مختارات من:

مستقبل الأرض بين الأماني.. والواقع

أمين حامد مشعل

يواجه العالم حاليا موقفا صعبا لم يسبق له مواجهته، حيث تعاني البيئة على كوكب الأرض من التدهور، ويعاني غالبية البشر من قصور شديد في تلبية مطالبهم من الاحتياجات الضرورية. ولذلك فإن قضايا البيئة ترتبط ارتباطا وثيقا بقضايا البشر ومشاكلهم من حرب وفقر وزيادة سكان، ونقص في التعليم والوعي.

تتأثر البيئة بالفعاليات البشرية التي تنشأ من الإسراف في استهلاك الموارد الطبيعية التي تؤدي إلى الإخلال بالتوازن الطبيعي على الأرض. وتنشأ من التلوث، ومن انبعاث الغازات للجو التي تسبب ظاهرة زيادة دفء الأرض. فالبيئة مرتبطة بالإنسان أو بمعنى أصح يعتبر الإنسان جزءا من البيئة ويجب أن يكون له نصيب من الرعاية، ومتى توافرت للإنسان مستلزمات الحياة الكريمة فإنه يوجه جانبا من جهده نحو إصلاح بيئته والحفاظ عليها. إذن فهناك رابطة قوية بين صلاح البيئة ونجاح التنمية الاقتصادية وتحسين الأوضاع المعيشية للناس. وانطلاقا من هذا المفهوم أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار رقم 47/ 228 في ديسمبر 1989 بعقد "مؤتمر الأمم المتحدة للبيئة والتنمية" في ريو دي جانيرو بالبرازيل عام 1992، وذلك تأكيدا لارتباط البيئة بالتنمية. وأصبح هذا المؤتمر يعرف بمؤتمر قمة الأرض أو بمؤتمر ريو.

الإنسان يحاسب نفسه

وإذا كان الإنسان قد سبب في الماضي ضررا بليغا لبيئته، فقد تم ذلك بدون قصد وعن جهل، أما في الوقت الحاضر فليس له عذر مقبول بعد أن ازداد وعيه البيئي، وبعد أن توافر له علم يقين ودراية كاملة بالأعمال التي تسبب ضررا وتدهورا للبيئة. وإذا استمر سكان الأرض يسيرون على نهج أسلافهم فإنهم يذنبون في حق الأرض وفي حق أجيالهم القادمة. إن كل جيل يجب أن يحاسب نفسه عن حالة الأرض التي سيتركها لأولاده: هل سيبقي عليها مكانا نظيفا لسكناهم، وهواء نقيا لتنفسهم، وطعاما كافيا لتغذيتهم؟! وهل ستتاح لهم رؤية طيور مغردة تطير في سماء نظيفة، وحيوانات تنطلق بحرية وأمان في بيئتها الطبيعية، وهل ستترك الغابات لتكون متنفسا للأرض، ومخلصا لها من تراكم ثاني أوكسيد الكربون؟ ولتكون الملاذ الأخير للحيوانات والطيور البرية؟ وماذا يمكن لكل جيل أن يفعل ليجنب بيئة الأرض المشاكل، وليساعد الأجيال القادمة لتعيش في بيئة صالحة.

عقد مؤتمر الأمم المتحدة عن البيئة والتنمية في ريودي جانيرو بالبرازيل تحت شعار "الأرض بين أيدينا"، وذلك خلال المدة من 3-14 يونيه 1992 أي بعد مرور عشرين عاما على انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة عن بيئة الإنسان في استكهولم، بالسويد عام 1972. ولا شك أن تطورا كبيرا قد حدث خلال تلك المدة في الوعي العالمي بالبيئة وفي الاهتمام الذي وجه لها والذي نتج عنه إنشاء جمعيات ومنظمات ووزارات للبيئة في أكثر من 115 دولة. ولكن لا يزال أمامنا الكثير الذي يجب عمله للحفاظ على البيئة من الأخطار الجسيمة التي تتهددها.

شارك في المؤتمر أكثر من مائة وعشرين من رؤساء الدول والحكومات بالإضافة إلى ثلاثين ألف خبير وعالم في المجالات البيئية والتنموية المختلفة، وشارك أيضا مئات من رؤساء القبائل والعشائر من الهنود الحمر من القارة الأمريكية الشمالية، وقبائل ماليزيا، وممثلون عن الهيئات النسائية وكذلك ممثلون عن الفنانين والصحفيين. فماذا كانت حصيلة هذا المؤتمر؟ هل أثبت سكان الأرض حرصهم عليها، وسعيهم لإنقاذها وحمايتها، وهل تغلبت المصلحة العامة على المنفعة المحلية والإقليمية؟ هل خرج المجتمعون بقرارات حاسمة معززة بوسائل تنفيذها، وهل رصدت الأموال لتنفيذ الخطط التي سهر العلماء على وضعها خلال السنتين اللتين سبقتا الإعداد لهذا المؤتمر، أم اكتفى الزعماء بحضور المؤتمر وإلقاء الخطب والأحاديث، وتجنبوا تقديم أي وعد ملزم لبلادهم؟

أوكلت الأمم المتحدة لمؤتمر قمة الارض إعداد برنامج عمل يتفق عليه المجتمع الدولي لمعالجة قضايا بيئية وتنموية رئيسية تتمتع بالأولوية. وذلك خلال الفترة 1993 - 2000، على أن يمتد هذا البرنامج بعد ذلك للقرن الواحد والعشرين. ولذلك فقد اشتهرت تسميته ب "جدول أعمال 21" أو "أجندة 21"، وهي عبارة عن خطة عمل تقع في 800 صفحة للخطوات المطلوب عملها تجاه المشاكل البيئية والتنموية الملحة التي تواجه الأرض، والتي تشمل على سبيل المثال ظاهرة تزايد الدفء العالمي، وإزالة الغابات، واضمحلال طبقة الأوزون فضلا عن مشاكل الفقر والتنمية في العالم. وكان من أهداف المؤتمر وضع حلول لهذه المشاكل والعمل على حماية وإدارة الموارد الطبيعية للأرض، وصون التنوع البيولوجي بها، وتشجيع استعمال التكنولوجيا البيولوجية التي لا تضر بالبيئة، وحماية البحار والمحيطات والمناطق الساحلية، والمحافظة على مصادر المياه العذبة وترشيد استهلاكها، وكذلك العمل على إيجاد حل لمشكلة الانفجار السكاني في العالم. كما اهتم المؤتمر بضرورة زيادة الوعي البيئي ونشر التعليم البيئي بين الناس. ومن المأمول أن يؤدي هذا البرنامج الطموح - فى حالة تنفيذه - إلى تحقيق مستقبل مشرق للإنسانية والوصول إلى عالم تغمره العدالة والأمان والرفاهية.

وتبلغ تكاليف تنفيذ البرامج الواردة في جدول أعمال 21 حوالي 600 بليون دولار وهو مبلغ ضخم، ولكنه صغير مقارنة بإنتاج العالم، وفي الإمكان جمعه لو خلصت النية.

الجنوب يدفع للشمال

إن الوضع الاقتصادي والاجتماعي في دول الجنوب الفقيرة أو النامية (معظم آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية) غير مريح ولا يبشر بمستقبل أفضل، وقد تدهور خلال الثمانينيات وأصبحت هذه الدول ضحية للنظام الاقتصادي العالمي بدلا من أن تكون المستفيدة منه. فاقتصادها هش ويعتمد على اقتصاد دول الشمال الغنية، مما يجعله عرضة للتغيرات الاقتصادية التي تحدث في العالم والتي لا يمكن لهذه الدول النامية أن تتحكم فيها. ولعل أهم المعوقات والصعوبات التى تعترض انتعاش اقتصاد دول الجنوب يتمثل في الديون الخارجية التي أصبحت عبئا ثقيلا يرزح تحته اقتصادها الهزيل أصلا. وإذا دققنا في المعاملات المالية بين دول الجنوب الفقيرة ودول الشمال الغنية فسنجد أن هناك تدفقا للمال من الجنوب في اتجاه الشمال، فطبقا لتقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي 1991 (UNDP) عن التنمية البشرية نجد أن مقدار فوائد الديون التي دفعتها دول الجنوب الفقيرة في عام 1989 لدول الشمال الغنية زاد على مقدار كل المساعدات التي قدمتها الدول الغنية للدول الفقيرة في السنة نفسها بحوالي 51 بليون دولار. كما تتسبب الحماية التي تفرضها الدول الغنية على منتجاتها في فقدان الدول الفقيرة لجزء من عائدات تصدير منتجاتها، وتقدر خسارة الدول النامية بحوالي 100 بليون دولار سنويا من تصدير منتجاتها الزراعية، و 50 بليون دولار من تصدير المنسوجات. ومن هنا نرى أن دول الشمال المتقدمة تحقق كسبا سنويا مقداره 200 بليون دولار من تعاملاتها مع الدول الفقيرة (51 بليونا فوائد الديون + 100 بليون من تصدير الحاصلات الزراعية + 50 بليونا من تصدير المنسوجات). أي أن هناك انتقالا للثروة في اتجاه واحد: من الجنوب للشمال أو من الدول النامية الفقيرة للدول الصناعية الغنية. وساعد ذلك على اتساع الهوة بين أهل الشمال وأهل الجنوب أو بين أغنياء وفقراء العالم، ويمكن تصور مقدار هذه الفجوة إذا تمعنا في استهلاك الفرد في كل من الدول الغنية والفقيرة. فالعالم يسكنه حاليا 5.4 بليون نسمة، تعيش الأقلية الغنية التي تمثل 20% من، إجمالى السكان فى بلاد الشمال الصناعية، وتعيش الأكثرية الفقيرة التي تصل نسبتها إلى 80 % من سكان العالم في بلاد الجنوب. وقد تعود أهل الشمال على نمط حياة يؤدي إلى استهلاكهم للجانب الأكثر من الطاقة ومن الثروات الطبيعية لايتناسب مع عددهم، بينما يعاني أهل الجنوب من الفقر، ومن عبء الديون الثقيلة، ومن الانفجار السكاني.

وليس من المتوقع أن تتمكن دول الجنوب الفقيرة من حل مشاكلها الاجتماعية بسهولة. فلا شك أن محاكاة نمط الحياة الغربية، والإسراف في الاستهلاك لن يناسب أهل الجنوب، كما أن نقل تكنولوجيا غير ملائمة من الشمال للجنوب قد يعود بضرر على الجنوب ويزيد من مشاكله.

الجنوب والإحساس بالظلم

ومن هنا نرى أن دول الجنوب تحس بالظلم.. فحظهم من الاستفادة من ثروات الأرض هو توفير قوت يومهم. ولذلك لا يستجيبون إذا طلب منهم المحافظة على البيئة، في حين يحسون بأن أمرهم لا يهم أحدا. وما قد يبدو لدول الشمال الغنية تدميرا لا مبرر له للبيئة مثل قطع أشجار الغابات يعتبر مصدر الرزق الوحيد لمن يعيشون في هذه المناطق. فإذا أمكن توفير وسيلة معيشية بديلة لهم فلا شك أنهم سيرحبون بها. وسيتوقفون عن الأشجار. إنهم يشكون من أنهم لا يلقون العناية تلقاها أشجار الغابات أو الحيوانات البرية. كما أنهم مقتنعون بأنهم لم يتسببوا في تلوث أو تدمير البيئة ولذلك فلا مسئولية عليهم.

برز في مؤتمر قمة الأرض خلاف بين دول الشمال الغنية ودول الجنوب الفقيرة حول من سبب المشكلة البيئية؟ ومن المسئول عن حلها؟ ولعل أوضح مثل لذلك هو مشكلة زيادة دفء الأرض وما يتبعها من مشاكل، من المتسبب فيها؟ وعلى من تقع مسئولية إصلاح الضرر؟!

يتفق العلماء على أن انبعاث بعض الغازات من الأرض وتراكمها في الجو يتسبب في زيادة دفء مناخ الأرض، مما ينتج عنه فيضانات في بعض المناطق الساحلية وجفاف في مناطق أخرى، وتلقي الدول الغنية باللائمة في ذلك على الدول الفقيرة إذ يعزون هذه المشكلة إلى قطع أشجار الغابات في المناطق المدارية الممطرة. وقد تزايد المعدل السنوي لقطع أشجار الغابات مع الوقت من 27 مليون فدان في السبعينيات إلى 42 مليون فدان في الثمانينيات. وتعتبر الدول الصناعية الغنية هذه الغابات معينا لا ينضب للتنوع البيولوجي، نظرا لأنها موطن أجناس عديدة من الحيوانات والنباتات، فضلا عن أنها تعد بالوعة لامتصاص ثاني أوكسيد الكربون من الجو فتقلل من تراكمه. أما الدول الفقيرة التي تملك هذه الغابات فتنظر إليها على أنها ثروة جاهزة للاستغلال فهي نامية في أرض خصبة يمكن أن تنتج المحاصيل الزراعية التي تحتاجها، أما أخشاب أشجارها فالرديء منها يستعمل وقودا والأصناف الثمينة تباع في السوق العالمي بأثمان عالية. وترى هذه الدول أن من حقها استغلال غاباتها فيما يعود بالنفع على شعوبها التي لا تكاد تتوافر لها المطالب الرئيسية للحياة.

وقد أرادت الولايات المتحدة الأمريكية أن تجعل موضوع قطع الغابات في الواجهة الرئيسية لاجتماع ريو، وتبنت اقتراحا لإصدار قرار من المؤتمر يحظر قطع أشجار الغابات المدارية، ولكن الدول النامية لم توافق على قصر الحظر على الغابات المدارية واقترحت أن يمتد الحظر ليشمل أيضا الغابات الموجودة في المناطق الشمالية المعتدلة، ومنها الغابات الموجودة في أمريكا الشمالية، وعارضت الولايات المتحدة أي اقتراح يحد من حريتها في ممارسة عمليات تقطيع أشجار الغابات الموجودة في الجزء الشمالي الغربي منها على المحيط الباسفيكي، أي أن المصلحة الوطنية تغلبت على المصلحة العالمية العامة. ومن جهة أخرى ترى دول الجنوب الفقيرة أن السبب الرئيسي للدفء العالمى يرجع إلى قيام الدول الصناعية بحرق الوقود الآحفوري بكميات كبيرة.

ولذلك ترى دول الجنوب النامية أن الدول الصناعية هي التي تسبب مشكلة زيادة دفء الأرض، وعليها وحدها تقع مسئولية حلها، وليس من العدل أن تساهم دول الجنوب الفقيرة في حل مشكلة لم تتسبب فيها.

من يدفع فاتورة الحساب؟

وتعتقد الدول النامية أن الأولوية عندها هي العمل على مواجهة مشكلات وعقبات التنمية في بلادها، والعمل على ضمان حد أدنى من الحياة الملائمة لشعوبها. ولذلك لم يتم الاتفاق على من سيقوم بتمويل نفقات جدول أعمال 21، ومن سيدفع فاتورة حساب البرامج الطموحة التي اشتمل عليها الجدول لتخليص البيئة العالمية من مشكلاتها، والحفاظ عليها وحمايتها من التدهور.

وتوجد بعض الأموال المرصودة للبيئة في بعض الوكالات والصناديق العالمية، فهناك مثلا 1.3 بليون دولار في صندوق تسهيلات البيئة العالمية (Global Environment Facility - GEF) ويتولى إدارة هذه الأموال البنك الدولى وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة UNEP وبرنامج الأمم المتحدة للتنمية UNDP . ولكن تساور البيئيين الشكوك حول هذه التسهيلات نظرا لأن البنك الدولي وهو مؤسسة إقراض مالي له تاريخ في تمويل المشروعات الكبيرة، وبعضها له تأثير مدمر أحيانا على البيئة مثل شق الطرق في الغابات، وبناء السدود لتوليد الكهرباء من المساقط المائية. ولا تتحمس الدول النامية كثيرا لهذا الصندوق ولا تجد فيه أملا حقيقيا للحفاظ على البيئة أو لتخليصها من مشاكلها، إذ ترى الدول النامية أن البنك الدولي هو المتحكم الفعلي فيه.

وقد شكلت دول الجنوب النامية أو ما يسمى بمجموعة إلى 77 جبهة متحدة في اجتماع قمة الأرض، وقاومت هذه المجموعة ما اعتبرته محاولة من الدول الصناعية المتقدمة لجعلها تدفع ثمن ما أفسدته هذه الدول بصناعاتها، أما الدول الغنية فلم تظهر مثل هذا التضامن، فقد حاولت الدول الأوربية - تحت تأثير ضغط منظماتها البيئية - أن تبدو مهتمة بالبيئة ولها توجهات تقدمية في هذا المجال، ولكنها لم تكن متحمسة لفرض القوانين المضادة للتلوث. أما اليابان - التي لها سمعة بيئية غير طيبة لمخالفتها في صيد الحيتان وشدة نهمها في استهلاك الأخشاب - فقد أظهرت تحمسا لتحسين صورتها وتقديم نفسها من خلال المؤتمر كرائدة في العالم في مجال الحفاظ على البيئة. أما دول أوربا الشرقية، فلها مشاكل متعددة. فبجانب مشاكلها الاقتصادية والعرقية والسياسية، تعاني هذه الدول من مشاكل بيئية خطيرة نتيجة لاستعمال تكنولوجيا متخلفة غير متوافقة مع البيئة. كما أن معالجة التلوث ليست من أولوياتها نظرا لافتقارها للأموال اللازمة لتطوير المصانع وإصلاح ما فسد من البيئة.

وبرزت أيضا في المؤتمر نقطة خلاف أخرى بين دول الشمال الغنية ودول الجنوب الفقيرة تتعلق بالتنوع البيولوجي. فيعيش على الأرض حوالي 10 ملايين نوع من الحيوانات والنباتات، وتتسبب الأنشطة البشرية في انقراض أعداد كبيرة منها كل عام. ويقدر العلماء أن مايتراوح بين 10، 20% من هذه الأنواع عرضة للانقراض بحلول عام 2020. ومتى انقرض نوع.. فقد انتهى للأبد ولا يمكن أن يعود للوجود مرة أخرى. ويعيش ما لايقل عن نصف هذه الأنواع في الغابات المدارية وحدها، ومن هنا كان الاهتمام بهذه الغابات.

خزائن الجينات

قبل انعقاد مؤتمر قمة الأرض ثار جدل واسع عمن يملك ويسيطر على المعلومات الجينية المخزونة في أنواع الحيوانات والنباتات الموجودة في الغابات وله حق الانتفاع بها. وقد جرت العادة على أن الفوائد كلها تذهب إلى من يملك المقدرة العلمية والتكنولوجية لاستغلال المعلومات الجينية ويطورها، ويتوصل من خلال ذلك إلى إنتاج بذور محسنة، واستخلاص مواد طبية من النباتات والحيوانات. ونظرا لأن الدول الصناعية هي التي تملك مثل هذه القدرات فإنها لم تعترف بتقديم نصيب من الثروات الناتجة إلى الدول النامية نظير الاستغلال التقني للتنوع البيولوجي بغاباتها.

وكانت دول العالم الثالث تأمل في التوصل إلى اتفاقية في مؤتمر قمة الأرض تنص على اعتبار المواد الجينية من الموارد الطبيعية الواقعة تحت سيادة دولة المنبع، فالمواد الجينية التي أخذت من نبات أو حيوان في موقع ما يجب أن تخضع لسيادة الدولة التي يوجد بها هذا الموقع، ومن حق هذه الدولة أن تتاح لها المعلومات التي توصلت لها دولة أو دول أخرى عن هذه الجينات. ومن حقها أيضا أن يكون لها نصيب في الأموال المتحصلة من بيع الإنتاج الصناعي المتعلق بالمواد الجينية. وترى الدول النامية أن التنوع البيولوجي الموجود على أراضيها هو إحدى ثرواتها الطبيعية، ويمكن أن يكون مصدر دخل لها إذا ما أحسن استغلاله وإدارته. وبذلك يمكن النظر إلى هذه المسألة باعتبارها شركة تساهمية بين الدول النامية والدول الصناعية.

ثار جدل كبير في المؤتمر حول التكنولوجيا وعلاقتها بالبيئة، واتفق الجميع على اعتبار التكنولوجيا عنصرا رئيسيا وحاسما في السعي للحفاظ على البيئة. وذكر اليابانيون أن من أهدافهم تطوير جيل جديد من الآليات والمنتجات الصديقة للبيئة، حتى يصبح هذا النهج هو الاتجاه العالمي الجديد فلا تضار البيئة بالتكنولوجيا ومنتجاتها. أما الدول النامية فلا تزال تتبع تكنولوجيا قديمة قليلة الكفاءة وكثيرة التلويث للبيئة، ولا تملك هذه الدول الإمكانات والوسائل لتطوير هذه التكنولوجيا والحد من التلوث، وهي لذلك تطالب الدول المتقدمة بمساعدتها في تطوير مصانعها، وإتاحة التكنولوجيا الرفيقة بالبيئة لها.

البيئة والتضخم السكاني

هناك مشكلة ملحة تواجه البيئة وهي الزيادة المتسارعة لسكان العالم مع الوقت، فقد كان تعداد السكان 2.5 بليون نسمة في 1950 وأصبح 5.3 بليون في 1990. ويتوقع الخبراء أن يصل التعداد إلى 12.5 بليون نسمة في عام 2050 إذا استمر المعدل الحالي للمواليد فى العالم، ولم تحدث مجاعة جماعية أو امراض وحروب تحد من هذه الزيادة المطردة. ويتركز معظم سكان الأرض في دول العالم الثالث حيث يبلغ متوسط معدل المواليد 3.8 طفل لكل أم. وتؤدي زيادة السكان إلى تقليص الغابات، والتصحر، واستعمال طرق رى غير مناسبة وإجهاد الأراضي الزراعية، والصيد الجائر وذلك لإطعام هذا العدد المتزايد من السكان، كما أن التخلص من مخلفاتهم يعد أيضا من المشاكل البيئية. وإذا استمرت زيادة سكان العالم وزيادة استهلاكهم لثروات الأرض وطاقاتها بالمعدلات الحالية، فلا أمل في استمرار حياة الأحياء الأخرى التي تشاركنا في هذه الأرض، كما أن حياة الإنسان نفسه ورفاهيته مهددة بكوارث غير مأمونة العواقب.

ولم يتمكن مؤتمر قمة الأرض من اتخاذ قرار حاسم حول موضوع الانفجار السكاني نظرا لحساسيته من النواحي الدينية، واكتفى بالإشارة إلى ضرورة اتباع سياسة سكانية مناسبة.

كان مؤتمر قمة الأرض في ريو تظاهرة بيئية لم يسبق لها مثيل، كثفت الوعي البيئي العالمي، ولكن الحصيلة الفعلية للمؤتمر كانت أقل من التوقعات والآمال.

لقد اتضح في المؤتمر أن تصرفات بعض الدول تتسم بكثير من الأنانية تجاه مشاكل البيئة العالمية، حيث تدافع هذه الدول عن سياستها الوطنية ومصالحها الداخلية حتى إن تعارضت مع صالح البيئة العالمية. فالولايات المتحدة الأمريكية - وهي أغنى دولة وأكثرها تلويثا للبيئة - أعاقت تنفيذ كثير من القرارات التي عرضت على المؤتمر بدعوى أنها قد تؤثر على دخل بعض الشركات الأمريكية، وعلى طريقة حياة الأمريكيين.

كما لم تظهر دول الجنوب الفقيرة أي استعداد للتفريط في أي جزء من مصادرها الطبيعية أو للتغيير في استعماله على أساس أن شعوبها لا تكاد تجد ضرورات الحياة، ولأن ثرواتها محدودة للغاية، كما أنها لا تعتبر نفسها مسئولة عن تلويث البيئة العالمية، وأنها لن تتحمل وزر ذنب لم تقترفه ولم تتسبب فيه ومن هنا جاءت قرارات المؤتمر غامضة، وغير محددة وخاصة فيما يتعلق بالتمويل. وكانت الحصيلة مجرد عبارات خاوية فضفاضة. واكتفى المؤتمر بدعوة حكومات العالم إلى اتخاذ إجراءات لتغيير أسس الحياة الاقتصادية العالمية أو ذلك من خلال: تنشيط اقتصاد الدول النامية، والعمل على عكس اتجاه تدفق الموارد لتكون فى صالح الدول النامية، والمشاركة والتعاون على مستوى العالم في المحافظة على البيئة العالمية، ومحاربة الفقر وهو المصدر الأساسي للمشاكل البيئية في الدول النامية، والعائق الرئيسي لتحقيق أمن بيئي عالمي.

وقد وجه انتقاد إلى منظمي المؤتمر الذين وضعوا في جدول أعماله كثيرا من المشاكل البيئية التي تحتاج إلى جهود كبيرة ومبالغ طائلة لعلاجها، وأدى ذلك إلى إحجام الدول عن المساهمة في هذا الجهد، وبالتالي إلى عدم إمكان حل غالبية أو كل هذه المشاكل. والنقد الآخر الذي وجه إلى المؤتمر هو الربط بين البيئة والتنمية، إذ يعتقد البعض أن هناك تعارضا بين ما يراه البيئيون والاقتصاديون، فتأتي البيئة في المقام الأول من اهتمامات البيئيين، ولا يأبهون بالكسب المادي إذا تعارض مع صالح البيئة، أما الاقتصاديون فإنهم يقيسون الأمور بمقياس مادي بحت، أي بمقدار ما تحققه من مكسب أو خسارة، وترجح عندهم كفة الربح المادي حتى إن تعارض مع البيئة التي تاتي في ذيل اولوياتهم. وقد لوحظ أثناء عرض المشكلات البيئية في مؤتمر ريو أن الدول كانت تتبنى وجهة نظر البيئيين عند مناقشة مشكلة بيئية خارج حدودها، ولكنها تتبنى وجهة نظر الاقتصاديين حينما تكون المشكلة داخل حدودها.

أمين حامد مشعل مجلة العربي سبتمبر 1993

تقييم المقال: 1 ... 10

info@3rbi.info 2016