مختارات من:

فجوة الشقاء... (إلى توماس مان)

شوقي بزيع

شعر

اللاذقية التي تحصَّنتْ ببحرها المسنِّ يا توماس
لم تكن سوى مدينةٍ من الشكوكِ
أو منارةٍ تضئ دونما هدفْ
محدقا بلا نهايةٍ في ذلك الجمالِ
في جمالها الذي يشعُّ مثل ماسة في الماءِ
أو سفينة تنوح حول وردة الصدفْ
وإذ تبعث خيطها الفضِّي خطوةً فخطوةً
رأيت وجهها يهيمُ تحت كوكبِ الكتابةِ الحزينْ
تلك الفتاة في العشرينْ
كانت تضيءُ وحشة المكانِ
والهواء خائراً يدور حول شعرها الطويلِ
فيما طائرانِ أبيضانِ يرفعان صدرها المريض
كلما انحنى على ثمارهِ
ويحرسان سرها الدفينْ
هل تسمحين لي بالرقصِ ? قلتُ
لم تجبْ, وأماتْ بأن: أجلْ
هناك عند الحانة الصغيرةِ التي تلامس الأمواج
كانت راحتاي تبحثانِ
عن بحيرتينِ عمياوينِ
تشهفانِ حول ثغرها الذي يغوصْ في محارهِ
ويختفي على عَجَلْ
تلك الفتاة في العشرينْ
تصغرني على الأقلْ بِربعِ قرنٍ
غير أنني حاولتُ عبر اللمسِ
أن أزيل فجوة الشقاءِ تلكَ
مصغياً إلى صراخ نبضها
الذي يدق كالطبولِ في أعالي الرقص
علني, محاذياً جمالها أصب فيه ما أَصَبْته
من فارق السنين بيننا
لكنْ, بلا أملْ
فيما الجازُ كان يعلو رحت أعدو لاهثاً وراء جسمها
فلا أراهْ أو أراه نائياً بنفسهِ
على ذرى الحياةِ
حيث الشعر يبدو عاجزاً عن الصعودِ
حيث لا حدود بين الأرض والسماءِ
لا يدانِ تملكان أن تطوقا
مجرة الخصرِ التي تمددت نجومها بلا عددْ
كأنها وقد تزامنتْ مع الظلالِ
صرخةُ الكمال ضد نفسه أو وردة الزبدْ
البندقية التي قضيت يا توماس في أوحالها
كاللاذقية التي يلوح لازوردها
هنيهةً ويختفي إلى الأبدْ
ليست سوى مدينة من اختراعنا
مدينة منحوتة من توقنا للموتِ
ضائعين في متاهةٍ من الحروفِ
أو أنوثة لشدة احتجابها تضيء في غيابنا
فلا ينالها أحدْ
والشعر أيها العجوزُ
ليس غير رعشةٍ قصيرة
مطرودةٍ من جنة الجسدْ

شوقي بزيع مجلة العربي فبراير 1998

تقييم المقال: 1 ... 10

info@3rbi.info 2016