طالعت مقال الدكتور سليمان العسكري بمجلة «العربي» العدد 625 - ديسمبر 2010 تحت عنوان «المصلحون الجدد» وتناول المقال رحيل نخبة من المفكرين العرب، حتى أصبح التساؤل.. ما مستقبل الإصلاح العربي في شتى مجالات الحياة؟ ولنبدأ بنقاط من معالم الإصلاح:
1 - التحرك بالممارسة الديمقراطية، والتي تمثل الأرضية الثابتة لأي مشروع إصلاحي، ولتحقيق المطالب العادلة للجماهير، فمازال لدينا في عالمنا العربي ترسانة من القوانين الاستثنائية والمقيدة للحريات، والتي تحاصر النشاط السياسي والتعدد الحزبي المعارض، كما أن الانتخابات العربية ليس لها عطاء إيجابي من حيث تداول السلطة، أو الشفافية والنزاهة، وهناك شعارات تدمر
ولا تبني.. وطريق الديمقراطية، أو الانتخابات متعدد الجوانب لتحقيق التغيير الإيجابي وتحسين عملية النقد والمناصحة والتقويم والمراجعة. وغياب الديمقراطية ونزاهة الانتخابات تضييع للوقت وعنوان للإبقاء على الأخطاء، وعدم كشفها، وهنا يضعف المجتمع العربي، على الرغم من أنه يواجه تحديات جساما على أكثر من صعيد.
2 - أين مستقبل الاقتصاد العربي؟ ولدينا عربيًا منظمات اقتصادية عربية، وصناديق التنمية والتمويل العربي مثل: الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي، وصندوق النقد العربي، ومجلس الوحدة الاقتصادية، وفكرة إنشاء السوق العربية المشتركة منذ العام 1964.. إلخ، وعلى الرغم من ذلك لا نرى بعد استثمارا عربيا - عربيا، وأصبحنا نستورد أكثر بكثير مما نصدر، وكأن الضعف الاقتصادي أصبح القاعدة.
فكيف ننظر للمستقبل، والسياسات العربية لاتزال عاجزة عن حل المشكلات المجتمعية؟ فالعديد من السياسات أصبحت مثل الجزر المنعزلة عديمة الوزن والفاعلية، وإذا نظرنا إلى العديد من البلدان النامية، فسنجد ظروفها تتشابه مع ظروف البلدان العربية، لكنها نهضت وحققت ذاتها في ظل سياسات مستقبلية.
3 - كيف ننظر للمستقبل، ومر على العرب أدوار ومراحل من تاريخهم ساد فيها التناحر والتفرقة بدلاً من الوحدة والإخاء؟ وقد جر هذا الأمر على العرب الكثير من الويلات والمحن، فطمع بهم أعداء الأمة من كل جانب، بالإضافة إلى عدم تقريب المذاهب في قضية السنّة والشيعة، وكلا الفريقين يقيمان صلتهما بالإسلام، ويتفقان على الأصول الجامعة في الإسلام، فأين دور أئمة المذاهب الإسلامية للوصول إلى توحد الرؤى؟ وجذور المشكلة تكمن في دور العقل من أجل إدراك الحكم الشرعي، والقوى المعادية للأمة وجدت في تلك الخلافات ما يحقق أهدافها، وسارعت بنشر الفتن الطائفية، والحاضر والمستقبل يستوجبان تحديد المشكلات القائمة، وتحليلها تحليلاً موضوعيًا باستخدام المناهج العلمية الحديثة، والابتعاد عن الأساليب الخطابية، خاصة أن دائرة الخلاف أضيق مما يتصوره الكثيرون.
4 - كيف ننظر للمستقبل، بعيدًا عن المصلحة القطرية، وعدم الاهتمام بالجماعية، في ظل تقلبات الزمان والمكان؟ لأنه كم من قمة عربية حققت أهدافها؟! فهي قمم شكلية لأنها لا تحقق مصالح الأمة ككل، ولا يوجد ترتيب للأولويات، التضامن العربي بحاجة إلى إخلاص النوايا لأنه في العقود الأخيرة دب الضعف والوهن في جسد الأمة العربية، حتى أصبحت غير قادرة على مواجهة تحديات الداخل والخارج، فالأمة بحاجة إلى سياسات مخلصة وجادة من أجل الإنقاذ الحضاري، واستئاف روح العطاء والدور التاريخي بقيم ثوابت العقيدة.
5 - كيف ننظر للمستقبل، والإعلام العربي يفتقد قيمة المحافظة على الهوية بسمة الأصالة والمعاصرة؟ الإعلام العربي يفتقر إلى استراتيجية العمل المحددة، ويفتقر إلى التنسيق والتخطيط بين وسائله وأهدافه، كما أنه لا ينتج مادة إعلامية تتجاوب مع متطلبات الواقع العربي، ولا يعبر عن تطلعات العرب الثقافية والاجتماعية والسياسية بالإضافة إلى صورة العربي في الإعلام الغربي وشيوع مصطلح الخوف من الإسلام، فليس هناك إعلام تبادلي بين العرب والغرب للحد من انتشار مشاعر الكراهية للإسلام وشيوع الصورة السلبية عنه، خصوصا في مجالات حقوق الإنسان المتمثلة في انعدام حرية الرأي، ومصادرة حقوق النساء، وتعدد الزوجات، والتعصب والاستبداد.
هذا الغلو والتطرف في الإعلام الغربي نابع من الإرث الفكري الديني المسيحي، وهو الذي دفع الغرب، على الرغم من تقدمه الصناعي والديمقراطي، إلى الشعور بالاستعلاء، واعتبار نفسه أنه يمتلك الحقيقة بمفرده.
6 - كيف ننظر للمستقبل، بعد نحو أكثر من 4 عقود من الحداثة؟ وهل المثقف العربي يجمع بين الالتزام والحرية لإحداث التغيير الإيجابي؟ إن كلمة مثقف أصلها العقل المفكر، وليس العقل الحاسب، والمثقف هو أقرب إلى الفؤاد والوجدان، والمثقف يمثل ضمير المجتمع ويكون شاهدا على العصر، ويتحرك بسمة الأصالة والمعاصرة أو الحداثة.. والحداثة نظريًا مصطلح، ومصدرها القاموس العربي، ولنا أن نميز ما بين الشعر القديم والحديث كمثال وللشعر لغة جمالية.
لذلك، هناك خلل في البنية الثقافية العربية.. والتساؤل المطروح هو هل المثقف العربي يعيش على هامش الأحداث ولا يؤثر فيها؟ وهل من الصعب من وجهة نظر المثقف العربي أن يغير الواقع، بالرغم من أن دور المثقف أن يناضل ويكتب ويعبر ويبين ويرشد ويوجه مواقع اتخاذ القرار والتنفيذ؟
7 - كيف ننظر للمستقبل، ولم يتم فتح الأبواب أمام المثقفين بمختلف اتجاهاتهم العقائدية والسياسية والمذهبية للتعبير عن آرائهم بمطلق الحرية، وبهدف توضيح أفكارهم وإيصالها للآخرين؟ المثقف العربي أصبح يقع على عاتقه دور متابعة الأحداث باهتمام، ثم رصد الفكر بالمشاركة في صياغة الأحداث وتوضيح الرؤية، وترشيد العمل، وذلك ببلورة الأفكار التي ينبغي أن تقود للعمل الصالح، لأنه قد نجمت عن المتغيرات السريعة والعميقة التي يعيشها المجتمع العربي عدة مشكلات اجتماعية واقتصادية.. إلخ.
- بين هذا وذاك أيضا لم يتم تأهيل رجال الدعوة في مختلف الاختصاصات وخاصة في العلوم الاجتماعية الحديثة التي تقوم عليها أسس الحوار والاتصال ومخاطبة الجماهير، وتوجيه الرأي العام، وفهم المتغيرات الاجتماعية المعاصرة، ومنها ما يدمر المجتمع العربي.
المشكلة أننا ليس لدينا فكر واضح لفهم الآليات النفسية الحديثة لدى الشباب والنشء العربي وعدم تأهيل رجال أكفاء يستطيعون تحمل المسئولية في شتى مجالات الحياة، ويفهمون لغة عصرهم والتحديات التي يواجهها المجتمع العربي.
والحل يكمن في التسلح بلغة العلم والثقافة والتربية الروحية، فلو نظرنا إلى علم النفس الحديث بفروعه المتعددة التي تجاوزت ثلاثين تخصصًا نجده يقدم أسسًا قوية، ومعارف ومعلومات نظرية وتطبيقية ومنهجية سليمة، وإن كانت جزئية تصلح كلها في إصلاح الحقائق المجتمعية المعاصرة. والأفكار والمفاهيم التي يحملها الإنسان عن الكون والوجود هي التي يبني على أساسها حياته الاجتماعية، وهي ما يعرف بالحضارة المعاصرة، ولكل حضارة طريقتها وأسلوبها الخاص نحو بناء المجتمع، وتنظيم العلاقات الإنسانية، وهي التي تؤثر في شخصية الإنسان وسلوكه، ولو نظرنا لتاريخ البشرية ككل نجد حضارات سادت ثم بادت، وكانت لكل حضارة عوامل رقيها وازدهارها، وأسباب سقوطها واندثارها والحضارة ما هي إلا صورة لفهم الإنسان ودرجة وعيه، وطريقة تعامله مع الكون والحياة، وقيمة العلاقات الاجتماعية البناءة في مختلف مجالات الحياة.
إذن، المرحلة القادمة تستوجب وجود دور المثقف أو المصلح من أجل صياغة الأحداث، وتصحيح المواقف، وتحديد الاتجاهات كي تنسجم مع تطلعات أبناء المجتمع من أجل تحقيق التقدم والتحرر والتنمية والنهوض.. والله الموفق.