مختارات من:

طرائف عربية

المحرر

في الفصاحة وحلاوة اللسان
امرأة بلسان عربي


للحجاج بن يوسف سطوة الملك, وقوة سيف السلطة في أقاليم الدولة, يأمر ويحكم بما يريد, وكيفما يشتهي. قص عليه أحد رسله من الوشاة ممن ينقلون الخبر عن جمال هند ابنة النعمان:

لهذا الجمال ضوء من شعاع الشمس وبهجة في الروح ممن نسيم دجلة والفرات, ولها فصاحة في اللسان وبهاء في الوجه.

رغب فيها الحجاج قبل أن يراها وأرسل إليها يخطبها فرفضت وقالت: لا أتزوج ممن ظلم العباد, وسفك الدماء حتى لو حضرت منيتي.

هدد الحجاج النعمان والد هند بعظائم الأمور وشدد من قبضته عليه. فخضعت هند وقبلت هذا الزواج بعد أن دفع مهراً كثيراً وشرط على نفسه مائتي ألف درهم كصداق. ورحل بها إلى العراق فأقامت معه زمناً. وفي يوم دخل عليها وكانت تتأمل حسنها في المرآة متحسرة على نفسها وتنشد:


وما هند إلا مهرة عربية
سليلة أفراس تحللها بغل

فإن ولدت فحلا فلله درها
وإن ولدت بغلا فجاء به البغل


انكسر خاطر الحجاج وأدرك لحظة أنه لم يمتلكها يوماً وأنها عصية مثل مهرة في الريح وأقنع نفسه بطلاقها, لأن مثل هذه المرأة لاتساس, وطلقها بعد أن دفع لها مائتي ألف درهم صداقا.


المتكلمة بالقرآن


قال عبدالله بن المبارك: خرجت حاجا إلى بيت الله الحرام, فبينما أنا في الطريق فإذا بعجوز عليها درع من صوف, وخمار من صوف, فقلت السلام عليك ورحمة الله وبركاته. فقالت: سلام قولاً من رب رحيم فقلت لها: يرحمك الله ماتصنعين في هذا المكان. قالت: ومن يضلل الله فلا هادي له فعلمت أنها ضالة عن الطريق. فقلت لها أين تريدين؟ قالت:سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام, إلى المسجد الأقصى فعلمت أنها قضت حجها وهي تريد بيت المقدس. فقلت لها أنت منذ كم في هذا الوضع. قالت: ثلاث ليال سوياً فقلت ما أرى معك طعاماً تأكلين. قالت: هو يطعمني ويسقين فقلت لم لا تكلمينـي مثل ما أكلمك. قالت: ما يلـفظ مـن قول إلا لديه رقيب عتيد قلت أي الناس أنت؟ قالت: ولاتقـف ماليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا قال: عند ذلك ناديت بعض الشبان وسألتهم: أخـبـروني بأمر هذه المرأة فقالـوا: هذه أمنا, وأنها منذ أربعين سنة لم تتكلم إلا بالـقرآن مخافة أن تزل. فقلت شاخصا للسماء: ذلك فضل الله يؤتيه من يشـاء والله ذو الفضـل العظيم


هذا وجـه لايـنـظـر الله إليه


أتى الحجاج بامرأة من الخوارج فقال لأصحابه ماتقولون فيها. قالوا: عاجلها بالقتل أيها الأمير. فقالت الخارجية وقد كشفت وجهها المليح وتجلت فيه عينان مثل شرر النار تتوسط وجها مثل البدر المنير: لقد كان وزراء صاحبك خيراً من وزرائك ياحجاج. قال وقد تلعثم وارتعد من إجابتها الغامضة, ومن هو صاحبي؟ قالت: فرعون, استشارهم في موسى عليه السلام فقالوا ارجئه وأخاه. فأتى الحجاج بواحدة أخرى من الخوارج فجعل يكلمها وهي لاتنظر إليه, فقيل لها: الأمير يكلمك وأنت لاتنظرين إليه. فقالت: إنى لأستحي أن أنظر إلى من لاينظر الله إليه.


القيام والسجود وفراش الزوجية


جاءت امرأة إلى أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه فقالت له: إن زوجي يصوم النهار, ويقوم الليل فقال لها: نعم الرجل زوجك, وكان في مجلسه رجل يسمى كعباً فقال ياأمير المؤمنين المرأة تشكو زوجها في أمر مباعدته إياها عن فراشه. فقال عمر كما فهمت كلامها أحكم بينهما. فقال كعب عليّ بزوجها فلما أحضر قال له: إن هذه المرأة تشكوك. قال الزوج أفي أمر طعام أم شراب؟. قال: بل في أمر مباعدتك إياها عن فراشك. عند ذلك أنشأت المرأة تقول:


يا أيها القاضي الحكيم أنشده
ألهى خليلي عن فراشي مسجده
نهاره وليـلـه لايـرقده
فلست في أمر النساء أحمده

فأنشأ الزوج يقول:

زهدني في فراشـها وفـي الحلـل
إني امرؤ أذهلني ما قد نزل
في سورة النحل وفي السبع الطوال
وفي كتاب الله تخويف يجل

فقال القاضي:

إن لهـا علـيك حقـا لم يزل
في أربع نصيبها لمن غفل
فاعطها ذاك ودع عنك العلل


ثم قال كعب: إن الله تعالى أحل لك من النساء مثنى, وثلاث, ورباع, فلك ثلاثة أيام بلياليهن, ولها يوم وليلة. فقال عمر رضي الله عنه لا أدري من أيكم أعجب؟ أمن كلامها أمن من حكمك بينهما؟.

اذهب فقد وليتك البصرة.

المحرر مجلة العربي مايو 1998

تقييم المقال: 1 ... 10

info@3rbi.info 2016