مختارات من:

كيف يساعد الفقراء أنفسهم؟

سهير سيد

ثورة جديدة في اقتصاديات المرأة


المرأة في بقاع كثيرة من العالم لا تملك شيئا، وليس لها حتى الحق في الميراث أو التعليم، ومطلوب منها بالإضافة لذلك أن تكون ربة أسرة.. كيف؟؟

في الهند عندما تكون المولودة بنتا فإنهم يبادرون بدفنها فبالإضافة إلى طعامها وشرابها ودوائها طوال فترة تربيتها يتطلب الأمر باءة كبيرة تدفعها للزوج المنتظر حتى يرضى بالاقتران بها. وهكذا فإن كلفة البنت خاسرة منذ البداية ومن الأفضل التخلص منها. والغريب أن الذي يشرف على هذا الأمر ويقوم بتنفيذه هم عجائز الأسرة من النساء كأن كل واحدة منهن تقوم بدفن جنسها وتحكم على نفسها بعدم الأهمية.

إننا نتحدث عن القرن العشرين وعن بلد يطلق عليه أكبر بلد ديمقراطي في العالم الثالث. فماذا عن بقية البلدان الأخرى في آسيا وعن أحراش إفريقيا وفي الجزر المنعزلة؟.المرأة في وضع سيئ لا تتلقى تعليما مناسبا ولا رعاية صحية كافية ومع ذلك تشارك في نصف الأعمال الزراعية ومعظم الأعمال المنزلية من هنا كان تأكيد الوثيقة التي قدمتها الأمم المتحدة لمؤتمر السكان الذي عقد في القاهرة في شهر سبتمبر الماضي أن مفتاح التنمية الحقيقي هو المرأة، إذا رفعنا مستواها ككل. وكان هناك ثلاثة أهداف عليها أن تسعى إليها وهي: توفير قدر من التعليم للمرأة لأن الدراسات قد أوضحت أن المرأة إذا تلقت تعليما متوسطا يبلغ ست أو سبع سنوات تكون، أقدر على إنجاب عدد أطفال أقيل وتربيتهم بشكل جيد. ففي هذه الحالة يمكنها أن تفهم وأن تناقش مشاكل أسرتها الزوج وأن تهتم بالحالة التعليمية للأطفال. وكذلك وجد أن المرأة إذا كانت تعمل وإذا كان لها أجر مناسب يعود ذلك على أسرتها في المقام الأول، ويقل معدل طلاقها لأنها تمثل جانبا اقتصاديا مهما لا يستطيع الرجل الاستغناء عنه. وأخيرا أشارت الوثيقة إلى أهمية أن الرجل الاستغناء عنه. تتلقى المرأة رعاية صحية مناسبة، لأن المرأة إذا اطمأنت إلى المستوى الصحي لها ولأولادها فإنها تنجب عددا أقل من الأطفال واثقة أنهم سوى يكملون حياتهم.

المرأة يجب أن تمتلك

إن المرأة يجب أن تمتلك شيئا، هذا هو الأمر الوحيد الذي يجعل لحياتها معنى. وعلى الرغم من أنها تمتلك تلك الطاقة الخلاقة على صنع الحياة ورعاية الأطفال ولم شمل الأسرة، فقد وجد أنه على المستوى الاقتصادي والاجتماعي يجب أن تمتلك المرأة عملا ودخلا مناسبين. ويقول أحد علماء الاقتصاد وهو "جيمس ديوك" إن الأجر الذي يكسبه الرجل يكون لنفسه أولا، بينما يعود الأجر الذي تكسبه المرأة على أسرتها في المقام الأول.ولعل هذا كان هو الدافع وراء التجربة الاقتصادية التي قدمتها بنجلاديش وهي واحدة من أفقر الدول، من أشدها تعسفا في حقوق المرأة. فمنذ عشرين عاما يقوم الخبير الاقتصادي محمد يونس بتقديم المساعدة لمواطنيه من النساء الفقيرات وهو لا يقوم بذلك على سبيل المنحة أو الهبة أو الزكاة.. ولكنه يقوم به على أسس من الاقتصاد السليم وهذه هي الفلسفة الكامنة وراء إنشاء بنك "جرمين" الذي يقدم القروض إلى حوالي مليوني أسرة فقيرة.

إن محمد يونس الذي كان يشغل منصب أستاذ الاقتصاد في جامعة شيتا جونج استطاع بمعونة حكومية ضئيلة وببعض الهبات من بعض الدول الأوربية التي اقتنعت بفكرته أن ينشئ هذا البنك الذي يقدم قروضا صغيرة بفوائد طويلة الأجل ولا تتعدى 2% في أي حال من الأحوال. وقد كانت تقدم للأسرة ، ثم أصبحت تقادم للنساء فقط. النساء اللواتي يردن القيام بمشروع صغير يدر عليهن ربحا مناسبا. ويقوم البنك بدراسة الجدوى ويحاول مساعدة السيدة في تدبير المواد الخام التي تستخدمها ويساعدها في إيجاد الزبائن أيضا..

صانعة السلال

إن أفضل مثال على جهود بنك جرمين هي حكاية السيدة بيرال، فهي امرأة متوسطة العمر عندها ثلاثة من الأولاد وزوجها متعطل عن العمل، وجاءت إلى البنك أخذت قرضا قدره 50 جنيها وبدأت مشروعها لصناعة السلال.. وفي خلال ثلاث سنوات استطاعت أن تسدد القرض الذي كانت قيمته قد بلغت 53 جنيها وبنت منزلا واشترت ثلاثة هيكتارات من الأرض وانضم لها زوجها في صناعة السلال.

إنها نموذج واضح للفقراء عندما يستطيعون أن يساعدوا أنفسهم على حد تعبير محمد يونس . لقد قدم البنك حوالي بليون دولار لحوالي مليون أسرة فقيرة، و 94% من المقترضين منه هم من النساء. ويقول: لقد أثبتت التجربة بالنسبة لأرباح البنك المبالغ بها أنه كلما حصلت على ربح أقل حصلت على عائد أكبر، ونعني به ليس الدور الاجتماعي فقط ولكن الحصيلة الاقتصادية للبنك أيضا. وقد بلغت الفروع التي فتحها البنك حوالي 1042 فرعا تخدم 68 ألف قرية ويعمل بها حوالي 11 ألف موظف.

ولكن المركز الرئيسي..أو الفكرة الرئيسية وراء فلاسفة البنك وإدارة أعماله تكمن في حوالي 40 امرأة يجتمعن معا كل أسبوع كي يقررن السياسة المناسبة لتسيير حركة البنك والمشروعات التي يمكن أن يوافقن عليها.

شروط البنك

وللبنك شروط على كل امرأة يقرضها منها أن تحافظ السيدة على نظافة منزلها وبأن تجعل عائلتها صغيرة بمعنى ألا تكثر من إنجاب الأطفال وأن تعتني بتعليم أبنائها، إنها شروط محددة ولكنها تؤتي ثمارها. وقد أجرى البروفيسور دافيد جيبون أستاذ الاقتصاد بجامعة ماليزيا بحثا في العام الماضي على أحد فروع البنك ووجد آن 46% من النساء اللاتي اقترضن من البنك استطعن الهروب من حلقة الفقر المفزعة.

والآن يستعد البنك لدخول مجال مزارع الأسماك حيث ينتج 800 طن سنويا يذهب نصفها إلى الفقراء، كما افتتح مصنعا لحياكة الملابسة يستخدم البنات اللاتي لم يكملن تعليمهن.

إنها ثورة جديدة بالنسبة لاقتصاديات المرأة التي لم تكن تملك شيئا ولم تكن ترث شيئا، وهو يدل على أن طريق التنمية الطويل يجب أن يبدأ من المرأة.

سهير سيد مجلة العربي نوفمبر 1994

تقييم المقال: 1 ... 10

info@3rbi.info 2016