشفوا كذلك وجود أجهزة حساسة تلتقط التغيرات الكهربية الحادثة، وأجهزة أخرى تستشعر التغير الطفيف الحادث في المغناطيسية الأرضية، واكتشفوا وجود حواس سمع عجيبة، بوسعها تتبع أصوات حركات باطن الأرض، التي تسبق الزلزال.
الحيوانات المغناطيسية
ما كان يخيل لنا، أن نجد مثل هذه الحاسة المدهشة في عالم الحيوان. حاسة مغناطيسية، تكتشف التغيرات الطفيفة، التي تعتري المغناطيسية الأرضية، قبل وقوع الزلزلة. ولقد أجرى العلماء دراسات كثيرة مهمة استهدفت معرفة كنه هذه الحاسة، وكيف تعمل، ولِمَ، وما دورها في حياة الحيوان؟ ولم تكن هذه مهمة سهلة بطبيعة الحال، ولكن العلماء توصلوا لمجموعة من الحقائق، التي تحتاج لمن يتأملها. لقد عرفوا أن في داخل أجسام بعض الحيوانات، بوصلات مغناطيسية فائقة الحساسية، تستطيع أن تحدد للحيوان، اتجاهه بالنسبة للمجال المغناطيسي الأرضي، فلا تضل الطريق. وعرفوا من خلال الميكروسكوب الإليكتروني، أن البوصلة تتكون من أجسام دقيقة ممغنطة، قوامها أكسيد الحديد المغناطيسي. وفي دراساتهم على النحل، وجدوا البوصلة حول كل قطاع من أجسامها، في خلايا تحتوي على ملايين الأجسام الممغنطة. وفي نفس الوقت، فقد وجدوا أن هذه الخلايا الخاصة على اتصال عصبي وثيق بالمخ. وفي المعهد التقني بكاليفورنيا، يكتشف باحثون أصلاء وجود البوصلة في مؤخرة عظام رأس الحمام. ووجدوا أنها تتوزع على هيئة نظام عجيب، من مئات الملايين من الحبيبات الدقيقة الممغنطة. وفي الدلافين يعثرون على البوصلة في النسيج الممتد فوق المخ (الأم الجافية) وتحت الجمجمة مباشرة. ويواصل العلماء اكتشافهم لهذه البوصلة، فيعثرون عليها في أحد أنواع الحيتان، وفي أسماك السالمون، وفي المارلين الأزرق (أسماك ضخمة ذات امتداد من الرأس يشبه الرمح)، وفي السمك الوثاب، وعند بعض الحشرات مثل الفراشة الملكية، وفي السلحفاة المائية الخضراء، وفي أسماك التونة والنوارس البحرية وغيرها. ولكن الذي نؤكد عليه، أن حبيبات الحديد الممغنطة، تبدو متصلة بطريقة ما بالجهاز العصبي، مما يشير إلى وجود حاسة غامضة تمتلكها الحيوانات، تتعامل بها مع إحدى قوى الطبيعة غير المحسوسة، أقصد "قوة المجال المغناطيسي للأرض" .. هكذا يؤكد الباحثون.. فلقد دلت بحوثهم على أن هذه الحاسة المدهشة، تتأثر بشدة بأي تغير يحدث في هذا المجال. فقد قامت جماعة من الباحثين بتجربة على مجموعة من حمام الزاجل أطلقوها في مناطق ذات مجال مغناطيسي مختل، فكانت النتيجة، كما توقعها العلماء تمامًا، لقد ضل الحمام طريقه، ولم يك من المهتدين. ومرة أخرى، قام عالمان من جامعة "كورنيل" بتجربة مماثلة، أثبتا فيها أن الحمام الزاجل يضل طريقه ويصاب باضطراب وتشويش إذا حدثت تغيرات في الحقل المغناطيسي، بمقدار صغير للغاية، لا يتجاوز 30 جاما (الجاما هي مقياس رئيسي للمغناطيسية) . بقي أن نزيد أن العلماء وجدوا أنه يسبق حدوث الزلزلة، تغيرات طفيفة في المغناطيسية تتراوح ما بين 10 - 30 جاما. ووجدوا كذلك أن هذه التغيرات، يصاحبها دائماً سلوك غير عادي وشاذ تسلكه الحيوانات ذات البوصلة المغناطيسية المدهشة.
الاستشعار الصوتي عن بعد
قدرات الإنسان السمعية محدودة إلى حد كبير.. فلا قدرة لأذن الإنسان على سماع الموجات الصوتية، التي تقل تردداتها عن 1000 ذبذبة في الثانية، أو تلك التي تزيد تردداتها على 20.000 ذبذبة في الثانية. وإذن فمن البديهي، أن تعجز أذن الإنسان عن سماع الأصوات عالية التردد، المتولدة عن تصادم الكتل الصخرية الضخمة، والتي تحدث عادة قبل الزلزال الرئيسي. غير أن بعض الحيوانات كالقطط والكلاب والثعالب والذئاب، لديها قدرة فائقة على سماع تلك الترددات العالية، وحتى 60.000 ذبذبة في الثانية. بل إن الخفافيش والحيتان والدلافين والفئران، تستطيع سماع الأصوات الأعلى التي تصل تردداتها إلى 000. 100 ذبذبة في الثانية. بقي أن نزيد أن العلماء يشيرون إلى انطلاق أصوات أخرى ضعيفة جدًا تقل عن 100 ذبذبة في الثانية. وهي أصوات أرضية تنتج عن الهزات الأولية، أو تتولد عن الانطلاق المفاجئ للغاز تحت الأرضي. ومرة أخرى نقول، إنه إذا كانت أذن الإنسان تعجز عن سماعها، وإذا كانت أجهزة رصد الزلازل التقليدية، يصعب عليها التقاطها وتمييزها، فإن كثيرًا من الحيوانات تمتلك القدرة على كشفها في يسر وسهولة. خذ الحمام الزاجل، على سبيل المثال.. إن بوسعه التقاط الموجات الصوتية المنخفضة حتى 3 ذبذبات في الثانية. ففي دراسات أجراها العلماء، تبين أن هناك شبكة من المجسات الحساسة على أجسام الطيور، وأن إزالة هذه المجسات يؤدي لفقد الطيور قدرتها على التقاط الذبذبات المتناهية الصغر التي تسبق الزلزال. ففي تجربة أجراها باحثون عام 1975، على مجموعتين من الطيور، إحداهما أزيلت منها مواقع المجسات، والأخرى عادية، تبين أن الأولى لم يظهر عليها أي تأثر بالزلزال، بينما أبدت المجموعة الثانية العادية، انزعاجًا شديدا واضطرابا في الطيران قبل حدوث الزلزال. علماء آخرون اكتشفوا هذه القدرة الفريدة في عالم الأسماك.. فقد تبين أن الأسماك تستطيع سماع الأصوات الضعيفة ذات الترددات المنخفضة جدًا، كما تبين أنها تتأثر بشدة بموجات الضغط الزلزالي التي تتردد أحيانا عبر مسافات هائلة في البحر.. ولقد اكتشف الباحثون أن سر هذه الحاسة، كامن في الخطوط الجانبية الحساسة الموجودة على أجسام الأسماك. ويبدو أن اليابانيين قد عرفوا هذه الحقيقة منذ زمن، حتى أنك واجد في بيوتهم أحواض السمك منتشرة .. ليس بغرض الزينة أو التربية، ولكن كأجهزة إنذار مبكر للزلازل!
الإنذار الكهربي بالزلزلة
الزلازل التكتونية.. إنها أكثر أنواع الزلازل حدوثًا. هكذا يقول المتخصصون. وعندهم أن الطبقات الصخرية الواقعة أسفل سطح الأرض، أحيانا ما تتعرض إلى كسور وتصدعات نتيجة الحركات الالتوائية والضغوط الشديدة التي تصيبها. ومع استمرار ضغط الطبقات العلوية، تنزلق الطبقات التكتونية (السفلية) التي تكسرت أو تصدعت، وتهبط إلى أسفل، وعندئذ تنشأ الهزات الأرضية. وفي نفس الوقت يحدث تحرير لكمية هائلة من الكهرباء أثناء عملية الانزلاق تلك. وهكذا.. فإن تغيرًا في الكهربية سوف يحدث، قبل وقوع الزلزال الرئيسي، في المناطق المنتشرة حول الصدوع النشطة. بعض الناس يتساءلون.. وما علاقة الحيوانات بكل ذلك؟ الحق.. أن لدى علماء سلوك الحيوان، ما يؤكد قدرة تلك المخلوقات، على إدراك هذا التغير الطفيف الذي يعتري الكهربية الجوية قبل الزلزلة. وربما قائل يقول: إن الإنسان نفسه يتأثر بالتغير الحادث في الكهربية الجوية.. فقد عرف الناس التأثيرات المثيرة، التي تصاحب الرياح الموسمية الحارة الجافة الآتية من الصحراء، حيث يعاني الكثيرون من أعراض بغيضة.. وعرف الأطباء، أن هذه الأعراض ترجع إلى الانخفاض الكبير الذي يحدث في الأيونات السالبة، بينما تزيد الأيونات الموجبة في الجو. نعم.. هذا كله صحيح، ولكن حساسية الحيوانات ت تجاه أي تغير طفيف في الكهربية، يفوق حساسية الإنسان بمراحل. فالحيوانات ترصد من التغيرات، ما لا قبل للإنسان على رصده. ونعود نسأل عن علاقة الأيونات الموجبة في الهواء، وحالة الحيوان قبل وقوع الزلزلة.. أهل الخبرة يقولون: إن تأثير الأيونات يرتبط - على العموم- بأيض الأمينات في الجسم. فالمعروف أن إنزيم المونو أمين أوكسيديز يوجد في المخ والأمعاء ومجرى الدم، ووظيفته هي تفتيت الهومونات الأمينية إلى مواد عديمة النشاط. وأحد هذه الهرمونات هو السيروتونين. وقد ظهر للعلماء، أن الزيادة في أيونات الجو الموجبة، أو النقص في أيوناته السالبة، يؤدي إلى تثبيط الإنزيم، مما يسمح بتراكم السيروتونين في الجسم وخاصة في الصفائح الدموية. ووجد العلماء، أن للسيروتونين، تاثيرا قابضا على الأوعية الدموية، كما أنه يرتبط مع مجال واسع من ردود الفعل مثل القلق والاكتئاب وقلة التركيز لدى الحيوانات. وهكذا.. وبما إن مستوى الأيونات يتغير بشكل حاد، فإن التأين السابق للزلزال يمكن أن يصيب الحيوانات بمثل الأعراض التي تشاهد عليها قبل حدوث الزلزال.
وثمة نظرية أخرى تربط التغير الكهربي، بإحدى حواس الحياة الرئيسية عند الحيوان، وهي حاسة الشم. فالمعروف أن هذه الحاسة فائقة الحساسية، بل يمكن القول إنها عماد حياة الكثير من الحيوانات، حتى أن إتلاف جهاز الشم في الثعابين يفقدها القدرة على تمييز فرائسها عن أبناء جنسها.. ولولا هذه الحاسة، لعجز طائر النوء Petril، الذي يطير على ارتفاعات عالية، عن تحديد موقع عشه.. كما أن لهذه الحاسة دوراً رئيسيًا في حياة الفأر، وفي حياة الكلاب، حيث تثبت تجارب العلماء تفوق هذه الحاسة في الكلاب، بحوالي مليون مرة، مقارنة بالإنسان، حتى أن بوسع الكلاب التعرف على الماء المالح من العذب عن طريق الشم. إنها حيوانات تعيش على حاسة الشم! إذن .. ماذا يحدث إذا تعطلت هذه الحاسة؟ ذعر كبير وهلع شديد، لابد هو حادث. وهذا بالضبط ما تفعله الروائح والغازات الغريبة، التي تسبق حدوث الزلزال. ففي رأى العلماء، أن كل هذه الروائح ذات شحنة كهربية، مما يعني مزيداً من التغيرات الأيونية في الهواء.. ثم إن هذا يعطل حاسة الشم الحساسة لدى الحيوانات.. كأنما هذه الروائح القوية الغريبة (المتأينة) تخلق إشارة (خط مشغول)، مما يعوق قنوات الاتصال بين الحيوانات، وعالمها الذي تعيش فيه. وربما يفسر ذلك حالة الذعر والاضطراب وتغير المزاج وتحلل النظام الاجتماعي، الذي يعتري هذه المخلوقات، قبل وقوع الزلزلة.
وقفة تأمل
في دراسة لعلماء المركز القومي للخدمات الإعلانية الخاصة بالزلازل في الولايات المتحدة، تبين أن خروج الصراصير من مخابئها بشكل فجائي وبصورة جماعية، ينبئ عن قرب حدوث الزلزال! وفي تقرير علمي لجمعية الجيولوجيا الأمريكية، أن حساسية الصراصير للتنبؤ بالزلازل، تفوق أحدث ما صنعه الإنسان من أجهزة! وفي رأي "دافيد استيوارت" مدير معامل الجيولوجيا الطبيعية بجامعة كاليفورنيا، أن هروب الجرذان من مخابئها، ورفض الخيول دخول اسطبلاتها، واضطراب الأسماك، وقلق الحيوانات العام، يعتبر سلوكاً له مدلول، في مجال التنبؤ بالزلازل. وفي مؤتمر علمي كبير، عقد في نهاية عقد السبعينيات، بالولايات المتحدة، أوصى باحثو علوم الأرض والحياة والجغرافيا والزلازل، بضرورة استخدام الحيوانات في مجال التنبؤ عن قرب وقوع الزلازل، وأشار الباحثون لأهمية إقامة مستعمرات حيوانية لدراسة سلوك الحيوان قبل وقوع الواقعة.. وبالفعل أنشئت في صحراء كاليفورنيا، أول مستعمرة من نوعها في التاريخ لتحقيق هذا الهدف.. كل ذلك إنما يدعونا لوقفة تأمل حول أسرار هذا الكون العظيم بكل ما فيه من إعجاز فى الخلق والحياة. وإن كانت البحوث والدراسات الضخام، التي يجريها العلماء، قد كشفت عن بعض هذه الأسرار، ولكن الأعظم والأخطر، ما زال بعد خافيًا.