مختارات من:

الأشعة التشخيصية في عالم اليوم

ياسر عبدالعظيم عباس

منذ اكتشف العـالم الألماني رونتجن تلك الأشعـة التي كان يجهلها فأسماها "أشعة إكس "، وبعد أن نجح في إنجـاز أول صورة شعـاعية في 22 ديسمبر عام 1895 ليد زوجته وبها خاتم زواجهما، وعلم التصوير الطبي ينـدفع في آفـاق التشخيص ليحقق إنجـازات مهمة، في عدد سابق من أعداد " العربي " قدمنا تعريفا بأحدها، وهو "التصوير بالرنين المغناطيسي ". وفي هذا المقال نطوف لنتعرف على إنجازات أخرى في هذا الحفل الذي لا يكف عن التطور.

يعتمد الفحص بالموجات فوق الصوتية Ultrasongrphy على إرسال موجات صوتية بتردد معين، أعلى من مستوى سمع الإنسان، إلى الأجزاء المراد فحصها داخل الجسم، حيث تصطدم بها تلك الموجـات وترتد ثانيـة، ليستقبلها الجهاز ويحولها إلى صورة متحـركة تظهر على شـاشة كشاشة التلفزيون عن طريق برامج كمبيوترية، وقد تم أخذ هذه الفكرة من الوسائل التي تستخدمها الغواصات الحربية لاكتشاف الأهداف المضادة.

وتعتبر الموجات فوق الصوتية أكثر الوسائل التصويرية التشخيصية توافرا وسهولة في الأداء ورخصا وكذا أمنا، فإنه ليست لها أي أضرار مثبتة حتى الآن، سواء قصيرة أو طويلة المدى.

ويمكن تلخيص أهم استخداماتها في الآتي:

(1) تشخيص أمراض الأعضاء داخل البطن، كالكبد والمرارة والبنكرياس والطحال والكليتين والغدد الليمفاوية من أورام والتهابـات وحصوات وتضخمات.. وغير ذلك.

(2) تشخيص أمـراض الأعضـاء داخل الحوض كالمثانة وكذا البروستاتا في الرجال والرحم والمبايض في النساء.

(3) تشخيص أمراض القلب عن طريق ما يطلق عليه ( Echocardiography ) تصوير القلب بالصدى الصوتي من عيوب خلقية ووظيفيـة وتضخمات وقصور.

(4) تشخيص بعض أمراض الرئة والغشاء البللوري المبطن لها.

(5) التشخيص المبكر للحمل ومتابعته سواء في حالة حدوث متاعب أو عدم حدوثها، وكذا التحديد الدقيق لعمر الجنين داخل الرحم، وخلوه من أي عيوب خلقية وتحديد جنسه، وكذا تحديد مكان المشيمة وكمية السائل الأمنيوني (السلي) المحيط بالجنين.

(6) يمكن عن طريق الموجات فـوق الصوتية أخذ عينات باستخدام إبر رفيعة جدا من أي تورمات أو سوائل داخل البطن أو الحوض، وترسل تلك العينات للتحليل الكيميائي أو الباثولوجي، لنصل للتشخيص الدقيق عن طريق وضع القساطر والدرانق ومتابعة تفتيت الحصوات واستخدامات أخرى علاجية.

(7) تشخيص أمراض الأجزاء السطحية من الجسم باستخدام مجسات ذات ترددات عالية، وأمثلة ذلك فحص الثديين والعينين والخصيتين والغدة الدرقية والغدد اللعابية.

(8) من الاستخدامات الحديثة للموجات فوق الصـوتية توجـد الآن في كثير من الأجهزة مجسات رفيعة يمكن إدخالها في أي تجويف بالجسم، لتكـون ملامسة تماما للجـزء المراد فحصه، مما يجعلنا نرى الكثير من التفاصيل ونخطو خطوات كبيرة إلى التشخيص الصحيح مقارنة برؤية تلك الأجزاء عن طريق السطح الخارجي للجسم. ومن أمثلة ذلك وجود مجسات لإدخالها في الشرج لفحص الشرج والبروستاتا، والمهبل لفحص الرحم والمبايض، وقناة مجرى البول لفحصها هي والبروستاتا، والمريء عن طريق الفم لفحص القلب والشريان الأورطي وكذا المريء والمعدة من الداخل. ويمكن استخـدام تلك الوسائل لأخذ عينات بدقة أكثر.

(9) شهد مجال فحص الأوعية الدموية بـالموجات فوق الصوتية تطورا كبيرا في الآونة الأخيرة، مع زيادة تطبيقات "الدوبلر" التي تعتمد على استخدام الموجات فوق الصوتية في قياس اتجاه وسرعة جريان الدم في مختلف الأوردة والشرايين، مما يساهم في اكتشاف أي بطء في الدورة الدموية وبيان سببه من ضيق وانسداد نتيجة جلطات أو تكلسات.

ومن أهم التطبيقات استخدام الموجات المذكورة في تشخيص أمراض شرايين الرقبة والمخ والكبد والكلى والأطراف وكـذا تشخيص حالات دوالي وجلطات الساقين. وقد أصبح فحص الدوبلر للأوعية الدموية جزءا لا يتجزأ من الفحوصات قبل وبعد عمليات زرع الأعضاء كالكلى والكبد والبنكرياس، حيث تحل محل عمل القسطرة في تلك الحالات الحرجة.

وبإمكان البرامج الكمبيوترية إظهار الأوعية الدموية وهي ملونة، وذلك حسب اتجاه وسرعة جريان الدم، وهو ما يطلق عليه الدوبلر الملون، وهذا يساعدنا كثيرا في التشخيص حيث يمكننا التفرقة بين الوعاء الدموي والأعضاء المحيطة به، كما يبين لنا سرعة التيار الدموي.

(10) أمكن استخدام الموجات فـوق الصوتية في تشخيص بعض أمراض الجهاز الحركي، من تمزقات ووجود حويصلات وأورام على نطاق محدود، لما يحتاجه ذلك من خبرة كبيرة.

(11) تستخدم الموجات فوق الصوتية في تشخيص أمراض المخ عند الأطفال حديثي الولادة حيث تكون هناك فجوات بعظام الجمجمة تسمح بعمل الفحص، ويمكن عمل الفحص بسرير الطفل أو بالحضانة، ولا يحتاج إلى نقله إذا كان في حالة حرجة.

(12) تستخـدم الموجـات فـوق الصوتيـة أثنـاء الجراحـة، سواء بـالمخ أو العمود الفقري أو بأعضـاء البطن والحوض، وذلك لمسـاعدة الجراح على دقـة الوصـول للجـزء المراد استئصاله وتجنب الأوعيـة الدموية والأجزاء الأخرى السليمة، مما يجعل الجراحة أكثر أمنا، ويجعل الجراح متأكدا من استئصاله الكامل للجزء المصاب.

بعض العيوب

وتجدر الإشارة هنا إلى بعض عيوب الموجات فوق الصـوتية التي تجعلنـا نلجأ إلى الـوسائل التشخيصية الأخرى. وأولها أن الفحص يعتمـد بدرجة كبـيرة على مدى خـبرة الطبيب الذي يقوم به وتدريبه على مختلف التطبيقات حيث إنه هو وحده الذي يستطيع تحريك المجس لرؤية ما يريد، ولذا فإن النتائج تتفاوت من طبيب لآخر ومن جهاز لآخر على حسب وضـوح الصورة وإمكانات الجهاز.

وثـانيا فإنه في بعض الأحيان تمنع الغازات التي تكون موجودة بالبطن بكثرة ببعض المرضى من رؤية الأعضاء المراد فحصها، كما توجـد صعوبات أيضا في فحص المرضى كبيري الوزن، وكذا الذين لا يستطيعون كتم النفس لفترة معقولة خاصة بالنسبة لفحص البطن.

وثالثا فإن هناك بعض الأجـزاء داخل الجسم التي لا تظهر بوضـوح بالموجات فوق الصوتية، كـما أنه قد تكون هناك صعوبة في معرفة علاقة التورمات بمختلف الأجـزاء المحيطـة بها، كـما قد تتشـابـه بعض الآفات بالموجات فـوق الصوتية ولا يمكـن التفريق بينها، ومثال لذلك بعض الأورام الحميدة والخبيثـة داخل الكبد.

لذا ففي كل هـذه الحالات، يكـون دور طبيب الأشعة المختص هو أن يستخدم أو يوصي في تقريره باستخدام وسيلـة أخرى من الوسائل المتاحة للتغلب على تلك الصعـوبات في التشخيص، مثل هذا ينطبق على باقي الـوسائل الأخرى التي سنعرض لها، فلكل مزاياه وعيوبه.

المسح الذري باستخدام النظائر المشعة

تعتمد تلك الوسيلة على حقن جسم عن طريق الوريد بكمية ضئيلة من أحد النظائر المشعـة، الذي يأخذ طريقه في الدورة الدموية ليتركز في الجزء المراد فحصه من الجسم، حيث يوجد نظير أو أكثر مختص بكل عضـو أو جزء من الجسم كالعظام أو الكبـد أو الكلى. وبعـد فترة متفاوتة من الـوقت تسمح بتركز ذلك النظير بالعضو المراد فحصه، يتم تصوير ذلك العضو عن طريق كاميرا خاصة ذات حساسية للنظائر المشعة، وتتم برمجة الصـور عن طريق الكمبيوتر، وتتميز تلك الوسيلة بأن كمية الأشعة المستخدمة فيها ضئيلة جـدا لا تكاد تذكر، وأقل كثيرا من المستخدمة في التصوير بأشعة إكس العادية. كما أن تلك الوسيلة تعطينا فكرة جيدة عن وظائف بعض الأعضاء كالكلى والكبد مثلا.

وأما عن عيوب تلك الوسيلـة فتكمن في أنها وإن كانت حساسة لوجود مرض ما، إلا أنها ليست دقيقة في كل الأحيان في التفرقة بين مختلف الأمراض كأورام أو التهابات أو تآكـل، حيث تعطي جميعها صـورا متشابهة، كـما أن المسح الذري لا يعطي صورة واضحة لعلاقة الجزء المريض ببـاقي الأجزاء السليمة، حيث تتـداخل الحدود الفاصلة في كثير من الأحيان، ممـا لا يسمح بـالاعتماد عليها في التخطيـط للجـراحـات المختلفة.

هذا وقد تم في الآونة الأخيرة استخدام طريقة جديدة للمسح الذري تسمى بـ Spect تسمح بأخذ مقاطع صغيرة جدا في سمكها، مما سمح بالتغلب على العيبين السابق ذكرهما.

الأشعة المقطعية بالكمبيوتر

تعتمد تلك الوسيلة على إرسال مجموعة من إشعاعات إكس الضيقة جدا على مراحل، كي تمر خلال جسم المريض، حيث يتم امتصاصها جزئيا بواسطة أعضاء الجسم المختلفة، كل. حسب تكوينه الداخلي وما به من أمراض. ويخرج ما تبقى من الأشعة خارج جسم المريض من الناحية الأخرى ليتم استقباله بـواسطة كـاشفات دقيقة للأشعة، ثم يتم إرسال تلك المعلومات إلى الكمبيوتر الملحق بالجهاز لنحصل في النهاية على صورة دقيقة على هيئة مقاطع للجزء المراد فحصه. وتتركز أهم استخدامات الأشعة المقطعية بالكمبيوتر في الآتي:

(1) تشخيص مختلف الأمراض التي تصيب المخ والعينين والعمود الفقري من نزيـف وجلطة وأورام والتهابات.

(2) تشخيص الأمراض التي تصيـب مختلف عظام الجمجمة خاصة عظام الأذن والوجه.

(3) تشخيص مختلف أمـراض أعضـاء الصـدر والبطن والحوض وخـاصة التوضيـح الدقيق لعلاقة المرض بالعضو المصاب والأعصاب المحيطة به حتى يمكن التخطيط للعلاج بدقة، وكـذا المساعدة في أخذ عينات من مختلف الأجزاء المصابة.

(4) التشخيص والتـوضيح التشريحي الدقيق لبعض أمراض الجهاز الحركي من عظام وعضلات. وتكمن عيوب هذه الوسيلـة في استخدامها لأشعة إكس، بـما لها مـن بعض الضرر، وكذا في الحاجة لاستخدام الصبغات عن طريـق الحقن بالوريد أو النخاع الشوكي في كثير من الأحيان، وأيضا في أننا لا نستطيع أن نأخذ سوى مقاطع أفقية فقط.

ويتلافى التصوير الطبي بالرنين المغناطيسي تلك العيوب، إلا أن الأشعة المقطعية بالكمبيوتر بسعرها الأرخص وتوافرها الأكثر وكذا لبيانها الدقيق لبعض مكـونـات العظام سيظل لها دورهـا في التشخيص الطبي.

الانبعاث البوزيتروني المقطعي

تعتمد هذه الوسيلة على حقن الجسم بأحد النظائر المشعة، بعد الحصول عليها باستخدام جهاز السيكلوترون حيث تكون لها خاصية أنها تصل للجزء المراد فحصه ثم تنبعث منها بوزيترونات (البوزيترون من مكونـات النواة) ويتم الحصول على الصورة المطلـوبة عن طريق كاميرا خاصة حساسة لتلك البـوزيترونـات المنبعثة، وتكـون تلك الصـور على هيئة مقاطع أشبه بتلك التي نحصل عليها من الأشعـة المقطعية بالكمبيوتر أو التصوير بالرنين المغناطيسي.

وتكمن الميزة الكبرى لتلك الوسيلة التشخيصية في أنها - خلاف أغلب الوسائل الأخرى - يمكن بها دراسة وظيفـة الأعضاء على مستـوى الخليـة ومدى الخلل الذي يصيب تلك الأعضاء بتأثير الأمراض المختلفة، أي أننا نحصل على صورة مقطعية وظيفية وليس تشريحية.

وتكمن عيوب تلك الوسيلة في غلـو سعرها لاحتياجهـا لجهاز السيكلـوترون وكـذا قلة عدد الأجهـزة على مستوى العـالم وقلة المتـدربين على استخدامه، كـما أن هنـاك عـددا من المشـاكل التكنـولوجية من أجل الحصـول على صورة أفضل، ولكن كل الأدلة تشير إلى أن هذه الوسيلة ستشهد تطـورا كبيرا وستكـون لها تطبيقـات كثيرة في المستقبل.

ياسر عبدالعظيم عباس مجلة العربي يونيو 1993

تقييم المقال: 1 ... 10

info@3rbi.info 2016