هو أمير الشعراء, وهي الإمارة التي حملتها القوافي العربية منقادة لشاعر العرب الأشهر في التاريخ المعاصر لتصير عنوانه, وقيمته, وميزته أيضا, بين مجايليه من الشعراء الذين تخلوا, طواعية, عن نرجسية الشعر الموروثة حتما, وإن إلى حين, ليعترفوا به أميرا لهم, في احتفال حقيقي أقيم في قاهرة العشرينيات من أجل الإعلان عن ذلك اللقب الأول والأخير, وكأنهم, يقرون, بأن أحمد شوقي وحده, بما تحقق له وما حققه, من إنجازات شعرية في ديوان العرب, هو وحده المستحق لذلك اللقب, وهو وحده الذي سيملأ ذلك المكان, بما يحقق له تلك المكانة الخالدة.
وعلى الرغم من كل ذلك الوهج العربي الباهر الذي كان يرفل في نعيمه التاريخي أحمد شوقي شاعرًا لأمة العرب من أقصاها إلى أقصاها, فإنه كان أبعد ما يكون عن عربي قح في الأصل والأرومة, فقد ولد أحمد شوقي من أخلاط كردية شركسية يونانية, لكن النشأة المصرية وفرت له - كعادتها فيمن يحظى بها - أن يكون عربيا خالص العروبة, قلبا كثيرا ما اختبرت مصداقية عروبته, ولسانا لا يحتاج إلى اختبار أصلا.
أحمد شوقي, أبرز شعراء العرب في القرن العشرين, وأحد أهم رموز ذلك العصر التنويري الجديد, والذي بدأ بعد عصور من الظلام الذي غشي الثقافة العربية في تجلياتها المختلفة, وكان الشعر أهم تلك التجليات, وأبرزها, وأكثرها وضوحا في الأثر العام, حيث كان اللسان العربي في شقه الشعري يخرج من زخرفات مملوكية جعلت من تلك اللغة العظيمة سبية في أيدي المحتالين اللغويين, وشعراء الافتعال والصنعة, التي أخرجت الشعر من موهبة العفوية إلى ابتذال الصنعة.
ولد أحمد شوقي بحي الحنفي بالقاهرة في 16 من أكتوبر 1870م لأب من أصول كردية شركسية, وأم من أصول يونانية, وكانت جدته لأمه تعمل وصيفة في قصر الخديو إسماعيل, وعلى جانب من الغنى والثراء, مما جعلها تتكفل بتربية حفيدها تربية عالية المستوى, وتوفر له تعليما قلما كان يحظى به أقرانه في ذلك العصر, فقد نشأ معها في القصر, ولما بلغ الرابعة من عمره التحق بكُتّاب الشيخ صالح, فحفظ قدرًا من القرآن وتعلّم مبادئ القراءة والكتابة, ثم التحق بمدرسة المبتديان الابتدائية, وأظهر فيها نبوغًا واضحًا كوفئ عليه بإعفائه من مصروفات المدرسة, وانكب على دواوين فحول الشعراء حفظًا واستظهارًا, فبدأ الشعر يجري على لسانه في فترة مبكرة من عمره, حين أتم دراسته الثانوية دخل مدرسة الحقوق, وبعد أن درس بها عامين حصل بعدها على الشهادة النهائية في الترجمة مما جعل الخديو يعيّنه فى خاصته, قبل أن يوفده لدراسة الحقوق في فرنسا, حيث أقام فيها ثلاثة أعوام, حصل بعدها على الشهادة النهائية عام 1893م.
لكن الخديو الذي كان يرى في أحمد شوقي الشاب بوادر نبوغ سرعان ما تحققت شعرا ونثرا وأفكارا تنويرية أمره أن يبقى فى باريس ستة أشهر أخرى للاطلاع على ثقافتها وفنونها, وهي الفرصة التي استغلها شوقي أحسن استغلال, ووجدت فيها موهبته الشعرية زادا سيرافق الشاعر في كل قوافيه بعد ذلك.
وعندما عاد شوقي إلى مصر أوائل سنة 1894م ضمه الخديو توفيق إلى حاشيته, وجعل منه مستشارا ثقافيا ينوب عنه في المهمات التي تحتاج من السياسي إلى وجهه الثقافي, فسافر الشاعر إلى جنيف ممثلاً لمصر فى مؤتمر المستشرقين, ولما مات توفيق وتولى عباس, كان شوقي نديمه الأول وشاعره المقرب, وأنيس مجلسه, ورفيق رحلاته, وقد رأى في شعره عونًا له في صراعه مع الإنجليز, فقرَّبه إليه بعد أن ارتفعت منزلته عنده, وخصَّه الشاعر العظيم بمدائحه التي أضافت لديوان الشعر العربي الكثير من ذخائره الخالدة. وظل شوقي يعمل في القصر حتى خلع الإنجليز عباس الثاني عن عرش مصر, وأعلنوا الحماية عليها سنة (1941م), وطلبوا من الشاعر مغادرة البلاد, فاختار النفي إلى برشلونة في إسبانيا, وأقام مع أسرته في دار جميلة تطل على البحر المتوسط.
ومن هناك, تفرغ شوقي لشاعريته الجميلة, تحت وطأة ما ولدته إقامته في إسبانيا, حيث التاريخ الأندلسي مبثوثا في كل مكان, واستمر بناء شخصيته الشعرية المتفردة, إلى أن استوى شاعرا لا يشبه غيره من الشعراء في عصره, والعصور القليلة التي سبقت ذلك العصر, إن على صعيد اللغة أو الأفكار أو التنوع في القضايا الشعرية, أو حتى في الأبواب الشعرية والإبداعية الجديدة التي طرقها, فقد كان أول من طرق باب المسرح الشعري في الثقافة العربية, وأبرز من كرس شعرا خاصا بالأطفال, وشعرا يجري على ألسنة الحيوانات في حكايات تشبه حكايات كليلة ودمنة, ولم يتوان عن طرق باب الأغنية والرواية أيضا.
وعندما مات شوقي عام 1932 ترك وراءه إرثا خالدا منه ديوان (الشوقيات) الشعري في أربعة أجزاء, وعدة مسرحيات منها: (مصرع كليوبترا), و(مجنون ليلى), و(قمبيز), و(علي بك الكبير), و(عنترة), و(الست هدى), ورواية (عذراء الهند).